بين المناطق الحرشية المطلة على بلدة يعبد في محافظة جنين تقع خربة المكحل تلك الخربة التي سطرت قصة معاناة شعب على مدار أكثر من 60 عاماً من التهجير والحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية التي عرفها البشر. خربة المكحل تقع على مسافة 2كم جنوب خربة امريحة غير المعترف بها حيث تشاطر الخربة الهموم والمعاناة اليومية حيث يصر الاحتلال على اقتلاع السكان من المنطقة بل إبادتهم نهائياً من المكان وتحويلهم إلى مجرد لاجئين للمرة الثانية داخل وطنهم الذي ضاق بفعل مخططات الاحتلال التي لم تبق أي شيء على حاله إلا وطالتها يد الدمار والتخريب.
يشير السيد وليد حمدان مكحل رئيس لجنة مشاريع خربة المكحل لباحث مركز أبحاث الأراضي’ بالتالي: ‘في عام 1948م قام الاحتلال بتهجيرهم من بلدهم الأصلية وهي جسر الزرقاء في الأراضي المحتلة، حيث أقدمت العصابات الصهيونية بإبادة القرية عن بكرة أبيها وتشريد جميع السكان وقتل من بقي بالقرية بعد هدم المنزل فوق رأسهم، اضطر السكان حينها إلى الرحيل باتجاه الضفة الغربية، حيث استقروا على مسافة 4كم جنوب غرب مدينة يعبد، وهناك قاموا بتشييد منازل بسيطة مصنوعة من الصفيح والخيش لتحمي الأطفال من حر الصيف وبرد الشتاء، لكن الاحتلال الإسرائيلي بعد حرب عام 1967م لم يدعهم وشأنهم، فقد حول التجمع إلى تجمع غير معترف به وحرم السكان من أبسط حقوقهم الإنسانية التي تليق بالبشر وبهذا تحولوا إلى غرباء داخل ما تبقى لهم من وطن’.
تجدر الإشارة إلى أن خربة المكحل الآن وبعد مرور أكثر من 60 عاماً من النكبة الأولى تعيش على وقع موجة من التهجير من جديد، فالاحتلال الإسرائيلي لا يسمح للسكان بإضافة أي مبنى جديد إلى داخل التجمع بل وصل الحد إلى منع السكان من ترميم المنازل التي شيدوها بعد الهجرة في عام 1948م حتى باتت تلك المنازل القديمة آيلة للسقوط في أي لحظة فوق رؤوس السكان العزل.
والزائر إلى التجمع يدهش بحجم المأساة التي يمر بها التجمع في القرن الحادي والعشرين فهو بدون ماء أو كهرباء حتى بدون طرق معبدة توصل إلى التجمع وفوق هذا يضطر السكان إلى اللجوء إلى السكن في الخيام كحل مؤقت لمعاناتهم على الأمل بغد مشرق يغير الحال الذي هم فيه الآن بعد أن منعوا من مجرد ترميم بيوتهم الآيلة للسقوط.
يشار إلى أن هذا الحال دفع بثلاث عائلات من أصل 12 عائلة تقطن في التجمع (45 فرداً) إلى الهجرة إلى القرى المجاورة مثل قرية النزلة الوسطى وقرية كفر راعي هرباً من مأساة حقيقية حلت بهم. تجدر الإشارة إلى أن أهالي التجمع يواجهون معضلة حقيقية في الحصول على أبسط الخدمات الإنسانية، حيث أكد رئيس لجنة مشاريع خربة امريحة المجاورة لخربة المكحل لباحث مركز أبحاث الأراضي أن أهالي المنطقة نجحوا في إقناع عدداً من المنظمات الدولية في بناء حاووز رئيسي لنقل المياه إلى التجمعين من مدينة يعبد المجاورة وكان الحديث يدور في بداية العام الحالي للبدء في تنفيذ هذا المخطط على ارض الواقع، لكن أهالي التجمعين أصدموا بمعضلة كبيرة وهي الرفض من قبل الاحتلال الذي يصر على عدم الاعتراف بالتجمعين، وبذلك يضطر السكان إلى شراء الماء من مدينة يعبد ونقلها عبر صهاريج خاصة تقدر تكلفة الماء المنقول هي 150 شيكل لكل 3 متر مكعب من الماء، وهي تكلفة باهظة على السكان البسطاء الذين لا يمتلكون أي مصدر للدخل سوى الزراعة وتربية الماشية.
وعلى التلال المحيطة بخربة المكحل تقع مستوطنة ‘ خرميش’ تلك المستوطنة التي أقيمت على أراضي بلدة يعبد تنهب الأرض وتسرق المياه بدعم وتشجيع حكومات الاحتلال المتعاقبة، حيث أن المتابع للعملية النمو العمراني داخل المستوطنة يرى أن المستوطنة خلال الأعوام العشر الماضية منذ عام 200م تحديدا تطورت خمسة أضعاف مما كانت عليه بالسابق، وهذا مؤشر يعكس الطابع الحقيقي لدولة الاحتلال الإسرائيلي التي أقيمت بالأصل على تهجير شعب بأكمله.
ملاحقة السكان على مصدر دخلهم الوحيد:
تجدر الإشارة إلى أن الاحتلال لم يكتف بمصادرة أبسط حقوق الإنسان في خربة المكحل وهي الحق في السكن، بل تعدى ذلك إلى الإعلان عن التجمع منطقة مغلقة عسكرياً فوضع العديد من أبراج المراقبة العسكرية في محيط خربة المكحل ومنع السكان من مجرد رعي الأغنام التي تعد مصدر دخلهم الوحيد لهم ولعائلاتهم، بل تعدى الأمر إلى مصادرة أغنامهم بمجرد الرعي في التلال المحيطة بحجة دخول منطقة مغلقة عسكرياً. وبهذا بات العمل في الحقول الزراعية التابعة للقرى المجاورة هي المصدر الوحيد لدخل لديهم.
حرمان الأطفال من مواصلة تعليمهم:
يذكر أن الأطفال في خربة المكحل يضطرون إلى الذهاب إلى مدارس القرى المجاورة تحديداً إلى مدرسة قرية النزلة الوسطى التي تبعد مسافة 8كم عن خربة المكحل حيث يعتمدون على الركوب على الحمير للوصول إلى مدارسهم، بعد أن حرم الاحتلال 20 طالباً من الخربة من مواصلة تعليمهم. حول ذلك يؤكد السيد وليد حمدان مكحل لباحث مركز أبحاث الأراضي أن السكان في التجمع تمكنوا من شراء كرفان متنقل لتحويله لمدرسة لأطفالهم بهدف التخفيف عن معاناتهم اليومية، إلا أن قوات الاحتلال قامت بمصادرة الكرفان والتهديد بهدم البيوت وترحيل السكان إن استمر الوضع على ما هو عليه، والآن النتيجة هي تشريد الطلاب الذين يضطرون في أحيان كثيرة للتغيب عن مدارسهم في موسم الأمطار، مع العلم كما يؤكد رئيس لجنة المشاريع في الخربة أن هناك أطفال متميزون في دراستهم العلمية رغم كل التحديات والعقبات التي يضعها الاحتلال الإسرائيلي.
اعداد:
مركز أبحاث الاراضي – القدس