قرية جلبون تعتبر قصة معاناة قرية فلسطينية منذ النكبة عام 1948 حتى الوقت الحاضر، حيث تجسد القرية حقيقة وواقع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وانتهاك حقوق الفلسطينيين بشتى الطرق والوسائل وفي نفس الوقت تعتبر لمدى صمود الإنسان الفلسطيني و تمسكه بحقه وبقائه بأرضه رغم التحديات والتهديدات اليومية من قبل قوات وسلطات الاحتلال الإسرائيلي.
تقع قرية جلبون على بعد 12كم إلى الشرق من مدينة جنين، حيث يحدها من الشرق والشمال خط الهدنة لعام 1967، حيث كانت مساحة القرية قبل حرب عام 1948م تصل إلى 33,000 دونماً غير أن سلطات الاحتلال صادرت الآلاف من الدونمات الزراعية من أراضي القرية خلال هذه الحرب عدا عن الأراضي التي نهبتها عنوةً في المناطق التي كانت تعرف بالأراضي منزوعة السلاح التي كانت تعتبر منذ قرار وقف إطلاق النار عام 1948 حتى عقد الخمسينات منطقة محايدة تفصل بين الجيوش العربية في الضفة الغربية والعصابات من الجيش الإسرائيلي في الأراضي المحتلة عام 1948، ليتبقى من مجمل أراضي القرية قرابة 7850 دونماً من المساحة الإجمالية من أراضي القرية التي كانت تمتد في الماضي حتى الحدود الأردنية شرقاً ومدينة بيسان المحتلة عام 1948 شمالاً.
يذكر أن القرية تقع في منطقة منخفضة مزروعة بين مجموعة الجبال العالية، ولأن الاحتلال يدرك أهمية القمم والجبال فقد أقام عليها ثلاث مستوطنات في شمال القرية وعلى أراضيها وأراضي قرية فقوعة أقيمت مستوطنة ‘معالي جلبوع’ وذلك مع بدايات الاحتلال في عقد الخمسينات حيث أقيمت تلك المستوطنة على أراضي القرية المحتلة عام 1948 وهي مستوطنة زراعية تحتوي على عدد كبير من مزارع الأبقار وبالإضافة إلى معسكر لتدريب جيش الاحتلال.
وبعد سنوات وفي نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي أقام الاحتلال على قمة جبل تقع إلى الجنوب من القرية مستوطنة ‘ملك يشوع’، علماً بأن المستوطنة هي مستوطنة سكنية تقع ضمن مناطق حرشية محتلة من القرية في حرب عام 1948م.
هذا وفي نهايات القرن الماضي أضاف الاحتلال مستوطنة ‘ميراف’ شرق القرية وهي مستوطنة زراعية تحتوي على مزارع للثروة الحيوانية والدواجن. وجميع هذه المستوطنات أقيمت على أراضي المواطنين المحتلة عام 1948. حيث أصبحت تلك المستوطنات تحيط بالقرية من ثلاث جهات، ولم تبقى سوى جهة الغرب مفتوحةً أمام القرية وأهلها.
تجدر الإشارة، انه في الوقت الذي نهب الاحتلال معظم أراضي جلبون، التي تمتد حتى الحدود الأردنية، فإن الجدار العنصري أكمل خطط الاحتلال بمصادرة ما بقي للقرية من أراضي تقع في الجزء الجنوبي. حيث التف الجدار حول القرية كالأفعى، وأخذ بمساره الاستعماري ما يزيد على ألفي دونماً من أراضي القرية علماً بأن هذا الجدار الفاصل لا يبعد عن بعض المنازل في القرية سوى 4 أمتار فقط، حيث بدأت من هنا معاناة جديدة لأهالي القرية لا تقل خطورة عن مصادرة الأراضي الزراعية وهي التلوث البيئي الناتج عن تلك المستوطنات والتي تضخ مخلفاتها ومياه المجاري الصادرة عنها عبر العبارات المقامة على طول الجدار الفاصل باتجاه القرية من الجهة الشمالية والشرقية، حيث أن هذا التلوث بات يهدد أهالي القرية لما تسبب به من خسائر اقتصادية وأمراض ومشاكل صحية مختلفة والناتجة عن تلك المستوطنات، فطبيعة قرية جلبون الواقعة في منطقة منحدرة تشكل مجرى واد بالنسبة لمستوطنة ‘ميراف’ التي تعتلي المناطق الجبلية المجاورة مما أدى إلى قيام المستوطنين بضخ مياه المجاري بالإضافة إلى مخلفات مزارع الأبقار في المستوطنة إلى داخل القرية مما أدى إلى تلوث وديان القرية مخترقة مقبرة القرية الشرقية والتي تلوثت بفعل تلك المياه وأدى إلى تصدع عدد كبير من القبور فيها والتي هي أيضا لم تسلم من دنس المحتل ثم تستمر تلك المياه العادمة بالجريان مسافة 4كم مخترقةً بيوت القرية لتصب في سهول القرية الزراعية الشرقية و تلوث المنطقة بالكامل حيث أن تلك السهول مزروعة بالقمح والخضار الصيفية في المنطقة المعروفة باسم المصرارة، حيث يمتلك عشرات المزارعين أراضي زراعية هناك، مما أدى ذلك إلى فقدان المزارعين عملهم هناك و إلى تلف الكثير من المحاصيل وتحويل المنطقة إلى منطقة منكوبة بفعل تلك الملوثات حيث بات عدد كبير من المواطنين لا يفضلون شراء الخضروات من سهل جلبون لما يشاهدونه أو يسمعون عنه من تلوث هذا السهل الخصيب واثر تلك الملوثات على صحة الإنسان.
صورة 4-6: مشاهد من ملوثات المستعمرات الإسرائيلية على أراضي قرية جلبون
يذكر أن المنطقة الشمالية من القرية ليست بأحسن حال فمستوطنة ‘معالي جلبوع’ تضخ معظم المياه العادمة الصادرة عنها بالإضافة إلى مخلفات مزارع الأبقار عبر العبارات الموجودة على طول الجدار الفاصل في الجهة الشمالية باتجاه القرية مما أدى إلى تلوث المنطقة هناك وإلى تضرر عدد من المنازل التي تجري المياه العادمة بينها بل مخترقةً بعض المنازل مثل منزل المواطن فخري إبراهيم علي أبو الرب، علماً بأن عدد المنازل المتضررة في تلك المنطقة بلغ 30 منزلاً يقطنها عائلات عديدة، حيث أن تلك المياه تسببت في انتشار الأمراض الجلدية في المنطقة، بالإضافة إلى انتشار الحشرات و القوارض في المنطقة بشكل كثيف خصوصا في فصل الصيف، بالإضافة إلى أثرها على قطاع الثروة الحيوانية والغطاء النباتي في المنطقة، بالإضافة إلى ذلك فان المخلفات الصناعية الناتجة عن بعض المصانع مثل مصنع المخللات الموجودة داخل المستوطنة تساهم بشكل كبير في تلويث المنطقة وإتلاف المحاصيل الزراعية فيها حيث أدت هذه المخلفات إلى إحراق هذه المحاصيل وإتلافها بشكل كامل، إضافة إلى أن التربة في المواقع التي تجري فيها المياه تتأثر بشكل واضح، ويتحول لونها ليصبح أسود، ولا تعود صالحة للزراعة’. خصوصاً إذا ما علمنا أن تلك الملوثات تسير مسافة 2كم في أراضي القرية.
السيد هشام عبد الله ناجي أبو الرب (49) عاماً، أفاد لباحث مركز أبحاث الأراضي حول معاناته الناجمة عن تدفق مياه المجاري القادمة من مستوطنة معالي جلبوع من أمام منزله: ‘ بات الأمر لا يطاق وأصبحت الحياة جحيماً، تحولت منازلنا في الحي إلى سجن كبير بفعل المياه العادمة القادمة من المستوطنة، فالشوارع التي تمر أمام منازلنا أصبحت محظورة ويصعب السير فيها جراء الأوساخ والمخلفات التي تجرها المياه من جهة، والروائح الكريهة التي تنبعث منها، والحشرات والبعوض الذي أصبح ينتشر بكثافة، ويمنعنا من فتح نوافذ المنازل، أو النظر منها إلى الخارج لبشاعة المنظر، حيث أن أبناء أخي هشام أبو الرب قد أصيبوا بأمراض جلدية ناتجة عن الحشرات التي تملأ المنطقة بسبب تلك الملوثات، حتى النباتات والمحاصيل التي زرعتها قد تلفت بالكامل، وبيوت النحل التي كنت قد وضعتها في المنطقة قد تلفت أيضا وبالتالي فقدت أيضا مصدر دخلي بسبب تلك الملوثات.
وبدوره يعقب السيد فخري إبراهيم علي أبو الرب ويقول: ‘ و ضعي ليس بأحسن حال عن جيراني فالمياه العادمة الصادرة من مستوطنة ميراف تمر في منتصف ساحة بيتي تقسم بيتي إلى قسمين حيث أنني أصبحت بحاجة إلى جسر لكي اعبر عنه داخل منزلي بسبب تلك الملوثات بالإضافة إلى ذلك فان الحشرات المنتشرة في المكان أدت إلى إصابة قطعان الأغنام التي توجد في مزرعتي المجاورة للمنزل إلى العديد من الأمراض و بت بحاجة إلى تخصيص ميزانية لكي أغطي مصاريف العلاج للأغنام والتي عددها 22 رأس و هذا بدوره اثقل كاهلي )).
بالإضافة إلى ما تقدم فان الروائح المنبعثة عن مزارع الأبقار الموجودة في المستوطنات المجاورة خصوصاً أثناء هبوب الرياح الشرقية تسبب في نقل الروائح الكريهة إلى داخل القرية مسببةً في تلوث الهواء الجوي أيضا، محولةً بذلك حياة السكان في القرية إلى جحيم لا يطاق. تجدر الإشارة هنا، أن مشاكل التلوث في قرية الجلبون بدأت منذ تاريخ تأسيس تلك المستوطنات التي توجد على القمم الجبلية المحيطة بالقرية، وتفاقمت المشكلة منذ إقامة جدار الفصل والضم العنصري عام 2002م، حيث حاول المجلس القروي إيجاد حل إلى تلك المشكلة من خلال اللجوء إلى القضاء وإلى المنظمات الحقوقية المختلفة، وتلقى العديد من الوعودات لحل المشكلة إلا أن المشكلة ما زالت تراود مكانها على أمل في المستقبل القريب إيجاد حل جذري وسريع لها يضمن لأهالي القرية حقوقهم ويعالج بعض المشاكل البيئة التي يعانون منها.
معلومات عامة عن قرية الجلبون:
تقع قرية الجلبون إلى الشمال الشرقي من مدينة جنين على بعد 12كم عن مدينة جنين، حيث أنها تقع في منطقة جبلية ترتفع 300 متر عن سطح البحر، حيث يحيط بها من الجهة الشمالية قرية فقوعة، و قرية المغير من الجهة الجنوبية و أراضي قرية دير أبو ضعيف من الجهة الغربية. يوجد في قرية الجلبون عائلة واحدة وهي عائلة أبو الرب حيث أن 90% من سكان القرية لاجئين من داخل أراضيهم المحتلة عام 1948م والمجاورة لقرية الجلبون والتي هي بالأصل كانت جزءاً لا يتجزأ من قرية الجلبون قبل الاحتلال الإسرائيلي عام 1948.
يبلغ عدد سكان قرية الجلبون حسب سجلات الإحصاء المركزي لعام 2006م حوالي 2500 نسمة وعدد البيوت 380 مبنى وعدد الأسر 450 أسرة وتبلغ نسبة العاطلين عن العمل في القرية قرابة 25% من السكان. تقدر مساحة قرية الجلبون بما فيها الأراضي المصادرة لصالح الجدار العنصري ب 7850 دونماً وتشكل نسبة الأراضي الزراعية في القرية 92% من المساحة الإجمالية من الأراضي .[1]
[1] المصدر: مجلس قروي جلبون / محافظة جنين