لاحقا للأوامر العسكرية الإسرائيلية التي اصدرها جيش الاحتلال ضد البيئة الفلسطينية واستنزاف مواردها الطبيعية في منطقة واد النار (يطلق علية الاحتلال اسم “وادي كيدرون“) في العام 2019، ها هي اسرائيل تضرب مجددا بعرض الحائط جميع القوانين والاتفاقيات وتصدر امرأ جديدا يستولي على مئات الدونمات من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة. ففي الخامس من شهر اذار من العام 2021 أصدرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أمرا عسكريا جديدا تحت مسمى “أمر بشأن قانون الأراضي (استملاك للمصلحة العامة)-(يهودا و السامرة) رقم 321), 1969-5729 – قرارا بشأن استملاك و اخذ حق التصرف (مجمع مياه وادي كيدرون هوركنيا رقم ه/21/1) لمئات الدونمات من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة. و ينص الامر العسكري الإسرائيلي الصادر على الاستيلاء و استملاك قطعة ارض مجمل مساحتها 658,345 دونما من أراضي بلدة العبيدية في الحوض رقم 6, في مواقع كرين الحمم و جلين و صنم البقعة بذريعة إقامة مجمع مياه لاستخدام كل منطقة غور الأردن والبحر الميت (على وجه الخصوص المستوطنات الاسرائيلية في كل من منطقتي غور الأردن و البحر الميت).
الصور 1-4: نسخة عن الامر العسكري الاسرائيلي رقم ه/21/1
تجدر الإشارة الا انه في السادس من نيسان من عام 2019، نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي امرا عسكريا بشأن الصلاحيات الخاصة بقوانين المياه (يهودا والسامرة) (رقم 92) 1967 تحت اسم “وضع خط الصرف الصحي كيدرون/ مقطع مار سابا – هوركنيا” ورقم ” 1/4/2019″ ضمن الحملة لشركة جيحون ومكتب التنسيق والارتباط لضواحي القدس/ أريحا. وجاء القرار الإسرائيلي لتغيير المسار الطبيعي لخط واد النار للمياه العادمة والذي يأتي ضمن القرارات المتعلقة بسيطرة الاحتلال على الموارد الطبيعة الفلسطينية من خلال استغلال المياه العادمة ومعالجتها لاستخدامها للأغراض الزراعية. الخارطة رقم 1
الخارطة رقم 1: الصور 1-4: الامر العسكري الاسرائيلي رقم ه/21/1 كما يظهر على الواقع
فمنذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، عملت إسرائيل على إهمال المشاريع التطويرية لقطاع الصرف الصحي في الأراضي الفلسطينية بشكل متعمد. فبالرغم من أن السلطة الوطنية الفلسطينية قامت بوضع مخططات واستراتيجيات خاصة بالمياه العادمة ومعالجتها إلا أنها اصطدمت بالرفض الإسرائيلي، حيث عمدت إسرائيل على تعليق وإعاقة تنفيذ المشاريع المتعلقة بالمياه والصرف الصحي في الأراضي الفلسطينية. كذلك هو الحال فيما يتعلق بالمياه العادمة المتدفقة في وادي النار، حيث تعتبر المنطقة من المواقع التي تعاني من مشاكل بيئية وصحية وتدهور للأراضي الزراعية المحيطة عدا عن مخاطر تلوث المياه الجوفية نتيجة تدفق المياه العادمة من بعض تجمعات محافظة بيت لحم بالإضافة إلى بعض التجمعات الفلسطينية والمستوطنات غير الشرعية المقامة على أراضي محافظة القدس دون الأخذ بعين الاعتبار الأضرار البيئية والصحية الناجمة عن ذلك. هذا وتقدر كمية المياه العادمة المتدفقة بحوالي 35 ألف كوب يوميا عبر وادي النار لتجتاز الأراضي الزراعية المجاورة ويستمر سيل المياه العادمة باتجاه أراضي قرية بلدة العبيدية والسواحرة الشرقية ليصل إلى شواطئ البحر الميت.
والجدير ذكره انه تم طرح مشروع فلسطيني إنشاء محطة مركزية لمعالجة المياه في منطقة العبيدية من قبل الفلسطينيين لحل مشكلة التلوث البيئي وإعادة استخدام المياه المعالجة في مجال الزراعة. ويعتبر هذا المشروع مشروعا استراتيجيا كونه أحد اهم الحلول التي ستعمل على تحسين كمية المياه للزراعة من اجل تعزيز صمود المزارعين في أراضيهم. غير أن العراقيل والشروط التي وضعها الجانب الإسرائيلي حالت دون نجاح المشروع، وبالتالي حرمان الفلسطينيين من حقوقهم في إدارة مواردهم الطبيعية والاستفادة منها من الناحية البيئية والاقتصادية. هذا وتشترط إسرائيل للموافقة وإعطاء التراخيص اللازمة لإقامة المشاريع التطويرية في منطقة “ج” أن تكون هذه المشاريع مشتركة مع المستوطنات لمعالجة المياه العادمة. ويتمثل الطرح الإسرائيلي في بناء محطة لتنقية المياه العادمة في منطقة النبي موسى وتحت إدارتهم، وبالتالي تم رفض هذا الطرح من قبل الجانب الفلسطيني لأن ذلك يعتبر محاولة لشرعنة وجود المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية وخاصة في منطقة القدس الشرقية.
من الواضح أن الاستراتيجية الإسرائيلية بهذا الشأن هي أن تحكم سيطرتها على كافة الموارد المائية الفلسطينية، فإسرائيل تقوم حاليا باستغلال المياه العادمة ومعالجتها لاستخدامها للأغراض الزراعية محملة الجانب الفلسطيني تكاليف المعالجة في حين لا يستفيد الجانب الفلسطيني من أي كمية من هذه المياه المعالجة والتي تعتبر مصدرا مائيا هاما. ويبدو ذلك جليا من خلال مطالبة إسرائيل للسلطة الفلسطينية بدفع 1.2-2.0 شيكل/ متر مكعب مقابل معالجة كل كوب من المياه العادمة، ففي الفترة الواقعة بين عامين 2017 و2018 تم اقتطاع ما يقارب 115 مليون شيكل و102 مليون شيكل على التوالي من أموال السلطة الفلسطينية التي تجنيها الحكومة الإسرائيلية مقابل معالجة المياه العادمة المتدفقة من الأراضي الفلسطينية باتجاه الخط الأخضر في محطات داخل إسرائيل. ويأتي ذلك بحسب ادعاءاتهم ان تلك المياه العادمة المتدفقة تتسبب بأضرار بيئية. وتجدر الإشارة إلى ان ما تقوم به إسرائيل هو من جانب واحد ويتعارض مع الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني بالإضافة إلى انه لم يتم عرضه على السلطة الفلسطينية من خلال اللجنة المشتركة التي استأنفت عملها في عام 2017 بعد توقف دام اكثر من سبع سنوات.
على ضوء ما تقدم يجب على الجميع بما فيهم المجتمع الدولي والدول المانحة الإصرار والضغط على إسرائيل لمنح الفلسطينيين الحرية الكاملة لإدارة مواردهم الطبيعية وتطبيق الإدارة السليمة بيئيا للمياه العادمة والتي تتضمن إنشاء وحدات معالجة للمياه العادمة في المناطق المناسبة لذلك. مع التأكيد على ضمان حق الفلسطينيين بالتعويض عما تسبب به الاحتلال الإسرائيلي من أضرار وجرائم بحق البيئة الفلسطينية.
انتهاك للعدالة البيئية – الانتهاكات الاسرائيلية لحقوق الانسان والبيئية الفلسطينية
إن واجبات سلطة الاحتلال كما تم تحديدها في لائحة لاهاي لعام 1907 (المواد من 42-56) واتفاقية جنيف الرابعة (اتفاقية جنيف الرابعة، المواد من 27-34 ومن 47-78)، بالإضافة إلى بعض أحكام البروتوكول الإضافي الأول والقانون الدولي الإنساني العرفي والقانون البيئي، تنص على انه” يجب على القوة المحتلة باستخدام جميع الوسائل المتاحة لها ضمان كفاية معايير النظافة الصحية والصحة العامة بالإضافة إلى الإمداد بالغذاء والرعاية الطبية للسكان الواقعين تحت الاحتلال“. ولكن الاحتلال الاسرائيلي لا يكتفي بالتعامل مع الفلسطينيين على أنهم سكان دولة مجاورة عند الحديث عن واجباته كمحتل، بل ويمنع الفلسطينيين من تطوير البينة التحتية المتعلقة بإنشاء شبكات صرف صحي ومحطات معالجة في العديد من مناطق الضفة الغربية وخصوصا المناطق المصنفة “ج” وبذلك فان الشعب الفلسطيني يقبع تحت ظلم بيئي خطير وممنهج من قبل الاحتلال وهو انتهاك واضح للعدالة البيئية التي نصت عليها هذه القوانين والاتفاقيات التي وقعت عليها دولة اسرائيل. يجب العمل على حماية البيئة الفلسطينية بشكل عادل وفق القوانين لصون الحقوق وتنفيذ القوانين القائمة بشأنها.
اعداد:
معهد الابحاث التطبيقية – القدس (أريج)