قامت وزارة حماية البيئة الإسرائيلية بالتعاون مع سلطة حماية الطبيعة والحدائق الوطنية الإسرائيلية والإدارة المدنية في الأسبوع الماضي بنشر تقرير عن رصد التلوث في الضفة الغربية مشيرا إلى أن المياه العادمة المتدفقة من التجمعات السكانية الفلسطينية هي المصدر الرئيسي لتلوث المصادر المائية، في حين لم يوضح التقرير الممارسات التي يقوم بها المستوطنين الإسرائيليين ضد البيئة الفلسطينية والتي تساهم بشكل كبير في تدهورها واستنزاف مواردها الطبيعية وتحويل المناطق الفلسطينية لمكب نفايات. فمن المعروف أن المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية المقامة على الأراضي الفلسطينية تتخلص من مياهها العادمة غير المعالجة في الأودية والمناطق الزراعية الفلسطينية دون أي التزام بالمعايير البيئية أو الاكتراث بالمواطنين الفلسطينيين الذين يقطنون على مقربة من هذه الأودية والذين يعتاشون من نتاج أراضيهم الزراعية المتضررة. فقد بلغت كمية المياه العادمة التي تنتج عن حوالي نصف مليون مستوطن يقطنون تلك المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية وبما فيها القدس الشرقية 54 مليون متر مكعب سنويا. وهذه الكمية مغايرة لـ ما صرح به الإسرائيليون في تقريرهم الصادر والتي قدرت بحوالي 17.5 مليون متر مكعب سنويا. حيث أن هذه الكمية لا تشمل المياه العادمة الناتجة عن 230 ألف مستوطن يقطنون تلك المستوطنات المقامة في محافظة القدس إذ لا تقوم إسرائيل بتعدادهم ضمن أعداد المستوطنين القاطنين في الضفة الغربية. في حين تقدر كمية المياه العادمة التي تنتج عن التجمعات الفلسطينية بحوالي 52 مليون متر مكعب سنويا. وهكذا فان كمية المياه العادمة التي ينتجها المستوطنون تفوق ما ينتجه 2.3 مليون مواطن فلسطيني بكثير، علما بان المستوطن الإسرائيلي يستهلك من المياه ما يعادل 5 أضعاف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني. خارطة (1) يبين جداول المياه العادمة المتدفقة من المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية.
فمنذ احتلال الضفة الغربية عام 1967،عملت إسرائيل على إهمال المشاريع التطويرية لقطاع المياه والصرف الصحي في الأراضي الفلسطينية وفي حين كانت سلطات الاحتلال تجبي الضرائب من المواطنين الفلسطينيين إلا أن عائدات هذه الضرائب كانت تصرف في غالبيتها لخدمة مصالح سلطات الاحتلال والمستوطنين ، كما أن الوقائع تشير إلى أن إدارة قطاع المياه والصرف الصحي كانت ومازالت منتهكة من قبل الإسرائيليين حتى خلال المراحل المختلفة لعملية السلام حيث أخلوا بالأمور التي تم الاتفاق عليها ضمن معاهدات السلام لحماية البيئية واستخدام المصادر الطبيعية بشكل مستدام. فبالرغم من أن السلطة الفلسطينية قامت بوضع مخططات واستراتيجيات خاصة بالمياه العادمة ومعالجتها إلا أنها اصطدمت بالرفض الإسرائيلي حيث عمدت إسرائيل على تعليق وإعاقة تنفيذ المشاريع المتعلقة بالمياه والصرف الصحي في الأراضي الفلسطينية . فالمياه العادمة الناتجة عن مستوطنة أرئيل المقامة على أراضي محافظة سلفيت تتدفق في وادي المطوي الذي يمثل أحد مصادر تغذية الحوض الجوفي الغربي في هذه المنطقة. حيث تنساب هذه المياه لتعبر الأراضي الزراعية المجاورة ويستمر سيل المياه العادمة باتجاه أراضي قرية بروقين ثم أراضي قرية كفر الديك وتستمر باتجاه الخط الأخضر (خارطة 2). وكان من المفترض إقامة محطة لمعالجة المياه العادمة في منطقة وادي المطوي ضمن حدود مدينة سلفيت بتمويل من التعاون الألماني KFW، غير أن العراقيل والشروط التي وضعها الجانب الإسرائيلي حالت دون نجاح المشروع. حيث اشترطت إسرائيل للموافقة وإعطاء الترخيص اللازم لإقامة المحطة في منطقة ‘ج’ أن يكون هذا المشروع مشترك مع المستوطنات لمعالجة المياه العادمة. وعليه رفض الفلسطينيون المقترح الإسرائيلي لأن ذلك يعتبر محاولة لشرعنة وجود المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية على الأراضي الفلسطينية. وكذلك هو الحال في محافظة بيت لحم والقدس فيما يتعلق بالمياه العادمة المتدفقة في وادي النار، إذ يرغب الإسرائيليون بإقامة المحطة في منطقة النبي موسى وذلك لمعالجة المياه العادمة الناتجة من مستوطنات القدس الشرقية ومعاليه ادوميم في تلك المنطقة. كما أن سلطات الاحتلال رفضت الطلب الفلسطيني لمعالجة مياه طولكرم واصرت على نقل المياه العادمة إلى ما وراء الخط الأخضر لمعالجتها هناك والاستفادة من المياه المعالجة للزراعة وفي نفس الوقت فإنها تقوم بخصم شيكل واحد عن كل متر من المياه العادمة من ميزانية السلطة وتجدر الإشارة هنا إلى انه تم تعليق وتجميد حوالي 150 مشروع في مجال تحسين خدمات البنية التحتية الأساسية وفي مقدمتها خدمات المياه والصرف الصحي للتجمعات السكانية الفلسطينية بسبب عدم موافقة إسرائيل على تلك المشاريع لأسباب أمنية. في حين لا تحتاج مشاريع المياه الإسرائيلية للمستوطنات في المناطق الفلسطينية إلى أي موافقة، حيث احتفظت إسرائيل بمسئوليتها عن شبكات المياه والصرف في مستوطنات الضفة الغربية أثناء الفترة الانتقالية.
من الواضح أن الإستراتيجية الإسرائيلية بهذا الشأن هي أن تحكم سيطرتها على كافة الموارد المائية الفلسطينية حيث تقوم إسرائيل حاليا بالاستيلاء على أكثر من 80% من الموارد المائية العذبة وتسعى حاليا إلى استغلال المياه العادمة ومعالجتها لاستخدامها للأغراض الزراعية محملة الجانب الفلسطيني تكاليف المعالجة في حين لا يستفيد الجانب الفلسطيني من أي من هذه المياه المعالجة التي تعتبر مصدرا مائيا هاما، والغريب في هذا كله أن سلطات الاحتلال تحاول العمل على تجنيد الأموال لإقامة محطات المعالجة من خلال الدول المانحة تحت شعار مساعدة الفلسطينيين وفي نفس الوقت شرعنة المستوطنات.
كما ولم يتطرق التقرير الإسرائيلي إلى الدور الذي تلعبه المصانع الإسرائيلية في تدمير البيئة الفلسطينية حيث تقوم تلك المصانع بالتخلص من المياه العادمة الصناعية بما تحتويه من مواد خطرة وسامة ومعادن ثقيلة وأصباغ جميعها دون أي معالجة لها بالقرب من التجمعات السكانية الفلسطينية والأودية المحاذية لها، مما يعرض سكان تلك المناطق لأخطار صحية كبيرة بالإضافة إلى تلوث المياه الجوفية وتدمير الطبيعة وحرق المزروعات كما يحدث في منطقة برقان الصناعية الإسرائيلية في منطقة غرب أريئيل الصناعية التي أقيمت على ارضي محافظة سلفيت في عام 1981 وهي تعتبر واحدة من اكبر المناطق الصناعية الإسرائيلية في المنطقة. كذلك هو الحال في محافظة طولكرم وخاصة مناطق غرب مدينة طولكرم حيث يوجد العديد من المصانع الإسرائيلية منها مصانع للمبيدات الزراعية والدهانات والأصباغ والبلاستيك.
على ضوء ما تقدم فان المعهد يطالب المجتمع الدولي والدول المانحة الإصرار والضغط على إسرائيل لتطبيق الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الفلسطيني ولمنح الفلسطينيين الحرية الكاملة لإدارة مواردهم الطبيعية وتطبيق الإدارة السليمة بيئيا للنفايات الصلبة والمياه العادمة والتي تتضمن إنشاء وحدات معالجة للمياه العادمة في المناطق المناسبة لذلك. مع التأكيد على ضمان حق الفلسطينيين بالتعويض عما تسبب به الاحتلال الإسرائيلي من أضرار وجرائم بحق البيئة الفلسطينية.