في شهر تموز من عام 2004، أصدرت محكمة العدل الدولية قرارها الاستشاري حول شرعية بناء الجدار الفاصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. كما بين القرار أن ما تقوم به إسرائيل من خطوات أحادية الجانب في الأراضي الفلسطينية المحتلة هو مخالفة واضحة للقوانين الدولية والقانون الإنساني الدولي. كما أستند قرار محكمة العدل الدولية (أعلى سلطة تشريعية في الأمم المتحدة) على مجموعة من المواثيق والقرارات والقوانين الإنسانية الدولية كميثاق الأمم المتحدة وقرار الجمعية العامة رقم 2625 (د-25) القاضي بعدم مشروعية أي حصول على الأرض ينشأ عن التهديد بالقوة أو عن استعمالها وحق الشعوب في تقرير المصير.
وقد طالب القرار الأمم المتحدة بوضع إطار عام لعملية تسجيل الخسائر الناجمة عن بناء الجدار العازل في الأراضي الفلسطينية المحتلة. مما حذى الجمعية العمومية للأمم المتحدة بإصدار تقرير في تشرين أول من العام الجاري، يقترح آلية ومنهجية لعملية تسجيل الخسائر التي شملت استيلاء الجيش الإسرائيلي على ‘منازل ومشاريع تجارية وحيازات زراعية’ تابعة للملكية الفلسطينية الخاصة وتدميرها، وحسب قرار محكمة العدل العليا ‘إن على إسرائيل التزاما بجبر الضرر الذي لحق بجميع الأشخاص الطبيعيين والاعتبارين المعنيين’ أثر بناء الجدار العازل.
يأتي اقتراح الجمعية العمومية للأمم المتحدة تسويفاً وتحييداً واضحا لقرار محكمة العدل الدولية، فهو يتجاهل القواعد التشريعية الرئيسة التي استند عليها قرار المحكمة باعتبار القانون الدولي الركيزة القانونية والحكم في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. ويجدر بالإشارة إلى أن اقتراح الجمعية العمومية قد اقتصر مفعوله على الأراضي المعزولة غرب الجدار والمحصورة ما بين مسار الجدار العازل و خط الهدنة (الخط الأخضر) المعلن عنه من قبل الأمم المتحدة في عام 1949م والتي تمثل 555 كم2 من المساحة الكلية للضفة الغربية, أي ما نسبته 10%، متغاضياً عن الخسائر التي لحقت بالأراضي الفلسطينية الواقعة شرق الجدار العازل بما فيها منطقة العزل الشرقية الممتدة على طول غور الأردن غربي البحر الميت والتي تبلغ مساحتها 1664 كم2 أي ما نسبته 29.4 % من المساحة الكلية للضفة الغربية 5661 كم²) وغيرها من الأراضي التي تم استئصالها من قبل الإسرائيليين لأهداف تخدم ما يسمى الحاجات الأمنية للشعب الإسرائيلي مثل القواعد العسكرية. انظر الخارطة
هذا ولم يوضح اقتراح الجمعية العمومية الأساس المعتمد عليه في تعريف ملكيات الأراضي. حيث أن إسرائيل عقب احتلالها للضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة في العام 1967 قامت بإصدار قرار عسكري تم من خلاله تعليق عملية تسجيل الأراضي الفلسطينية المحتلة لإشعار آخر مما سهل قيامها بالاستيلاء على ما مساحته 2910 كم2 ( 51%) من مساحة الضفة الغربية و اعتبارها أراضي دولة .
إن اقتراح الجمعية العمومية يتعامل مع الخسائر الناجمة عن تشييد الجدار العازل بشكل فردي، مما يمكن إسرائيل من شرعنه الاستيلاء على الأراضي العامة، كما أن هذا الاقتراح يغفل التطرق للآثار السلبية التي طالت الوضع الاجتماعي و الاقتصادي و البيئي للمجتمع الفلسطيني مما يهدد نجاح إحداث عملية تطور و تنمية مستدامة في الأراضي الفلسطينية.
إن الخطوات الأحادية الجانب التي قامت و ما تزال تقوم بها إسرائيل على أراضي الضفة الغربية من بناء للمستوطنات الإسرائيلية (عددها 207) و إقامة البؤر الاستيطانية (عددها 217) و تشييد الطرق الالتفافية ( طولها 798 كم) التي تؤمن حركة آمنة للمستوطنين الإسرائيليين (408 ألف مستوطن اسرائيلي)، هي أمور نجح قرار محكمة العدل الدولية بالتطرق لها و وصفها بغير الشرعية، و لكن لم ينجح اقتراح الجمعية العمومية للامم المتحدة بصيغته الحالية بترجمة الواقع غير الشرعي للانتهاكات الإسرائيلية بشكل عملي.
إن اقتراح الجمعية العمومية بتسجيل الخسائر يعتبر خيبة أمل للشعب الفلسطيني، فقد فشل الاقتراح فشلاً ذريعاً في وصف أو تسجيل المعاناة الفلسطينية اليومية كعدم قدرة المواطن الفلسطيني على الحركة بحرية تامة. فعلى سبيل المثال, تعتبر سياسة البوابات الإسرائيلية المزروعة على طول خط الجدار العازل بوابات عسكرية لا تجارية أو زراعية كما يدّعي الجانب الإسرائيلي، بل بوابات تلحق بالاقتصاد الفلسطيني ضررا بالغا يستدعى إدراجها في عملية تسجيل الخسائر المقترحة.
إننا في معهد الأبحاث التطبيقية نوجّه نداء استغاثة لمؤسسات المجتمع المدني في فلسطين و خارجه للتكاثف و رفض الصيغة الحالية لاقتراح الجمعية العمومية بتسجيل الخسائر الناجمة عن تشييد جدار العزل العنصري في الضفة الغربية. هذا و نطالب القيادة الفلسطينية بجعل هذه القضية على سلم أولوياتها و متابعتها بالطرق القانونية و الشرعية من خلال ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، مع السماح للمؤسسات الأهلية الفلسطينية بالمشاركة في وضع آلية عمل و إطار آخر غير المقترح في تقرير الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
هذا و ندعو الأمين العام للأمم المتحدة السيد كوفي عنان بتحمل مسؤوليته التاريخية تجاه الشرعية الدولية التي يمثلها، من خلال السماح للشعب الفلسطيني ممثلاً بقيادته الشرعية المشاركة في وضع صياغة تكفل الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني بالعيش بأمان و حرية. ومما لا شك فيه أننا لا نطالب بمقاطعة عملية تسجيل الخسائر لعدم إعطاء أي ذريعة تمكن أي جهة من التفرّد بالرأي و إجبارنا على صيغ أخرى لا تلبي تطلعات الشعب الفلسطيني بالسلام الشامل و العادل الذي كفلته مواثيق الشرعية الدولية.