كمثيلاتها من القرى الفلسطينية التي اقيمت في الضفة الغربية المحتلة لمقاومة الاستيطان ومصادرة الاراضي الفلسطينية, جاءت قرية المناطير الفلسطينية في بلدة بورين جنوب مدينة نابلس لتشهد على واقع الاستيطان الاسرائيلي في المنطقة وتعبر عن معاناة الشعب الفلسطيني الذي يرفض مصادرة أرضه ومصدر رزقه. ففي الثاني من شهر شباط من العام 2013, أقامت مجموعة من المواطنين الفلسطينيين قرية 'المناطير' على اراضي قرية بورين جنوب مدينة نابلس احتجاجا على منع سلطات الاحتلال الاسرائيلي اهالي البلدة من الوصول الى هذه البقعة من القرية بسبب اعتبارات عسكرية اسرائيلية حرمت أهالي القرية من استغلالها والاستفادة منها لتوفير لقمة عيش لسنوات عديدة وأيضا احتجاجا على التوسعات الاستيطانية الاسرائيلية التي تزحف باتجاه اراضي القرية واعتداءات المستوطنين المستمرة والمتكررة في المنطقة التي تكبد المزارعين الفلسطينيين خسائر فادحة اذ انها تستهدف القطاع الزراعي الذي هو مصدر رزق لمعظم العائلات الفلسطينية في المنطقة.
وكسائر القرى الفلسطينية التي اقامها الفلسطينيون في اماكن عدة في الضفة الغربية المحتلة, لاقت خيمة المناطير المصير نفسه من قبل سلطات الاحتلال الاسرائيلي, اذ لم تتردد الجرافات التابعة لجيش الاحتلال الاسرائيلي في اليوم التالي (الثالث من شهر شباط من العام 2013) بهدم الخيم التي اقيمت في المنطقة وبرفقة المستوطنين القاطنين في البؤرة الاستيطانية القريبة من الموقع 'بؤرة جفعات رونين'. كما اعتقلت قوات جيش الاحتلال الاسرائيلي العديد من الشبان الفلسطينيين الذين تواجدوا في المنطقة لمنع عملية الهدم. كما شهدت المنطقة اشتباكات بين المواطنين الفلسطينيين وقوات جيش الاحتلال الاسرائيلي التي ما انفكت عن اطلاق قنابل الغاز باتجاه المواطنين الفلسطينيين لتفريقهم ومنعهم من مقاومة عملية الهدم واخلاء المنطقة وأعلنتها منطقة عسكرية مغلقة حتى لا يتمكن المواطنين الفلسطينيين من الاقتراب منها. وتجدر الاشارة الى أن الأراضي الفلسطينية (موقع قرية المناطير) التي تم استهدافها في قرية بورين تقع في المنطقة المصنفة 'ب'[1] وقام جيش الاحتلال الاسرائيلي والمستوطنين باستهدافها وهدم الخيم التي اقيمت عليها بالرغم من أن جيش الاحتلال الاسرائيلي ليس له أي سلطة بالهدم في تلك المناطق وأعلنتها منطقة عسكرية مغلقة في محاولة منها لوقف الزحف العمراني الفلسطيني لهذا الموقع من القرية. خريطة رقم 1
خريطة رقم 1: موقع قرية المناطير التي تم استهدافه في قرية بورين والواقع في المناطق المصنفة 'ب'
وفي تقرير نشرته صحيفة هاارتس الاسرائيلية في الرابع من شهر شباط من العام 2013, صرحت فيه بأن الادارة المدنية الاسرائيلية كانت قد أوعزت لجيش الاحتلال الاسرائيلي بأن الخيم التي اقامها الفلسطينيون تقع في المناطق المصنفة 'ب' بحسب الاتفاقيات وأنه لا سلطة للجيش الاسرائيلي بالهدم في تلك المناطق لانها تخضع للسيطرة الفلسطينية (الشؤون المدنية). وذكرت الصحيفة أيضا بأن مسؤولا عن البناء والتنظيم في الادارة المدنية الاسرائيلية كان متواجدا في الموقع المستهدف وصرح بان الخيم التي اقيمت على أراضي قرية بورين (موقع قرية المناطير) تقع في المناطق المصنفة 'ب' ووحدهم الفلسطينيين الذين عليهم فرض القانون على الابنية 'الغير قانونية' في تلك المناطق على حد قول الصحيفة.
وتتذرع سلطات الاحتلال الاسرائيلي أن المواطنين الفلسطينيين الذين كانوا متواجدين في موقع قرية المناطير قاموا برجم جيش الاحتلال الاسرائيلي المتواجد في المنطقة بالحجارة وانه كان على الجيش هدم الخيم واخلاء المنطقة بغض النظر عن تصنيفها لحفظ الامن في الموقع. الا انه على أرض الواقع, شهد موقع قرية المناطير في الاعوام السابقة الكثير من الاشتباكات بين المواطنين الفلسطينيين, أصحاب الاراضي, والمستوطنين الاسرائيليين الذين يقطنون في البؤرة الاستيطانية القريبة من موقع القرية, بؤرة 'جفعات رونين', حيث يستمر مستوطنو هذه البؤرة بالاعتداء على أصحاب الاراضي الفلسطينيين كلما وصلوا الى الارض للعمل فيها. كما أن قرب البؤرة الاستيطانية الاسرائيلية 'جفعات رونين' من موقع قرية المناطير يجعلها محط استهداف, اذ ان الاعتداءات المتكررة التي يرتكبها المستوطنون في هذه البقعة من قرية بورين ما هي الا مقدمة للاستيلاء على الارض وحرمان اصحابها الفلسطينيين منها.
وبالتالي فان الاعتداء الاسرائيلي على قرية المناطير وهدمها واخلائها هو تعزيز لمصادرة الاراضي في المنطقة للاغراض الاستيطانية المحضة بغض النظر عن تصنيفها, سواء كانت تخضع للسيطرة الفلسطينية أو للسيطرة الاسرائيلية, اذ ان المصلحة الاسرائيلية تطغى فوق كل شيئ. وان الارض المستهدفة لا تشكّل في واقعها حالة تدبير أمني بالنسبة للمستوطنة, إنما تعزل المواطنين من أبناء القرية عن أراضيهم وممتلكاتهم لصالح توسيع البؤرة الاستيطانية المجاورة.
قرية بورين الفلسطينية, موقع ومساحة
تقع قرية بورين جنوب مدينة نابلس وعلى بعد 4.5 كم منها. يحدها من الشمال قرية عراق بورين الفلسطينية ومستوطنة براخا الاسرائيلية. ومن الجنوب مستوطنة يتسهار الاسرائيلية والشارع الالتفافي الاسرائيلي رقم 60. ومن الشرق قرى روجيب وكفر قليل وعورتا ومستوطنة ايتمار الاسرائيلية ومن الغرب قرى مادما وعصيرة القبلية. تبلغ مساحة القرية الكلية 18488 دونما ويقطنها اليوم ما يزيد عن 2500 مواطن فلسطيني (الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني 2012).
وبحسب اتفاقية أوسلو الثانية المؤقتة والموقعة في الثامن والعشرين من شهر أيلول من العام 1995 بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل, تم تقسيم أراضي قرية بورين إلى مناطق (ا) و(ب) و(ج), حيث تم تصنيف ما مساحته 525 دونما (2.8% من أراضي القرية الكلية) كمناطق (ا) وهي المناطق التي تخضع للسيطرة الفلسطينية الكاملة (أمنيا وإداريا) فيما تم تصنيف ما مساحته 6150 دونما (33.3% من مساحة القرية الكلية) كمناطق ب وهي المناطق التي تقع فيها المسؤولية عن الشؤون المدنية على عاتق السلطة الوطنية الفلسطينية وتبقى لإسرائيل السلطة الكاملة على الامور الأمنية وتشكل معظم المناطق الفلسطينية المأهولة. ومن الجدير بالذكر أن معظم السكان في قرية بورين يتمركزون في المنطقة المصنفة ب. فيما تم تصنيف ما مساحته 11813 دونما (63.9% من مساحة القرية الكلية) كمناطق ج وهي المناطق التي تقع تحت السيطرة الكاملة للحكومة الإسرائيلية أمنيا و اداريا, حيث يمنع البناء الفلسطيني فيها أو الاستفادة منها بأي شكل من الاشكال الا بتصريح صادر عن الادارة المدنية الاسرائيلية. ومن الجدير بالذكر أيضا أن معظم الأراضي الواقعة في مناطق 'ج' في قرية بورين هي عبارة عن أراض زراعية واراضي مفتوحة بالإضافة إلى الأراضي المقامة عليها المستوطنات الإسرائيلية.
قرية بورين وممارسات الاحتلال الاسرائيلي
نالت قرية بورين حصتها من المصادرات الإسرائيلية التي أودت بآلاف الدونمات لصالح الأهداف الإسرائيلية المختلفة, كان منها بناء المستوطنات والبؤر الاستيطانية الإسرائيلية وتشييد الطرق الالتفافية الإسرائيلية وغيرها من الاعتداءات. فخلال سنوات الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية, صادرت إسرائيل ما مساحته 1103 دونما (6%) من أراضي قرية بورين الفلسطينية من أجل إقامة مستوطنتي براخا (في العام 1982) ويتسهار (في العام 1983) الإسرائيليتين. ويبلغ عدد المستوطنين القاطنين في هاتين المستوطنتين ما يقارب 2500 مستوطن إسرائيلي.
وكان لاعتداء المستوطنين الإسرائيليين القاطنين في هاتين المستوطنتين الاثر الأكبر على المواطنين الفلسطينيين في قرية بورين وممتلكاتهم وأراضيهم الزراعية, حيث ساهمت هذه الاعتداءات في السيطرة على المزيد من الأراضي الفلسطينية المجاورة للمستوطنات وذلك من خلال منع أصحابها من الوصول إليها وإحاطتها بالأسلاك الشائكة وزرعها بالأشجار لتعزيز السيطرة عليها. كما قام المستوطنون باعتداءات شتى على الأشجار والمزروعات وحرقها واجتثاثها والاعتداء على أصحاب الأراضي في محاولة لترويعهم وردعهم عن العودة إلى أراضيهم المجاورة للمستوطنات. فيما يلي عرض لبعض الانتهاكات التي ارتكبتها ايادي المستوطنين في قرية بورين:-
-
في الثالث من شهر شباط من العام 2013, قامت مجموعة من المستوطنين الاسرائيليين القاطنين في مستوطنة يتسهار الاسرائيلية بتدمير واقتلاع 64 شجرة زيتون من أراضي قرية بورين جنوب مدينة نابلس.
-
في الثامن والعشرين من شهر أيلول من العام 2012, قامت مجموعة من المستوطنين القاطنين في مستوطنة يتسهار باقتلاع 81 شجرة زيتون في خلة سوار في قرية بورين تعود ملكيتها للمزارع احمد عبد الفتاح خليفة وأسرته.
-
في الثاني عشر من شهر تموز من العام 2012, قامت مجموعة من المستوطنين القاطنين في مستوطنة يتسهار بإحراق 19 دونماً مزروعة بـ 187 شجرة زيتون بالكامل تعود ملكيتها لعدد من المزارعين في منطقة حبايل أبو إسماعيل في قرية بورين وهم رفعت ياسين النجار، فهمي سعيد قادوس وفهمي سعيد قادوس ورأفت خالد نجار.
-
وأيضا في التاسع من شهر أيار من العام 2012, قامت مجموعة من المستوطنين القاطنين في مستوطنة يتسهار بواسطة بعض الآلات الحادة بقطع وتخريب 17 شجرة زيتون مثمرة في خلة سوار في قرية بورين مما أدى إلى تضررها بشكل جزئي. وتعود ملكية الاشجار التي تم استهدافها لعائلة عبد القادر اسعد عمران.
-
في العشرين والرابع والعشرين من شهر ايار من العام 2012, قامت مجموعة من المستوطنين القاطنين في مستوطنة يتسهار باتلاف 71 غرسة زيتون في منطقة خلة سوار في قرية بورين تعود ملكيتها لكل من أكرم إبراهيم علي عمران و قاسم عبد العزيز موسى عيد و محمود رجا عيد و حسن عبد اللطيف حسين عيد و صلاح نمر النجار.
-
في الثالث عشر من شهر شباط من العام 2012, قامت مجموعة من المستوطنين القاطنين في مستوطنة يتسهار الاسرائيلية بإتلاف 10 أشجار زيتون في منطقة القعدة في الجهة الجنوبية الغربية لقرية بورين وتعود ملكيتها لكل من مشير رزق قادوس وفتحي رجا موسى الزين
-
في الخامس عشر من شهر كانون أول من العام 2011, أقدمت مجموعة من المستوطنين القاطنين في مستوطنة يتسهار الاسرائيلية مهاجمة حقل للزيتون وإتلاف 18 شجرة زيتون في منطقة منطقة حبايل أبو إسماعيل في قرية بورين.
-
في يوم السابع والعشرين من شهر تشرين ثاني من العام 2011 أقدمت مجموعة من المستوطنين القاطنين في مستوطنة يتسهار الاسرائيلية على مهاجمة قرية بورين تحديداً في المنطقة المعروفة باسم خلايل التفاح المحاذية لامستوطنة السابقة الذكر وقامت بإتلاف 20 شجرة زيتون في قرية بورين.
-
في التاسع والعشرين من شهر تموز من العام 2011, قامت مجموعة من المستوطنين القاطنين في مستوطنة براخا بحرق 90 شجرة زيتون و104 أشجار تين ولوزيات في منطقة جبل السبع, حول رقم (4), المنطقة الشرقية في قرية بورين. وتعود ملكية الاشجار لكل من عائلتي عيد والنجار.
-
في الخامس عشر من شهر تموز من العام 2011 قامت مجموعة من المستوطنين القاطنين في مستوطنة يتسهار الاسرائيلية باحراق 1200 شجرة زيتون في قرية بورين, أحواض رقم (14) و (5) المعروفة باسم ' حبايل أبو إسماعيل في قرية بورين تعود ملكيتها لعدد من المزارعين في القرية.
البؤر الاستيطانية على اراضي قرية بورين
كذلك شهدت قرية بورين الاستيلاء على أراضيها بالقوة من قبل المستوطنين الإسرائيليين لغرض إقامة أربع بؤر استيطانية هي: البؤرة الاستيطانية 'جنوب براخا – عين هورون' والبؤرة الاستيطانية 'تلة 778' والبؤرة الاستيطانية 'شلهيفيت يتسهار شرق' والبؤرة الاستيطانية 'جفعات رونين'، وتهدف هذه البؤر الاستيطانية إلى توسعة المستوطنات المتواجدة القريبة من القرية والسيطرة على المزيد من الأراضي الفلسطينية المحيطة.
ملخص
ان الاعتداء على الاراضي الفلسطينية الواقعة في المناطق المصنفة 'ب' في قرية بورين هو انتهاك واضح لاتفاقية أوسلو الثانية المؤقتة والموقعة في العام 1995 بين إسرائيل والفلسطينيين حيث أنه تم تعريف المنطقة 'ب' في اتفاقيات أوسلو على أنها أراضي تخضع للسيطرة المدنية الفلسطينية والسيطرة العسكرية الإسرائيلية, وان الاعتداء على مثل هذه المناطق (المناطق المصنفة ب) في الضفة الغربية المحتلة ما هو الا مزيج من عجز سلطات الاحتلال الإسرائيلي على الالتزام بالاتفاقيات الموقعة مع الفلسطينيين للمضي قدما في عملية السلام والسرقة من قبل المستوطنين الاسرائيليين للاراضي الفلسطينية المحيطة بالمستوطنات والبؤر لضمها لحدودها والتوسع عليها لفرض واقع يصعب تغييره في المستقبل. وبذلك فان اسرائيل تثبت انها لا تنفك عن تحويل الضفة الغربية إلى منطقة حيث يهيمن الأقوى, وانها ليست شريك في عملية السلام.
[1] بحسب اتفاقيات أوسلو الثانية المؤقتة والموقعة في الثامن والعشرين من شهر أيلول من العام 1995 بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل, فان مناطق 'ب' تقع فيها المسؤولية عن كامل الشؤون المدنية على عاتق السلطة الوطنية الفلسطينية وتبقى لإسرائيل السلطة الكاملة على الامور الأمنية.
اعداد: معهد الابحاث التطبيقية – القدس
(أريج)