في السابع عشر من شهر تشرين ثاني من العام الجاري، صادقت اللجنة اللوائية للتخطيط و البناء التابعة لبلدية القدس الاسرائيلية على مخطط لبناء 900 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة جيلو الواقعة جنوب مدينة القدس المحتلة. و كانت اسرائيل قد شرعت ببناء مستوطنة جيلو في العام 1971 على اراض كانت قد صادرتها من أهالي مدينة بيت جالا في محافظة بيت لحم و شرفات و بيت صفافا في القدس عقب العام 1967 بهدف توسيع حدود بلدية القدس. و اليوم, تعتبر مستوطنة جيلو احدى أكبر المستوطنات الاسرائيلية التي قامت اسرائيل ببنائها في الضفة الغربية.
و تصنف سلطات الاحتلال الاسرائيلي مستوطنة جيلو بالاضافة الى سبعة عشر مستوطنة اسرائيلية أخرى في القدس المحتلة على انها احياء سكنية يهودية شرعية وذلك في محاولة منها للتاكيد على ادعاءاتها بان مدينة القدس المحتلة بشطريها الشرقي والغربي هي العاصمة الابدية و الموحدة لدولة اسرائيل على الرغم من انها حقيقة مرفوضة من المجتمع الدولي باسره والذي الى يومنا هذا يعتبر الاحتلال الاسرائيلي للشطر الشرقي لمدينة القدس غير شرعي. ومع ذلك, فان الحكومات الاسرائلية المتعاقبة ومنذ العام 1967 و حتى الان تسير على مبدا تهويد القدس و فرض السيادة الاسرائيلية عليها لضمان بقائها عاصمة موحدة لدولة الاحتلال الاسرائيلي.
ايداع مخططات استيطانية جديدة …….تكتيك اسرائيلي جديد
في الوقت الذي اعلن فيه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عن تجميد اسرائيلي منقوص للاستيطان في الضفة الغربية المحتلة باستثناء مدينة القدس في أواخر شهر تشرين ثاني من العام 2009، وافقت بلدية الاحتلال الاسرائيلي في القدس على ايداع المخطط الاستيطاني الجديد لدى قسم التخطيط و البناء التابع للبلدية و الذي يقضي ببناء 900 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة جيلو، كخطوة تكتيكية لضمان استمرار البناء في مستوطنات القدس بناءا على قرار التجميد الاسرائيلي للبناء و الذي استثنى المدينة المحتلة من حيثياته.
هذا و تعتبر عملية ‘ايداع المخطط’ من قبل قسم التخطيط و البناء التابع للبلدية هي المرحلة الاولية للمخطط حيث يقوم قسم التخطيط التابع للبلدية بعد مراجعة المخطط، بنشر تفاصيله للجمهور و ذلك لاستقبال الاعتراضات، ان وجدت. و بعد ذلك تقوم البلدية باعطاء الموافقة النهائية على البدء بالمشروع حيث يتم نشر عطاءات البناء في الصحف الرسمية الاسرائيلية للبدء في عملية التنفيذ. وتجدر الاشارة هنا الى أن هذه الخطوات بحاجة الى فترة تتراوح ما بين 18 الى 24 شهرا للبدء في التنفيذ مما يعني ان سلطات الاحتلال الاسرائيلي تسعى لكسب الوقت و المضي قدما في الاستيطان الاسرائيلي في المدينة المحتلة لاعتبارات سياسية و توسعية بحتة.
ان قرار رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بتجميد الاستيطان في الاراضي الفلسطينية المحتلة باستثناء مدينة القدس ما هو الا محاولة استفزازية لرمي الكرة في الملعب الفلسطيني مستغلا بذلك الموقف الامريكي الضعيف في قضية الاستيطان و الذي فشل في فرض وقف كامل للاستيطان الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية المحتلة والقدس بما في ذلك النمو الطبيعي، في الوقت الذي يدرك فيه بان الطرف الفلسطيني لن يوافق على هذا القرار المنقوص و رغبة الاسرائيليين في تعقيد الامور أمام القيادة الفلسطينية.
و كانت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون قد رحبت بقرار نتنياهو عن تجميد الاستيطان و وصفته على انه انجاز و تنازل من الجانب الاسرائيلى مناقضة بذلك رؤية ادارتها لموضوع الاستيطان و المتمثل في الوقف الكامل للبناء الاستيطاني في الاراضي الفلسطينية المحتلة و القدس بما في ذلك النمو الطبيعيي. كما يعتبر موقف وزيرة الخارجية الامريكية خضوعا للتعنت الاسرائيلي و ينم عن عدم فهم وادراك امريكي لمحاور الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
بدون ادنى شك, فان قرار نتنياهو جاء كخطوة تكتيكية لكسب الوقت ليس اكثر و لاعاقة اي جهود جدية لاعادة تحريك عجلة مفاوضات الحل النهائي بين الفلسطينيين و الاسرائيليين للوصول الى حل الدولتين. و في الوقت ذاته للانتهاء من بناء جدار العزل العنصري في الاراضي المحتلة وفرض الامر الواقع على الفلسطينيين و اعطائهم الحد الادنى من حقوقهم المسلوبة.
نتنياهو و نفاذ الحجج و الادعاءات
ان ذرائع نتنياهو و اسلافه من رؤساء وزراء بان عمليات البناء في المستوطنات الاسرائيلية هي لتلبية النمو الطبيعي لم تعد تنطلى حتى على اقرب حلفاء اسرائيل لان ما يجري في الواقع هو عمليات توسيع ممنهجة للمستوطنات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية و خاصة في القدس المحتلة الامر الذي اضحى يشكل خطرا حقيقيا و تهديدا واضحا لاية فرصة للوصول الى تسوية نهائية للصراع بين الاسرائيليين و الفلسطينيين.
في النهاية فان قرار نتنياهو الاخير لا يعدو كونه مناورة جديدة للالتفاف على التحركات التي يقودها الفلسطينييون في المحافل الدولية لاعلان قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية، الامر الذي يلاقي قبولا من دول العالم اجمع رغم كافة الجهود التي تبذلها اسرائيل لمنع ذلك.