تقديم:
في تصعيد بمنتهى الخطورة – أقدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على تحويل المهجة المعلنة لجدار الفصل من المهمة ‘ الأمنية’ التي استخدموها ذريعة إلى المهمة الحقيقية وهي ضم ومصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية وترحيل سكانها واغتصابها من أصحابها وإعطاءها للمستوطنين اليهود.
أوامر عسكرية جديدة:
في ظل الانشغال الفلسطيني والعالمي في الحرب الدموية التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة … متسترين بدخان القنابل الفسفورية والعنقودية … اصدر قائد قوات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية أمراً عسكرياً جديداً تابعاً لما أسماه ‘ تعليمات الأمن في يهودا والسامرة – رقم 378 – 5730 – لسنة 1970’ وذلك على شكل إعلان رقم (س / 03/ 09) لإغلاق ‘ منطقة التماس’. ويخص هذا الإعلان المناطق الممتدة من أقصى شمال غرب محافظة الخليل بدءاً ببلدة صوريف – جبع – خربة الدير – خاراس – نوبا – بيت أولا – ترقوميا – إذنا غرب المحافظة وبلدات دير سامت وبيت عوا وقرى الخطوط الأمامية غرب بلدة دورا وصولاً إلى عرب الرماضين ومنطقة لسيفر جنوب بلدة يطا في أقصى الجنوب الشرقي لمحافظة الخليل.
وبموجب هذا القرار على المزارعين والمالكين الفلسطينيين السكن والإقامة في الأراضي المحددة و / أو استخدامها والتي ألحقت بخريطة من قبل سلطات الاحتلال تبين خط سير الجدار في المناطق المذكورة، وحصر القرار الاحتلالي المنافذ والبوابات التي سيسمح للمزارع الفلسطيني العبور من خلالها – في حال حصوله على تصريح – وهي التالية :
معبر جبع غرب بلدة صوريف.
معبر خربة الدير.
معبر ترقوميا شمال الخليل.
بوابة بلدة بيت عوا غرب دورا. ‘
معبر ‘ شيني ‘.
هذا ويتضمن القرار إعلان كافة الأراضي والمناطق السكنية الواقعة خلف الجدار ‘كمناطق مغلقة ‘ ويمنع دخولها أو استخدامها إلا في شروط خاصة، سنأتي على ذكرها.
مدير الارتباط المدني في بلدة إذنا السيد جمال نوفل قال لباحث مركز أبحاث الأراضي : (( انه تم إبلاغ محافظ الخليل بهذا القرار وإبلاغ وزير الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية وكذلك البلديات المعنية بالقرار في محافظة الخليل)).
مدير الارتباط المدني الفلسطيني أفاد أيضاً أن سلطات الاحتلال زودتهم بنموذج لطلب التصريح اللازم، إلا أنه أكد ‘بأن سلطات الاحتلال تشترط إثبات المزارع ملكيته لأراضيه الواقعة خلف الجدار، وهذا يعني إضافة عائق تعجيزي جديد على كاهل المزارع من حيث العمل على إخراج قيد وحصر ارث، وتنازلات بيع، علماً انه عمليات بيع الأراضي قديماً كانت تتم عبر كتابة ما يعرف ب ‘ حجة البيع ‘ وبشهادة بعض الشهود، وهذا الأمر لا تعترف به سلطات الاحتلال كإثبات ملكية المزارع لأرضه’.
لا شك أن الاحتلال يهدف من خلال أوامره هذه إلى منع المزارع الفلسطيني من دخول أرضه ولكن عبر أساليب يتفنن في اختلاقها، فبعد أن ابتلع جدار الضم والتوسع آلاف الدونمات من أراضي العام 1967، بدأ يبحث عن أساليب لمصادرتها فعلياً، وتفريغها من أصحابها ومنحها للمستوطنين.
واستكمالاً لعملية الاستيلاء على هذه الأراضي، سمح هذا القرار – الإعلان لما أسموه بـ ‘ الإسرائيلي’ بالدخول إلى هذه المنطقة التي أسموها ‘ منطقة التماس’ وهي الأراضي التي تقع بين جدار الفصل العنصري وخط الهدنة الذي تم ترسيمه حسب اتفاقية رودس بعيد حرب سنة 1948 وهي جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967، و ‘ الإسرائيلي’ حسب هذا القرار هو:
مواطن دولة إسرائيل.
ساكن دولة إسرائيل المسجل في سجل السكان في إسرائيل حسب قانون سجل السكان 5725 – 1965 حسب سريانه في إسرائيل من حين لآخر.
من لديه الحق بالهجرة لإسرائيل حسب قانون العودة 5710 – 1950 حسب سريانه في إسرائيل من حين لآخر.
تعليق على تعريف ‘ الإسرائيلي’: لاحظ أن القرار خاض في تعريف تفصيلي يهدف إلى السماح لليهودي المواطن في دولة إسرائيل أو اليهودي الذي يرغب بالهجرة إلى دولة إسرائيل لاحقاً تحت مسمى حق العودة، واستثنى العربي الفلسطيني المقدسي حتى الذي يحمل بطاقة الهوية الزرقاء والذي لا يمنحوه صفة المواطن بل الساكن – مركزين تسمية الساكن لقانون سنة 1965. وهذا يعني بصريح العبارة أن هذه الأراضي ستصبح تحت التصرف المباشر للمستوطنين اليهود.
وبالرغم من أن هذا القرار جاء يخص مناطق في محافظة الخليل – الأراضي المعزولة خلف جدار الفصل العنصري في مناطق غرب وجنوب الخليل والتي تبلغ مساحتها حوالي (30) ألف دونماً، ويسكن بها فعلياً تجمعات فلسطينية سكانية مثل جبع، الرماضين، أبو قبيطة ’24’ فرداً. وتتم مصادرتها بهذه الطريقة لصالح المستعمرات الإسرائيلية الواقعة فيها وهي ‘ سنسانا – اشكلوت – بيت يتير ‘ مسودات يهودا’ – شانيه’.
إلا أن هذا القرار لن يكون سوى مقدمة وسابقة سيتم تعميمها لباقي محافظات الضفة في المستقبل والتي تشمل أراضي زراعية أكثر خصوبة ومناطق سكانية أكثر ازدحاماً كما في محافظات بيت لحم ورام الله.
ولإلقاء المزيد من الضوء والتوضيح على هذا القرار لبيان مخاطره نوضح ما يلي:
تعتبر الأوامر العسكرية المذكورة مرحلة جديدة من مراحل الضم والتوسع التي يستهدفها الجدار العنصري، ففي هذه القرارات أربعة أمور جديدة وفي غاية الخطورة :
إطلاق تسمية جديدة وغريبة على الأراضي الواقعة خلف الجدار بتسميتها ( منطقة تماس ) بدل اسمها الحقيقي والذي نصت علية الأوامر العسكرية السابقة بأنها أراضي فلسطينية تبقى ملكا لأصحابها وان الجدار ما هو سوى حاجز امني مؤقت، وهذا التفافاً إحتلالياً جديدا بهدف الاستيلاء على المزيد من الأراضي بحجج الأمن وهذا يشكل انتهاكاً خطيرا ويتناقض تماما مع اتفاقية جنيف الرابعة.
إن على من يمتلك ارض خلف الجدار أن يثبت ملكيته لها قبل أن يتقدم بطلب تصريح الدخول لها، وهم يعلمون جيدا ان وثائق الملكية المتوفرة هي ضعيفة ومسجلة باسم أجداد الجيل الحالي وبالتالي من السهولة رفضها ، هذا فضلا عن أن الإدارة المدنية التي تمنح التصاريح ليست جهة اختصاص للبت في ملكية الأراضي، وعليه فهذا طلب تعجيزي يهدف لفصل المزارعين نهائيا عن أرضهم .
الفلسطيني الساكن خلف الجدار يجب أن يرحل فور بدء سريان مفعول الأمر العسكري إذا لم يتمكن من الحصول على تصريح لمنطقة سكناه التي أسموها ( منطقة التماس ) ! ووجوده في منزله مرهون بالتصريح الذي لن يحصل عليه إلا لوقت قصير ثم ستتداعى عليه المشاكل حتى يضطر للرحيل ، وهذا يعني رحيل كل التجمعات السكنية الفلسطينية الواقعة خلف الجدار.
تسمح هذه الأوامر للإسرائيلي ( أو اليهودي الراغب بالهجرة إلى إسرائيل) بدخول ‘منطقة التماس’ هذه وطبعا بدون تصريح، وهذا يعني إطلاق أيدي المستوطنين اليهود وشركات الاستيطان في هذه الأراضي لبناء المزيد من المستوطنات عليه.
وعليه فإن الاحتلال الإسرائيلي يثبت مجدداً إمعانه في ممارسه الاستيطان الإحلالي أي تهجير الفلسطيني وتوطين الإسرائيلي مكانه وعلى أرضه، كما يثبت أن الجدار العنصري هو وسيلة أخرى من وسائل مصادرة الأراضي بحجج واهية متجددة دوما .