في العشرين من شهر أيار من العام 2023 وفي خطوة اثارت حفيظة المجتمع المحلي الفلسطيني والمجتمع الدولي، وقع وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي الجديد في حكومة نتيناهو اليمينة, يؤاف جالانت, وما يسمى “بقائد القيادة المركزية” لجيش الاحتلال الإسرائيلي, يهودا فوكس, قرارا عسكريا يسمح للمستوطنين الإسرائيليين بدخول البؤرة الاستيطانية “حومش” من جديد والبقاء فيها. كما رد القرار العسكري الإسرائيلي الصادر الاستئناف الذي قدمه أصحاب الأراضي الفلسطينيون إلى محكمة العدل العليا الإسرائيلية للمطالبة بإخلاء المستوطنين الإسرائيليين من ومنحهم حق الوصول إلى أراضيهم التي تم اخلائها منذ العام 2005. ومنح القرار العسكري الإسرائيلي أيضا ما يسمى “بمجلس مستوطنات شومرون الإقليمي” سلطة على الأراضي الفلسطينية التي لا تعتبر “ملكية خاصة للفلسطينيين” في المنطقة.
وجاءت هذه الخطوة أيضا تماشيا مع قرار الكنيست الاسرائيلي الصادر في الحادي والعشرين من شهر اذار من العام 2023، والذي اقر، بالقراءتين الثانية والثالثة، “مشروع قانون معدل” يلغي القرار الإسرائيلي الصادر -“أحكام قانون الانسحاب الإسرائيلي للعام 2005 – “ويرفع الحظر عن عودة المستوطنين الإسرائيليين الى المستوطنات الإسرائيلية الأربع شمال الضفة الغربية المحتلة والتي تم اخلاؤها بشكل احادي الجانب وغير قانوني آنذاك، وهي حومش وصانور وجانيم وكاديم. الجدول رقم 1
الجدول رقم 1: المستوطنات الإسرائيلية التي تم اخلاؤها شمال الضفة الغربية المحتلة ضمن عملية الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب في العام 2005 |
||||
المحافظة |
التعداد السكاني ما قبل عملية الاخلاء |
تاريخ |
مساحة المستوطنة قبل الاخلاء |
اسم المستوطنة |
حومش |
181 |
1980 |
1050 |
نابلس |
صانور |
112 |
1982 |
84 |
قلقيلية |
جانيم |
147 |
1983 |
262 |
جنين |
كاديم |
142 |
1983 |
501 |
جنين |
582 |
|
1897 |
المساحة /المجموع |
المصدر: وحدة نظم المعلومات الجغرافية, 2023
وتبعا للقرار العسكري الإسرائيلي الجديد، سارعت جماعات المستوطنين وبحراسة قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، باقتحام موقع البؤرة الاستيطانية “حومش” وإعادة السيطرة على الموقع والإقامة فيه، حيث بدأت رسميا بإقامة “مدرسة دينية” في الموقع وشق طريق يوصلها بمحيطها وتحويل الموقع الى ثكنة عسكرية.
حومش … المستوطنة الاسرائيلية
تم تشييد مستوطنة حومش في العام 1980 على أراضي تعود ملكيتها لفلسطينيين من قرى برقة وسيلة الظهر والفندقومية في كل من محافظات نابلس وجنين وقلقيلية شمال الضفة الغربية المحتلة, حيث فقدت القرى الثلاث السابقة الذكر على مدى أعوام الاحتلال الإسرائيلي ما يقارب 1000 دونم من الأراضي لبناء هذه المستوطنة. وشهدت قرية برقة الفلسطينية بشكل خاص خسارة كبيرة من أراضيها للتوسع الاستيطاني في المستوطنة خاصة بين الأعوام 2000 و2004 حيث زادت مساحة المستوطنات بنسبة 100٪. الجدول رقم 2
الجدول 2: التوسع الاستيطاني في “مستوطنة حومش” خلال الفترة من 1990 إلى 2004 |
||
الرقم |
العام |
مساحة مستوطنة حومش (بالدونم) |
1 |
1990 |
348 |
2 |
1996 |
363 |
3 |
2000 |
442 |
4 |
2002 |
529 |
5 |
2004 |
1050 |
المصدر: وحدة نظم المعلومات الجغرافية, 20529
وقبيل إخلاء مستوطنة “حومش”، احتلت المستوطنة مساحة إجمالية قدرها 1050 دونمًا، وكان يقطنها قرابة 180 مستوطنًا إسرائيليًا. عُرف المستوطنون الإسرائيليون الذين كانوا يقطنون المستوطنة بعدوانيتهم وعنفهم ضد الفلسطينيين، حيث أن موقع المستوطنة بين هذه القرى الفلسطينية كان دائمًا مصدر خوف ويأس للفلسطينيين القاطنين فيها بسبب هجمات المستوطنين المتكررة ضد المواطنين وأراضيهم هذا بالإضافة الى الحاق الأضرار بالممتلكات الخاصة كان اشدها بتاريخ الحادي عشر من شهر اب من العام 2005, أي بعد يومين من تاريخ إخلاء المستوطنات الإسرائيلية، حيث قامت مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين الذي تم اخلائهم من المستوطنة “حومش” بالاعتداء على أراضي قرية برقة وإضرام النيران فيها مما أدى الى احراق مساحات شاسعة من أراضي القرية الزراعية المزروعة بأشجار اللوز والكروم وتسبب في خسائر فادحة للمزارعين الفلسطينيين آنذاك. واستمر مسلسل اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين على الفلسطينيين القاطنين في المنطقة، وعلى وجه الخصوص الفلسطينيين القاطنين في قرية برقة, بالرغم من مضي أعوام عديدة على إخلاء المستوطنة تعبيرا عن رفضهم لعملية الأخلاء الإسرائيلية الأحادية الجانب وحرصهم على عدم إعادة الأراضي التي تم الانسحاب منها الى أصحابها الفلسطينيين, حيث استمر المستوطنون بتنفيذ زيارات استفزازية إلى موقع المستوطنة. ومع بداية العام 2007, استأنف المستوطنون الإسرائيليون زياراتهم الى موقع المستوطنة المخلاة في المناسبات والأعياد الرسمية، حيث أسسوا حركة جديدة أطلق عليها اسم ‘حركة العودة إلى حومش’, وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي يؤمن لهم الطريق والمكان بحجة أن الزيارة تتم ليوم واحد فقط إلا أنها هذه الزيارات تكررت كثيراً حتى أصبحت شبه يومية.
حومش … البؤرة الاستيطانية
بتاريخ السابع عشر من شهر تموز من العام 2007، وبعد عامين من اخلائها، تظاهر مئات المستوطنين الإسرائيليين في موقع مستوطنة حومش كجزء من تحركات وضغوطات جماعات المستوطنين على الحكومة الإسرائيلية لإعادة بناء المستوطنة والإقامة فيها من جديد، حيث وصل نحو 1500 مستوطن الى موقع المستوطنة المخلاة, وبتعزيز عسكري كبير من قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي, ونفذوا سلسلة من عمليات التخريب والاعتداءات ضد أهالي برقة وممتلكاتهم وأقاموا ما يزيد عن عشرة كرفانات في الموقع كمرافق عامة وكافتيريا لاستقبال المستوطنين وكانت هذه بداية التموضع الجديد للمستوطنة في موقع المستوطنة المخلاة.
الخارطة رقم 1: موقع البؤرة الاستيطانية حومش
الواقع الجيوسياسي ما بعد الانسحاب الإسرائيلي
استطاعت حكومة الاحتلال الإسرائيلي استثمار خطوة “الانسحاب الأحادي الجانب” التي نفذتها في العام 2005 بأن رفعت صفة احتلالها عن هذه المواقع “ظاهريا” حيث شرعت أبواق الدعاية الإسرائيلية بالإشارة إلى أنه تم سحب جميع المستوطنين الإسرائيليين من المواقع المذكورة (المستوطنات الاسرائيلية) رغم المعارضة القوية لهذه الخطوة من قبل الجماعات الاستيطانية والمشاهد الأليمة التي عرضتها محطات التلفاز المحلية والعالمية لإخلاء المستوطنين سواء في الضفة الغربية او في قطاع غزة المحتل, وكأنها “منَة” إسرائيلية للسلام ما بين للفلسطينيين والإسرائيليين، في حين أنها جعلت من هذه الخطوة أداة لضرب مشروع الدولة الفلسطينية. اذ ما زالت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، حتى تاريخ إقرار القانون في شهر اذار من العام 2023، تسيطر على مواقع المستوطنات التي اخلتها ولم تسمح للفلسطينيين أصحاب الأراضي باي شكل من الاشكال بالعودة الى أراضيهم خلال هذه السنوات. كما استباحت لجماعات المستوطنين الإسرائيليين، حتى ولو يكن ذلك بالعلن، بتنفيذ اقتحامات متكررة لهذه المواقع وإعادة البناء فيها، على وجه الخصوص مستوطنة حومش.
في الختام،
ان سماح حكومة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين الاسرائيليين بالعودة إلى المستوطنات الأربع المخلاة شمال الضفة الغربية المحتلة يعكس الرغبة الإسرائيلية باستباحة كامل الأراضي الفلسطينية لاستمرار المشروع الاستيطاني الإسرائيلي الغير قانوني في الضفة الغربية المحتلة في ظل تحويل صلاحيات ما تسمى بـ”الإدارة المدنية الإسرائيلية” في الضفة الغربية المحتلة إلى ولاية الوزير الإسرائيلي اليميني المتطرف, بتسلئيل سموترتش، في الثالث والعشرين من شهر شباط من العام 2023, والتي تضمنت إنشاء “دائرة استيطان” داخل “الإدارة المدنية الاسرائيلية” ومنحها صلاحيات تنظيم كل ما يتعلق بالاستيطان وشؤون المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة من بناء وتوسع وبنى تحتية وأيضا خدمات مدنية وإدارية للمستوطنين في محاولة من الحركات الاستيطانية لتطبيق “القانون المدني الإسرائيلي” على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة ومساواتها مع تلك داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ان مخططات التهويد الاستيطانية التي تمارسها دولة الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة وخاصة القرار الأخير، مصادقة ما يسمى “بالكنيست الاسرائيلي” على قانون “إلغاء قانون الانفصال” يهدف الى فرض خطة الضم الإسرائيلية بشكل غير قانوني وأحادي الجانب في الأراضي الفلسطينية وهو أيضا رسالة واضحة من الحكومة اليمينية الجديدة بأن الاستيطان مستمر بجميع أشكاله وأن مساعي الحكومة الإسرائيلية مستمرة في منحه الصفة الشرعية اللازمة لاستدامته. كما أن القرار الأخير سينعكس أيضا على المستوطنات الإسرائيلية التي تم اخلائها من قطاع غزة المحتل في حال قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مستقبلا إعادة الانتشار للمستوطنات الإسرائيلية في القطاع, فانه لن يكون هناك رادع قانوني أو حتى جغرافي في ظل سيطرة سلطات الاحتلال الحالية على ما مساحته 87 كم2 من أراضي قطاع غزة (24% من مساحة القطاع الكلية والبالغة 365 كم مربع) كمنطقة امنية لاستخدامات جيش الاحتلال الإسرائيلي ويحظر على الفلسطينيين الوصول اليها, بالرغم من انسحابها الأحادي الجانب من القطاع في العام 2005.
كما أن مصادّقة الكنيست الإسرائيلي في الرابع والعشرين من شهر أيار من العام 2023 على الموازنة العامة[1] لعامي 2023 و2024 وقانون التسويات والذي تزامن أيضا مع قرار وزير الاحتلال الإسرائيلي الأخير, سوف يمنح حكومة الاحتلال قوة للمضي قدما بمخططات التهويد أذ ما يزيد عن ملياري دولار أمريكي تم تخصيصها تحت “بند للاستيطان” خلال العامين القادمين تشمل إقامة طرق استيطانية جديدة وتحسين الطرق الاستيطانية القائمة ومشاريع استيطانية أخرى قد تطال أيضا البؤر الاستيطانية الغير قانونية في محاولة من الحكومة اليمينة الحالية لشرعنتها .
ان ممارسات الاحتلال الإسرائيلي لسياسات الاستيطان تنتهك العديد من المعاهدات والقوانين الدولية والإنسانية بما في ذلك قرار مجلس الأمن رقم 446 لسنة 1979″، والذي يقرر “بأن ان ان سياسة دولة الاحتلال الإسرائييل وممارساتها بإقامة المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ العام 1967، ليس لها أي مستند قانوني، وتشكل عقبة خطرة في وجه التوصل إلى سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط؛”. وكذلك القرار رقم 452 للعام 1979 ، الذي يدعو فيه مجلس الأمن سلطات الاحتلال الإسرائيلية وقف الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية التي احتلتها في العام 1967 بما فيها القدس. وأيضا القرار رقم 465 للعام 1980، الذي يقرر أن جميع التدابير التي اتخذتها إسرائيل لتغيير المعالم المادية والتركيب السكاني والهيكل المؤسسي في الأراضي الفلسطينية وغيرها من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967, بما فيها القدس, أو أي جزء منها, ليس لها أي مستند قانوني, وأن سياسة إسرائيل وأعمالها لتوطين قسم من سكانها ومن المهاجرين الجدد في هذه الأراضي تشكل خرقاً فاضحاً لاتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب, كما تشكل عقبة جدية أمام تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط؛
[1] أقر الكنيست الإسرائيلي في الرابع من شهر أيار من العام 2023, موازنة دولة الاحتلال للعامين 2023 و 2024, بواقع998 مليار شيكل, 484 مليار شيكل للعام 2023 و 514 مليار شيكل للعام 2024.
اعداد:
معهد الابحاث التطبيقية – القدس ( أريج)