تتعرض فلسطين منذ عقود لهجمات متكررة من قبل قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين، حيث يعتبر اقتلاع الأشجار أحد أساليب الاحتلال البيئي التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي في إطار سياسة تهجير الفلسطينيين من أراضيهم والاستيلاء عليها. ومن بين الأشجار التي تحظى باستهداف ممنهج جراء هذه الممارسات، هي شجرة الزيتون، ليس فقط لكونها شجرة مثمرة تمثل مصدر رزق لآلاف العائلات الفلسطينية في فلسطين المحتلة، ولكن أيضًا لعلاقتها بالتراث الفلسطيني، حيث ترتبط شجرة الزيتون بالصمود وتاريخ الشعب الفلسطيني في الارض. اذ انها جزء لا يتجزأ من الهوية الفلسطينية حيث تتعرض باستمرار لهجمات المستوطنين القاطنين بشكل غير قانوني في المستوطنات الغير قانونية في الضفة الغربية المحتلة، حيث يتم اقتلاعها وحرقها وإتلافها بطرق متعددة. وفقاً لتقرير أعده معهد الأبحاث التطبيقية – القدس (أريج)، فقد تم تسجيل خلال العام 2024 أكثر من 150 حالة اعتداء تتعلق بتدمير الأشجار المثمرة في الضفة الغربية المحتلة وبخاصة أشجار الزيتون من أشجار معمرة وغيرها من الاشتال حديثة الزراعة نتج عنها اقتلاع ما يزيد عن 21 الف شجرة في الضفة الغربية المحتلة، معظمها من أشجار الزيتون. وتشير الإحصائية التابعة لمعهد أريج بأن المستوطنين ينفذون هذه الهجمات/الاعتداءات غالبا ً في موسم قطف الزيتون، حيث يتم الاعتداء أيضا على المزارعين الفلسطينيين، ومنعهم من قطف ثمار الزيتون من خلال حرمانهم من الوصول الى أراضيهم وخاصة تلك المعزولة خلف جدار الفصل العنصري أو القريبة من المستوطنات والبؤر الاستيطانية أو من اية منشأة استيطانية أخرى هذا بالإضافة الى مصادرة ما تم قطفه، وهو ما يمثل خسارة اقتصادية واذى نفسي كبير للمزارعين. أما فيما يخص الأبعاد الاقتصادية، تعد زراعة أشجار الزيتون مصدر دخل رئيسي لكثير من العائلات الفلسطينية وتعتمد آلاف الأسر الفلسطينية على إنتاج الزيتون والزيت كمصدر دخل رئيسي حيث ان اقتلاع وتدمير وحرق أشجار الزيتون يتسبب في ضرر واسع في القطاع الاقتصادي ويؤثر سلباً على حياة العائلات الفلسطينية.
إن اقتلاع الأشجار الفلسطينية المثمرة، وبخاصة أشجار الزيتون، لا يمكن فصله عن السياسات الإسرائيلية الاستعمارية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة اذ انها تعتبر جزءًا من سياسة ممنهجة تهدف إلى توسيع المستوطنات غير الشرعية على حساب الأراضي الفلسطينية من خلال تهجير الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن القانون الدولي يحظر مثل هذه الانتهاكات. وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة، يعتبر تدمير الممتلكات المدنية، بما في ذلك الأشجار والمحاصيل، جريمة حرب، إلا أن هذه القوانين الدولية تضربها دولة الاحتلال الإسرائيلي بعرض الحائط ولا تلتفت اليها مما يعزز الإفلات من العقاب.
وفي الإشارة الى الإحصائية الخاصة بأشجار الزيتون التي تم اقتلاعها خلال عام من الحرب الإسرائيلية (تشرين أول 2023 – تشرين أول 2024), فقد برزت كل من محافظات نابلس والخليل وطولكرم وبيت لحم وجنين من بين المحافظات الأكثر استهدافا من حيث عدد الأشجار التي تم استهدافها من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين بواقع 3788 و 3711 و 3300 و 3182 و 3165 شجرة على التوالي. الرسم البياني رقم 1 يوضح الاستهداف الممنهجة للأشجار الفلسطينية بحسب توزيعها في المحافظات الفلسطينية. تجدر الإشارة الى ان معظم الأشجار التي تم اقتلاعها و تخريبها هي من أشجار الزيتون بنسبة 79% هذا العام.
الرسم البياني رقم 1: الأشجار الفلسطينية المقتلعة بحسب توزيعها في المحافظات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة
يُعدُّ اقتلاع الأشجار الفلسطينية، وخاصة أشجار الزيتون، انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. يعد اقتلاع الأشجار الفلسطينية، وخاصة أشجار الزيتون المعمّرة، من أبرز مظاهر الاعتداءات المستمرة على الأرض الفلسطينية التي تهدف إلى تغيير طابعها الديموغرافي والبيئي. تُعتبر هذه الأشجار رمزًا للثبات والصمود الفلسطيني، وتمتد جذورها لقرون، مما يعطيها قيمة تاريخية وثقافية كبيرة. تُحظَر هذه الأفعال بموجب اتفاقيات جنيف الرابعة، التي تمنع تدمير الممتلكات المدنية ما لم تكن هناك ضرورة عسكرية مُلحة، ويعتبر اقتلاع الأشجار المثمرة مثل الزيتون اعتداءً على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعب الفلسطيني، حيث تمثل مصدر رزق أساسي للكثير من العائلات الفلسطينية. كما ينص القانون الدولي على حماية البيئة الطبيعية باعتبارها جزءًا من حقوق السكان الأصليين، ما يجعل تدمير الأراضي الزراعية جريمة ضد هذه الحقوق. تُصنّف هذه الأعمال كجزء من سياسات الاستيطان والتوسع، التي تُعارضها الأمم المتحدة وتعتبرها عائقًا أمام السلام العادل والشامل في المنطقة وانتهاكًا لحق الشعب الفلسطيني في الحصول على موارده الطبيعية، مما يؤثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي والاقتصادي. ويؤكد القانون الدولي أن تدمير الموارد الزراعية يمثل أيضًا مساسًا بحقوق الأجيال القادمة في الاستفادة من هذه الموارد، ما يضيف بعدًا قانونيًا وأخلاقيًا إضافيًا لهذه الجرائم.