مقدمة
لا يبدو ان اسرائيل قد جمدت من عمليات البناء و التوسع في المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية بالرغم من معارضة المجتمع المحلي و الدولي لهذه العمليات التي تنتهك حقوق الافراد و تشكل عقبة أساسية أمام تشكيل دولة فلسطينية. كما طالت ظاهرة الزحف و التوسع الاستيطاني البؤر الاستيطانية العشوائية في الضفة الغربية و البالغ عددها حتى يومنا هذا 232 بؤرة. كما و تستمر اسرائيل في عمليات تشجيع و نقل المستوطنين اليهود إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة بالرغم من أن هذه العمليات تشكل أيضا انتهاكا للقانون الدولي[1]. و لا تنفك إسرائيل عن مواصلة التخطيط و تخصيص الموارد الهائلة للمضي قدماً في هذا النشاط التوسعي بالرغم من تعالي نداءات المجتمع الدولي لتفكيكها.
و لا تزال اسرائيل تقوم باتخاذ خطوات أحادية الجانب و تتجاهل التزاماتها بموجب القانون الدولي الانساني و اتفاقيات السلام الموقعة لتفكيك المشروع الاستيطاني. و كانت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون قد أيدت مؤخرا الموقف الإسرائيلي بان استمرار محادثات السلام يجب ان لا يكون مشروطا بتجميد الاستيطان. هذا التصريح يأتي بالرغم من أن اتفاقية 'خارطة الطريق' و التي تم توقيعها برعاية الولايات المتحدة في العام 2003 كانت و بوضوح تطالب إسرائيل بتفكيك البؤر الاستيطانية االعشوائية لتي أقيمت منذ العام 2001 و ضرورة تجميد كافة النشاطات الاستيطانية في الاراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك ' النمو الطبيعي '. غير ان الولايات المتحدة قد أبدت مؤخرا أيضا رضوخاً للموقف الإسرائيلي و غيرت مطالبها من 'وقف الاستيطان بشكل كامل لاستئناف العملية السلمية' الى 'ممارسة ضبط النفس' فيما يخص التوسع الاستيطاني.
و في الفترة الواقعة ما بين شهر كانون الأول من العام 2007 و شهر أيلول من عام 2009 أصدرت جهات اسرائيلية رسمية[2] عدة عطاءات لبناء 76٬818 وحدة استيطانية في المستوطنات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة. كما صوت الكنيست الاسرائيلي في العشرين من شهر حزيران من العام 2009 على مشروع الموازنة للعامين 2009-2010 الذي ينص على تخصيص أكثر من 250 مليون دولار أمريكي على مدى العامين المقبلين للمستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية. و تخصص هذة القروض لاستثمارات في بناء مساكن وتطوير البنى التحتية للمستوطنات، فيما يتم تخصيص حوالى أربعين مليون دولار لبناء حي جديد في مستوطنة معاليه ادوميم في حين يخصص مبلغ 125 مليون دولار لتمويل 'نفقات امنية'.. و تبين هذه الالتزامات المالية والسياسية لتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية ضعف الولايات المتحدة الامريكية و المجتمع الدولي في فرض الضغوط لتغيير المسار السياسي الإسرائيلي.
مخططات البناء و العطاءات الاسرائيلية لتوسيع النشاط الاستيطاني:
و خلال العام 2009, صدر عن جهات اسرائيلية متعددة عطاءات لبناء أكثر من 28000 وحدة استيطانية جديدة في المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة, منها, 12000 وحدة في المستوطنات الاسرائيلية في القدس الشرقية. و تجدر الاشارة الا انه خلال العامين 2007 و 2009, ما يقارب ال 97 ٪ من العطاءات الصادرة لبناء وحدات استيطانية جديدة في المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية, استهدفت المستوطنات الاسرائيلية الواقعة غرب جدار العزل العنصري[3] الذي تقوم اسرائيل ببنائه في الضفة الغربية و مستوطنات القدس. و منذ ان تولى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحكم في شهر آذار من العام 2009 , تم الموافقة على بناء 11،865 وحدة استيطانية جديدة في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية, منها 8،623 (73 ٪ من عدد الوحدات الاستيطانية) تقع في المستوطنات الاسرائيلية في القدس الشرقية.
التزام مالي اسرائيلي لصالح التوسع الاستيطاني:
ان العدد الهائل من العطاءات الاسرائيلية الصادرة لبناء الاف الوحدات الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة يبين النهج الاسرائيلي المستمر الرامي الى توسيع الاستيطان هذا بالاضافة الى تخصيص الدعم المالي لمواصلة الأنشطة الاستيطانية الذي تم الموافقه عليه في خطة الحكومة الإسرائيلية للعامين المقبلين (2009-2010), الامر الذي يجعل من الضغوط الأميركية لوقف مثل هذه الانشطة ضعيفة ومتناقضة تماما.
و جاء في التقرير المالي الإسرائيلي للعامين 2009 و 2010 انه تم تخصيص ما يزيد عن 50 مليون دولار لتوسيع المستوطنات الاسرائيلية في القدس الشرقية, خاصة في كل من مستوطنتي معاليه أدوميم شرق القدس وهار حوما (أبو غنيم) شمال بيت لحم حيث سوف يتم بناء 900 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة هار حوما (أبو غنيم) خلال العام 2010.
كما تم تخصيص ما يزيد عن 106 مليون دولار لتوسيع و تطوير البنية التحتية للمستوطنات الاسرائيلية من طرق رئيسية و أخرى فرعية وغيرها بين مراكز الاستيطان قي الضفة الغربية و المستوطنات الاسرائيلية في القدس، الأمر الذي سوف يعزز من وجود المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة و بالتالي يزيد من فرص ضمها لاسرائيل. فعلى سبيل المثال, في الميزانية المخصصة للعامين 2009 و 2010, تم تخصيص أكثر من 27 مليون شيكل للعام 2009 و 28 مليون شيكل للعام 2010 لدعم وسائل النقل الخاصة بالمستوطنين واليهود المتدينين. كما أنفقت الحكومة ما قيمته 80 مليون شيكل لتحديث و توسيع احد الطرق السريعة لربط مستوطنة بسغات زئيف شمال القدس بمستوطنة موديعين في الغرب وتل أبيب عبر الطريق الالتفافي رقم 45.
علاوة على ذلك, تم تخصيص أكثر من 160 مليون شيكل من ميزانية العامين المقبلين (2009 و 2010) لزيادة الإجراءات الأمنية في المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية، بما في ذلك تكاليف الحراسة و نقل المدرعات و القوات الإسرائيلية. و بالإضافة إلى الدعم المالي المقدم من الحكومة, لا بد من الإشارة هنا إلى أن ما يقارب 60 ٪ من البناء الاستيطاني في المستوطنات الاسرائيلية يتم تمويله من أموال القطاع الخاص الامر الذي يزيد من الثغرات القانونية و يعقد قضية وقف البناء الاستيطاني الكامل. و من الامثلة على ذلك, قيام المليونير الامريكي– اليهودي ايروينغ موسكوفيتش بدعم حركات المستوطنين والمنظمات الاسرائيلية التي تهدف إلى 'تهويد' القدس والضفة الغربية. و يذكر أن موسكوفيتش قدم ما يزيد عن 190 مليون دولار للمستوطنين والحركات الاستيطانية للبناء في المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.
ان الصورة التي تعرضها وسائل الإعلام بان هناك 'ضغط' يمارس على اسرائيل من قبل المجتمع الدولي و الادارة الامريكية هي مضللة. لقد سعت اسرائيل الى تجاهل التزاماتها بموجب القانون الدولي واتفاقيات السلام وتستمر في تمويل وتشجيع الاستيطان في الاراضي الفلسطينية المحتلة. كما أن الادارة الامريكية قد تراجعت و بشكل ملحوظ عن مطالبها السابقة بشأن إسرائيل حيث أن الدعم المالي الذي تقدمه الولايات المتحدة الامريكية يحد كثيرا من قدرتها على ممارسة الضغط اللازم على اسرائيل وإجبارها على مواجهة الانعكاسات القانونية لإخفاقاتها، و التي قد تتضمن أيضا الدعم الامريكي لاسرائيل في التغاضي عن تقرير غولدستون.
ان الدعم المالي الكبير المخصص للتوسع الاستيطاني في ميزانية الحكومة الاسرائيلية للعامين المقبلين 2009-2010 ، و العدد الهائل من عطاءات البناء التي صدرت في العام 2009 و تلك المقترحة في العام 2010 ، و المساهمات المالية من القطاع الخاص و المساعي السياسية و المالية و الدعم الامريكي لإسرائيل يظهر بكل وضوح أن البناء الاستيطاني مستمر و لا تظهر عليه أي من علامات التجميد, بل على العكس تماما, فقد اتخذ مسارا واحدا و هو التوسع و تعزيز الاستيطن.
[1] تحظر اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 آب/أغسطس 1949, المادة (49) على قوة الاحتلال 'ترحيل أو تنقل جزءا من سكانها المدنيين إلي الأراضي التي تحتلها.'
[2] وزارة البناء و الاسكان الاسرائيلي, بلدية القدس, دائرة أراضي اسرائيل.
[3] في منطقة العزل الغربية, بين الخط الاخضر و مسار جدار العزل العنصري
اعداد: معهد الابحاث التطبيقية – القدس
(أريج)