عشية انتهاء زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية إلى المنطقة في نهاية شهر آذار الماضي، وتعهد سلطات الاحتلال بتفكيك بعض البؤر الاستيطانية العشوائية بالإضافة إلى إزالة عدد من الحواجز العسكرية في الضفة الغربية، أقدم جيش الاحتلال يوم الثالث من نيسان الحالي على إخلاء البؤرة الاستيطانية المقامة على أنقاض منزل وأراض في المنطقة الجنوبية لقرية كفر قدوم على حوض رقم (11) قطعة رقم 29 في محافظة قلقيلية، وتسمى بـ (شيفات عامي) والمقامة على منزل و ارض فلسطينية يعود ملكيته للمواطنة بدرية عبد الغني صالح عامر(60عاما)، حيث تبلغ المساحة الإجمالية للمنشأة و الأرض 35 دونماً استولى عليها المستوطنين بالقوة عام 2006م لقربها من الطريق الالتفافي رقم ‘ 55’ بالإضافة إلى أن موقع المنزل مطل على مستوطنة ‘كدوميم’ الشرقية.
هذا وبعد ان أُخليت مستوطنة ‘ كدوميم’ في 3/4/2008 هرع سكان قرية كفر قدوميم إلى المكان وذلك بهدف تثبيت وجود البيت و حمايته من أطماع المستوطنين من جديد ، إلا أن المفاجئة كانت بعد ساعة من عملية إخلاء المنزل ( البؤرة الاستيطانية) وبعد مغادرة الصحافة المحلية و الأجنبية عند الساعة الواحدة ظهراً ، حيث عمد جنود الاحتلال إلى إدخال عدد من المستوطنين من جديد ومن ثم قيامهم بالتنكيل بالمتضامنين الأجانب و طردهم من المنزل و إعادة احتلاله مرة أخرى ثم الشروع بأعمال توسيعية كما وأضافوا عدد من الاسيجة في محيط المنزل، ورفعوا علم الاحتلال عليه من جديد. علاوة على قيامهم بأعمال التجريف في محيط المنزل بهدف إضافة عدد من البيوت المتنقلة هناك، علما بأنه صدر 3 قرارات بخصوص المنزل من قبل الجهات القضائية الاسرائلية بضرورة إخلاءه من قبل المستوطنين و ذلك خلال الفترة الممتدة من عام ( 1982 – 2008) ، حيث يتم إخلاءهم فعلا من المنزل إلا أن المستوطنين بعد فترة قصيرة من إخلاءه يعيدوا احتلال المنزل بحجة أنه بؤرة استعمارية تابعة لهم ‘ زوراً’.
وفي مقابلة للباحث الميداني في مركز أبحاث الأراضي مع الحاجة بدرية عبد الغني عامر، أفادت بالتالي: ‘تم بناء منزلنا في عام 1963 – أي قبل النكسة الفلسطينية عام 1967م – حيث كان يعتبر مأوى لعائلتنا المكونة من 9 أفراد، وهو مكون من طابق واحد، بالإضافة إلى مخزن بمسطح 125م2، و بعد حرب عام 1967م، اضطررنا إلى الرحيل إلى داخل القرية هرباً من بطش جنود الاحتلال، لكننا بقينا نزور منزلنا و نفلح الأرض المحيطة كالعادة، و في عام 1982 م وأثناء توجهنا إلى فلاحة أرضنا تفاجئنا بقيام مستوطنو مستوطنة ‘كدوميم’ بتحويل غرف المنزل إلى مخزن للمواشي، مما دفعنا ذلك إلى تقديم اعتراض إلى السلطات القضائية الإسرائيلية، والتي حكمت بإخلاء المنزل من قبل المستوطنين، وبالفعل تم إخلاءهم من المنزل، إلا أن أعمال التحرش بنا من قبل المستوطنين استمر حتى عام 2006م حيث تفاجئنا بقيام المستوطنين بالاستيلاء على المنزل مرة أخرى وتحطيم محتوياته، بالإضافة إلى قيامهم بعمل إضافات للمنزل لتغير معالمه علاوة على تلويث الخزان المائي التابع للمنزل، هذا وقام المستوطنين بتسمية المنطقة ((بنواة مستوطنة شفوت عامي))، حيث فهمنا من ذلك أنهم بالفعل معنيين بتحويل المنزل و الأرض إلى بؤرة استعمارية لتكون مقدمة لبناء وتأسيس مستوطنة في المنطقة، وقمنا من خلال منظمة ‘يشدين الإسرائيلية’ بتقديم دعوى لإخلاء المنزل، و بعد خمسة جلسات متتالية مع المحكمة الإسرائيلية في ‘بيتح تكفا’، و في بداية شهر آذار عام 2008م حكمت المحكمة الإسرائيلية بإخلاء المنزل من قبل المستوطنين و تم بالفعل إخلائهم، إلا انه بعد إخلائهم بيومين عاود المستوطنين إلى الاستيلاء على المنزل، حيث قدم المستوطنون استئنافاً ضد قرار إخلائهم من المنزل أو ‘النواة الاستيطانية’ حسب زعمهم، وتم التأجيل بالبت في موضوع المنزل إلى شهر تموز من عام 2008م حتى يتسنى للمستوطنين تجهيز الأدلة والإثباتات التي يمتلكونها، إلى أن جاءت زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية و قيام جنود الاحتلال بمسرحية إخلاء البؤر الاستيطانية على حساب منزلنا ومن ثم عادوا له من جديد.’
* المستوطنات المقامة على أراض قرية كفر قدوم:
تعتبر قرية كفر قدوم الواقعة إلى الجهة الشرقية من مدينة قلقيلية و البالغ مساحة أراضيها الزراعية نحو 20 ألف دونم، محط أطماع سلطات الاحتلال بسبب موقع القرية الاستراتيجي، ووقوع معسكر الجيش الأردني القديم في تلك المنطقة، حيث أقدمت سلطات الاحتلال على تحويل ذلك المعسكر إلى نقطة عسكرية لقوات الاحتلال بعد حرب عام 1967م و بعد ذلك في عام 1975م تم تحويل معسكر الجيش التابع للاحتلال إلى مستوطنة سميت فيما بعد باسم مستوطنة ‘كدوميم’.
تقع مستوطنة قدوميم على أنقاض معسكر الجيش الأردني القديم في الجهة الغربية والجنوبية من القرية، حيث تأسست في عام 1975، و تبلغ مساحتها نحو 1090 دونماً من أراضي كفر قدوم وقرية جيت المجاورة، ويقطن بها 3290 مستوطن، حيث يوجد بها اليوم معهد ديني بالإضافة إلى عدد من المزارع يستغلها المستوطنين في الزراعات الحقلية لديهم، بالإضافة إلى مزرعة لتربية الخيول ، علاوة على انه كان يوجد في المستوطنة لغاية عام 2006م مقر الارتباط و التنسيق الإسرائيلي المسؤول عن منطقة قلقيلية و سلفيت.
يذكر أن سلطات الاحتلال أقدمت على السيطرة على التلال المجاورة للمستوطنة من الجهة الشمالية بطريق الخداع، لتأسس في عام 1982 نواة مستوطنة ‘كدوميم عيلت’ لتصادر اليوم ما مساحته 533 دونماً من أراضي كفر قدوم، حيث يقطن بها اليوم نحو 300 مستوطن.
يذكر ان مجموعة من المستوطنين قاموا بالاستيلاء على قطعة ارض في سفح جبل محمد شرق القرية عام 2000م لينشئوا نواة استعمارية سميت فيما بعد بمستوطنة ‘ هار حميد’ لتصادر حتى اليوم نحو 100 دونماً من أراضي القرية.
مستوطنة قدوميم و أثرها على حياة السكان في قرية كفر قدوم :
تعتبر تجمع مستوطنات ‘كدوميم’ منذ نشأتها عام 1974 مصدر ارق وتهديد يومي على الأرض والإنسان الفلسطيني في المنطقة، حيث يطال أثرها السلبي شتى جوانب الحياة المختلفة، منها:
الجانب البيئي: تعتبر مستوطنات ‘كدوميم’ عامل مهم في تلويث الأراضي الزراعية و التسبب في حدوث الكثير من الأمراض و خاصة الجلدية منها بسبب مخلفات المجاري التي تصدر من تلك المستوطنات و التي تصب في أراضي القرية من الجهة الشمالية الشرقية في المنطقة المعروفة ‘بالخوارج’ حتى وديان قرية بيت ليد، ومن الجهة الجنوبية في المنطقة المعروفة بوديان قرية حجة مسببتا في تلوث مايزيد عن 300 دونماً من أخصب الأراضي الزراعية في القرية و القرى المجاورة و المشجرة بأشجار الزيتون الرومي، حيث يشار هنا إلى أن سلطات الاحتلال تمنع مواطني القرية من الاقتراب من تلك المنطقة حتى موظفي وزارة الصحة والزراعة منعوا من الوصول إلى تلك المنطقة.
الجانب الديمغرافي: وذلك من خلال منع سكان القرية من التوسع في السكن خاصة في الجهة الشرقية من القرية، ما يعني انه من المتوقع حدوث أزمة سكن كبيرة في القرية مستقبلا، حتى شبكة الكهرباء في القرية لم يسمح الاحتلال بإيصالها للقرية علما بان محول الكهرباء و أعمدة الضغط العالي موجودة و تم تمويلها من الحكومة البلجيكية، حيث يبرر الاحتلال ذلك بقربها من المستوطنة المذكورة ، مما سينعكس أثاره بشكل كبير على حياة المواطنين وعلى استمرار وجودهم في القرية.
الجانب الاقتصادي: إن سلطات الاحتلال تمنع المزارعين من الاقتراب من الأراضي الزراعية القريبة من تجمع مستوطنات ‘كدوميم’ وتعتبر هذه الأراضي من أخصب الأراضي الزراعية في المنطقة، وإن 55% من سكان القرية كانوا يعتمدون على هذه الأراضي في مصدر رزقهم، حيث يجدر الذكر هنا انه خلال موسم الزيتون الماضي في عام 2007 تم التنسيق مع سلطات الاحتلال من خلال مكتب التنسيق و الارتباط المدني بالسماح لأهالي القرية بقطاف ثمار الزيتون في تلك المنطقة إلا انه فعلياً تعرض المزارعين الفلسطينيين إلى عمليات طرد من تلك الأراضي القريبة من المستوطنة حيث يبرر الاحتلال ذلك إما بانتهاء الوقت المحدد حسب ما ورد بالتنسيق أو أن المزارعين الفلسطينيين يتسببون بالإزعاج للمستوطنين، هذا بدوره عكس أثاره سلبياً على الوضع الاقتصادي لأهالي القرية الذي هو بالأصل متدهور.
الجانب النفسي: و تتمثل ذلك بالمضايقات اليومية من قبل جيش الاحتلال و المستوطنين ضد أهالي القرية على حد سواء، و المتمثلة بالاعتقالات اليومية ومطاردة الأهالي و التنكيل بهم بالإضافة إلى بث روح الخوف و القلق على مصيرهم في تلك البقعة من الأرض.
مستوطنة رقم 4: مستوطنة قدوميم |
صورة 3: تبين مستوطنة قدوميم بالإضافة الى الخلف البؤرة الاستيطانية شافوت عامي |