صحيح ان خطة ترامب المسماة بـــــــ “صفقة القرن” قد سميت باسم من الرئيس الامريكي هي الاسوء للقضية الفلسطينية على الاطلاق، الا ان من خطط ورسم معالمها هم الاسرائيليين بعينهم. فالتفاصيل التي احدث الفرق ما بين ما يمثل الحق الفلسطيني والاطماع الاسرائيلية لاستمرار احتلال الارض، لن يدركها او يعرفها بالشكل المنصوص عليه بالخطة الا من يحتلون الارض ويعرفون تفاصيلها. ولبيان الخطوط العريضة لخطة ترامب ومفادها بأن الاحتلال الاسرائيلي سيستمر في السيطرة على ما مساحته تقريباً 32% وهي نسبة تمثل المنطقة المعزولة ما بين الجدار الفاصل وخط الهدنة لعام 1949 (الخط الاخضر) وهي مساحة تبلغ حوالي 12.5% (705 كيلومتر مربع) من مساحة الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، وبالاضافة الى منطقة الاغوار والاراضي المشاطئة للبحر الميت وهي مساحة 18.5% (1058 كيلو متر مربع) من اراضي الضفة الغربية، هذا بالاضافة الى وجود ممرات تعمل على ربط مناطق السيطرة الاسرائيلية مع بعضها وفصل الجغرافيا الفلسطينية عن بعضها. ومن هذه الممرات هي ثلاثة تعمل على ربط ما بين منطقة العزل الغربي (المنطقة المعزولة ما بين الخط الاخضر والجدار) ومنطقة العزل الشرقية (منطقة الاغوار والاراضي المشاطئة للبحر الميت) الاول عند التجمع الاستيطاني كرني شمرون (شرق محافظة قلقيلية) والثاني هو تجمع آرائيل الاستيطاني (شرق محافظة سلفيت) والثالث هو تجمع بيت ايل من وسط محافظة رام الله حتى منطقة الاغوار. بالاضافة للممرات الـثلاث هناك ممر رابع والذي يبدأ من جنوب الضفة الغربية من مستوطنة بيت يائير عند الخط الاخضر جنوب بلدة السموع وبلدة يطا حتى المنطقة المسماه الـ ( H2) شرق مدينة الخليل حيث تقبع مستوطنة كريات اربع ومجموعة من المستوطنات والبؤر الاستيطانية والتي يتم العمل حاليا على ربط التجمع الاستيطاني من خلال طريق التفافي العروب مع تجمع غوش عتصيون الاستيطاني جنوب غرب بيت لحم. هذا وستكون هناك شبكة مواصلات خاصة بالمستوطنين من خلال طرق خاصة والتي ستشكل فاصل جغرافي على الارض حيث سيتم انشاء عدد من الجسور او الانفاق ( 14 بحسب خارطة ترامب) لتجنب تعارض شبكة الطرق الفلسطينية مع شبكة الطرق الاستيطانية. وعليه يمكن الاستنتاج بأن المساحات التي ستضحى تحت سيطرة الاسرائيليين من الضفة الغربية تزيد في الواقع عن الـ 40% (اقرب الى 42% ±) لانها ستضم مساحات الممرات والمناطق الامنية المحاذية لمسار الجدار وشبكة الشوارع الالتفافية وهو في حقيقة الامر ما يشكل المساحة التي يصنفها الاحتلال “اراضي دولة”، والتي ستبقي على ارض الواقع اراضي الضفة الغربية متناثرة واقرب الى جزر معزولة أشبه بالجزر المكونة لدولة الفليبين
الاحتلال شيد مستوطنات لتبقى واخرى ليتفاوض على اخلائها
وبنظرة اخرى على أسباب اقتطاع المساحات المنصوصة في خطة ترامب من اراضي الضفة الغربية فهي بداية تكون في اقتناع الاحتلال بأنهم اصحاب حق برغم كل قرارات الامم المتحدة ومجلس الامن والاجماع الدولي بأنهم قوى محتلة لأراضي الغير، ولكن ايضا ان المناطق التي تم الاشارة اليها بأنهاء ستبقى تحت سيطرة الاحتلال تضم في طياتها جوهر البرنامج الاستيطاني برمته فمنطقة العزل الغربية تضم في طياتها 108 مستوطنات اسرائيلية بالاضافة الى 68 بؤرة استيطانية يستوطنها 80% (650 الف) مستوطن على الاقل، هذا بالاضافة انها تضم مدينة القدس الشرقية المحتلة ومخططاتها التوسعية لتصبح ما يطلق عليه اسم “القدس الكبرى”. أما على الجانب الشرقي من الضفة (منطقة الاغوار والاراضي المشاطئة للبحر الميت) فهي تضم 38 مستوطنة (هي زراعية وسياحية بطبيعة نشأتها) و 30 بؤرة استيطانية يستوطنها قرابة الـ 15 الف مستوطن. وبشكل عام ستضم الاراضي المقتطعة (المخطوفة) بحسب خطة ترامب ما مجموعه 340 الف دونم (17%) من مجموع الاراضي الزراعية الفلسطينية (منها 89 الف دونم في منطقة الاغوار) هذا بالاضافة الى عدد من التجمعات الفلسطينية التي ستأسر تحت سيطرة الاحتلال الاسرائيلي، منها، 33 تجمع فلسطيني ضمن مناطق مصنفة “ب” بحسب تعريف اتفاقية اوسلو (على ما مساحته 23 الف دونم)، وايضاً 52 تجمع فلسطيني ضمن مناطق تحمل تصنيف “ج” هذا بالاضافة الى الـ 20 تجمع الفلسطيني الموجودة ضمن الحدود الغير قانونية للقدس الشرقية بحسب الاحتلال الاسرائيلي، هذا بالاضافة الى 56 تجمع بدوي منتشرة ما بين منطقة الاغوار والقدس واخرى في مناطق “ج” منها سوسيا (جنوب الخليل) وغيرها. بالاجمال فقد اختطفت خطة ترامب ما مجموعه 161 تجمع فلسطيني يقطنها ما يزيد عن 400،000 فلسطيني لتبقيهم رهن سياسات الاحتلال العنصرية.
تبادل اراضي مشكوك وعلاج الديمغرافيا
تضمنت الخطة الترامبية – الاسرائيلية عرض لمشروع تبادل اراضي “اذا ما صح التعبير” وهو طرح قد تم الحديث عنه في السابق ما بين جهات فلسطينية واسرائيلية، وقد كان الموقف الفلسطيني واضح، بان لا تتجاوز مساحة التبادل 2%، وان تكون الاراضي المستهدفة بالتبادل تتساوى في المساحة والقيمة. غير ان الطرح الفرادي في صفقة القرن يقترح بأن يتم ضم عدد من التجمعات الفلسطينية الموجودة خلف خط الهدنة للعام 1949 (الخط الاخضر) في الجزء الشمالي والشمالي-الغربي للضفة من خلال اعادة رسم الخط الاخضر لضم هذه التجمعات الفلسطينية في اراضي الضفة الغربية. ومن الجدير بالذكر هنا بأن التجمعات المذكورة في النص المكتوب لصفقة القرن مغايرة عن تلك الموجودة على الخارطة التي عرضها ترامب، فبينما ذكر بالنص المكتوب اسم 10 تجمعات فلسطينية هي (الطيبة، قلنسوه، باقة الغربية، جلجولية، كفر قرع، كفر قاسم، الطيرة، ام الفحم، عرعرة، كفر برا، وعدد سكانها يتجاوز 257 الف فلسطيني، اشارت خارطة ترامب المعروضة الى 6 تجمعات فلسطينية مغايرة هي: صندله، مقيبله، زيمر، جت، زلافه، برطعة الغربية والتي يقارب عدد سكانها حوالي 34 الف فلسطيني. وعليه فإن الحديث حول التبادل يتراوح بشكل مبهم لتجمعات فلسطينية عددها ما بين 10 – 16 تجمع بعدد سكان اجمالي يزيد عن 290 الف فلسطيني، وهؤلاء يشكلون ما نسبته 15.2% من مجموع الفلسطينيين الثابتين خلف الخط الاخضر. وبحسب الخطة فإن مساحة الاراضي التابعة لتلك التجمعات المقترح ضمها الى الضفة الغربية تصل الى 242 كيلومتر مربع. ولم تكن تلك التجمعات هي المقترح الوحيد لاضافة اراضي من خلف الخط الاخضر الى الضفة الغربية، حيث اشارت الخارطة المقترحة الى اضافة ما مساحته 180 كيلومتر مربع من الاراضي الواقعة خلف الخط الاخضر على الجهة المقابلة لمنطقة جنوب شرق الضفة الغربية (جنوب شرق محافظة الخليل – بمحاذاة الخط الاخضر) لتصبح ضمن اراضي الضفة الغربية ضمن مخطط اعادة رسم الخط الاخضر. يذكر بأن موقع الارض المقترحة للتبادل او الاضافة هي منطقة جرداء وغير صالحة للزراعة او التطوير. ومن الجدير بالذكر ان مقترح التبادل الانتقائي – الاحادي للاراضي يهدف بالاساس الى ضرب الديمغرافيا الفلسطينية (داخل الخط الاخضر) الاخذه بالازدياد الملحوظ حيث اشار النص الى ان يبقى سكان التجمعات المستهدفة من الفلسطينيين في مواقعهم وان يعاد تصنيفهم السكاني، بأن يتم سحب الجنسيات الاسرائيلية منهم وضمهم الى السكان الفلسطينيين. وفي حين ان المقترح الامريكي-الاسرائيلي يشير الى سلخ السكان بتجريدهم من جنسياتهم الاسرائيلية بحجة انهم – أي المواطنيين – يشيرون لانفسهم بانهم فلسطينيون – الا ان المقترح برمته هو عنصري بامتياز حيث انه مبني على المفهوم العرقي والديني، ويندرج ضمن المساعي الاسرائيلية الى فرض تعريفها كدولة “يهودية” وهو ما يتوافق عليه الاسرائيليون بكافة اطيافهم واحزابهم السياسية وحتى الادارة الحالية للبيت الابيض وهو الاعلان: ان اسرائيل هي “دولة يهودية”.
أما فيما يتعلق بقضايا الحل الدائم
وتضمنت الخطة الامريكية الاشارة الى قضايا الحل الدائم (الاستيطان، الحدود، المياه، اللاجئين والقدس) والتي كان من المفترض ان تندرج ضمن مفاوضات ثنائية بإشراف دولي في العام 1999، حيث جاء ذكرها وكأنها أمور مفروغ منها وعلى الجانب الفلسطيني القبول فيها. وقد تم التوضيح سلفاً فيما يتعلق بقضايا الاستيطان اما فيما يتعلق بالبنود الاخرى:
الحدود:
ستحتفظ اسرائيل بالمنطقة الحدودية مع الاردن من خلال سيطرتها على منطقة الاغوار والاراضي المحاذية للبحر الميت فيما سيشكل الجدار الفاصل حدود غربية لاسرائيل، اما بخصوص حدود قطاع غزة مع اسرائيل ومصر سيبقى الوضع على ما هو عليه.
المياه:
خطة ترامب الغت حق الفلسطينيين في مياههم وفوضت حقوقهم الى الاحتلال الذي لا يملك شرعية اساساً بعد ضم المناطق والاراضي الفلسطينية لتكون تحت سيطرة الاحتلال منها منطقة العزل الغربية والتي تقع بحسب الخطة تحت السيطرة الاسرائيلية وبالتالي استحواذها على الحوض المائي الغربي الذي يدر ما مقداره سنوياً 365 مليون متر مكعب من المياه حيث يحصل الفلسطينيين حصة منه هي 7.5%، وكذلك الحال في الحوض المائي الشرقي ضمن منطقة العزل الشرقية (منطقة الاغوار والاراضي المشاطئة للبحر الميت) والتي تحصد ما مقداره 175 مليون متر مكعب من المياه، يحصل الفلسطينيين على 50% منها. كما شطبت خطة ترامب حقوق الفلسطينيين في المياه الاقليمية، منها 194 كيلومتر في البحر الميت وايضاً الحقوق المائية امام شواطئ غزة والتي اعطى اتفاق اوسلو للفلسطينيين حق الصيد فيها بمساحة 20 ميل بحري ولكن ان تبقى تحت سيطرة الاحتلال “الامنية” الى حين اتمام الاتفاق النهائي ضمن مفاوضات الحل الدائم.
اللاجئين:
يبدو ان فريق المستشارين للرئيس ترامب بدأوا يمهدوا الطريق لصفقة القرن وذلك بمحاولة تقزيم ومحاربة أهم دعائم القضية الفلسطينية وهي وكالة الغوث (الاونروا) بداية من قطع الدعم والتمويل الامريكي لهذه الوكالة مما انعكس على خدماتها المقدمة، الى اشعال حملة مسعورة من قبل الولايات المتحدة واسرائيل لدفع الدول الى وقف دعمها للاونروا.
و دعت الخطة الى الغاء حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم او حتى دمجهم في دولة اسرائيل ضمن اجراءات خاصة لتعويضهم، وأن يتم اعتبار الاجيال اللاحقة ضمن واحدة من 3 فئات، اولها يكون اما مقيميين دائمين في الدول الموجودين فيها وذلك ضمن اتفاقية دولية ستعقد بين الاطراف ذوي العلاقة وهذا سيكون مرهون بموافقة تلك الدول المضيفة، والثانية ان يتم استيعاب جزء منهم في الدولة الفلسطينية المستقبلية ضمن قيود سيتم تحديدها في وقت لاحق، والفئة الثالثة بأن يتم اجراء ترتيبات مع دول اعضاء مجلس التعاون الاسلامي لترتيب استقبال 5000 لاجئ بشكل سنوي على مدار 10 سنوات وذلك ضمن اتفاقية فردية ستعقد مع كل من هذه الدول بشكل خاص بها.
القدس:
قام ترامب بالتوقيع على قرار “التأجيل الخاص” لمدة 6 أشهر، وبتاريخ 23 شباط 2018 أعلن ترامب عن قرار رسمي لنقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى موقع القنصلية الامريكية في القدس (لحين تحديد وبناء موقع السفارة الامريكية الجديد). وقد تمت اجراءات النقل الفعلية والافتتاح الرسمي للسفارة الامريكية على اراضي القدس المحتلة بتاريخ 14 آيار 2018، في الذكرى الـ 70 لاعلان قيام دولة اسرائيل وذكرى نكبة فلسطين.
وكان ذلك مقدمة قامت إدارة الرئيس ترامب بترتيبها وسلسلتها للوصول الى صفقة القرن والبنود المتعلقة بالقدس والتي تم استعراض البنود الخاصة بها بشكل يتيح المجال امام تغلغل اليهود والمشاركة في ادارة المسجد الاقصى حيث اكدت الصفقة ان حرية الوصول لكافة المناطق المقدسة مضمونه لجميع الديانات والمصلين وبذكر الحرم القدسي الشريف على وجه التحديد. كما اكدت بنود الخطة على ضرورة عدم تقسيم القدس وبالايحاء تم الاشارة الى ان الجدار الفاصل المحيط بالقدس ورغم ان مساره يتجاوز المسار الحالي لحدود بلدية القدس بحسب التعريف الاسرائيلي والغير قانوني الا انه وفي الوقت ذاته هو (أي الجدار) ما سيشكل الحدود المستقبلية لها حيث سيرسم فاصل جغرافي بين عاصمتي كل من الدولة الفلسطينية المستقبلية والاسرائيلية. والمقصود هنا – بحسب الخطة – التجمعات الفلسطينية المقدسية الواقعة خارج الجدار الفاصل ومنها كفر عقب والقسم الشرقي لشعفاط (مخيم شعفاط) وابو ديس وهي مناطق يمكن للفلسطينيين اطلاق الاسم الذي يريدون عليه – القدس – او أي اسم اخر.
وهنا تجدر الاشارة بأن مسعى اسرائيل المغلف بالخطة الامريكية سينهي الوضع الراهن والقائم للحرم القدسي الشريف وسيفضي الامر الى اقتسام (جغرافياً) مساحته وادارته (مكاناً وزماناً) مع المصلين اليهود. وبالاضافة الى ذلك تعكس البنود الخاصة في القدس خطة الانفكاك الديمغرافي التي تسعى اسرائيل لترجمتها على الارض من خلال فصل التجمعات المقدسية خارج ما تسمى بلدية القدس الاسرائيلية وذلك بإقصاء ما لا يقل عن 150 الف فلسطيني خارج الحدود الجديدة للقدس المحتلة (ما سيطلق عليه اسم القدس الكبرى)، وبالتالي تقليص الوجود الفلسطيني من ما نسبته الان 37% من مجموع قاطني القدس الى نسبة تتراوح ما بين 15% – 18% من المجموع الاجمالي للقاطنين في المدينة المحتلة.
اعداد: معهد الابحاث التطبيقية – القدس
(أريج)