لم ينتظر المستوطنون الإسرائيليون طويلا للشروع في تنفيذ الخطة الاستيطانية الجديدة في حي رأس العامود الفلسطيني في القدس الشرقية المحتلة فور موافقة اللجنة الإسرائيلية الإقليمية في مدينة القدس على إقامة حي يهودي جديد في تلك المنطقة. ففي الثامن و العشرين من نيسان 2008, قامت مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين الذين ينتمون إلى ما يعرف بمنظمة ‘ خلاص القدس’ بالسيطرة القسرية على مبنى المقر السابق للشرطة الإسرائيلية الذي يقع في حي رأس العامود في القدس الشرقية وذلك بعد إخلاء الشرطة الإسرائيلية للمقر بغرض الانتقال إلى آخر جديد يقع في منطقة ال E1 في مستوطنة معالي ادوميم شرقي مدينة القدس. هذا و يتضمن الحي الاستيطاني اليهودي الذي سيقام في تلك المنطقة بناء 110 وحدات سكنية بالإضافة إلى مباني عامة و أخرى لست منظمات استيطانية يهودية ستشكل جميعها نواة لحي استيطاني يهودي جديد يسمى إسرائيليا ب ‘ معالي ديفيد ‘ و الذي سيقام على مساحة 10 دونمات و هي مساحة الأراضي المقام عليها مقر الشرطة السابق بالإضافة إلى الأراضي المحيطة بالمبنى. انظر الخريطة رقم 1
مقر الشرطة الإسرائيلية في منطقة ال E1
في الرابع عشر من آذار من العام 2006 , بدأت إسرائيل ببناء المقر الرئيسي الجديد للشرطة الإسرائيلية على مساحة من الأرض تبلغ 30 دونما بتكلفة إجمالية وصلت إلى عشرة ملايين دولار أمريكي. انظر الخريطة رقم 2
و الجدير بالذكر أن عملية البناء في منطقة ال E1 قد تمت على أساس صفقة تبادل تمت بين جمعية ‘بوخاران ‘ اليمينية الاستيطانية اليهودية و بين القائد السابق للشرطة الإسرائيلية في مدينة القدس المحتلة ‘ موشيه كارادي’ , و تم التوقيع على الاتفاقية في شهر تموز من العام 2005 حيث نصت عملية التبادل على أن تقوم الشرطة الإسرائيلية ببناء مقر رئيسي لها في منطقة ال E1 ‘ المنطقة التي تقع بين مدينة القدس و بين مستوطنة معالي ادوميم في الشطر الشرقي للمدينة المحتلة ‘ , و في المقابل حصول منظمة ‘بوخاران ‘ اليهودية على المبنى السابق لقيادة الشرطة الإسرائيلية و الذي يقع في حي رأس العامود و هو المقر الذي قامت إسرائيل ببنائه على أراضي يملكها الفلسطينيين صادرتها منهم بشكل غير قانوني بلدية القدس الإسرائيلية بحجة أغراض عامة ( إقامة مرافق عامة).
علاوة على ذلك ووفقا لاتفاقية أخرى بين نفس المنظمة الاستيطانية اليهودية و بين دائرة ‘إدارة أراضي إسرائيل’ , فقد وافقت الأخيرة على إعادة تصنيف استخدام الأرض المقام عليها مقر الشرطة القديم و التي سيقام عليها الحي الاستيطاني الجديد حيث سمحت للجمعية الاستيطانية ببناء حي سكني يهودي في تلك المنطقة.
و هنا يجدر بنا تسليط الضوء على سياسة التمييز التي تنتهجها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في القدس المحتلة بين السكان الفلسطينيين و بين المستوطنين اليهود, حيث لا يسمح للسكان الفلسطينيين , الذين نادرا ما يحصلون على تصاريح بناء, بان يقوموا بالبناء على كامل الأرض التي يملكونها بل فقط على 35 % كحد أقصى من رقعة الأرض , و في المقابل تسمح سلطات الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين اليهود بالبناء على كامل مساحة الأراضي التي يقومون بالاستيلاء عليها و بنسبة 120% , حيث أصبحت هذه السياسة نهجا أساسيا تسلكه السلطات الإسرائيلية المختصة و بلدية القدس الإسرائيلية.
خاتمة
بعد أن قامت إسرائيل و بشكل غير قانوني بضم القدس الشرقية في العام 1967 , فقد شرعت , و بطريقة أحادية الجانب بإعلان القدس بشطريها الشرقي و الغربي , عاصمة أبدية موحدة لدولة إسرائيل حيث يكون لها السيادة أيضا على المواطنين الفلسطينيين الموجودين في القدس الشرقية وعلى أراضيهم.
هذا و لم تكتف دولة الاحتلال الإسرائيلي بذلك , بل و قامت بأخذ العديد من الخطوات على الأرض و التي من شانها تعزيز وجود المستوطنين اليهود في المدينة المحتلة و الحد بقدر الإمكان من الوجود الفلسطيني فيها و ذلك عن طريق تطبيق قرارات و سياسات كان لها بالغ الأثر على وجود الفلسطينيين فيها , و كان في مقدمتها إقامة المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية و التي يطلق الإسرائيليون عليها ‘أحياء سكنية’, و صولا إلى بناء جدار الفصل العنصري و الذي التف حول المدينة و عزلها كليا عن الضفة الغربية المحتلة.
بدون أدنى شك , إن الأهداف التي سعت إسرائيل إلى الوصول إليها و مازالت تسعى إلى تحقيقها حتى يومنا هذا في مدينة القدس المحتلة , ما هي إلا انعكاس للعقلية و الايدولوجية الصهيونية المتطرفة و التي لا تستوعب إلا الفصل و التميز و التهجير و إقامة كيانهم و مستوطناتهم, و التي تسارعت وتيرة البناء فيها في الآونة الأخيرة , على أراضي السكان الفلسطينيين المقدسيين وإخراجهم من مدينتهم التي طالما عاشوا فيها.