إن قضية الاستيطان الإسرائيلي كانت ولا تزال من ابرز قضايا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي, حيث أن إسرائيل ومنذ قيامها باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 1967, دأبت على إنشاء وبناء المستوطنات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة في سياسة مبرمجة رامية إلى تعزيز وجودها على هذه الأرض والقضاء على أي إمكانية لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة المتصلة جغرافيا والمستدامة اقتصاديا.
فمنذ اليوم الأول لاحتلال الضفة الغربية شرعت إسرائيل في بناء المستوطنات الإسرائيلية، وتركز معظم هذا البناء على الأراضي في المنطقة المصنفة “ج” التي بحسب اتفاقية أوسلو الثانية المؤقتة والموقعة في العام 1995 بين السلطة الوطنية الفلسطينية واسرائيل تخضع للسيطرة الامنية والادارية الاسرائيلية الكاملة. وتجدر الاشارة أن المناطق المصنفة “ج”, كان يتوجب نقلها لتصبح تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة لولا المماطلات الاسرائيلية والتعمد في عدم تنفيذ الاتفاقيات الموقعة مع الفلسطينيين التي أبقت على المناطق المصنفة “ج” تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة حتى يومنا هذا. ومع تصاعد الهجمة الاستيطانية الشرسة والزيادة غير طبيعية للتوسع الاستيطاني قامت إسرائيل بالاستيلاء على ألاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية ذات الملكية الخاصة وذلك من خلال تطبيق العديد من الإجراءات ومن ثم تحوليها لصالح المستوطنات الإسرائيلية لأهداف أعمال البنية التحتية والتوسع وبناء البؤر الاستيطانية الجديدة. وتبلغ مساحة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية حتى هذا التاريخ 201 كم2 أي ما يعادل 3.6% من مساحة الضفة الغربية الكلية، ويقطنها ما يزيد عن 824 ألف مستوطن اسرائيلي.
وفي العام 2020, صعدت حكومة الاحتلال الاسرائيلي من انتهاكاتها بحق الشعب الفلسطيني وأرضه وممتلكاته والتي أثرت بشكل سلبي وخطير على حياة المواطنين الفلسطينيين. فبالرغم من المساعي الدولية الحثيثة خلال الاعوام الماضية لحل النزاع الفلسطيني-الاسرائيلي واحلال السلام الشامل والعادل في المنطقة الا أن دولة الاحتلال الاسرائيلي ما زالت تتمادى في انتهاكاتها بحق الشعب الفلسطيني ومستمرة في النشاطات الاستيطانية في الاراضي الفلسطينية المحتلة والمتمثلة بمصادرة الاراضي الفلسطينية والتوسعات الاستيطانية المختلفة وشرعنة البؤر الاستيطانية الغير القانونية وعمليات الهدم الاسرائيلية التي استهدفت مئات المنازل والمنشآت الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وشردت العديد من العائلات الفلسطينية (من اطفال وكبار السن ونساء) وايضا انتهاكات المستوطنين التي باتت تشكل خطورة كبيرة على المواطنين الفلسطينيين وحياتهم اليومية هذا بالإضافة الى استهداف القطاع الزراعي الفلسطيني من اقتلاع للأشجار الفلسطينية وبخاصة اشجار الزيتون التي تعتبر مصدر دخل رئيسي وهام للعائلات الفلسطينية وتدمير المنشآت والمعدات الزراعية والمصادرات التي تبعتها من اجل شل الحركة الزراعية والاقتصادية, هذا بالإضافة الى مئات اوامر الهدم ووقف العمل الإسرائيلية التي استهدفت تجمعات فلسطينية بأكملها تحت مسميات واهية, من اجل السيطرة على الأراضي التي تقوم عليها هذه التجمعات واقامة المخططات الاستيطانية عوضا عنها.
المخططات الاستيطانية الصادرة من قبل حكومة الاحتلال الإسرائيلي خلال العام 2020
خلال العام 2020, أصدرت حكومة الاحتلال الاسرائيلي ممثلة بوزارتها المختلفة (دائرة أراضي إسرائيل, ووزارة البناء والاسكان الاسرائيلية, ووزارة الداخلية الاسرائيلية وبلدية القدس الاسرائيلية) 60 مخططا استيطانيا للبناء والتوسع في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة, استهدفت 48 مستوطنة اسرائيلية. وقد شملت هذه المخططات بناء 9,693 وحدة استيطانية في المستوطنات السابق ذكرها على مساحة تبلغ 10,641 دونما من الاراضي الفلسطينية شملت منطقتين صناعيتين, مقبرة, محطة لمعالجة المياه العادمة و غيرها من المباني و المرافق العامة. كما تجدر الاشارة الى أن المخططات الاسرائيلية استهدفت 21 مستوطنة اسرائيلية في المنطقة التي اصبحت تُعرف “بمنطقة العزل الغربية” في الضفة الغربية المحتلة (المستوطنات الواقعة على الجانب الغربي من الجدار –بين الخط الاخضر – خط الهدنة للعام 1949 ومسار جدار العزل العنصري) بواقع 2,317 وحدة استيطانية، على مساحة قدرها 3,621 دونما. كما استهدفت المخططات ايضا 47 مستوطنة اسرائيلية على الجانب الشرقي من الجدار بواقع 7,376 وحدة استيطانية على مساحة قدرها 7,020 دونما.
التوسع الاستيطاني الإسرائيلي خلال العامين 2018-2019
قام معهد الابحاث التطبيقية – القدس (أريج) خلال العام 2020 بدراسة تحليلية للتوسع الاستيطاني الحاصل في المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة خلال العامين 2018-2019 من خلال تحليل صور جوية عالية الجودة. وتبين من خلال التحليل أن هناك زيادة في المساحة في 155 مستوطنة إسرائيلية (تشمل المستوطنات الإسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة) هذا بالإضافة الى 23 موقعا عشوائيا شهدت توسعا في ذات الفترة (2018-2019) شملت المنطقة العمرانية التابعة للمستوطنات الاسرائيلية والبنية التحتية والطرق بواقع 4146 منشأة (على ما مساحته 518 دونما) تنوعت ما بين 254 وحدة سكنية و3,402 بناية ذات طابقين و490 كرفانا (بيتا متنقلا). كما اظهر التحليل قيام المستوطنين بإنشاء ثمانية بؤر استيطانية جديدة في الضفة الغربية المحتلة. .
الخلاصة
ما زالت اسرائيل تمارس حملة شرسة على الفلسطينيين في محاولة منها لاقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه وترحيله بكل وسيلة ممكنة. في ذات الوقت, تسخر اسرائيل جميع امكانياتها في البناء في المستوطنات والبؤر الاستيطانية الاسرائيلية وتعزز من وجود هذه المستوطنات على الاراضي الفلسطينية المحتلة وتكثف الوجود اليهودي فيها من اجل منع أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيا في المستقبل.
كما أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تستمر بدفع قطعان المستوطنين للاستيلاء على التلال الفلسطينية لتشييد بؤر استيطانية جديدة بهدف زيادة رقعة مساحة المستوطنات القائمة في الجوار (المسوطنات الام) أو لتكوين نواة جديدة لمستوطنات مزمع إقامتها, عن طريق تأمين الحماية العسكرية لها وتزويدها بخدمات البنية التحتية هذا بالاضافة الى تقديم الدعم المالي لها في مناسبات عدة.
ان هذه السياسات التي تنتهجها اسرائيل بحق الدولة الفلسطينية المحتلة ومواطنيها في كل من الضفة الغربية والقدس، يشكل خرقا واضحا للمواثيق والاعراف الدولية التي تدين مثل هذه السياسات, فيما يلي عرض لبعض المعاهدات والقوانين التي تنص على ذلك:
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المادة 17:(1) لكل فرد حق في التملك، بمفرده أو بالاشتراك مع غيره. (2) لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفا.
- اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 آب/أغسطس 1949م:المــادة 47: ‘لا يحرم الأشخاص المحميون الذين يوجدون في أي إقليم محتل بأي حال ولا بأية كيفية من الانتفاع بهذه الاتفاقية، سواء بسبب أي تغيير يطرأ نتيجة لاحتلال الأراضي على مؤسسات الإقليم المذكور أو حكومته، أو بسبب أي اتفاق يعقد بين سلطات الإقليم المحتل ودولة الاحتلال، أو كذلك بسبب قيام هذه الدولة بضم كل أو جزء من الأراضي المحتلة’. وأيضا المــادة 53: ‘يحظر على دولة الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات، أو بالدولة أو السلطات العامة، أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية، إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتماً هذا التدمير.’ كذلك المــادة 147: ‘المخالفات الجسيمة التي تشير إليها المادة السابقة هي التي تتضمن أحد الأفعال التالية إذا اقترفت ضد أشخاص محميين أو ممتلكات محمية بالاتفاقية : القتل العمد، والتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، بما في ذلك التجارب الخاصة بعلم الحياة، وتعمد إحداث آلام شديدة أو الإضرار الخطير بالسلامة البدنية أو بالصحة، والنفي أو النقل غير المشروع، والحجز غير المشروع، وإكراه الشخص المحمي على الخدمة في القوات المسلحة بالدولة المعادية، أو حرمانه من حقه في أن يحاكم بصورة قانونية وغير متحيزة وفقاً للتعليمات الواردة في هذه الاتفاقية، وأخذ الرهائن، وتدمير واغتصاب الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورات حربية وعلى نطاق كبير بطريقة غير مشروعة وتعسفية. ‘
- الاتفاقية الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية – معاهدات لاهاي – 18 أكتوبر/ تشرين الأول 1907مالمــادة 23 – ز: ‘يمنع تدمير ممتلكات العدو أو حجزها, إلا إذا كانت ضرورات الحرب تقتضي حتماً هذا التدمير أو الحجز’. كذلك المــادة 46: ‘ينبغي احترام شرف الأسرة وحقوقها, وحياة الأشخاص والملكية الخاصة, وكذلك المعتقدات والشعائر الدينية. لا تجوز مصادرة الملكية الخاصة.’
اعداد:
معهد الابحاث التطبيقية – القدس (أريج)