تمهيد:
تعتبر مدينة أريحا أقدم مدينة في العالم والأغوار الفلسطينية أهم احتياط من حيث الأراضي في فلسطين إذ تشكل 28,5% من مساحة الضفة الغربية، وهي سلة الغذاء الزراعية والبوابة الشرقية لفلسطين وبقعة إستراتيجية بفضل امتدادها الجغرافي على طول ضفاف نهر الأردن الذي يسيطر عليه الاحتلال الإسرائيلي، و تعتبر و احد من المناطق الذي يرفض الاحتلال التفاوض عليه مع الجانب الفلسطيني، حتى في مفاوضات الحل الدائم.
يشار إلى منطقة الأغوار الفلسطينية تشهد معاناة مستمرة و بشكل يومي و المتمثلة بالمضايقات اليومية من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي تفرض الأحكام العسكرية باعتبارها شريطاً حدودياً خاضعاً بالكامل للسيطرة العسكرية الإسرائيلية، ولتجاوزات المستعمرين الذين يحاولون تغيير المعالم الجغرافية والديمغرافية للمنطقة من خلال انتشار وتوسيع وربط البؤر الاستيطانية و التي بلغ عددها إلى تاريخ اليوم حوالي 27 مستعمرة متناثرة على امتداد الأغوار، بالإضافة إلى شبكة شوارع ومزارع ومنشآت وبنية تحتية تربط ما بين تلك المستعمرات و تخلق بنية تطويرية تكفل استمرارها و تطورها، وفي المقابل لا يسمح للفلسطيني بالتنقل أو استغلال أراضيه أو إقامة مشاريع البنية التحتية أو التنموية أو الزراعية ولا حتى استخدام الطرق أو المراكز الصحية والمرافق العامة.
سكان الأغوار:
ويبلغ عدد سكان أريحا والأغوار ما يقرب من 43 ألف نسمة منهم حوالي 29 ألف نسمة في أريحا والباقي موزعين في قرى العوجا والجفتلك والفصايل وفروش بيت دجن ومرج نعجة ومرج غزال والزبيدات والنويعمة والديوك، وتشير الإحصائيات إلى أن عدد سكان القرى الغورية مهدد بالانحسار نتيجة الضغوطات الإسرائيلية والإجراءات التعجيزية وشح الموارد وضعف مقومات البقاء والصمود .
و من الجدير بالذكر، أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تبذل كل ما باستطاعتها لفرض سيطرتها الكاملة لترحيل الفلسطينيين من قراهم، وبكلمات مختصرة فإسرائيل تمارس عملية الترانسفير(transfer) في أهم منطقة إستراتيجية فلسطينية ألا وهي الأغوار، و ما حدث في قرية فصايل ( 14كم شمال غرب مدينة أريحا) من إخطار ستة من المنازل القائمة و التي تعتبر بدائية من حيث التصميم ، حتى المدرسة الوحيدة في القرية لم تسلم من الإخطار بالهدم، علما بان القرية تفتقر إلى الحد الأدنى من البنية التحتية ، و التي يرفض الاحتلال تطويرها بأي شكل من الأشكال حيث يعتبر ذلك اكبر شاهدا على ممارسات الاحتلال، كذلك فان حال قرية الجفتلك شمال مدينة أريحا لم يكن بأحسن حال ففي الأمس القريب نفذ الاحتلال أعمال هدم لأربعة منازل و مزرعة في القرية بحجة عدم الترخيص و وقوع تلك المنشات في المنطقة المصنفة Cمن اتفاق أوسلو، مما ينذر ذلك بكارثة سكنية علما بأنها ليست المرة الأولى التي تنفذ بها سلطات الاحتلال أعمال هدم بالقرية.
( صورة 1: جنود إسرائيليون يحرسون جرافة تابعة للاحتلال الإسرائيلي تقوم بهدم منزل في قرية الجفتلك بالأغوار)
أما بالنسبة إلى خربة الحديدية الواقعة إلى الشرق من بلدة طمون و التي تم تهجير أهلها 3 مرات متتالية خلال الأعوام الخمس الماضية و التي تعتبر من ضمن 15 تجمع بدوي لا يعترف بها الاحتلال في الأغوار الفلسطينية حيث لم يسلم رعاة الماشية من مطاردة المستعمرين و جنود الاحتلال لهم و الاعتداء عليهم بالضرب و التنكيل بهم، إلى مهاجمتهم ليلا و تخريب خيامهم و مصادرة ما بحوزتهم، و الانتهاء بتدمير 7 منشات زراعية و سكنية في بداية شهر شباط الحالي في خطوة لإرهابهم و إبعادهم عن المنطقة علما بان خربة الحديدية تقع بالقرب من مستعمرة ‘روعي’ شرق محافظة طوباس، أما بالنسبة إلى قرية العقبة الواقعة إلى الشرق من مدينة طوباس و التي حسب المخططات الإسرائيلية الجديدة فان 70% من مساحة المخطط الهيكلي للقرية غير قانوني، حيث بلغ مجموع الإنذارات بالهدم و التي وجهت لمنازل القرية نحو 21 إنذار منها إنذارات بهدم المسجد و المرافق الصحية و روضة الأطفال في القرية، مما دفع الكثير من سكان القرية نحو الهجرة إلى التجمعات و القرى المجاورة هربا من بطش الاحتلال، حيث يشار هنا إلى أن سلطات الاحتلال تفرض شروطاً تعجيزية على المواطنين في الأغوار باعتبارها منطقة حدودية تتنوع بين منع تراخيص البناء ومنع الرعي في معظم الأراضي ومنع حفر الآبار الارتوازية ومنع استغلال الأراضي الزراعية بحجة الدواعي الأمنية والعسكرية ومنع بناء المدارس ومنع بناء المراكز الصحية ومنع إقامة محطات للوقود ورزمة طويلة من قرارات المنع التي تصب جميعها في مخطط التهجير وتفريغ المكان لصالح توسيع المستعمرات وتهويد الأرض.
في مقابل ما تقدم، شرعت سلطات الاحتلال في الفترة القليلة الماضية، بأعمال التوسعة في مستعمرات الأغوار حيث تعتبر مستعمرة ميخولا ( تأسست عام 1968م، المساحة الإجمالية 233دونم، عدد المستعمرين لغاية عام 2005 نحو 362 مستعمر) اكبر شاهد على ذلك و التي تشهد أعمال توسعة بإضافة المزيد من وحدات سكنية بها بهدف استيعاب المزيد من المستعمرين إليها، علاوة على ذلك شرع مستعمرو مستعمرة ‘مسكيوت’ في الأغوار الشمالية بإضافة المزيد من الكرفانات المتنقلة إلى داخل المستعمرة بهدف استيعاب المزيد من المستعمرين إلى تلك المستعمرة التي اقتطعت أفضل الأراضي الزراعية خصوبة من أصحابها الحقيقيين لصالح مطامع و مصالح و رفاهية المستعمرين في المنطقة.
(صورة 2: مستعمرة ميخولا تتوسع على حساب أراضي عين البيضا في الأغوار الشمالية)
السياسة الإسرائيلية المائية في الأغوار الفلسطينية:
تعتبر منطقة الأغوار الشمالية من أكثر المناطق خصوبة في الضفة الغربية بتنوع المناخ فيها و تميزها بزراعة الكثير من الخضار و الحمضيات و الحبوب حيث يزرع فيها سنويا أكثر من 27 ألف دونماً بشتى أنواع الخضار المروية و مئات البيوت البلاستيكية تقدر بحوالي 400 دونماً إضافة إلى آلاف الدونمات بالقمح و الشعير كزراعات بعلية تعتمد على مياه الأمطار.
و تسمى هذه المنطقة سلة غذاء فلسطين لخصوبتها و تنوع إنتاجها, و ما أن تم احتلال الضفة الغربية في حرب حزيران عام 1967 عمد الاحتلال إلى احتكار الحق بالتنقيب عن المياه الجوفية و حفر آبار الجمع في مناطق الأغوار وشرق محافظة طوباس و ذلك لصالح شركة ميكروت الإسرائيلية التي باشرت بحفر أبار ارتوازية على أعماق كبيرة مما ساهم في جفاف الآبار الفلسطينية وارتفاع نسبة ملوحتها حيث أصبح الإنسان الفلسطيني يعاني قلة و شح المياه مما دفعه إلى الاعتماد الكبير لسد حاجاتهم من المياه عن طريق شراء الماء من شركة ميكروت الإسرائيلية، بالإضافة إلى ما تقدم شرعت سلطات الاحتلال إلى تحويل المنطقة المحيطة بنهر الأردن إلى منطقة عسكرية مغلقة بعرض يتراوح 1-5كم، مما ساهم ذلك بتدمير الأراضي الزراعية في المنطقة، حيث حرمت إسرائيل الفلسطينيين من حصتهم في المياه و المقدرة بنحو 250 مليون متراً مكعباً سنويا، في حين تحول تلك المياه لأعمار المستعمرات في طوباس و الأغوار، حيث حسب المؤشرات تبلغ حصة الفرد القاطن داخل المستعمرات الإسرائيلية من المياه تعادل حصة 20 فلسطينيا في القرى الفلسطينية في الأغوار.
علاوة على ما تقدم، تقوم سلطات الاحتلال بحفر آبار ارتوازية عميقة في داخل المستعمرات بجوار ينابيع وآبار على بؤر مائية فلسطينية كما حدث في قرى بردلة و عين البيضا شمال محافظة طوباس مما ساهم ذلك في تدمير الآلاف من الدونمات الزراعية في بردلة و كردلة وعين البيضا و البقيعة في المحافظة، حيث حفرت شركة ميكروت الإسرائيلية بئران ( بردلة 1، بردلة2) داخل حدود قرية بردلة تضخان 1500كوب/ ساعة، مما أدى ذلك إلى جفاف 12 بئر و 22 نبع كانت تزود الفلسطينيين حوالي 6 مليون متر مكعب سنويا، وهذا تضاعف من كلفة الزراعة وكلفة الإنتاج بصورة مذهلة مما أجبر الفلسطينيين على شراء مياه لري مزروعاتهم.
( صورة 3: بئر ماء فلسطيني دمره الاحتلال في قرية البقيعة في الأغوار الشمالية )
بالإضافة إلى ما تقدم يوجد هناك في محافظة طوباس نحو 14 بئر ارتوازي مهدد بالجفاف بفعل ممارسات الاحتلال حسب إحصائيات دائرة المفاوضات.
قرية بردله و سياسة الاحتلال المائية:
يشار إلى أن سلطات الاحتلال عمدت إلى حفر أبار ارتوازية بجانب الآبار الارتوازية الواقعة في القرية و البالغ عددها (4) مما أدى إلى تجفيفها بالكامل و تحويل مخزونها إلى الآبار الإسرائيلية في المنطقة، و من أهم الآبار الفلسطينية الموجودة في المنطقة و التي جرى تجفيفها بئر محمد عبد الله و بئران باسم سعيد أبو منصور و بئر باسم بردلة، مما أدى ذلك إلى اعتماد أهالي القرية على ما تزودهم به شركة ( ميكروت) الإسرائيلية بعدما كانوا هم المزودين بالماء للمنطقة بأسرها.
( صورة 4: منظر عام لقرية بردلة وفي سفح الجبل المقابل تظهر قاعدة عسكرية تشكل عائقاً على مياه القرية.)
( صورة 5: بئر ماء إسرائيلي يقع في منتصف قرية بردلة بهدف سحب مياه القرية إلى المستعمرات الإسرائيلي)
و من الجدير بالذكر هنا إلى أن سلطات الاحتلال شرعت مع بداية شهر شباط 2008 بأعمال الحفر لإنشاء بئر لجمع الماء القرية بجانب بئر القويعيني الواقع في الجهة الشمالية الغربية من قرية بردلة على مجرى الوادي في منطقة قاعون تبعد عن بردلا تقريبا 3 كم فقط و يوجد بجانب البئر ارض زراعية خصبة جدا تربتها حمراء ، متميزة بجودتها في إنتاج الحبوب والخضروات و البطيخ ، مملوكة الأرض لعشرات الأسر الفلسطينية تقدر مساحتها 1200 دونماً تصلح لكل الزراعات المروية و أشجار الفاكهة و اللوزيات، حيث يشار هنا أن الأغوار تتميز بعدم و جود مصدر مائي متجدد أو جديد باستثناء بئر قويعيني الذي توقف عن العمل حاليا، و يشار هنا انه في حال إتمام سلطات الاحتلال أعمال الحفر لإنشاء بئر لجمع المياه بالقرب من بئر القويعيني فان ذلك سوف بنذر بكارثة مائية كبيرة في القرية خصوصا أن هذا البئر هو المزود الأساسي للماء في القرية، و هذا بدوره سيؤدي إلى اعتماد أهالي القرية على الزراعة البعلية بعد جفاف بئر القويعيني و التي تعتمد على مياه الأمطار المتذبذبة وغير الكافية، و هذا بدوره كفيل برفع نسبة البطالة والفقر في القرية، حيث يوجد هناك في القرية حاليا نحو 70 عائلة تعتمد على مساعدات برنامج الغذاء العالمي، بالإضافة إلى انه يوجد 20 عائلة أخرى تعتمد على مساعدات الشؤون الاجتماعية و 60 عائلة تعتمد على مساعدات وكالة الغوث الدولية.
( صورة 6: أعمال إنشاء بئر ارتوازي إسرائيلي بالقرب من بئر القويعيني
في قرية بردلة بهدف استنزاف المياه الفلسطينية وتحويلها لصالح الاحتلال)
واد المالح و سياسة الاحتلال المائية:
أقدمت سلطات الاحتلال على تدمير الينابيع المائية في منطقة واد المالح و من ثم تحويل المياه التي بها إلى خزانات مائية ضخمة أقامتها على سفوح الجبال القريبة، مما أدى إلى حرمان قطاع الزراعة من المياه و بالتالي أصبح اعتماد المزارعين على شراء الماء من قرية بردلة المجاورة و من ثم ضخها عبر أنابيب تربط بين بئر العيون في بردلة و أراضي المزارعين في واد المالح، علما بان هذه المياه مع ارتفاع تكلفة شراءها و نقلها تعتبر غير كافية لري الأراضي الزراعية في المنطقة.
و من الجدير بالذكر، انه خلال الفترة القليلة الماضية تم توقف عملية ضخ المياه من قرية بردله باتجاه واد المالح، مما ينذر بكارثة زراعية كبيرة في المنطقة في حال عدم أيجاد مصدر مائي بديل في المنطقة، علما بان سلطات الاحتلال رفضت تزويد المنطقة بالمياه و بالتالي اقتصرت الزراعة- و التي أصبحت تتقلص يوما بعد يوم- على الزراعة البعلية و التي تعتمد على مياه الأمطار.
( صورة 7: بئر ماء إسرائيلي في أعلى سفوح الجبال في منطقة وادي المالح ينهب مياه الوادي)
يشار إلى أن مشكلة المياه، انعكست على المزارعين و رعاة الماشية و الذين أصبحوا يعدون العدة للرحيل عن المنطقة و هذا يعني ضمنيا تفريغ واد المالح ممن تبقى من السكان، مما يعني أحكام سيطرة الاحتلال على ما تبقى من الأراضي و تحويلها إلى مناطق عسكرية مغلقة ولصالح توسيع المستعمرات الإسرائيلية.
و من الجدير بالذكر هنا، إلى أن سلطات الاحتلال لم تكتفي بمحاربة أهالي الأغوار بشكل عام و أهالي واد المالح بشكل خاص، من خلال الاستيلاء على المصادر المائية بل تعدته إلى الاستيلاء على الأراضي الزراعية و منع رعاة الماشية من استغلالها بل تتطور الأمور بهم إلى تحويل بيوتهم و مزارعهم إلى أماكن لتدريب جنود الاحتلال حسبما تشير دراسة أعدتها ‘منظمة بتسليم الإسرائيلية ‘المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية والتي تعتبر من أقدم منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية، ذلك التقرير الذي نشرته المنظمة الإسرائيلية نهاية شهر كانون ثاني 2008 معتمدة على شهادات من الفلسطينيين ومن جنود إسرائيليين، الأمر الذي أثار غضب الجيش الإسرائيلي الذي سارع إلى نفى ما جاء فيه.