قامت جهات اسرائيلية قبل ايام بنشر اعلانات طلب تسجيل 139,000 دونما تقع قبالة شواطىء البحر الميت الشمالية و الغربية، حيث جاء في طلب التسجيل المقدم من ما يسمى بحارس املاك الدولة الاسرائيلي بان يتم تقديم اعتراضات من أي شخص أو جهة متضررة من الطلب مع العلم التام بان اي اعتراضات ستقدم بهذا الشان لن تقبل من جانب الاسرائيليين الذين يعتبرون انفسهم الورثة الشرعيين لكافة الاراضي التابعة للدولة. و حقيقة الامر ان الاجراء الاسرائيلي هذا ليس بالجديد و هو اجراء تتبعه اسرائيل منذ عقود من الزمن، فقد عملت اسرائيل خلال السنوات السابقة على تحويل اراضي عامة فلسطينية الى اراضي دولة تخضع لسيطرتها باعتبارها اراضي متروكة أو أراضي شائعة أو غير ذلك حيث ان اعلان تسجيل الاراضي المحاذية للبحر الميت تأتي ضمن هذه السياسة الاسرائيلية. انظر الخارطة
و السؤال المطروح بهذا الشان, ما هو الشيء الذي جد جديده لكي تقوم اسرائيل بهذا الاعلان و الذي هو بالحقيقة مجرد وسيلة اخرى لفرض سيطرة اسرائيل على الاراضي الفلسطينية. الجواب يتمحور بالنقاط الثلاث التالية:
-
اعادة تعريف الوضعية القانونية: و في هذا الشان تجدر الاشارة بأن الاراضي المستهدفة هي اراضي تقع ضمن تصنيف ما يسمى منطقة 'ج' و هي مناطق تقع تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة بحسب ما جاء في اتفاقية أوسلو المؤقتة و الموقعة في شهر أيلول من العام 1995 بين منظمة التحرير الفلسطينية و إسرائيل حيث تسعى اسرائيل منذ عقود الى اعادة تعريف الوضعية القانونية لتلك الاراضي من أراضي دولة كما كانت وضعيتها ابان الحكم الاردني للمناطق الفلسطينية و من ثم اراضي متروكة و تابعة للدولة المعادية، و اعادة تعريفها كاراضي دولة من جديد تتبع لدولة الاحتلال الاسرائيلي. و ترمي اسرائيل من وراء ذلك الى استباق اية مفاوضات مستقبلية مع الجانب الفلسطيني على تلك الاراضي و المصنفة 'ج' وذلك بغرض الاحتفاظ بالسيطرة على جزء منها او المقايضة عليها للحصول على مكاسب في مناطق اخرى وتحديدا في المناطق الواقعة ما بين جدار العزل العنصري و الخط الاخضر ( خط الهدنة للعام 1949).
-
احكام السيطرة الاسرائيلية على شواطىء البحر الميت : و في هذا السياق تجدر الاشارة الى أن الحقوق المائية الفلسطينية لاستغلال البحر الميت سواء على الصعيد التجاري, الاستثماري أو الترفيهي قد تم الغاؤها من قبل اسرائيل بالرغم ما تم الاتفاق بشأنه حول هذا الموضوع في اتفاقية اوسلو. حيث انه اليوم و على خلفية ما تدبره اسرائيل هناك, فان تسجيل الاراضي المحاذية لشواطىء البحر الميت من شأنه أن يقضي على أي فرصة مهما كانت ضئيلة، يستطيع من خلالها الفلسطينييون التمتع بها هناك, حيث سيكون الامر بالنسبة لاسرائيل منتهي. و بعبارة اخرى, فان نجاح اسرائيل باعادة تصنيف الاراضي المستهدفة من اراضي 'ج' الى اراضي دولة من شأنه أيضا أن يضيع حقوق الفلسطينيين في البحر الميت ضمن المفاوضات المستقبلية لكي يتحول هذا الامر من موضوع حقوق الى موضوع استجداء و مساومات.
-
استكمال عملية الفصل الجغرافي: ان نجاح اسرائيل في تسجيل تلك الاراضي كأراضي دولة من شأنه ان يستكمل المخطط الاسرائيلي للفصل الجغرافي ما بين شمالي الضفة الغربية وجنوبها, حيث يتم الانتهاء من بعض اجزاء المخطط الاسرائيلي الجديد لبسط السيطرة الاسرائيلية على وسط الضفة الغربية المحتلة. وياتي هذا المخطط الجديد متمما لجدار العزل الاسرائيلي الذي يحيط بمدينة القدس المحتلة من جهاتها الثلاث و يعزلها عن باقي محافظات الضفة الغربية، حيث ترتبط الاراضي المستهدفة مع جدار العزل حول تجمع مستوطنات 'معاليه ادوميم' و الذي تسعى اسرائيل الى ضمه الى مدينة القدس المحتلة و بالتالي الى اسرائيل. و سيتم استكمال عملية الفصل ما بين شمال وجنوب الضفة الغربية من الجدار ومن معاليه ادوميم وحتى البحر الميت مما سيكرس عملية الفصل الجغرافي التام و بالتالي لن تكون هناك فرص للتواصل الجغرافي ما بين الشمال و الجنوب الا من خلال أنفاق تحت الارض و في مناطق خاضعة للسيطرة الاسرائيلية الامر الذي من شانه ان يلغي امكانية اقامة دولة فلسطينية تتمتع بالسيادة و التواصل الجغرافي و هذا ما سعت اليه اسرائيل منذ البداية بان تحد من الوجود الفلسطيني و الدولة الفلسطينية المستقبلية في معازل و كانتونات متشرذمة ومنفصلة عن بعضها البعض.
و عليه, يبدو أن ما تقوم به اسرائيل حاليا ما هو الا بداية لتحرك مستقبلي أكبر في هذا الاتجاه و هي سياسة تهدف الى مجابهة الضغوط الدولية على اسرئيل لوقف الاستيطان. فاسرائيل هي دولة مقايضات، تعد العدة لجمع أكبر عدد من أوراق اللعبة, فتارة تخرج للعالم باعلان عن مخططات لتجميد الاستيطان في مناطق مقابل استمرار الاستيطان في الكتل الاستيطانية الكبرى التي قامت اسرائيل بضمها خلف الجدار و باتجاه اسرائيل، و هي الكتل التي تسعى دولة الاحتلال الاسرائيلي للاحتفاظ بها تحت اي عملية تسوية مستقبلية مع الجانب الفلسطيني و هذا ما أعلنت عنه اسرائيل مرارا و تكرار.
اعداد: معهد الابحاث التطبيقية – القدس
(أريج)