في الرابع من شهر تموز من العام 2014, وعقب الاعلان عن اختطاف ومقتل ثلاث مستوطنين اسرائيليين في محافظة الخليل جنوب الضفة الغربية, قامت مجموعات المستوطنين بالإعلان عن بناء ثلاث بؤر استيطانية جديدة في الضفة الغربية المحتلة وبمساندة علنية وصريحة من مجالس المستوطنات القريبة من تلك البؤر. وتم اقامة البؤرة الاولى بالقرب من مستوطنة بيت عاين الاسرائيلية الواقعة بين محافظتي بيت لحم والخليل (على اراضي بلدتي صوريف والجبعة) والتي هي جزء من ما بات يعرف اسرائيليا "بتجمع غوش عتصيون" الاستيطاني جنوب بيت لحم, حيث اطلق عليها اسم "رمات هاشلوشا"; فيما تم اقامة البؤرة الاستيطانية الثانية بالقرب من مستوطنة تقوع جنوب شرق مدينة بيت لحم والتي هي جزء ايضا بما بات يعرف اسرائيليا "بتجمع غوش عتصيون الشرقي" واطلق عليها اسم "تقوع اي"; أما عن البؤرة الاستيطانية الثالثة, فقد تم اقامتها بالقرب من مستوطنة كريات أربع الاسرائيلية في قلب مدينة الخليل واطلق عليها اسم "تلمي هايم".
الخارطة رقم 1: موقع البؤر الاستيطانية الثلاث التي تم اقامتها في الضفة الغربية المحتلة
وليس بالمفاجئ أن تقوم جماعات المستوطنين بمثل هذه الاعمال في الضفة الغربية المحتلة, اذ انه وفي السنوات الاخيرة الماضية, كان لاعتداءات المستوطنين المتواصلة على الاراضي والممتلكات الفلسطينية طابعا مميزا تمثل بالانتقام من الفلسطينيين سواء كان من خلال الكتابات العنصرية على واجهات المساجد والكنائس والاديرة التي دعت الى الانتقام من الفلسطينيين أو من خلال الاعتداء على الفلسطينيين المدنيين في الاماكن الدينية أو اثناء عملهم في اراضيهم المجاورة للمستوطنات الاسرائيلية أو من خلال عمليات الدهس التي انتشرت مؤخرا بين المستوطنين وأودت بحياة العديد من الفلسطينيين كان اخرها الطفلة ايناس شوكت دار خليل ذات الخمس أعوام بينا كانت عائدة من المدرسة الى منزلها في قرية سنجل. كما تمثلت عمليات الانتقام ايضا بالاعتداء على الاراضي الزراعية ومحاولة مصادرتها وبث الذعر في صفوف المواطنين واقتلاع وحرق الاشجار المثمرة أو رشها بالمبيدات الحشرية وخصوصا أشجار الزيتون التي تعتبر مصدر رزق لمعظم العائلات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة, شمالا وجنوبا, رغم معرفتهم (المستوطنين) التامة بان مثل هذه الاعمال الانتقامية تؤثر سلبا على المجتمع الفلسطيني برمته, وهذا بالضبط ما يرمي اليه المستوطنين الاسرائيليين وهو ايقاع الالم بين صفوف الفلسطينيين وحرمانهم من حياة طبيعية, بعيدة عن التوتر والخوف. الرسم البياني رقم 1 يبين تنوع انتهاكات المستوطنين تجاه المدنيين الفلسطينيين والاراضي والممتلكات في الضفة الغربية المحتلة خلال الفترة الواقعة ما بين شهر كانون ثاني 2014 وشهر ايلول من العام 2014:-
الرسم البياني رقم 1: اعتداءات المستوطنين الاسرائيليين بمختلف انواعها في الضفة الغربية المحتلة
وتجدر الاشارة الى أن المواقع الاستيطانية الثلاث السابقة الذكر تم اقامتها بتشجيع وتمويل من مجالس المستوطنات القريبة منها, فعلى سبيل المثال كان لمجلس مستوطنات تجمع غوش عتصيون الاستيطاني جنوب مدينة بيت لحم دورا كبيرا في انشاء البؤرة الاستيطانية "رمات هاشلوشاه", اذ تعالت دعوات المجلس على المواقع الالكترونية الاسرائيلية للمستوطنين الاسرائيليين للقدوم الى موقع البؤرة وحراسته وحراسته وتقديم الدعم له, في حين شارك رئيس بلدية مستوطنة كريات أربع المستوطنين الاسرائيليين في اقامة البؤرة الاستيطانية "تلمي هايم" بالقرب من المستوطنة[1].
وكان المستوطنون قد أقاموا البؤرة الاستيطانية رمات هاشلوشا على أراضي تابعة لكل من قريتي الجبعة وصوريف, بين محافظتي بيت لحم والخليل وذلك في محاولة منهم لقطع التواصل الجغرافي بين هاتين القريتين من خلال البناء الاستيطاني في هذه المنطقة. كما ان مخطط جدار العزل العنصري الاسرائيلي في المنطقة يهدف الى ضم تجمع غوش عتصيون الاستيطاني الى اسرائيل في حين سوف يعزز من عملية العزل بين محافظتي بيت لحم والخليل.
أما عن بؤرة "تقوع اي" الاستيطانية , فقد قام المستوطنون بوضع اربعة كرفانات جديدة جنوب مستوطنة تقوع الاسرائيلية في محاولة منهم للسيطرة على المزيد من الاراضي الفلسطينية بالقرب من المستوطنة وضمها اليها لتصبح الحدود الجديدة للمستوطنة, في ذات الموقع, تعزيز مكانة هذ المستوطنات في الناحية الشرقية من الضفة الغربية حتى لا تكون ضمن أي صفقة "اخلاء مستوطنات" مستقبلية في حال التوصل الى اتفاق سلام مع الاسرائيليين.
أما في منطقة الخليل, فقد أقام المستوطنون البؤرة الاستيطانية الجديدة تلمي هايم في منطقة البقعة التي تتوسط مستوطنتي كريات أربع وخارصينا وقريبة من بعض المنازل الفلسطينية. وتجدر الاشارة ان المنطقة التي اقام فيها المستوطنون البؤرة قد شهدت في الاعوام السابقة الكثير من الاحداث بسبب محاولات المستوطنين الحثيثة والمستمرة السيطرة على هذه البقعة بالذات وتضييق الخناق على الفلسطينيين القاطنين في المنطقة وخصوصا أن منازل مستوطنة كريات اربع تبعد عدة أمتار فقط من منازل الفلسطينيين في المنطقة.
ممرات اسرائيلية لربط المستوطنات الاسرائيلية بعضها ببعض
في حين أن البعض قد يظن بأن البؤر الاستيطانية الثلاث السابقة الذكر قد تم اقامتها بشكل عشوائي من قبل مجموعات المستوطنين الا أنه وبعد دراسة تحليلية للمواقع الاستيطانية الجديدة, تبين ان اسرائيل تسعى الى خلق نوع من التواصل الجغرافي يضم المواقع المستهدفة الثلاث, تجمع غوش عتصيون الاستيطاني وتجمع نيكوديم وتقوع (شرق غوش عتصيون) وتجمع كريات أربع الاستيطاني من خلال الاستيلاء على المناطق الفلسطينية التي ما زالت تخضع للسيطرة الاسرائيلية وتأتي ضمن تصنيف "اراضي ج" بحسب اتفاقية أوسلو الثانية للعام 1995. كما تسعى اسرائيل ايضا الى ضم اكبر عدد ممكن من المستوطنات الاسرائيلية التي تقع خارج منطقة الجدار الى حدودها بالإضافة الى تلك التي تحاول ضمها بشكل غير قانوني واحادي الجانب من خلال بناء جدار العزل العنصري[2] ومصادرة الاراضي التي ما زالت تخضع للسيطرة الاسرائيلية الكاملة, وهي مناطق "ج". انظر الخارطة رقم 2
والجدير بالذكر أنه في السابع عشر من شهر اب من العام 2014, نشرت صحيفة هآرتس الاسرائيلية تقريرا مفاده أن وزير الاحتلال الاسرائيلي, موشيه يعالون, قد قطع وعدا لمجلس مستوطنات تجمع غوش عتصيون الاسرائيلي جنوب مدينة بيت لحم بشرعنة البؤرة الاستيطانية الاسرائيلية "تقوع اي" التي تم اقامتها مؤخرا على أراضي قرية تقوع هذا بالإضافة الى المصادقة على بناء 24 وحدة استيطانية جديدة في البؤرة واقامة مزرعة. وكان قرارا صادرا عن الوزير يعالون في الحادي والثلاثين من شهر تموز من العام 2014 بهدم البؤرة الاستيطانية "تقوع اي" قد قوبل بالاعتراض الشديد من قبل جماعات المستوطنين التي لم تتردد برفع اعتراضاتها للمحكمة الاسرائيلية في محاولة منها لصد قرار الهدم, الا أن المحكمة رفضت بدورها الاعتراضات المقدمة وتم تأجيل البت في القضية بسبب التزام بعض المستوطنين ممن اعترضوا على قرار الهدم بالمشاركة في الحرب الاسرائيلية الاخيرة على قطاع غزة, بحسب ما افادت الصحيفة, ليعود يعالون بعد اسبوعين من اصدار قرار الهدم, بالإعلان عن شرعنة البؤرة والبناء فيها.
ملخص,
تنبع قوة المستوطنين الاسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة من غياب الرادع الاسرائيلي للانتهاكات التي يرتكبها المستوطنون بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته وهذا بدوره يشكل خطرا على مستقبل التجمعات الفلسطينية ووجودها. وباتت عربدة المستوطنين مصدر قلق ورعب للشعب الفلسطيني الامر الذي يدعو المجتمع الدولي برمته للضغط على اسرائيل لوقف عربدة المستوطنين والسيطرة على هذه الجماعات التي باتت تشكل ورقة ضغط على الحكومة الاسرائيلية وقرارتها فيما يخص البناء الاستيطاني في الاراضي الفلسطينية المحتلة.
[1] בתגובה לרצח: נחנכה שכונת "תלמי חיים"
http://www.inn.co.il/News/News.aspx/279380
[2]سوف يعمل جدار العزل العنصري الاسرائيلي حال الانتهاء من بناهء الى ضم 107 مستوطنة الى اسرائيل, ضمن منطقة العزل الغربية
اعداد: معهد الابحاث التطبيقية – القدس
(أريج)