تضم الضفة الغربية 11 محافظة بحسب التقسيم الفلسطيني، أما قطاع غزة فيتكون من خمس محافظات رئيسية. وعقب الاحتلال الإسرائيلي للضفة والقطاع في حرب العام 1967 ،شرعت إسرائيل بتنفيذ مخططاتها لتثبيت وجودها في المناطق الفلسطينية المحتلة وذلك من خلال المشروع الاستيطاني عبر أكثر من أربعة عقود تخللها انتهاكات للحقوق ومصادرة للأراضي وتجريد المواطنين الفلسطينيين من حقوقهم المدنية و التاريخية في الأرض.
وكما هو معلوم أجرت إسرائيل انسحابا أحادي الجانب وبدون تنسيق من قطاع غزة في العام 2005 حيث قامت بهدم المستوطنات المخلاة ونقل المستوطنين الذين كانوا يقيمون فيها إلى خارج القطاع وبقيت في المقابل تسيطر على ما مساحته 24 % من أراضي القطاع الحدودية كمناطق أمنية. أما في الضفة الغربية فقد كان المشروع الاستيطاني الإسرائيلي أكثر نشاطا وتدميرا رافقه خلال العقود الماضية إنشاء شبكات طرق التفافية لربط المستوطنات الإسرائيلية مع بعضها البعض ومع إسرائيل ، ومصادرة أراضي، اقتلاع شجار، تدمير ممتلكات، هدم المنازل و إقامة الحواجز العسكرية وحتى بناء الجدار الفاصل و الذي جاء لتعزيز سيطرة إسرائيل على الأرض الفلسطينية.
هذا وقد عززت إسرائيل من التواجد الاستيطاني في الضفة الغربية من خلال تكثيف البناء غير الشرعي وفرض السياسات المجحفة بحق الفلسطينيين وخاصة في مدينة القدس التي كانت وما زالت الهدف الرئيسي للسياسات الاستيطانية الإسرائيلية.
و قد تفاقم الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية وتحديدا في مدينة القدس المحتلة على مدار العقدين السابقين بشكل مضاعف فقد بلغت المساحة العمرانية للمستوطنات الإسرائيلية في المناطق المحتلة في العام 1990 بما في ذلك القدس 69 كلم مربع من مساحة الضفة الغربية في حين أنها بلغت في العام 2008 مساحة 188 كلم مربع أي بزيادة قدرها 173% . وينطبق هذا التضاعف الاستيطاني على أعداد المستوطنين كذلك حيث بلغ عدد المستوطنين في العام 1990 حوالي 240000 مستوطن في حين وصل عدد المستوطنين اليوم إلى أكثر من 500000 مستوطن إسرائيلي أي بزيادة قدرها 109%.
ويتضح مما سبق بان الكثافة السكانية في المحافظات الفلسطينية في الضفة الغربية والبالغ عدد سكانها 2.5 مليون نسمة تفوق بشكل كبير الكثافة السكانية للمستوطنين الإسرائيليين والبالغ عددهم قرابة آل 500 ألف مستوطن إسرائيلي بمجموع 8537 شخص لكل كيلومتر مربع في المناطق الفلسطينية مقابل 1025 مستوطن إسرائيلي لكل كيلومتر مربع ضمن مناطق السيطرة للمستوطنات الإسرائيلية بحسب المخططات الهيكلية لتلك المستوطنات.
التهويد الإسرائيلي للضفة الغربية المحتلة
في أعقاب اتفاقية أوسلو في العام 1994 تم الاتفاق على تقسيم مناطق الضفة الغربية المحتلة إلى ثلاثة تصنيفات هي مناطق ‘ا’ وتشكل 17.8% من مساحة الضفة الغربية ويتمتع فيها الفلسطينيون بسيطرة إدارية وأمنية، ومناطق ‘ب’ وتشكل 18.2 % من مساحة الضفة الغربية ويتمتع الفلسطينيون بسيطرة إدارية فقط وأما السيطرة الأمنية فهي لإسرائيل، ومناطق ‘ج’ وتشكل ما نسبته 61 % من مساحة الضفة الغربية حيث يحظى الفلسطينيون بسلطة خدماتية فقط أما فيما يتعلق بالسيطرة الإدارية للأراضي والأمن فهي لإسرائيل، هذا بالإضافة إلى ما مساحته 3% وهي مناطق طبيعية يفترض أنها تحت السيطرة الفلسطينية.
وبحسب الاتفاقية الموقعة كان على إسرائيل أن تقوم بإعادة تصنيف الأراضي ‘ب’ إلى أراضي ‘ا’ وتحويل معظم الأراضي المصنفة ‘ج’ إلى أراضي ‘ا’ تحت السيطرة الفلسطينية بحلول العام 1999 باستثناء قضايا الحل الدائم منها القدس والمستوطنات. غير أن إسرائيل رفضت مرة أخرى التسليم بما تم الاتفاق عليه وشرعت وبشكل آحادي الجانب بإعادة بلورة الاتفاق ليتماشى وما قد فرضوه على الأرض من بناء استيطاني وسيطرة على الموارد الطبيعية وصولا إلى بناء جدار الفصل العنصري.
وتبين أن إسرائيل نجحت بفرض الوجود الاستيطاني غير القانوني في الضفة الغربية بشكل كبير وتحديدا في المحافظات التي تعتبر ذات أهمية إستراتيجية لإسرائيل حيث بلغت المساحات العمرانية للمستوطنات الإسرائيلية في 5 محافظات فلسطينية من أصل 11 محافظة أكثر من مساحة العمران الفلسطيني وهي محافظات القدس، أريحا و الأغوار ، قلقيلية، سلفيت وطوباس.
وبالرجوع إلى العام 1991 حين قامت الإدارة المدنية الإسرائيلية بتحديد مخططات هيكلية للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية بما في ذلك القدس لتكون مناطق التوسع والبناء الإسرائيلي ، اتضح بان المساحات المحددة لتلك المستوطنات تفوق تلك الموجودة للفلسطينيين في 8 من أصل 11 محافظة وبمجموعها العام. انظر إلى الجدول والخارطة :
مساحة المخطط الهيكلي للمستوطنات الإسرائيلية ‘كم2‘ |
مساحة المستوطنات الإسرائيلية ‘كم2‘ |
مساحة المنطقة العمرانية الفلسطينية ‘كم2‘ |
مساحة المحافظة ‘كم2‘ |
المحافظة |
22.766 |
3.959 |
27.872 |
573 |
جنين |
12.532 |
7.518 |
5.170 |
366 |
طوباس |
25.709 |
16.248 |
25.438 |
614 |
نابلس |
5.150 |
3.619 |
19.101 |
245 |
طولكرم |
25.390 |
11.770 |
8.466 |
174 |
قلقيلية |
37.959 |
18.147 |
8.719 |
202 |
سلفيت |
77.305 |
23.425 |
7.990 |
609 |
أريحا |
61.233 |
31.268 |
47.850 |
849 |
رام الله |
118.720 |
40.011 |
35.646 |
354 |
القدس |
40.697 |
18.158 |
25.370 |
608 |
بيت لحم |
58.802 |
14.142 |
83.224 |
1068 |
الخليل |
486.262 |
188.266 |
294.846 |
5661 |
المجموع |
الجدار الفاصل وقرار محكمة لاهاي أمام العنجهية الإسرائيلية
لم يكن قرار محكمة لاهاي الصادر بتاريخ 9 تموز من العام 2004 إلا تعبيرا عن استياء ورفض المجتمع الدولي لما تقوم به إسرائيل من انتهاكات جسيمة للقانون الدولي و الإنساني بحق الفلسطينيين وأرضهم ، وقد جاء القرار من لاهاي داعيا إسرائيل إلى هدم ما قامت به من إنشاءات وبناء لمقاطع الجدار الفاصل وجبر الضرر عن ما قامت به من أضرار في الأراضي الفلسطينية ، كما اعتبر قرار المحكمة الدولية أن بناء الجدار غير شرعي بل وأكثر من ذلك فقد اعتبرت أن كافة النشاطات الاستيطانية التي تقوم بها إسرائيل في المستوطنات والبؤر الاستيطانية هي بناء غير قانوني ويتنافى والقانون الدولي. غير أن إسرائيل لم تأبه لما دعت إليه المحكمة الدولية ومضت قدما في بناء الجدار الفاصل ، فمنذ صدور قرار المحكمة في العام 2004 قامت إسرائيل بالتالي:-
زيادة طول الجدار الفاصل عما كان عليه في العام 2004 من 645 كلم إلى 770 كلم أي بزيادة قدرها 125 كلم (20%).
زيادة مساحات الأراضي الفلسطينية المعزولة وراء الجدار مما كانت عليه في العام 2004 من 633 كلم مربع إلى 733 كلم مربع أي بزيادة قدرها 100 كلم مربع (16%).
اقتلاع ما يزيد عن 650 ألف شجرة مثمرة.
زيادة عدد الحواجز العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية من 383 حاجز في العام 2004 إلى 742 حاجز في العام 2009.
إصدار عطاءات لبناء استيطاني وإضافة وحدات سكنية جديدة في المستوطنات الإسرائيلية تزيد عن 200,000 وحدة سكنية إلى ما يزيد عن 2.5 مليون متر مربع من البناء.
هدم ما يزيد عن ألف منزل فلسطيني معظمها في مدينة القدس المحتلة وإصدار أوامر هدم لآلاف المنازل.
الاستمرار في تطوير الأحياء (البؤر) الاستيطانية في القدس الشرقية حيث تشرع إسرائيل حاليا ببناء وتطوير 17 بؤرة استيطانية في المدينة المحتلة.
زيادة عدد البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية عما كانت عليه في العام 2004 (86 بؤرة) إلى 232 بؤرة استيطانية في العام 2009.
وفي نهاية الأمر فان الجدار الفاصل سيعمل على عزل قرابة أل 13 % من مساحة الضفة الغربية المحتلة بما في ذلك قلب مدينة القدس والحوض المقدس لتقع تحت السيطرة الإسرائيلية حيث تسعى إسرائيل لإعلان الجدار الفاصل حدودا لدولة إسرائيل على الجانب الشرقي منها ، وأيضا فان إسرائيل لا تزال ترفض التسليم بان المناطق المصنفة ‘ج’ هي مناطق محتلة يتوجب عليها كدولة احتلال تسليمها لأصحابها الفلسطينيين.
وعليه، يبدو بان إسرائيل ماضية في نهج تهويد كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة وليس مدينة القدس فحسب، حيث تسعى إلى تغيير المعالم الجغرافية و الديمغرافية للمناطق المحتلة بشكل صارخ ، بالإضافة إلى قيام إسرائيل بإصدار عدد كبير من أوامر الاستهلاك للأراضي الفلسطينية بإعلانها أملاك دولة خلال السنوات الماضية وتحديدا في المناطق المصنفة ‘ج’ وذلك استباقا لأية نتائج قد تخرج بها أية مفاوضات مستقبلية مع الجانب الفلسطيني حول تلك المناطق واستخدامها للمشاريع الاستيطانية التوسعية وعلى وجه التحديد في مدينة القدس المحتلة .
وبناء على ما تقدم فان كل ما تقوم به إسرائيل يندرج تحت سياسة مستمرة منذ بدا الاحتلال وهي فرض الوقائع على الأرض وإملاء الحلول أحادية الجانب على الفلسطينيين حيث أضحت هذه الممارسات الإسرائيلية تشكل تهديدا فعليا على مستقبل العملية السلمية برمتها وعقبة كبيرة أمام قيام دولة فلسطينية مستقبلية قابلة للحياة وتمتلك مقومات البقاء والسيادة والتواصل الجغرافي، الأمر الذي يشكل خرقا صريحا وواضحا للمعاهدات والمواثيق الدولية وللاتفاقيات الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي غير آبهة بالانتقادات الدولية لسياستها الاستيطانية والتوسعية من بناء وتوسع وإقامة الجدار وما إلى ذلك.