إن انهيار السد الترابي لأحواض المياه العادمة في قرية أم النصر شمال قطاع غزة في السابع و الشرين من شهر اذار لم يكن بالحادث البسيط حيث ذهب ضحيته ما لا يقل عن خمسة أشخاص وجرح أكثر من 25 شخص ودمر أكثر من 30 منزل بالكامل جراء اجتياح المياه العادمة لهذه القرية. ومن المعروف أن هذه الأحواض تم تصميمها وبنائها من قبل قوات الاحتلال الاسرئيلي قبل انسحابها من قطاع غزة بهدف تجميع المياه العادمة فقط وليس لمعالجتها. وتقدر كمية المياه العادمة التي تحتجزها هذه الأحواض بحوالي 2 مليون متر مكعب وبقدرة استيعاب متر مكعب يوميا من المياه العادمة المتدفقة من منطقة جباليا والمناطق المحيطة بها, غير أن هذه الأحواض كانت تعمل بطاقة تزيد عن قدرتها بأكثر من الضعف أي بحوالي 13000 متر مكعب من المياه العادمة يوميا. انظر الخارطة
لقد تنبهت سلطة المياه الفلسطينية لهذه المشكلة في المنطقة ولخطورة وضع هذه الأحواض فيها، فسعت لإيجاد تمويل لحل المشكلة وصيانة المعدات الموجودة في هذه الأحواض. ففي عام 2006 حصلت سلطة المياه على التمويل اللازم من البنك الدولي والمؤسسة السويدية للتنمية، وباشرت بإنشاء مضخة مركزية وبتنفيذ خط أنابيب لنقل هذه المياه إلى أحواض لتغذية المياه الجوفية في منطقة تقع شمال قطاع غزة و تبعد 5 كم عن الموقع الحالي. و بالرغم من ذلك، لم يتم تحقيق أي إنجاز في هذا المشروع بسبب الممارسات الإسرائيلية التي هدفت إلى عرقلة العمل ومنع دخول المواد والمعدات الخاصة بالمضخات الى موقع أحواض المياه هذا بالاضافة الى منع السلطات الاسرائيلية لمقاولين من بناء الأحواض الجديدة في المنطقة الشرقية لمدة ستة أشهر. ولم تقف السلطات الإسرائيلية عند هذا الحد, فقامت بمنع الطواقم الفنية بالدخول إلى موقع الأحواض بحجة أن هذه المنطقة تقع قرب المنطقة الأمنية العازلة والواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة. و بالرغم من أن مصلحة بلديات الساحل قامت بمخاطبة العديد من المؤسسات الدولية للتدخل لدى كافة الجهات الإسرائيلية المعنية للمساعدة في عمل التنسيق اللازم لإدخال الطواقم الفنية بهدف إصلاح وتقوية هذه الأحواض الا أن الطواقم العاملة تعرضت لإطلاق النار من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي مما أدى إلى رفض المقاولين العاملين في هذا المجال من مواصلة العمل في المنطقة. و في العام 2006, قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بقصف الأحواض بالصواريخ مما زاد من خطورة الوضع فيها حيث تم تدمير جزء منها وإضعاف متانة جدرانها مما دفع سكان قرية أم النصر الى توجيه نداء عاجل الى الهيئات الإنسانية و الدولية في محاولة لانقاذ القرية من كارثة مرتقبة الى أن استمرار الممارسات الاسرائيلية حال دون ذلك حيث قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي أيضا محطة الكهرباء في قطاع غزة والذي أثر بشكل كبير على تزويد محطة معالجة المياه العادمة بالكهرباء بشكل منتظم وبالتالي أثر على فعالية عمل المحطة.
ومن المخاطر البيئية التي تواجه قرية ام النصر والمناطق المجاورة هو تسرب المياه العادمة إلى أحواض المياه الجوفية وبالتالي تلوثها، حيث إن مستوى المياه الجوفية في هذه المنطقة قريب جدا من مستوى سطح الأرض. وفي حال تلوث المياه الجوفية فان معالجتها لن تكون بالعملية السهلة كون نوعية المياه الجوفية في تلك المنطقة غير جيدة حيث يصل تركيز النيترات فيها الى 500 ملغم لكل لتر وهو عشر أضعاف الحد المسموح به من قبل منظمة الصحة العالمية.
إن آثار وتداعيات هذه الحادثة لن يقف عند تلوث المياه الجوفية ومياه الشرب فقط بل سيعمل أيضا على انتشار الروائح الكريهة والحشرات الضارة التي ستساهم بشكل كبير في تفشي الأمراض الخطيرة مثل الكوليرا وغيرها من الأوبئة بين المواطنين الفلسطينيين القاطنيين في المنطقة و المناطق المجاورة، كذلك ستعمل المياه العادمة المتدفقة على زيادة ملوحة الأراضي الزراعية مما سيؤدي إلى التقليل من إنتاجيتها وقتل الكائنات الحية الموجودة في التربة ونفوق الحيوانات الموجودة بالمنطقة مما سوف يشكل عقبة في الحفاظ على البيئة الفلسطينية بكافة عناصرها الحية وغير الحية كما سوف يؤثر سلبا على الإنسان و يتنهك حقوقه المعترف بها دوليا و التي تنص على أن:
-
جميع الأشخاص لهم الحق في بيئة آمنة، صحية وسليمة. هذا الحق وغيره من حقوق الإنسان بما فيها الحقوق المدنية، الاقتصادية، السياسية والحقوق الاجتماعية هي عالمية، تعتمد على بعضها ولا تتجزأ.
-
جميع الأشخاص لهم الحق في بيئة ملائمة لاحتياجات الجيل الحالي بحيث لا ينقص ذلك من حقوق الأجيال المستقبلية لإنصاف احتياجاتهم.
-
جميع الأشخاص لهم الحق بالتحرر من التلوث، التدهور البيئي والنشاطات التي تؤثر سلبا على البيئة، الحياة المهددة، الصحة، الرزق، الرفاهية أو التنمية المستدامة داخل، عبر أو خارج حدود الأمة.
-
جميع الأشخاص لهم الحق بحماية والحفاظ على التربة، الهواء، الماء، البحر، النبات والحيوان، والعمليات الأساسية والمناطق التي تحتاج إلى ضرورة الحفاظ على تنوعها البيولوجي وأنظمتها البيئية.
-
جميع الأشخاص لهم الحق في تحقيق الحد الأعلى من معايير الصحة والخالية من التدهور البيئي.
-
جميع الأشخاص لهم الحق بغذاء ومياه سليمة وصحية كافية من أجل عيش مناسب.
-
جميع الأشخاص لهم الحق بعمل ذا بيئة صحية وآمنة.
-
جميع الأشخاص لهم الحق بالحصول على سكن ملائم، ملكية أرض، وظروف معيشية آمنة، صحية وبيئية سليمة.
-
جميع الأشخاص لهم الحق بالحصول على المساعدة في الوقت المناسب في حالات الكوارث الناجمة عن ظروف طبيعية أو تكنولوجية أو لأسباب إنسانية أخرى.
ويجب التنويه أيضا الى أن موقع هذه الأحواض يقع بالقرب من منطقة سكنية مكتظة بالسكان و الذي يعتبر أيضا مخالفا لكافة الشروط والمعايير الفنية والبيئية الدولية.
تعتبر دولة اسرائيل هي المسؤول الأول عن هذه الكارثة البيئية والإنسانية الخطيرة وبالتالي فهي مسؤولة عن تعويض المدنيين عن الاضرار التي تسببت بها و اصلاح ما تسببت به من دمار. ومن هنا يناشد معهد الابحاث التطبيقية – القدس (أريج) جميع المؤسسات المحلية والدولية التدخل و أخذ الإجراءات اللازمة والسريعة للسيطرة على تداعيات هذه الكارثة البيئية الخطيرة والتقليل من اثارها قبل أن تؤول الى كارثة أخرى يصعب التخلص منها.
اعداد: معهد الابحاث التطبيقية – القدس
(أريج)
.