مقدمة
شهدت الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة على مدار عقود طويلة سياسة ممنهجة من المصادرة الإسرائيلية للأراضي، حيث تبرر سلطات الاحتلال الإسرائيلي هذه السياسة بمجموعة من الذرائع التي تبرر لها السيطرة على الأراضي الفلسطينية وتجريد أصحابها الفلسطينيين منها. وتتنوع هذه الذرائع بين الأسباب الأمنية، وتصنيف الأراضي الفلسطينية كمناطق عسكرية مغلقة، أو مناطق أثرية، أو مناطق محميات طبيعية، أو مناطق أطلاق نار أو أراضي دولة أو التوسع الاستيطاني، وغيرها من الأسباب التي تتغير وفقًا للمصالح الاستراتيجية والسياسية لدولة الاحتلال الإسرائيلي. ولعل أبرز الذرائع التي تستخدمها سلطات الاحتلال الإسرائيلية لمصادرة الأراضي الفلسطينية هي الحجة الأمنية، حيث يتم الإعلان عن العديد من المناطق كـ”مناطق عسكرية مغلقة” أو “مناطق أمنية” يمنع الفلسطينيون من الدخول إليها أو استخدامها لأي غرض كان. وتحت هذا الغطاء أو الذريعة الأمنية، تم الاستيلاء على آلاف الدونمات في الضفة الغربية بحجة حماية المستوطنات الإسرائيلية أو إقامة جدار الفصل العنصري أو تسييج حول المستوطنات بحجة منع وصول الفلسطينيين إليها وغيرها.
كما وتصنف سلطات الاحتلال الإسرائيلية العديد من المواقع الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة مناطق أثرية[1] (ما يزيد عن 2400 موقعا أثريا)، حيث تعلن أنها مناطق يجب حمايتها وصيانتها، ولكن عمليًا يتم استخدامها للسيطرة على مساحات شاسعة من الأرض، بحجة الحفاظ على التراث. وفي الواقع، تقوم إسرائيل بتحويل الكثير من هذه المناطق لاحقًا إلى حدائق عامة أو مواقع سياحية يُمنع الفلسطينيون من الوصول إليها، وتقتصر الاستفادة منها على السياح والمستوطنين. كما تستخدم دولة الاحتلال الإسرائيلي أيضًا ذريعة المحميات الطبيعية (حماية البيئة والتنوع البيولوجي) كإحدى الذرائع لمصادرة الأراضي الفلسطينية، حيث تعلن عن بعض الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة مناطق محمية طبيعية، بهدف الحد من توسع التجمعات العمرانية الفلسطينية وتقويض التواصل الجغرافي بين التجمعات الفلسطينية وتقليص مساحات الأراضي التي ممكن أن يستخدمها الفلسطينيون. وهذه الذريعة أصبحت شائعة في الاعوام القليلة الماضية حيث شهدت الأراضي الفلسطينية العديد من الأوامر العسكرية الصادرة تحت هذه الذريعة حيث يتم منع المزارعين الفلسطينيين من زراعة أراضيهم بحجة أنها مناطق محميات طبيعية يجب الحفاظ عليها، بينما تتوسع المستوطنات الإسرائيلية في المناطق ذاتها وبشكل ملحوظ.
التوسع الاستيطاني هو أحد الأهداف الأساسية وراء العديد من أوامر المصادرة، حيث تقوم السلطات الإسرائيلية بالإعلان عن مصادرة الأراضي الفلسطينية بهدف توسيع المستوطنات القائمة أو بناء مستوطنات جديدة. هذا التوسع يتعارض مع القانون الدولي الذي يعتبر الضفة الغربية منطقة محتلة يمنع تغيير وضعها الجغرافي والديموغرافي، ومع ذلك تستمر السلطات الإسرائيلية في إقامة مستوطنات ضخمة، تشمل بنية تحتية متكاملة، تربطها بشبكة طرق مخصصة للمستوطنين.
كما وتعتمد سلطات الاحتلال الإسرائيلي على الأوامر العسكرية التي تتيح لها إعلان مناطق معينة في الضفة الغربية المحتلة كـ”مناطق مغلقة” أو “مناطق اطلاق نار” بحيث يمنع على الفلسطينيين الوصول إليها، وغالبًا ما تستهدف هذه الأوامر مناطق زراعية فلسطينية أو مناطق استراتيجية، يتم الاستيلاء عليها واستخدامها لأغراض مختلفة لاحقًا ولصالح المستوطنات والبؤر الاستيطانية. ويتيح هذا النوع من الاوامر العسكرية للسلطات الإسرائيلية فرض سيطرتها على الأراضي الفلسطينية دون الحاجة لتقديم مبررات للمصادرة.
شهدت الضفة الغربية المحتلة زيادة ملحوظة في عدد الأوامر العسكرية الإسرائيلية الموجهة ضد الأراضي الفلسطينية منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. بينما كان العالم مشغولًا بالوضع المأساوي في القطاع، استغلت دولة الاحتلال الإسرائيلي هذه الفرصة لتعزيز سيطرتها على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية عبر إصدار الأوامر العسكرية. وتجدر الإشارة الى انه خلال العام 2024، أصدرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أوامر عسكرية لمصادرة لما يقارب 200 الف دونماً من الأراضي الفلسطينية. فيما يلي تفصيل لهذه الأوامر في التقرير التالي