منذ تأسيسها، سعت دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى إبعاد الفلسطينيين عن أرضهم بهدف السيطرة على المنطقة وتقييد حركة الفلسطينيين. وقد بدأت بتطبيق هذا المخطط في العام 1948، عندما حصرت ما تبقى من الفلسطينيين (عددهم آنذاك 150،000)، على مساحة تعادل 2.5% (524 كم²) فقط من الأراضي التي أصبحت تُعرف اليوم بـ “الداخل المحتل”.
وعليه، وبالمعطيات السكانية للوقت الراهن، يشكّل الفلسطينيون في الداخل المحتل أكثر من 20% (2.1 مليون نسمة) من تعداد السكان الكلي في إسرائيل (9.7 مليون نسمة من يهود وفلسطينيين وغيرهم)، ما يعني كثافة سكانية فلسطينية تبلغ 3،387 فردًا لكل كيلومتر مربع، مقارنةً بـ 343 إسرائيلي (يهودي) لكل كيلومتر مربع في باقي المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل بما يتجاوز حدود خط الهدنة لعام 1949 (الخط الأخضر)، أي على مساحة 20،977 كم². هذه الفجوة في الكثافة السكانية التي تصل إلى عشرة أضعاف تعكس سياسة إسرائيلية خفية ذات طابع “قَسري” ومنهجي، تهدف في جوهرها إلى إحداث تهجير طوعي مستقبلي للفلسطينيين في “الداخل المحتل”.
وعقب حرب العام 1967، احتلت إسرائيل الضفة الغربية (5،661 كم²) وقطاع غزة (362 كم²)، وقامت بحصر غالبية السكان الفلسطينيين ضمن حدود المدن الرئيسية والقرى المحيطة بها، كما كانت مرسومة إبان الانتداب البريطاني (1920-1947) على فلسطين عام 1942. وقد تم تصنيف هذه المناطق لاحقاً ضمن اتفاقية أوسلو كمناطق “أ” و “ب” بمساحة إجمالية قدرها 2،035 كم² (36%)، إضافة إلى 170 كم² (3%) صُنّفت كمناطق “محميات طبيعية”، أي ما مجموعه 2،205 كم² – ما يمثل 39% من مساحة الضفة الغربية. ويقطن نحو 2.9 مليون فلسطيني في مناطق “أ” و “ب” ضمن كثافة سكانية تصل إلى 1،425 فردا لكل كيلومتر مربع.
في المقابل، يعيش نحو 2.1 مليون فلسطيني على 92% من مساحة قطاع غزة (333 كم²) التي تصنّف بأنها تحت سيطرة فلسطينية، (بالنسبة للمساحة المتبقية -29 كم مربع )8%( من مساحة القطاع، هي منطقة أمنية خاضعة للسيطرة الإسرائيلية على طول الحدود الشمالية الشرقية) وهو ما يضع سكان القطاع ضمن معادلة كثافة سكانية تبلغ 6،306 فردًا لكل كيلومتر مربع.
لكن، عقب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في شهر تشرين أول من العام 2023، دفعت دولة الاحتلال الإسرائيلي قسرا بالسكان الفلسطينيين الى الجزء الجنوبي من القطاع، على مساحة تقدّر بـ 90 كم² فقط (ما يعادل 25% من مساحة قطاع غزة)، مما وضع السكان المحاصرين في ظروف معيشية لا تحتمل، وكثافة سكانية تصل إلى 23،333 فردًا لكل كيلومتر مربع وهي الأعلى في العالم.
أما ما تبقى من أراضي الضفة الغربية المحتلة، والتي تصنّف حاليا “منطقة ج” بحسب اتفاق أوسلو وتمتد على مساحة قدرها 3،456 كم²، (61% من مساحة الضفة الغربية المحتلة)، فقد اخضعها الاحتلال الإسرائيلي لتصنيفات متعددة مثل:
- “أراضي دولة”
- “أملاك الغائبين”
- “مناطق عسكرية مغلقة”
- “مناطق إطلاق نار”
- “مناطق محميات طبيعية”
وقد تم تخصيص معظم هذه الأراضي لسلطات المجالس الاستيطانية الإسرائيلية بهدف:
- إنشاء مستوطنات (204 مستوطنة)
- إقامة بؤر استيطانية (305 بؤرة)
- استخدام المساحات كاحتياطي توسّع مستقبلي للمستوطنات والبؤر الاستيطانية
- إنشاء شبكة من الطرق الالتفافية الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة لخدمة نحو 870،000 مستوطن إسرائيلي (من بينهم 340،000 في القدس الشرقية المحتلة) يقطنون في المنطقة المصنفة “ج” وبكثافة سكانية لا تتجاوز 252 مستوطن لكل كيلومتر مربع.
الخلاصة،
في ضوء ما سبق، يتضح أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تتبع، منذ تأسيسها، سياسة ممنهجة لتقييد الفلسطينيين في معازل صغيرة، عبر التهجير القسري المباشر وغير المباشر، التهميش الاقتصادي، وفرض القيود القانونية وذلك بهدف إعادة تشكيل التوازن الديموغرافي والجغرافي لصالح توسيع المستوطنات الإسرائيلية وتعزيز السيطرة على الأرض الفلسطينية.
فمقابل كل 1،425 فلسطيني في الكيلومتر المربع الواحد ضمن مناطق “أ” و “ب” في الضفة الغربية المحتلة، تحكم إسرائيل قبضتها على 61% من الأرض الفلسطينية و90% من مواردها الطبيعية في المنطقة “ج”. وبالمثل، فإن الحصار المستمر على قطاع غزة المحتل، والمصادرة المنهجية للأراضي في القدس الشرقية المحتلة، ما هي إلا سياسات ممنهجة وامتداد لخطة واحدة، تسعى لتفريغ الارض من سكانه الأصليين. لذا، بات من الضروري والملح أكثر من أي وقت مضى التحرك الدولي الجاد للدفاع عن الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني في أرضه وموارده وكرامته، والتي تنتزع منه بشكل يومي.
وحتى لا تشهد الأراضي الفلسطينية مزيدا من الانهيار، وحتى لا تنفجر كارثة إنسانية شاملة، يجب تحويل الإدانات السياسية والقانونية إلى إجراءات قابلة للتنفيذ على الأرض بهدف حماية التجمعات الفلسطينية من سياسة “الهندسة الديموغرافية القسرية الاسرائيلية” التي تتخفى خلف شعار: “المناورة بالسكان لإعادة تشكيل الجغرافيا“
اعداد: