منذ مطلع العام 2013، وبعد زيارة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية "باراك اوباما" إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، تم تكليف وزير الخارجية الأمريكي, جون كيري بالعمل على وضع إعادة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات. حيث قدم جون كيري "اتفاق الإطار" وهو عبارة عن الاقتراحات الأمريكية الهادفة إلى إنهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. .فبعد الزيارات العديدة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكية جون كيري إلى منطقة الشرق الأوسط، لجمع الفلسطينيين والإسرائيليين على طاولة المفاوضات، تكللت جهوده بتحديد موعد لإطلاق المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث بدأت المفاوضات برعاية الولايات المتحدة الأمريكية في الحادي والثلاثين من شهر تموز من العام 2013.
على الرغم من عودة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات، ومع الضغوطات الأمريكية لوقف التصعيد على الأرض، إلا أن الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين لم تتوقف للحظة. حيث شهدت الفترة الممتدة منذ لحظة بداية المفاوضات في الحادي والثلاثين من شهر تموز من العام 2013 إلى الحادي والثلاثين من شهر آذار من العام 2014، العديد من الانتهاكات الإسرائيلية المتمثلة في إصدار أوامر عسكرية لمصادرة الأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى إصدار أوامر عسكرية لهدم منازل ومنشات الفلسطينيين، كما نفذت سلطات الاحتلال الإسرائيلية العديد من عمليات الهدم التي طالت المئات من المنازل الفلسطينية في مختلف محافظات الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث نفذ المستوطنين الإسرائيليين بحماية جيش الاحتلال الإسرائيلي المئات من الاعتداءات على الفلسطينيين وممتلكاتهم، ومداهمة المواقع الدينية والأثرية الفلسطينية. كما أن حكومة إسرائيل لم توقف عملية بناء وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية المنتشرة كالسرطان في مختلف مناطق الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية. في ما يلي تفصيل عن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال الفترة الممتدة من الحادي والثلاثين من شهر تموز من العام 2013 إلى الحادي والثلاثين من شهر آذار من العام 2014:
أوامر عسكرية لمصادرة أراضي فلسطينية
منذ العودة إلى طاولة المفاوضات في الحادي والثلاثين من شهر تموز من العام 2013، قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بإصدار 11 أمرا عسكريا يهدف إلى مصادرة أراضي فلسطينية في محافظات الضفة الغربية، حيث بلغت مساحة الأراضي الفلسطينية المصادرة بفعل هذه الأوامر 2442.1 دونم. تركزت أغلبية مصادرة الأراضي في محافظة الخليل، حيث تم مصادرة 1918 دونم، وتليها محافظة نابلس حيث تم مصادرة ما يصل إلى 322.8 دونم. وتتمثل أوامر مصادرة الأراضي الفلسطينية، أما في وضع اليد على الأرض أو أمر بإخلاء قطعة ارض، وفي جميع الحالات تتذرع إسرائيل بالحاجة الأمنية تارة، و أملاك دولة تارة أخرى. ومن المهم ذكره أن أغلبية مصادرة الأراضي الفلسطينية في محافظة الخليل جاءت في الجزء الجنوبي الشرقي من المحافظة، حيث اصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي أمر عسكرية لمصادرة 1370 دونم من أراضي عرب الكعابنة في الجزء الشرقي من مدينة يطا الواقعة جنوب محافظة الخليل، حيث تذرعت إسرائيل بان الأرض المستهدفة تم إعلانها من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي على أنها "مناطق إطلاق نار"، ولا يحق للفلسطينيين استخدامها والاستفادة منها بأي شكل من الأشكال، ولذلك توجب مصادرتها. انظر صورة رقم 1
أوامر هدم لمنازل ومنشات الفلسطينيين
منذ بداية المفاوضات في الحادي والثلاثين من شهر تموز من العام 2013 لغاية الحادي والثلاثين من شهر آذار من العام 2014، قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلية وعلى رأسها الإدارة المدنية الإسرائيلية بإصدار 471 أمر عسكري لوقف البناء وهدم للمنازل الفلسطينيين في مختلف المناطق الفلسطينية تحت ذريعة البناء دون ترخيص. حيت تركزت أغلبية هذه الأوامر في محافظة القدس حيث تم إصدار 178 أمر هدم، وتليها محافظة الخليل حيث تم إصدار 120 أمر هدم. يعود ارتفاع عدد أوامر الهدم في محافظة القدس إلى عدة أسباب أهمها: أن محافظة القدس تشكل نقطة الصراع الرئيسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما أن وجود مخططات التهويد الإسرائيلية لمدينة القدس، التي تدفع بتغير الوضع الديمغرافي في مدنية عن طريق زيادة أعداد اليهود القاطنين في مدينة القدس، وتقليل أعداد الفلسطينيين في المدينة لتصبح مدينة القدس مركز الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني مدينة ذات أغلبية يهودية وأقلية فلسطينية. وتشكل أوامر الهدم لمنازل الفلسطينيين سياسة رئيسية في دفع الفلسطينيين لرحيل عن المدينة، حيث أنها تضرب أهم ركن من أركان الحياة المستقرة للفلسطينيين، وهو المنزل. انظر صورة رقم 2
عمليات هدم لمنازل الفلسطينيين
بالإضافة إلى الأوامر الهدم التي أصدرتها سلطات الاحتلال الإسرائيلية بحق منازل الفلسطينيين في مختلف محافظات الضفة الغربية المحتلة، قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بعمليات هدم للمنازل تصل إلى هدم 299 منزل. تركزت أكثر عمليات الهدم في محافظة طوباس، حيث بلغت عدد المنازل التي تم هدمها منذ بداية المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية إلى 31 من آذار من العام 2014، ما يصل إلى 155 منزل، وتليها محافظة القدس حيث تم هدم 85 منزل. يعود ارتفاع عدد المنازل التي تم هدمها في محافظة طوباس، لان محافظة طوباس تشمل على مناطق الأغوار الشمالية، وهي مناطق أعلنتها إسرائيل عقب احتلالها لقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها مدينة القدس عام 1967، "مناطق عسكرية مغلقة"، وهي مناطق عرفت لاحقا باسم "منطقة العزل الشرقية"، حيث يمنع على الفلسطينيين البناء والوجود في تلك المناطق. وضمن سياسة إسرائيل في مناطق الأغوار الشمالية الهادفة إلى دفع الفلسطينيين للرحيل عنها في محاولة لإحكام قبضتها على تلك المناطق، تقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلية بعمليات هدم للعديد لمن منازل الفلسطينيين بهدف دفعهم إلى الرحيل وتفريغ مناطق الأغوار الشمالية من الفلسطينيين وإسكان المستوطنين الإسرائيليين بدلا منهم. كغيرها من عمليات الهدم ومصادرة الأراضي، تتذرع إسرائيل، أما بعدم قانونية المنازل المقامة أو الأسباب الأمنية والتي تحتل رأس قائمة الحجج الإسرائيلية لهدم المنازل ومصادرة الأراضي أيضا. ومن الجدير ذكره، بان جيش الاحتلال الإسرائيلية يقوم بإخلاء المئات من الفلسطينيين في مناطق الأغوار الشمالية وذلك بهدف إجراء تدريبات عسكرية إسرائيلية يتم استخدام الذخائر الحية فيها، مما يؤدي إلى تشريد الفلسطينيين، وهدم أجزاء من منازلهم بالإضافة إلى تدمير التربية بفعل الذخائر الحية التي يتم استخدامها. فعلى سيبل المثال خلال شهر تشرين الأول من العام 2013، تم إخلاء أكثر من 16 عائلة فلسطينية من منازلهم في مناطق مختلفة في الأغوار الشمالية.
اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين على الفلسطينيين
يشكل وجود المستوطنين الإسرائيليين القاطنين في المستوطنات الإسرائيلية الغير شرعية المقامة على أراضي الضفة الغربية المحتلة نقطة صراع جوهرية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. حيث تسعى إسرائيل من خلال المفاوضات إبقاء سيطرتها على اكبر قدر ممكن من المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي الضفة الغربية، في حين ترى القيادة الفلسطينية بان المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية ويجب إخلائها من المستوطنين للتوصل إلى سلام. يقارب عدد المستوطنين الإسرائيليين القاطنين في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة بما فيها مدينة القدس حوالي 700,000 مستوطن إسرائيلي، بالإضافة لما يشكل وجود المستوطنين الإسرائيليين في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية نقطة صراع سياسي على طاولة المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تشكل أيضا نقطة صراع على ارض الواقع. حيث تتعرض المناطق الفلسطينية المتاخمة للمستوطنات الإسرائيلية للعديد من الاعتداءات من قبل المستوطنين الإسرائيلية حيث بلغت عدد اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين في أراضي الضفة الغربية في الفترة الممتدة منذ بدء المفاوضات في الحادي والثلاثين من شهر تموز من العام 2013 إلى الحادي والثلاثين من شهر آذار من العام 2014، ما يقارب 516 اعتداء، وتتركز أغلبية هذه الاعتداءات في قلب صراع القضية الفلسطينية في مدينة القدس، حيث تعرضت مدينة القدس إلى 171 اعتداء. وتتمثل أغلبية هذه الاعتداءات في اقتحامات جماعات المستوطنين الإسرائيليين بحماية جيش الاحتلال الإسرائيلية لباحات مسجد الأقصى، بالإضافة للاعتداءات المتكررة للمستوطنين الإسرائيلية على الأطفال والنساء والرجال في حارات البلدة القديمة في القدس.
ومن الجدير ذكره، أن شهر تشرين الأول من العام 2013، شهد ارتفاع في اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين والتي بلغت 97 اعتداء. ويعود السبب في ارتفاع الاعتداءات في هذا الشهر بذات إلى انه شهر موسم قطف الزيتون في الأراضي الفلسطينية، ويكثف المستوطنين الإسرائيليين من اعتداءاتهم في هذا الشهر، لوجود المزارعين الفلسطينيين في الأراضي لقطف الزيتون بشكل يومي، وبالتالي تزداد إمكانية تعرضهم لاعتداءات المستوطنين بالأخص في الأراضي الزراعية المتاخمة للمستوطنات الإسرائيلية. انظر الصورة رقم 3
اقتلاع أشجار
لم تكتفي إسرائيل بهدم منازل الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم وإصدار أوامر هدم بحق منازلهم، ولم يكتفي المستوطنين بالاعتداءات الجسدية على الفلسطينيين وممتلكاتهم وسرقة أراضيهم، بل وصل بهم الأمر إلى تقطيع وحرق وتدمير الأشجار الفلسطينية، والتي تشكل مصدر دخل للعديد من العائلات الفلسطينية. حيث منذ انطلاق المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، دأب المستوطنين الإسرائيليين وقوات جيش الاحتلال الإسرائيلي على تدمير وتقطيع وحرق أكثر من 9993 شجرة في مختلف محافظات الضفة الغربية المحتلة. في محافظة رام الله تم اقتلاع ما يقارب 4165 شجرة، تركزت أغلبيتها في قريتي سنجل وترمسعيا الواقعتين شمال محافظة رام الله. ويعود السبب في استهداف هاتين القريتين بذات إلى قربهما من الممر الإسرائيلي الاستيطاني، "وهي توصيف للممر الرابط بين منطقة الغزل الغربية و منطقة العزل الشرقية (المنطقة الواقعة على طول الحدود الفلسطينية – الأردنية)"، ويحتوي الممر الإسرائيلي الفاصل بين محافظتي رام الله ونابلس بذات على كل من مستوطنة شيلو ومستوطنة متسيبي راحيل ومستوطنة عيلي ومستوطنة رشاليم، بالإضافة إلى عدد من البؤر الاستيطانية الغير شرعية. ويقوم المستوطنين الإسرائيليين القاطنين في هذه المستوطنات والبؤر الاستيطانية باقتحام الأراضي الزراعية، وتدمير الأشجار الموجودة فيها، والتي تكون في الغالب أشجار زيتون. انظر الصورة رقم 4
وحدات سكنية استيطانية جديدة في المستوطنات الإسرائيلية الغير شرعية
على الرغم من العودة إلى طاولة المفاوضات واشتراط القيادة الفلسطينيين وقف الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة إلا أن إسرائيل لم تتوقف عن إصدار عطاءات البناء والمصادقة على خطط جديدة لبناء وحدات سكنية إضافية في مختلف المستوطنات الإسرائيلية المنتشرة في أنحاء الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس. حيث قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بإصدار عطاءات بناء والمصادقة على خطط لبناء ما يقارب 17388 وحدة سكنية استيطانية في مختلف المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي الضفة الغربية المحتلة، وذلك خلال الفترة من الحادي والثلاثين من شهر تموز من العام 2013 إلى الحادي والثلاثين من شهر آذار من العام 2014. تركزت أغلبية عطاءات البناء والخطط الجديدة في المستوطنات الإسرائيلية في مدينة القدس وفي التجمعات الاستيطانية الإسرائيلية في الضفة الغربية، حيث يوجد في الضفة الغربية خمس تجمعات استيطانية رئيسية هي: غوش عتصيون، ارئيل، موديعين، معالي ادوميم، جيفعات زئييف. وهي التجمعات الاستيطانية التي تسعى إسرائيل من خلال المفاوضات مع الفلسطينيين لاحتفاظ بها تحت سيطرتها بالإضافة إلى المستوطنات الإسرائيلية في مناطق العزل الشرقية وفي الممرات الاستيطانية.
منذ بداية المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، قامت إسرائيل بنشر عطاءات لبناء ما يقارب 9383 وحدة استيطانية في حين تم المصادقة على خطط لبناء 8005 وحدة استيطانية جديدة، حيث شمل ذلك توسيع 34 مستوطنة إسرائيلية. انظر الجدول رقم (1)
*: مخططات بناء استيطانية مطروحة
يتبين من خلال الجدول السابق أن أغلبية العطاءات والخطط الجديدة لبناء وحدات استيطانية إضافية تركزت في المستوطنات الإسرائيلية المحيطة في مدينة القدس وداخلها، فعلى سبيل المثال، في مستوطنة جيلو الإسرائيلية الواقعة إلى الجنوب من مدينة القدس، والمقامة على أراضي فلسطينية تابعة لبلدة بيت جالا في محافظة بيت لحم، تم طرح عطاءات والموافقة على بناء ما يقارب 2398 وحدة سكنية جديدة، ويعود السبب في ارتفاع في عدد الوحدات السكنية المراد إضافتها إلى مستوطنة جيلو، لما يشكله المكان الذي تحتله مستوطنة جيلو من أهمية إستراتيجية لسلطات الاحتلال الإسرائيلية، حيث تقع مستوطنة جيلو بين محافظتي القدس وبيت لحم وتشكل جزء من إستراتيجية إسرائيل في ضم هذه المنطقة إلى حدود بلدية القدس، عن طريق بناء جدار العزل العنصري، مما سيؤدي الى ارتفاع أعداد المستوطنين المحسوبين على بلدية القدس، وايضا سيعمل على فصل مدينة القدس عن مدينة بيت لحم.
أما بالنسبة للمستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي مدينة القدس، فحصلت مستوطنة رامات شلومو التي تقع شمال مدينة القدس، على الموافقة على خطط لبناء وإصدار عطاءات لما يقارب 1896 وحدة استيطانية جديدة، حيث ستعمل الوحدات الاستيطانية الجديدة على استقطاب أعداد كبيرة من المستوطنين الإسرائيليين وبالتالي تحقيق سياسة إسرائيل في أن تصبح مدينة القدس ذات أغلبية يهودية.
في الختام
بعد مرور 8 أشهر على بداية المفاوضات، ومع الجهود المبذولة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لوقف الاستيطان ووقف التصعيد الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا أن إسرائيل غير معنية في نجاح عملية السلام وغير مهتمة بالشروط الموضوعة من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية والدليل على ذلك الانتهاكات الإسرائيلية التي لم تتوقف منذ العودة إلى طاولة المفاوضات، حيث طالت هذه الانتهاكات الأراضي والمنازل والأشجار الفلسطينية، مع الاستمرار في عملية بناء وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية.
اعداد: معهد الابحاث التطبيقية – القدس
(أريج)