بلا ريب لقد كان العام المنصرم ،2014 عام الاستيطان والتوسع الإسرائيلي الكولونيالي بامتياز. ففي واقع الحال لم يختلف العام 2014 عن العام الذي سبقه سوى بتضخم البناء الاستيطاني وتغول قطعان المستوطنين حيث وصلت اعتداءاتهم ألاثمة لمستويات قياسية ونوعية فقد طالت البشر قبل الحجر ولم تستثني أماكن العبادة ولا الأراضي الزراعية ولا المنازل زل ولا المدارس ولا السيارات ولا المحلات التجارية …وكل ذلك على ورأى ومسمع ،بل وتحت حماية قوات الاحتلال والشرطة الإسرائيلية والتي تقدم الحماية للمستوطنين خلال اعتداءاتهم وغزواتهم ولا تكتفي بذل بل تقوم بالاعتداء على الفلسطينيين المستهدفين أنفسهم.
خلال العام 2014 صعدت إسرائيل من انتهاكاتها تجاه المواطن الفلسطيني وأرضه وممتلكاته, واستمرت في عمليات نهب الأراضي الفلسطينية ومصادرتها بحجج تخالف القانون الدولي خدمة لأهدافها الاستيطانية والتوسعية المختلفة من بناء لمستوطنات وأحياء جديدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة, وتوسيع القائمة منها, في خطوة من شأنها أن تُرسخ من الوجود الإسرائيلي في المنطقة وتفرضه على الأرض واقعًا يصعب تغييره حتى في أي مفاوضات سلام مستقبلية.
كما وصعدت إسرائيل من عمليات الهدم للمنازل والمنشآت الفلسطينية في مختلف مُحافظات الضفة الغربية بذريعة البناء غير المرخص لوقوع هذه المنشات في المنطقة المصنفة ج" والتي بحسب اتفاقية أوسلو الثانية للعام 1995 تخضع للسيطرة لإسرائيلية الكاملة, والتي أيضا, لولا المماطلات الإسرائيلية والتوقف في المفاوضات والتأخير المتعمد وإعادة التفاوض على ما تم التفاوض عليه في السابق وعدم التزام إسرائيل بتنفيذ لالتزامات المترتبة عليها, لكانت أصبحت تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة, أمنيًا وإداريًا…هذا ولم تسلم الأشجار المثمرة والأراضي الزراعية التي هي مصدر دخل رئيسي لمعظم العائلات الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة من الانتهاكات الإسرائيلية والاستهداف من سلطات الاحتلال المختلفة.
وعلى التوازي مع انتهاكات المستوطنين وإجراءات سلطات الاحتلال فقد كان للمستوطنات غير الشرعية نصيبها الوافر من الدعم المطلق من الحكومة اليمينية المتطرفة فقد طرحت الحكومة الإسرائيلية, ممثلة بوزارتها وهيئاتها المختلقة, البناء والإسكان والداخلية وبلدية القدس الإسرائيلية, العديد من العطاءات والمخططات للبناء في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية حيث تم المصادقة على مخططات لبناء 16704 وحدة استيطانية جديدة في 33 مستوطنة إسرائيلية حيث كانت معظمها في القدس ثم في بيت لحم وفي سلفيت. انظر الرسم البياني رقم 1
هذا بالإضافة إلى الأوامر العسكرية التي طالت ألاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية وكان معظمها إما لغرض بناء جدار العزل العنصري أو مُصادرة بذريعة أن تلك الأراضي هي ملك لدولة إسرائيل وعليه يُمنع على الفلسطينيين استغلالها دون تصريح صادر عن الجهات الإسرائيلية المختصة حيث صادرت إسرائيل 7262 دونما خلال العام 2014 . انظر الرسم البياني رقم 2
في واقع الحال لقد قامت الحكومة الإسرائيلية المتطرفة باستغلال حادثة خطف وقتل المستوطنين الإسرائيليين الثلاثة في مدينة الخليل جنوبي الضفة في شهر حزيران من العام 2014 لشن حملة عسكرية شعواء ضد قطاع غزة أسفر عن خسائر بشرية واقتصادية واجتماعية هائلة . وفي المقابل انتهزت إسرائيل الفرصة أيضا لتُمرر العديد من إجراءاتها وتدابيرها والتي من شانها أن تضم وتُصادر المزيد من الأراضي الفلسطينية لصالح مشروعها الاستيطاني والتوسعي واستهدافها للمنازل والمنشئات الفلسطينية في مختلف أنحاء الضفة الغربية وخاصة في مدينة القدس المحتلة.
لقد شهد العام 2014 ارتفاعا ملحوظا في عدد انتهاكات المستوطنين حيث شن المستوطنون الإسرائيليون 764 اعتداء على الفلسطينيين وممتلكاتهم أغلبها في مدينة القدس بواقع 290 اعتداء يليها محافظة الخليل 132 اعتداء ثم محافظة نابلس ب 115 اعتداء ومن ثم بيت لحم ب 107 اعتداء. الرسم البياني رقم 3
أما بالنسبة للأشجار فقد تم خلال العام 2014 اقتلاع وحرق وتدمير وتجريف 10,596 شجرة وشتلة من من جانب قطعان المستوطنين وقوات الاحتلال الإسرائيلي اغلبها في محافظة رام الله 5,325 شجرة ثم 2,059 شجرة في محافظة بيت لحم و محافظة الخليل 1,332 شجرة. انظر الررسم البياني رقم 4
أيضا خلال العام 2014 ، قامت إسرائيل بهدم 333 منزلا فلسطينيا 96 منها في الشطر الشرقي من المدينة المحتلة . انظر الرسم البياني رقم 5
أما بخصوص الأرض فقد قامت إسرائيل خلال العام 2014 بإصدار 18 أمر مصادرة الأراضي الفلسطينيين إما بحجج الدواعي الأمنية أو بإعلانها أراضي دولة حيث صادرت إسرائيل من خلال هذه الأوامر 7,262 دونما يملكها الفلسطينيون جميعها لصالح توسيع المستوطنات والبؤر الاستيطانية والمشروع التوسعي الإسرائيلي بشكل عام.
خلال الفترة الأخيرة من العام 2014 صعدت إسرائيل من خطواتها التي تهدف لتوسيع رقعة المستوطنات الإسرائيلية حيث صادق وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون وبشكل غير قانوني بتحويل قاعدتين عسكريتين ومركز للشرطة الإسرائيلية لمناطق خاصة للتوسع الاستيطاني في مستوطنات كريات أربع و ايلي زهاف وبيت آيل وقد تم ذلك خلال السابع عشر من شهر كانون الأول ديسمبر من العام الماضي.
هذا ولم يكتفي وزير الدفاع الإسرائيلي بهذه القرارات حيث قرر وخلال الأسبوع الأخير من العام 2014 شرعنة بؤرة استيطانية غير شرعية وهي "الي متان" والتي تقع في منطقة وادي قانا في قرية بيت استحيا في محافظة سلفيت حيث تقع هذه البؤرة ضمن حدود محمية طبيعية في منطقة وادي قانا حيث تمنه إسرائيل سكان المنطقة من التوسع على أراضيهم بحجة وقوعها بمنطقة محمية طبيعية بينما تحولها في ليلة وضحاها الي بؤرة استيطانية جديدة.
هذا وفي خطوة تثبت تواطؤ جيش الاحتلال ووزارة الدفاع الإسرائيلية مع المستوطنين ومشروعهم الاستيطاني وخلال شهر كانون الأول من العام 2014 قامت ما تسمى بالإدارة المدنية في جيش الاحتلال الإسرائيلي بالمصادقة على مخططات تتضمن تخصيص مساحة 35,000 دونما من أراضي الفلسطينيين والتي استولت عليها إسرائيل واستخدمتها لأغراض التدريب العسكري لصالح توسيع المستوطنات المحاذية لهذه المناطق حيث يقع غالبيتها في منطقة غور الأردن.
أما بخصوص جدار الفصل العنصري فإن دولة الاحتلال الإسرائيلي مُصممة على تنفيذ اكبر عملية نهب للأراضي الفلسطينية منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية في العام 1967 تهدف إسرائيل من خلالها إلى ترسيم حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية بشكل أحادي وبما يحفظ المصالح الأمنية والتوسعية الإسرائيلية على حساب أصحاب الأرض من الفلسطينيين .ويتجلى ذلك من خلال ضم إسرائيل لمنطقة العزل الغربية (المنطقة الواقعة ما بين مسار جدار العزل العنصري الإسرائيلي وخط الهدنة للعام 1949 (الخط الأخضر)) بشكل غير قانوني وأحادي الجانب إلى حدودها, والتي تمثل ما نسبته حوالي 13% من مساحة الضفة الغربية المحتلة وتشمل المصادر الطبيعية (منها المياه) و107 مستوطنة يقطنها أكثر من ثلثي عدد المستوطنين الإسرائيليين.
إن العام 2014 أسقط القناع وأظهر الوجه القبيح والحقيقي للاحتلال الإسرائيلي حيث وبالرغم من تمسك الفلسطينيين بكل الفرص المتاحة لاستئناف مفاوضات الحل السلمي لم يدخر الإسرائيليون جهدا لا وحاولوا عرقلة كافة الجهود الدولية والدبلوماسية أو حتى الإنسانية المبذولة فيما يتعلق بعملية السلام. وكانت المراوغة ومحاولات التملص من أي التزام هو السمة الغالبة وصفة التميز الإسرائيلية خلال الجهود الدولية المبذولة لإعادة إحياء عملية السلام خلال العام 2014 حيث تشبث رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بلاءاته وشروطه المسبقة . وتحقيقًا لهذه الغاية، لم تهدر إسرائيل أية فرصة إلا وانتقدت جهود السلام و المفاوضات وذلك من خلال الإعلان والموافقة بلا هوادة على وحدات استيطانية جديدة في المستوطنات الإسرائيلية في لأراضي الفلسطينية المحتلة مع اشتراطات صارمة تم الإفصاح عنها خلال زيارة الرئيس الأمريكي, باراك أوباما لأولى إلى المنطقة في الثاني والعشرين من شهر آذار من العام 2013. كما عملت إسرائيل على استبعاد القدس من المعادلة السياسية الأمر الذي جعل من إمكانية الحل فيما يتعلق بالقدس أكثر صعوبة من أي وقت مضى. غير أن هذا لم يكن هو الشيء الوحيد الذي استخدمته إسرائيل لتقويض عملية السلام, بل استمرت باستهتارها بالمجتمع الدولي وشرَعت قوانين في الكنيست الإسرائيلي صعبت من خلاله على أي حكومة أن تصل إلى حل الدولتين والانسحاب من الضفة الغربية أو تقسيم القدس إلا من خلال أغلبية كبيرة ناهيك عن مواصلة البناء غير القانوني في المستوطنات الإسرائيلية في شتى أنحاء الضفة الغربية وخاصة في مدينة القدس المحتلة. علاوة على ذلك، فقد واصلت إسرائيل انتقامها من الفلسطينيين وصعدت من إجراءاتها وتدابيرها العقابية اتجاههم بكافة الطرق والتي ارتقت بمعظمها لجريمة الحرب والعقاب الجماعي كهدم منازل المطلوبين امنيا وسحب إقاماتهم من القدس المحتلة ورفع وتيرة هدم المنازل وخاصة في القدس المحتلة وخاصة بعد عملية مقتل مستوطنيها الثلاثة.
للأسف الشديد فقد شهدت الأشهر الأخيرة من العام 2014 محاولات إسرائيلية لتصدير أزمتها السياسية والمطبات التي تعترض طريق الائتلاف الحكومي اليميني الحالي بإظهار المزيد من التشدد والتطرف اتجاه المواطنين والمغالاة في مهاجمة الفلسطينيين والمطالبة بالتخلص منهم واستهدافهم وتهجيرهم ومعاقبتم وذلك خدمة لأجندة السياسيين الإسرائيليين الشخصية ولكي يحصدوا المزيد من الأصوات ويخطبوا ود غلاة المستوطنين والمتطرفين في الانتخابات المبكرة والتي ستعقد في شهر آذار من العام الحالي.
إن كل ما ذكر في التقرير من معطيات مقتضبة ومختصرة كتلخيص لأبرز الانتهاكات والتوسعات التي قامت بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي وقطعان مستوطنيها خلال العام 2014 يوضح بشكل لا يقبل الشك ولا التأويل الموقف الإسرائيلي اتجاه عملية السلام، والذي يهدف إلى لقضاء على أي فرصة للفلسطينيين بإقامة دولة مستقلة قابلة للحياة ومتواصلة جغرافيا، خصوصًا عندما تحبط إسرائيل بإجراءاتها على الأرض كل الجهود الدولية والدبلوماسية المطروحة والمبذولة والتي تدفع باتجاه حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران للعام 1967, وضاربة عرض الحائط كل التزاماتها تجاه العملية السلمية, ماضية بالتحرك بوتيرة محمومة بمخططاتها الاستيطانية- التوسعية والأحادية الجانب، والتي تخدم مصالحها, وفي نفس الوقت, تتناقض والاتفاقات الموقعة مع الجانب الفلسطيني, والأهم, مع الجهود الدولية المبذولة والرامية لإحياء عملية السلام ومع كافة القوانين والأعراف الدولية والإنسانية.
إن ما تقوم به دولة الاحتلال الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وتصدير لأزماتها السياسية واستغلال قضية الفلسطينيين لجلب المزيد من المتطرفين والمستوطنين ليتصدوا المشهد السياسي الإسرائيلي إنما يهدف إلى القضاء وبشكل متعمد على الوصول لحل سلمي للصراع مع الفلسطينيين بقوم على قرارات الشرعية الدولية ويقوم على حل دولتين لشعبين.
اعداد: معهد الابحاث التطبيقية – القدس
(أريج)