خلال العام 2013, أعلنت الادارة المدنية الاسرائيلية (من خلال فريق العمل الميداني التابع لها) مساحات شاسعة من اراضي الضفة الغربية المحتلة على أنها "أراضي دولة". وقد أجرى معهد الأبحاث التطبيقية -القدس (لأريج) بحث واسع عن المصدر الرئيسي للتوسع الاستيطاني في الاراضي الفلسطينية خلال العقد الماضي، الا أن الإجراءات الإسرائيلية فيما يخص التوسع الاستيطاني زادت وأصبحت في هذه الايام أكثر وضوحا مما كانت عليه في السابق. ففي التاسع والعشرين من شهر نيسان من العام 2014, نشرت صحيفة هاارتس الاسرائيلية على صفحتها الالكترونية مقالا مفاده اعلان رئيس الادارة المدنية الاسرائيلية, اللواء يؤاف مردخاي, الى اللجنة الفرعية في الكنيست الاسرائيلي, عن مساحات شاسعة من الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة على انها أراضي دولة. وأكد اللواء أن المهمة الرئيسية لفريق العمل الميداني التابع للإدارة المدنية الاسرائيلية كانت إعادة النظر في الأراضي التي تم تخصيصها "اراضي دولة" خلال أعوام الثمانينات, وأنه نتيجة لذلك، تمت الموافقة على أكثر من 28000 دونما للاستصلاح. الرسم البياني رقم 1
والحقيقة انه يجب الاخذ بعين الاعتبار أن فريق العمل الميداني التابع للإدارة المدنية الاسرائيلية كان يخوض مرحلة عمل كاملة يجري فيها تغييرات جذرية في التركيبة الديموغرافية لمستوطنة ارييل ومنطقة جنوب الخليل خلال عملية السلام الجارية. ولتبسيط الامور, في حين ان تسيبي ليفني (وزيرة العدل الإسرائيلية) وفريقها المفاوض كانوا يناقشون تفاصيل حل الدولتين، كان أعضاء في الكنيست الإسرائيلي وجيش الاحتلال يسعون لتقويض المفاوضات من خلال ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة وانتهاك اتفاقيات أوسلو. وهذا بدوره لا يسلط الضوء فقط على السياسات الاسرائيلية الغير مباشرة المؤيدة للاستيطان، ولكن يوضح أيضا الانقسامات داخل الاطر السياسية في إسرائيل.
وتجدر الاشارة الى أن السياسات التي تعتبر نقطة ارتكاز في تحقيق التوازن بين دعم توسيع المستوطنات الإسرائيلية القائمة وإضفاء الشرعية للمستوطنات الاخرى ليس شيئا جديدا في السياسة الإسرائيلية. ففي العام 2012, انتقلت الحكومة الإسرائيلية للتحقيق في الطرق التي يمكن من خلالها إضفاء الشرعية للمستوطنات الاسرائيلية الغير الشرعية في الضفة الغربية المحتلة، من خلال اعلان مكتب رئيس الوزراء بتشكيل لجنة " لدراسة المسائل العقارية في الضفة الغربية ". وكانت اللجنة قد أصدرت رأيا قانونيا بشأن مسألة "الاملاك المهجورة أو أملاك الغائبين" في الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي قالت إن الإدارة المدنية الإسرائيلية لديها سلطة لتضمين هذه الأرضي للمستوطنين. وهذا يناقض تماما رأيا قانونيا صادرا عن وزارة العدل الاسرائيلية قبل 20 عاما، والذي ينص على أن "الاملاك المهجورة أو أملاك الغائبين" لا يمكن استخدامها لبناء مستوطنات جديدة. وسواء كانت القضية اعلان الأراضي المصنفة (ج) في الضفة الغربية على أنها "أراضي دولة" لغرض التنمية والتطوير المستقبلي, أو إضفاء الشرعية على المستوطنات الغير الشرعية من أجل ارضاء الناخبين وتحقيق الطموحات اليهودية، فان إسرائيل تقوم وبمهارة بضم ومصادرة الاراضي الفلسطينية المحتلة لحدودها.
وتجدر الاشارة الى أنه داخل المجتمع الاسرائيلي, لاحظ المراقبين المختصين في شؤون التوسعات الاستيطانية في المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة, تزايد الاعلانات الاسرائيلية الداعية الى اعلان أراضي فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة الى "أراضي الدولة". وكان من بين أولئك, درور اتكس, الخبير في شؤون الاستيطان في منظمة "حاخامات من أجل حقوق الانسان" حيث صرح, بأن "أي شخص يمعن النظر في الأماكن التي يتم إضافتها إلى الأراضي الخاضعة "لمناطق نفوذ المستوطنات الاسرائيلية", وعمل اللجنة الفرعية من بداية العام 2013 وحتى اليوم، يستنتج أن من وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية ليس هناك أوسلو، ولا جدار، ولا مفاوضات ". ويواصل اتكس الاشارة إلى أن، بقدر ما يعنيه ذلك للإدارة المدنية الاسرائيلية، فان المناطق المصنفة (ج) تم تخصيصها فقط للتوسع الاستيطاني الإسرائيلي، وأن هذه السياسة كانت اسرائيل تمارسها منذ أكثر من عشرين عاما.
وكانت اسرائيل قد أعلنت في أوائل الثمانينات بان ما يقارب ال 1 مليون دونما من الاراضي الفلسطينية (والتي هي اليوم ضمن المناطق المصنفة "ج") في الضفة الغربية المحتلة هي "أراضي دولة". وجاء هذا الاعلان عقب قرار المحكمة العليا الاسرائيلية الذي قضى بأن الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية لأغراض عسكرية وبناء المستوطنات هو عمل غير قانوني. وخلافا لقرار المحكمة العليا، ما أن أصبحت الأراضي مملوكة للدولة، تم تخصيص 99٪ من هذه الاراضي للمستوطنات. كما ان فريق العمل التابع للإدارة المدنية الاسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة والذي ينظر حاليا في تقييم وضع الأراضي التي يتم بناء المستوطنات والبؤر الاستيطانية عليها, سيعيد النظر في شرعية البؤر الاستيطانية الحالية والمباني الاستيطانية. واذا لم تدخل هذه المستوطنات والبؤر الاستيطانية ضمن عمليات إعادة النظر من قبل الادارة المدنية الإسرائيلية وغيرها، فان المنظمات (الجهات, الشركات) الإسرائيلية لن تستطيع ترخيص مخططات التنمية والتطوير في المستوطنات الاسرائيلية أو المضي قدما في مخططات الإخلاء.
وأصبح من الواضح جدا بان السماح بإعلان "اراضي دولة" داخل المناطق المصنفة (ج)، وإقامة المستوطنات الاسرائيلية في مناطق "الممرات الاسرائيلية" التي تربط المستوطنات الاسرائيلية بعضها ببعض هي من سمات الحكومة الإسرائيلية وعدد من اللجان المعينة في الحكومة. كما أن فريق العمل الميداني التابع للإدارة المدنية الاسرائيلية له الصلاحية بإعادة اعلان عن أراضي فلسطينية داخل المنطقة المصنفة (ج) على أنها "اراضي دولة", كذلك بإمكان قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي أن تعلن أراضي على انها "مناطق اطلاق نار". وفي كلا الحالتين, فان ذلك يساهم وبشكل كبير في ازدياد البناء الاستيطاني، على عكس الحال في القرى الفلسطينية، حيث لا يتم تضمين المستوطنات الاسرائيلية داخل المناطق المعلن عنها "مناطق اطلاق النار". ومع ذلك، إذا تم توسيع بؤرة استيطانية في منطقة "اطلاق النار", نادرا ما يتم اخلاء المستوطنين الإسرائيليين منها.
وفي تقرير لمنظمة "السلام الان" الاسرائيلية, ورد بان ادارة نتنياهو قامت بإصدار مناقصات ومخططات بناء في المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة خلال العام 2013 وخاصة في الفترة ما بعد استئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي في التاسع والعشرين من شهر تموز من العام 2013, كما فشلت في اعتراض بناء بؤرتين استيطانيتين جديدتين في منطقة غور الأردن وجنوب بيت لحم أيضا.
وفي تحليل للبيانات التي نشرتها صحيفة هاارتس الاسرائيلية فيما يخص "الاراضي المعلن عنها أراضي دولة", تبين أن أكثر من ثلاثة ألاف دونما قد أعلن عنها في محافظة بيت لحم على انها "أراضي دولة", وكان من المقرر أن تمنح لكل من, البؤرة الاستيطانية معاليه رحبعام (212 دونما) ومستوطنة تقوع "د" (988 دونما) ومستوطنة معاليه عاموس (2303 دونما). هذا بالاضافة الى تخصيص 32% (7909 دونما) من مجموع مساحة الاراضي المعلن عنها "أراضي دولة" (بحسب صحيفة هاارتس) في محافظة الخليل, وبالتحديد في مستوطنة كريات أربع وسط مدينة الخليل والبؤرة الاستيطانية هار منوح، ومستوطنة كرمي تسور. انظر الخارطة رقم 1
خارطة رقم 1: المستوطنات الاسرائيلية المستهدفة بحسب ما جاء في صحيفة هاارتس الاسرائيلية
وتجدر الاشارة الى أن 59% من مجموع مساحة الاراضي المعلن عنها أراضي دولة تتبع للمستوطنات الاسرائيلية القابعة بشكل غير قانوني على الجانب الشرقي من الجدار, الامر الذي يظهر أنه لا نية للحكومة الاسرائيلية بأنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية. واذا كانت اسرائيل تؤمن فعليا بحل الدولتين, فلماذا يستمر تدفق المستوطنين في المستوطنات الاسرائيلي, والذي في غضون عشرة أعوام, سوف يصبح من الصعب اخلائهم من هذه المستوطنات. الرسم البياني رقم 2
وببساطة, تسلط هذه التطورات الضوء على الفجوة في السياسة الإسرائيلية الداخلية حيث أن اليمين الاسرائيلي ومجالس المستوطنين والجاليات اليهودية لا تبذل سوف القليل من وقتها لإنقاذ عملية السلام وتعرف كيف تلعب السياسة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي. والحقيقية ان نتنياهو يحتاج إلى دعم هذه الفصائل وخاصة إذا كان يرغب البقاء في السلطة، وهذه هي الشريحة من المجتمع الإسرائيلي التي ستدعمه بالتصويت- و إذا لم تحصل هذه الفصائل على مطالبها, فسوف تعلن انقلابها على الحكومة الحاكمة. ولذلك، عندما يتم الضغط على الحكومة الإسرائيلية من قبل المجتمع الدولي وشرائح المجتمع الإسرائيلي لإقامة حل الدولتين مع الفلسطينيين، فان اليمين الاسرائيلي ومجالس المستوطنين يطالبون بسرعة الاستيلاء على الاراضي في المناطق المصنفة (ج) وإنشاء دولة واحدة. وبالتالي فإن الحكومة الإسرائيلية تلعب باستمرار لعبة الخداع مع المجتمع الدولي، لأنها على يقين بانه في غضون 10 أعوام, فان مجالس المستوطنين ستكون الاكثر تأثيرا في الحكومة الاسرائيلية وذات أغلبية التصويت. وقد تكون إسرائيل الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط ، الا ان ذلك مؤشرا على بداية سقوطها .
اعداد: معهد الابحاث التطبيقية – القدس
(أريج)