في الحادي والعشرين من شهر شباط من العام 2014، نشرت الصحيفة الإسرائيلية اليومية "هآرتس" على موقعها الالكتروني تقريرا مفاده ان "وزارة الدفاع الإسرائيلية" تدفع باتجاه شرعنة بؤرة افيجال الاستيطانية الإسرائيلية الواقعة في التلال الجنوبية من محافظة الخليل، وذلك بما يتنافى مع أوامر الهدم التي صدرت بحق المنشآت القائمة في البؤرة، كان آخرها التي صدرت في السابع والعشرين من شهر آذار من العام 2012. وتسعى "وزارة الدفاع الإسرائيلية" إلى إصدار تراخيص بناء للمنشآت القائمة والغير مرخصة في البؤرة ذلك بالإضافة إلى سعي "وزارة الدفاع" إلى وضع مخطط هيكلي للبؤرة والذي يتضمن تخصيص مساحات شائعة للتوسع المستقبلي للبؤرة.
وبحسب تقرير "هآرتس"، فان البؤرة الاستيطانية الغير شرعية "افيجال" تحتل مساحة تزيد عن 1000 دونما من الأراضي الفلسطينية في محافظة الخليل ويعود ذلك إلى الانتهاكات الممنهجة والمنظمة والمتعمدة التي يقوم بها المستوطنين الإسرائيليين وتتمثل في منع المزارعين الفلسطينيين وأصحاب الأراضي من الوصول إلى أراضيهم المحاذية لبؤرة افيجال الغير شرعية، الامر الذي أدى في نهاية المطاف إلى المصادرة الغير شرعية للأراضي الفلسطينية. ومن الجدير ذكره، أن جميع الانتهاكات التي يرتكبها المستوطنين الإسرائيليين بحق الأراضي الفلسطينية تحدث بمساعدة وحماية جيش الاحتلال الإسرائيلي. خارطة رقم 1
خارطة رقم 1: موقع البؤرة الاستيطانية أفيغال في جنوب محافظة الخليل
لمحة عن البؤرة الاستيطانية "افيجال"
تأسست البؤرة الاستيطانية الغير شرعية "افيجال" في شهر كانون الأول من العام 2001. وتقع بؤرة افيجال بين مستوطنتي معون وسوسيا الإسرائيليتين، في الجزء الجنوبي من محافظة الخليل. واليوم, يوجد في البؤرة الاستيطانية "افيجال" 19 منشأة (اثنتان منها منازل دائمة). ويقطن البؤرة الاستيطانية اليوم 30 مستوطن إسرائيلي. ومن الجدير ذكره أيضا أن المنشآت الموجودة في بؤرة افيجال الاستيطانية الغير شرعية تم بناءها على أراضي صنفتها سلطات الاحتلال الإسرائيلية على أنها "أراضي دولة".
تمتاز البؤرة الاستيطانية افيجال بأنها تقع ضمن سلسلة من البؤر والمستوطنات الإسرائيلية الغير شرعية في تلال الخليل الجنوبية والتي توسعت على مر سنوات الاحتلال الإسرائيلي لتشكل تجمعا من المستوطنات تضم التالي: كرمئيل، وسوسيا، وبيت يائير، ومعون، بالإضافة إلى البؤر الاستيطانية هافات لاسفر، ومتسيبي يائير، وهافات معون. وتبلغ مساحة المستوطنات والبؤر الاستيطانية السابقة الذكر (المساحة العمرانية الحالية) حوالي 4000 دونما، في حين يظهر المخطط الهيكلي للمستوطنات مجتمعة والتي قامت الإدارة المدنية الإسرائيلية بنشره في العام 1991، بان إسرائيل خصصت مساحة توسعية مستقبلية للمستوطنات في تلك المنطقة تصل إلى 10,077 دونما, وهو أكثر من ضعف المساحة الحالية للمستوطنات الاسرائيلية السابقة الذكر.
وتجدر الاشارة الى أن بؤرة افيجال الاستيطانية الغير شرعية لم تندرج ضمن أي مخطط هيكلي للمستوطنات المحيطة بها، مما يجعل من الخطوة الاسرائيلية نحو تغيير وضع البؤرة الاستيطانية افيجال لتصبح شرعية ذات أهمية كبرى بالنسبة لإسرائيل، لان بؤرة افيجال الاستيطانية ستعمل على تعبئة الفراغ الجغرافي في تلك المنطقة عن طريق تكملة حلقة المستوطنات الإسرائيلية في المنطقة.
علاوة على ذلك، ان تقنين بؤرة افيجال الاستيطانية والسعي نحو تشكيل تجمع استيطاني في منطقة جنوب الخليل هو جزء من الخطة الإسرائيلية في تلك المنطقة والتي تهدف إلى مصادرة وضم ما يقارب 30,000 دونما من الأراضي الفلسطينية كانت اسرائيل قد صنفتها على أنها "مناطق إطلاق نار". كما يهدد المخطط الاسرائيلي ما يقارب 1,300 فلسطيني يقطنون 12 تجمعا فلسطينيا في المنطقة وهي: طوبا، ومفقرة، ومجاز، والتبان، والفخيت، ومغاير العبد، وحلاوة، ومركيز، وجنبة، وخلة الضبعة، وصارورة وأسفي. ومن المهم ذكره انه في شهر تموز من العام 2012، أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك يهودا باراك أمرا بإخلاء ثمانية تجمعات فلسطينية من اصل اثني عشر تجمعا (اسفي، والفخيت، والحلاوة، والخروبة، والتبان، والمجاز، والمرجس، وجنبة) تقع في منطقة "إطلاق النار"، والتي تأوي ما يقارب 1000 فلسطيني، وذلك لفتح المجال أمام انطلاق التدريبات الإسرائيلية في المنطقة. ولم يتوقف قرار وزارة الدفاع الإسرائيلية عند هذا الحد فقط, بل أن إخلاء هذه التجمعات الفلسطينية سيؤدي إلى ضم كل تلك المنطقة إلى "حدود دولة إسرائيل".
خطوة أولى نحو تأسيس تجمع استيطاني جديد في تلال الخليل الجنوبية:
عقب الاحتلال الإسرائيلية لقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية في العام 1967، سارعت سلطات الاحتلال الإسرائيلية إلى بناء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية في محاولة منها لفرض سيطرتها الغير شرعية على الأراضي الفلسطينية. وعلى مر سنوات الاحتلال، نجحت إسرائيل في تجميع المستوطنات الإسرائيلية لتشكل ما يطلق عليه اليوم "بتجمعات استيطانية"، والتي تعني بناء مستوطنات إسرائيلية في مناطق متقاربة جغرافيا. وهذا قاد إلى تشكيل خمس تجمعات استيطانية رئيسية على أراضي الضفة الغربية المحتلة، وهي: التجمع الاستيطاني أرئيل-كيدوميم، والتجمع الاستيطاني موديعين عيليت، والتجمع الاستيطاني جيفعات زئيف، والتجمع الاستيطاني معالي ادوميم، والتجمع الاستيطاني غوش عتصيون. وتلعب هذه التجمعات الاستيطانية الخمس دورا هاما في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، حيث تسعى إسرائيل من خلال المقترحات التي تقدمها على طاولة المفاوضات إلى ضم هذه التجمعات الاستيطانية إلى "حدود" دولتها الغير قانونية، بحيث تبقى السيطرة الإسرائيلية على هذه التجمعات الاستيطانية في حال التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وذلك بسبب ما أصبحت تشكله هذه التجمعات الاستيطانية، على مر السنين، من أهمية عظمى لإسرائيل من الناحية الجغرافية والأيديولوجية والديمغرافية. ذلك بالإضافة إلى أن تشييد جدار العزل العنصري الإسرائيلية سهل عملية ضم هذه التجمعات الاستيطانية الخمس إلى "حدود دولة إسرائيل"، حيث تم رسم مسار جدار العزل العنصري بطريقة تؤكد وبشكل حتمي وواضح بان هذه التجمعات الاستيطانية الخمس هي مناطق ذات أهمية كبرى لإسرائيل ليتم ضمها لحدودها وإبقاء سيطرتها عليها تحت أي ظرف من الظروف.
وبشكل عام، تحاول إسرائيل زيادة أعداد المستوطنات الإسرائيلية التي سيتم ضمها إلى حدودها الغير شرعية وإنشاء تجمع استيطاني جديد في تلال الخليل الجنوبية، وذلك عن طريق أولا, أصدار تراخيص بناء للمنشآت القائمة في بؤرة "افيجال" الاستيطانية، وثانيا عن طريق تعبئة الفراغ الجغرافي في تلال الخليل الجنوبية وربط بؤرة افيجال بالمستوطنات والبؤر الاستيطانية المحيطة بها في الجزء الشرقي والجنوب الغربي. ذلك بالإضافة إلى أن موقع بؤرة افيجال الاستيطانية في منطقة "إطلاق النار" وإحاطتها بأربع مستوطنات رئيسية (معون، وسوسيا، وبيت يائير، وكرمئيل) بالإضافة إلى 10 بؤر استيطانية يعطي بؤرة افيجال أفضلية للتوسع ولتصبح مستوطنة في المستقبل. وفي نفس الوقت، ان شرعنة بؤرة افيجال سيشكل دافعا لسلطات الاحتلال الإسرائيلية لإنشاء تجمع استيطاني إسرائيلي جديد في تلك المنظمة لضمه لحدودها وإضافته إلى قائمة التجمعات الاستيطانية التي تخطط لإبقاءها تحت سيطرتها من خلال بناء جدار العزل العنصري، وذلك قبل التوصل إلى اتفاق سلام نهائي مع الفلسطينيين والذي سيترتب على إسرائيل التنازل عن عدد من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية من اجل التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين.
مخطط جدار العزل العنصري الإسرائيلي
في العام 2002، شرعت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بتشييد جدار العزل العنصري على الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية. ومنذ البدء ببناء جدار العزل العنصري، قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بإجراء العديد من التعديلات على مسار الجدار كانت جميعها تصب في مصلحة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية أكثر منه للفلسطينيين، حيث بذلت إسرائيل جهود جبارة لضم اكبر عدد ممكن من المستوطنات الإسرائيلية لحدودها.
وبحسب مخطط جدار العزل العنصري للعام 2004، كانت اسرائيل تنوي الاستيلاء وضم آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية في الجزء الجنوبي الشرقي من محافظة الخليل، والتي تشمل 9 مستوطنات إسرائيلية, من ضمنها المستوطنات التالية: معون، وسوسيا، ومتسيبي يائير، وكرمئيل هذا بالاضافة الى 12 بؤرة استيطانية غير شرعية من ضمنها بؤرة افيجال الاستيطانية، وأكثر من 30 تجمع فلسطيني، إلى "حدود دولة إسرائيل" (أنظر الخارطة رقم 1).
وفي شهر نيسان من العام 2007، نشرت وزارة الدفاع الإسرائيلية تعديلا اخر على مسار جدار العزل العنصري في الضفة الغربية المحتلة كان من ضمنها تعديل على مسار الجدار في مناطق تلال الخليل الجنوبية. وأظهر التغيير على مسار الجدار أن اسرائيل سوف تقوم ببناء الجدار بشكل موازي لحدود العام 1967، وبالتالي ضم ثلاث مستوطنات إسرائيلية فقط من أصل تسعة (سنسانة، ونيجوهوت، وشمعا) إلى حدود إسرائيل (ضمن منطقة العزل الغربية، وهي المنطقة التي تقع بين مسار جدار العزل العنصري وخط الهدنة (الخط الأخضر للعام 1949)). كما تم استبعاد المنطقة الجنوبية من محافظة الخليل (التي هي مأوى لاثني عشر تجمعا سكانيا فلسطينيا) خارج منطقة الجدار. ولكن، مع القرار الإسرائيلي الرامي الى شرعنة بؤرة افيجال الاستيطانية الغير شرعية، والآمال الإسرائيلية التي بنيت على هذا القرار لانشاء تجمع استيطاني جديد في تلك المنطقة، تظهر أن عملية إصدار تراخيص بناء للمنشآت القائمة في بؤرة افيجال الاستيطانية الغير شرعية ما هي إلا خطوة أولى نحو مصادرة وسلب المزيد من الأراضي الفلسطينية عن طريق استعادة مخطط جدار العزل العنصري الإسرائيلية للعام 2004 والذي يتضمن نفس المنطقة المستهدفة، والتي في نهاية المطاف، ستعمل إسرائيل على ضم ما يزيد عن 100,000 دونم (100 كيلومتر مربع) من الأراضي الفلسطينية لحدودها.
خارطة رقم 2: مخطط الجدار للعام 2004
خارطة رقم 3: مخطط الجدار للعام 2007
في الختام:
على مر السنوات السابقة سارعت إسرائيل في تنفيذ برنامجها الاستيطاني بما يتعارض وينتهك القانون الدولي. بالإضافة إلى ذلك، أن المستوطنات الإسرائيلية وجدار العزل العنصري تعمل على الضغط على السكان الفلسطينيين في جيوب ومنعزلات صغيرة مما يساهم في إبقاء أجواء الصراع والعداوة مستمر في المنطقة. ولذلك، مع فرض الوقائع على الأرض و التلاعب بالتوازن الجغرافي والديمغرافي في الأراضي المحتلة، تعمل إسرائيل على تدمير أي فرصة ممكنة لإجراء مفاوضات مثمرة وناجحة للوصول إلى اتفاق سلام مبني على أساس حل الدولتين، حيث تصبح القدس عاصمة للدولتين. ومن مهم ذكره أن برنامج إسرائيل الاستيطاني محظور ومرفوض من قبل القوانين والأعراف الدولية. وفي ما يلي بعض من هذه القوانين التي تحظر النشاط الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة:
اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، المادة رقم 49 نصت على أنه "يحظر على دولة الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات، أو بالدولة أو السلطات العامة، أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية، إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتما هذا التدمير". ، والتي تنص على أنه " يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أي كانت دواعيه".
كذلك اتفاقية لاهاي للعام 1907، المادة رقم 23 نصت على انه "يمنع تدمير ممتلكات العدو أو حجزها، إلا إذا كانت ضرورات الحرب تقتضي حتما هذا التدمير أو الحجز".
'قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 الصادر بتاريخ '1967 يطالب إسرائيل بالانسحاب الكامل من الأراضي التي احتلتها إسرائيل في عدوانها عام 1967. و على ارض الواقع إن المستوطنات الإسرائيلية المنتشرة كالسرطان في الأراضي الفلسطينية تعتبر المعوق الأساسي لأي تسوية سلمية مستقبلية بين الطرفين.
وأيضا
كما أن 'قرار مجلس الامن الدولي رقم 465 الصادر بتاريخ 1980' يعتبر أن كافة الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل في الأراضي المحتلة و التي غيرت من الوضع الجغرافي و الميداني لهذه الأراضي المحتلة منذ العام 1967 بما فيها القدس, باطلة و غير قانونية و خصوصا تهجير إسرائيل للفلسطينيين من أراضيهم و تسكين المهاجرين اليهود القادمين إلى إسرائيل بدلا منهم و أن هذه الممارسات تعتبر خرقا صريحا وواضحا لاتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين في أوقات الحرب.
كذلك "قرار مجلس الأمن الدولي رقم 456 بتاريخ 1979" يطلب من حكومة وشعب إسرائيل إلى وقف عاجل وشامل لكل الأنشطة الاستيطانية، من بناء وتخطيط، في الأراضي العربية المحتلة عام 1967 بما فيها مدينة القدس.
اعداد: معهد الابحاث التطبيقية – القدس
(أريج)