بؤرة استيطانية رعوية على أراضي مدينة بيت جالا
في الثامن من شهر اذار من العام 2022 أصدرت ما يسمى “بسلطة التنفيذ العقاري الاسرائيلية”[1] التابعة لوزارة داخلية الاحتلال الاسرائيلي امر هدم اداري بحق مستوطن إسرائيلي قام بتنفيذ “عمل ممنوع” (بحسب ما ورد في أمر الهدم) على قطعة أرض الى الجنوب من مستوطنة جيلو الإسرائيلية والمقامة بشكل غير قانوني على أراضي مدينة بيت جالا. ونص الامر العسكري بأنه سوف يتم هدم وإزالة العمل الممنوع وأيضا التوقف عن الاستخدام الممنوع للأرض والمرافق التي أقامها المستوطن في المنطقة.
الصورة رقم 1: الامر الإداري بحق البؤرة الاستيطانية الجديدة
وفي الواقع، أن ما يتم وصفه بالعمل الممنوع في أمر الهدم، هو عبارة عن بؤرة استيطانية رعوية جديدة أقامها المستوطن على أراضي تعود لأهالي مدينة بيت جالا ولكن تم (أولا) ضمها بشكل غير قانوني واحادي الجانب الى حدود بلدية القدس عقب احتلال الأراضي الفلسطينية في العام 1967, و(ثانيا) أصبحت هذه الأراضي بمعزل عن المدينة واصحابها الفلسطينيين بفعل الانتهاء من بناء جدار الفصل العنصري الإسرائيلي في المنطقة الامر الذي سهل على المستوطن الإسرائيلي الاستيلاء على الأرض والبناء عليها.
نبذة عن البؤرة الاستيطانية الرعوية الجديدة
شرع المستوطن الإسرائيلي, والمعروف باسم “رونين بيكوري” ببناء البؤرة الاستيطانية مع بداية العام 2021 (شهر كانون الثاني). واليوم, البؤرة الاستيطانية هي عبارة عن أربعة مبان سقفهما من الصفيح تستخدم كمزرعة للخيول والكلاب والحيوانات البرية, وأيضا مخزن لتخزين الاعلاف والطعام للحيوانات هذا بالإضافة الى مخزن للمعدات وساحة لتدريب الخيول الموجود في البؤرة الاستيطانية. وتجدر الإشارة الى أن البؤرة الاستيطانية الرعوية أصبح يأمها المستوطنون من جميع المناطق وذلك تلبية للدعوات التي يقوم بها المستوطن عبر حساباته على منصات التواصل الاجتماعي حيث لا ينفك عن دعوة الناس لزيارتها وتقديم الدعم المادي لها بذريعة (أولا) أن وزارة البناء والاسكان الإسرائيلية تحارب بناء هذه البؤرة الرعوية , و(ثانيا) بذريعة حماية الحيوانات في المنطقة وخلق نوع جديد من السياحة الداخلية والاستمتاع بالطبيعة الخلابة. الا انه على أرض الواقع, أصبحت هذه البؤرة جزءا لا يتجزأ من المنطقة بفعل الدعم المادي الذي تقدمه جماعات المستوطنين وتحتل قرابة الخمس دونمات من الأرض (التجريف الذي يحيط بالمبان). وتم اطلاق اسم “هفات متسبيه راحيل” على هذه البؤرة الرعوية الصغيرة والتي رويدا رويدا اخذه بالتحول لما يمكن وصفه بالامتداد الاستيطاني لمستوطنة جيلو والتي لا تبعد عنها سوى بضعة أمتار الى الشمال.
وبالنظر الى موقع البؤرة الاستيطانية, فان ما يقوم به المستوطن الإسرائيلي ليس بالعمل العشوائي (الخارطة رقم 1), اذ أن البؤرة الاستيطانية الرعوية تتوسط مخططين إسرائيليين تسعى دولة الاحتلال الى تنفيذهما في المنطقة, (الأول) الى الشرق من موقع البؤرة الرعوية ويهدف لبناء 2500 وحدة استيطانية كامتداد لمستوطنة جيلو, و(الثاني) مخطط استيطاني الى الغرب من البؤرة الاستيطانية الرعوية (رقم 13261) ويهدف لبناء 891 وحدة استيطانية في المنطقة على ما مساحته 269.4 دونما من الأراضي الفلسطينية هذا بالإضافة الى أن البؤرة الرعوية الجديدة تأتي في الوقت الذي تقوم فيه حكومة الاحتلال بتنفيذ المخطط الاستيطاني رقم 101-0766154 والذي يهدف الى تغيير تخصيص الأرض من أراضي مفتوحة الى منطقة لبناء ساحة انتظار للحافلات، وتغييرات في حركة المرور حتى يتمكن المستوطنين من الدخول والخروج إلى مستوطنة جيلو من خلال توسيع الطريق الالتفافي الإسرائيلي رقم 60 باتجاه المستوطنة شمالا, الامر الذي يجعل من ازالتها وهدمها شبه مستحيلا في ظل الوقائع على الأرض.
الخارطة رقم 1: موقع البؤرة الرعوية الاستيطانية الجديدة
تجدر الإشارة الى أن امر الهدم الإداري اعتبر أن ما قام به المستوطن الإسرائيلي مخالفا لما يسمى “بقانون البناء والتخطيط الإسرائيلي للعام 1965”، حيث أمهلت سلطة التنفيذ العقاري المستوطن الاسرائيلي 7 أيام من تاريخ اصدار الامر الاداري, أي حتى الخامس عشر من شهر اذار 2022, لتنفيذ عملة الهدم والازالة الا انه لم تتم عملية الهدم حتى اليوم. كما نص امر الهدم بأن “من يرى نفسه متضررا من الامر الإداري يحق له تقديم طلب لإلغاء الامر في المحكمة ذات الصلاحية خلال 15 يوما من تاريخ اصدار الامر ثم تقديم طلب لالغاء الامر”. ومن الملاحظ أن أمر الهدم الصادر منح الحق للمستوطن الإسرائيلي بتقديم اعتراض على عملية الهدم المزمع تنفيذها (بحسب ما صدر) بالرغم من أن المستوطن المذكور قام باحتلال الأرض بشكل غير قانوني ولا يعتبر بأي شكل من الاشكال مالك متضرر واقام عليها البناء بصورة غير قانونية أيضا.
ازدواجية المعايير
وهنا تظهر ازدواجية المعايير من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي في التعامل مع ما تطلق عليه “بالبناء الغير قانوني” أو مخالفة ما يسمى “بقانون البناء والتخطيط الإسرائيلي للعام 1965” في جميع انحاء الضفة الغربية المحتلة, اذا ما زالت سلطات الاحتلال تماطل حتى تاريخ هذا التقرير في عملية الهدم للبؤرة الغير قانونية من خلال السماح للمستوطن الإسرائيلي بالاعتراض على أمر الهدم والدخول في إجراءات المحاكم والتي قد تأخذ أعواما حتى يتم البت فيها, تكون بذلك البؤرة الاستيطانية قد اخذت شكلا ومساحة اكبر.
أما على الصعيد الاخر, فيما يخص الفلسطينيين, فخلال الأعوام القليلة الماضية, سخرت حكومة الاحتلال الإسرائيلي الأوامر والقوانين العنصرية من أجل محاربة ما تعتبره “بالبناء الغير قانوني للفلسطينيين” في المناطق التي ما زالت تعتبرها تحت سيطرتها (منطقة “ج” في الضفة الغربية المحتلة على سبيل المثال والقدس الشرقية المحتلة), ونخص بالذكر الامر العسكري الإسرائيلي رقم 1797 الذي دخل حيز التنفيذ في العام [2]2018, والذي يمنع الفلسطينيّين من أيّة إمكانية للاعتراض على أوامر الهدم التي تصدرها الإدارة المدنية الإسرائيلية بحق المباني الجديدة التي يقوم الفلسطينيين بتشييدها (على عكس ما تم التعامل به مع المستوطن الإسرائيلي). وبحسب منظمة بتسيلم الإسرائيلية, فان الامر العسكري الاسرائيلي يعطي سلطات الاحتلال الاسرائيلي الصلاحية في هدم المباني الجديدة فورا. كما يمنح الامر العسكري الإسرائيلي مراقب الإدارة المدنيّة الإسرائيلية الصلاحية بإصدار تعليمات بـ”إزالة” مبنًى جديد – بما في ذلك المباني التي لم ينتهِ العمل على إنشائها أو المباني التي انتهى العمل على إنشائها خلال نصف السّنة الأخير. وأيضا المباني السكنية, فيستطيع مراقب الإدارة المدنية الإسرائيلية إصدار تعليمات بهدمها إذا لم يتمّ الانتقال للسّكن فيها بعد أو إذا لم يمضِ بعد 30 يومًا على هذا الانتقال. وأمّا من يملك رخصة بناء تخصّ المبنى فبإمكانه تقديم طلب لإلغاء أمر الهدم خلال 96 ساعة وإذا لم يتمّ تقديم مثل هذا الطلب خلال الفترة المذكورة ولم يهدم المالك المبنى بنفسه يحقّ عندئذٍ للمراقب “إزالته عن الأرض وإزالة كلّ ما هو موصول به” بشرط أنّ المبنى “لا يقع ضمن حدود خريطة هيكليّة مفصّلة” وبعد استشارة المستشار القضائي أو من ينوب عنه.
تجدر الإشارة الى انه عقب اصدار الامر الإداري بعدة أيام, نشر المستوطن الإسرائيلي على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي مناشدة لوزيرة الداخلية الإسرائيلية ايليت شاكيد يطالبها بالوفاء بالوعود التي قطعتها قبيل الانتخابات الإسرائيلية, في شهر اذار من العام 2021 , للمساعدة في بناء البؤرة الاستيطانية كنوع من رد الجميل لاولئك الذي قاموا بالتصويت لها. وجاءت هذه المناشدة بهدف منع عملية الهدم.
[1] تأسست هيئة الإنفاذ العقاري في عام 1988 تحت إشراف وزارة الداخلية تحت اسم “الوحدة الوطنية للإشراف على البناء”. مهمتها الرئيسية هي وقف ومنع البناء غير القانوني.
[2] https://www.btselem.org/arabic/planning_and_building/20180614_last_veil_disguising_west_bank_planning_policy_lifted
إسرائيل تنزع القناع الأخير عن سياسة التخطيط التي تطبّقها في الضفة الغربية
اعداد: معهد الابحاث التطبيقية – القدس
(أريج)