في السابع عشر من شهر نسيان من العام 2013، قام عشرات المستوطنين يرافقهم قوة من جيش الإحتلال الإسرائيلي بإقتحام منطقة برك سليمان الأثرية الواقعة بين بلدتي الخضر وارطاس في الجنوب الغربي من مدينة بيت لحم وأقاموا شعائرهم التلمودية في المنطقة. وبموجب إتفاقية أوسلو الثانية الموقعة في شهر ايلول من العام 1995، تصنف منطقة برك سليمان على أنها منطقة ‘أ’، أي أنها تخضع للسيطرة الفلسطينية الكاملة إداريا وأمنيا)، وبذلك فإن تواجد المستوطنين وجيش الإحتلال الإسرائيلي فيها يعد خرقا لهذه الاتفاقية. ومن الجدير بالذكر أن هذه المحاولات المستمرة في إقتحام منطقة برك سليمان من قبل المستوطينين لا تهدف إلا لتعزيز سيطرتهم عليها من أجل السعي المستمر لضمها إلى تكتل غوش عتصيون الإستيطاني في المستقبل.
برك سليمان، لمحة عامة:
تقع منطقة برك سليمان في الجنوب الغربي من مدينة بيت لحم. تحيطها قرية الخضر من الشمال، وقرية أرطاس من الشرق، وجدار العزل العنصري الإسرائيلي وتجمع غوش عتصيون الإستيطاني من الجنوب. وتعد منطقة برك سليمان من أجمل المناطق الأثرية والطبيعية الموجودة في محافظة بيت لحم، حيث كانت تعتبر على مر العصور المنفس الوحيد للتنزه والقيام بالرحلات السياحية للسكان في القرى والمدن المحيطة بمحافظة بيت لحم. خارطة رقم 1 توضح موقع برك سليمان في منطقة بيت لحم
وكانت منطقة برك سليمان حتى العام 1967، أي قبل الإحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، تشكل منبع أساسي للمياه تستمد منه كل من القرى والمدن في محافظة بيت لحم والقدس أيضا. الا انه عقب احتلال اسرائيل للاراضي الفلسطينية في العام 1967 والبناء المكثف للمستوطنات الإسرائيلية الغير شرعية بين محافظتي القدس وبيت لحم (وبالأخص تكتل غوش عتصيون الإستيطاني)، وأيضا اقامة جدار العازل الذي إقتطع مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية، فإن كمية المياه التي تصل إلى هذه القرى والمدن لا تتجاوز ربع ما كان يصلها في تلك الفترة.
إنتهاكات إسرائيلية سابقة لمنطقة برك سليمان
إن إقتحام المستوطنين لمنطقة برك سليمان تحت حماية جيش الإحتلال الإسرائيلي ليس الأول من نوعه حيث أن هذه الإقتحامات تكررت أكثر من مرة خلال الأعوام السابقة, كان آخرها في الحادي والثلاثين من شهر آذار من العام 2013، عندما إقتحم عشرات المستوطينين القاطنين في مستوطنة افرات الاسرائيلية الواقعة ضمن تكتل غوش عتصيون الإستيطاني، تحت حماية جيش الإحتلال الإسرائيلي, منطقة برك سليمان لإقامة شعائرهم التلمودية بحجة أن تلك المنطقة تحتوي على معبد مقدس.
وتجدر الاشارة الى ان هذه الهجمات الشرسة التي ينفذها المستوطنون تجاه الممتلكات والأراضي الفلسطينية كمنطقة برك سليمان لا يمكن إعتبارها عشوائية إطلاقا حيث أن هذه الممارسات تدخل ضمن إستراتيجية ومنهجية واضحة تهدف من خلالها إلى الضغط على الحكومة الإسرائيلية للقيام بضم تلك المنطقة إلى تكتل غوش عتصيون الإستيطاني الذي تسعى اسرائيل الى ضمه ليصبح جزءا من حدودها من خلال تغيير مسار جدار العزل العنصري الذي تقوم اسرائيل ببناءه في المنطقة.
إن مسار جدار العزل العنصري الذي يحيط بمنطقة برك سليمان من الجهة الغربية ليس بجدار دائم، فالحكومة الإسرائيلية مستعدة لتغيير مسار هذا الجدار – في أي وقت – طالما أنه يخدم مصلحة المستوطنين ويعزز من تواجدهم في تلك المنطقة. وهذا الإفتراض – تغيير مسار الجدار لمصلحة المستوطنين – مبني على عدة مواقف سابقة للحكومة الاسرائيلية وكيفية تعاملها معها. ونذكر هنا في العام 2009 مثلا، قامت محكمة الإحتلال الإسرائيلي التابعة للإدارة المدنية الإسرائيلية في محافظة بيت لحم (التابعة لتكتل غوش عتصيون) برفض ثمانية إلتماسات من أصل تسعة مقدمة من قبل أهالي بلدتي الخضر وإرطاس، الواقعتي في الجنوب الغربي لمدينة بيت لحم ضد قرار عسكري إسرائيلي صادر في العام 2004 يقضي بمصادرة 1,700 دونما من الأراضي الفلسطينية بحجة أنها معلنة من قبل اسرائيل ‘أراضي دولة’.
وبحسب مسار جدار العزل العنصري في العام 2004، فان الأراضي المستهدفة (ال 1,700 دونما( تقع ضمن الاراضي التي من المقرر أن تعزل غرب الجدار لتصبح جزء من دولة إسرائيل وايضا ضمن ‘المخطط الهيكلي’[1] لمستوطنة افرات الاسرائيلية الواقعة في الجنوب الغربي لمدينة بيت لحم. وما حدث في العام 2005 هو أن وزارة الدفاع الإسرائيلية قامت بإجراء العديد من التعديلات على مسار جدار العزل في الضفة الغربية المحتلة، حيث أن احد هذه التعديلات جرى على المقطع الذي تقع خلفه مساحة الأراضي التي تعتبرها إسرائيل بأنها ‘أراضي دولة’ (ال 1,700 دونما)، والتي تقع شمال مستوطنة افرات (خارطة رقم 2) . فبالتالي، فإن هذه الأراضي المستهدفه – وبحسب التعديل الحاصل على مسار جدار العزل العنصري – أصبحت تقع خارج منطقة العزل الغربية.
في الوقت الحاضر، ما يقوم به المستوطنين من إستهداف مباشر ومتكرر للمنطقة السابقة الذكر، يهدف أيضا إلى الضغط على الحكومة الإسرائيلية بشكل جدي لكي تعيد ترسيم مسار جدار العزل العنصري من جديد ليشمل ال 1,700 دونما من الأراضي الفلسطينية والتي ستتمكن من خلال هذه العملية, السيطرة عليها مرة أخرى. وهذا بالضبط ما يحدث لمنطقة برك سليمان في الوقت الحالي، حيث يقوم المستوطنون بممارسة ضغوطهم المستمرة على الحكومة الإسرائيلية من خلال الإقتحامات المتكرر للمنطقة لكي ترضخ لطلباتهم وتضمها مستقبلا, من خلال مسار جدار العزل العنصري, إلى تكتل غوش عتصيون الإستيطاني. لمزيد من المعلومات عن هذه الحالة الدراسية، إضغط هنا: ‘عودة نتنياهو……………..عودة زمن المساومات’, ماذا يقف وراء إعلان مصادرة 1700 دونم جنوبي بيت لحم؟
الخلاصة
إن حكومة الإحتلال الإسرائيلي تسعى جاهدة إلى تحقيق ‘مخططها الإستعماري’ في الضفة الغربية المحتلة يوميا من خلال الإستمرار في سلب ونهب الأراضي الفلسطينية بغض النظر عن تصنيفها، وبدون إكتراث لحقوق الفلسطينين طالما أنها تخدم مصلحة مستوطنيها وتعزز من تواجدهم في الضفة الغربية، فالهدف الأساسي لدولة الإحتلال لا يتغير أبدا ألا وهو منع أي فرصة لقيام دولة فلسطينية قابلة للعيش فيها مستقبلا. إن هذه الإنتهاكات المستمرة بحقوق الفلسطينين في دولة فلسطين المحتلة تمت إدانتها كافة من قبل المعاهدات الدولية وحقوق الإنسان. فيما يلي عرض لبعض منها:
قرار مجلس الامن الدولي رقم 465 الصادر بتاريخ 1980‘ والذي يعتبر ان كافة الاجراءات الت اتخذتها اسرائيل في الاراضي المحتلة و التي غيرت من الوضع الجغرافي و الميداني لهذه الاراضي المحتلة منذ العام 1967 بما فيها القدس, باطلة و غير قانونية و خصوصا تهجيراسرائيل للفلسطينيين من اراضيهم و تسكين المهاجرين اليهود القادمين الى اسرائيل بدلا منهم و ان هذه الممارسات تعتبر خرقا صريحا وواضحا لاتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين في اوقات الحرب.
قرار مجلس الامن الدولي رقم 242 الصادر بتاريخ ‘1967 الذي يطالب اسرائيل بالانسحاب الكامل من الاراضي التي احتلتها اسرائيل في عدوانها عام 1967. و على ارض الواقع ان المستوطنات الاسرائيلية المنتشرة كالسرطان في الاراضي الفلسطينية تعتبر المعوق الاساسي لاي تسوية سلمية مستقبلية بين الطرفين.
المادة 49 الفقرة 6 من إتفاقية جينيف الرابعة تنص على ‘ يحظر على الدولة المحتلة ترحيل ونقل جزء من سكانها إلى الأراضي التي تحتلها’.
المادة الحادية والثلاثين من إتفاقية أوسلو عام 1995 تنص على ما يلي: يحظر على إسرائيل بناء أو التخطيط لأي مشروع أومستوطنات أو أي توسع إستعماري من شأنها أن تؤدي إلى تغيير الوضع القائم في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتنص المادة على:’ لا يجوز لأي طرف الشروع أو إتخاذ أي خطوة من شأنها تغيير الوضع القائم في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى حتى إنتظار مفاوضات الوضع الدائم ‘
[1] في العام 1991، قامت الإدارة المدنية الإسرائيلية بإصدار ‘مخططات هيكلية’ للمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المجتلة، حيث تظهر هذه المخططات زيادة في مساحة المنطقة العمرانية للمستوطنات الاسرائيلية في المستقبل، حيث أنه تم التخطيط لتنفيذها على حساب الأراضي الفلسطينية والمجتمعات المحيطة بها.