اعداد: د. جاد اسحق، ناصر الريس وسهيل خليلية
صادق المجلس الوزاري المصغر الإسرائيلي (الكابينيت) بتاريخ 26/1/2025، على قرار استئناف تسجيل ملكية الأراضي في المنطقة (ج) من الضفة الغربية المحتلة، والتي تخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة وتشكل نحو 61 بالمئة من مساحة الضفة.
وزير الدفاع الإسرائيلي قال إن القرار يعيد الاعتبار للاستيطان اليهودي في الضفة الغربية، ويُفشل ما وصفها بـ”محاولات السلطة الفلسطينية للسيطرة على المنطقة (ج)” مشيرا الى ان التسوية ستدار بقيادة وزارة الدفاع.
مشروع قانون جديد يسعى للسماح للمستوطنين بشراء غير محدود للأراضي في الضفة الغربية
يتيح القرار استئناف تسجيل الأراضي في “الطابو” بعد تجميد استمر منذ الاحتلال، وهو إجراء نهائي يصعب الطعن فيه.
في الوقت الراهن، لا يُسمح للإسرائيليين بشراء الأراضي في الضفة الغربية مباشرة، بل فقط من خلال شركات مسجلة في سجل الشركات التابع للإدارة المدنية، وبعد الحصول على تصريح صفقة من الإدارة المدنية.
يحمل مشروع القانون عنوان: “إلغاء التمييز في شراء العقارات في يهودا والسامرة”، وقد سبق أن اقترحه عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش، ويهدف إلى تسهيل عمليات شراء المستوطنين للعقارات والأراضي في الضفة الغربية تقريبًا دون قيود أو رقابة، مما يجعلهم فعليًا ‘مالكي الأراضي’ سواء من الناحية الرمزية أو العملية.”مما يفتح الباب لصفقات مشبوهة وتزوير.
خلفية: عملية تملّك الأراضي في الأراضي المحتلة
بعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967، استمر العمل بالقانون الأردني. إحدى هذه القوانين تمنع غير السكان المحليين من شراء أراضٍ. وتم تجميد تسوية الأراضي بالضفة الغربية، والتي بدأت في عهد الادارة الأردنية، من قبل السلطات الإسرائيلية بعد احتلال الضفة الغربية عام 1967. هذا وتُعد عملية تسجيل الأراضي إجراءً تقوم فيه السلطات بإجراء تحقيق شامل في ملكية الأراضي وتسجيل ملكية كل قطعة أرض على حدة في سجل الأراضي. ونظرًا لطبيعتها التي لا رجعة فيها، فإن المضي في هذه العملية يُعد أداة غير مباشرة لفرض السيادة، ولذلك يُحظر بموجب القانون الدولي. لهذا السبب، أصدر القائد العسكري بعد فترة وجيزة من احتلال الضفة الغربية أمرًا بتجميد إجراءات تسجيل الأراضي (الأمر العسكري رقم 291 بشأن تعليق إجراءات التسوية في “يهودا والسامرة”، 5728-1968). ولتجاوز ذلك، أصدر الحاكم العسكري أمرًا في 1971 يسمح للإسرائيليين بشراء الأراضي عبر شركات مسجلة في الإدارة المدنية. فيما حصرت اتفاقية أوسلو عمليات التسوية بالنسبة للسلطة الفلسطينية في المناطق (أ) و(ب) ومنعها في المنطقة (ج).
وهذا وتشير تقديرات غير رسمية الى ادعاءات بقيام شركات استيطانية “حيمنوتا” التابعة للصندوق القومي اليهودي، وبالتنسيق مع الجهات الرسمية في الإدارة المدنية الى شراء ما لا يقل عن 65،000 دونم بالإضافة الى شراء حوالي 10،000 دونم من قِبل إسرائيليين كانوا قد تلقوا تصاريح لاجراء صفقات، هذا مع الإشارة الى ان هناك عشرات آلاف الدونمات الأخرى التي يدّعي المستوطنون أنهم اشتروها. وباستئناف تسجيل الأراضي، ستتولى وحدة “تسجيل الأراضي” التابعة لوحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية، تنظيم وتسجيل ملكية الأراضي في مناطق (ج)، وهي أراض فلسطينية محتلة، بما في ذلك إصدار أذونات البيع، وجباية الرسوم، والإشراف على إجراءات التسجيل، في مقابل منع السلطة الفلسطينية من أداء مهامها في هذه المناطق.
تحويل المستوطنين إلى مالكي الأراضي: التبعات على الأرض والاستيطان جراء الاجراء/ او القانون الإسرائيلي انه سيسمح للمستوطنين الإسرائيليين بتملك أراضٍ تقع خارج أراضي دولة إسرائيل، وتحديدًا في الضفة الغربية المحتلة، وهو ما يندرج مع التوجه والقرار بتوسيع الاستيطان، و”شرعنة” البؤر العشوائية تماشيا مع رفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية الى مليون مستوطن.
تحويل أي أرض غير مسجلة إلى “أملاك دولة
منذ عام 1967، طبّقت إسرائيل تفسيرًا صارمًا لقانون الأراضي العثماني، وأعلنت نحو 900،000 دونم من الأراضي على أنها “أراضي دولة”، يقع حوالي 800،000 دونم منها في المنطقة (ج). وتُعتبر 450،000 دونم إضافية من قبل السلطات الإسرائيلية على أنها “أراضٍ قيد المسح”، وتتعامل الدولة معها فعليًا كأراضي دولة أيضًا.
وبحسب التفسير الإسرائيلي، تُعتبر جميع الأراضي في الضفة الغربية أراضي دولة ما لم يتمكن المالكون الخصوصيون من إثبات العكس. ويتطلب مستوى الإثبات المطلوب معايير عالية للغاية، تشمل وثائق من العهد العثماني والبريطاني والأردني، وسجلات الإرث، وسلاسل ملكية كاملة، وخرائط مساحية، وآراء قانونية تفسر كل هذه الوثائق. في واقع الامر ان القرار يتجاهل أن الفلسطينيين محرومون من إثبات ملكيتهم بسبب صعوبة الوصول للوثائق خاصة في ظل وجود “جهة غير محايدة” كسلطة الاحتلال الاسرائيلي.
تجريد الفلسطينيين من أراضيهم بسبب صعوبة إثبات الملكية تحت الاحتلال، بمعنى إقصاء الفلسطينيين من إجراءات التسجيل، وخاصة “الغائبين. بالإضافة إلى ذلك، تطالب السلطات الإسرائيلية بإثبات أن الأرض قد زُرعت بشكل مستمر منذ عام 1967، وهو معيار لا يستطيع سوى عدد قليل من الفلسطينيين تلبيته. وحتى في الحالات النادرة التي يمكن فيها إثبات الملكية، قد تعترف الدولة فقط بملكية جزئية إذا كانت أي قطعة من الأرض تعود إلى “غائبين”، مثل الأقارب المقيمين خارج الضفة الغربية.
التعليمات الأمنية بالتصدي لأي عمل رسمي فلسطيني
السلطة الفلسطينية بدأت سابقًا بخطوات لتسجيل أراضٍ في المناطق (ج)، لكن القرار الإسرائيلي ينص على إفشال أي جهود فلسطينية “بكافة الوسائل”. القرار يوعز لأجهزة الأمن (الجيش، الشاباك، الموساد) بمنع تسجيل السلطة الفلسطينية للأراضي، من خلال تعليمات بالقمع والمنع، منها:
- منع المساحين والمهندسين الفلسطينيين من دخول الأراضي.
- عرقلة الدعم الدولي لبرامج تسجيل الأراضي الفلسطينية.
- تهديد بخصم أموال من المقاصة مقابل أي نشاط توثيقي فلسطيني.
البعد القانوني والحقوقي. ماذا يعني القرار؟
انتهاك القانون الدولي:
تعتبر الأرض الفلسطينية التي خضعت للسيطرة الإسرائيلية بالقوة في اعقاب عدوان الخامس من حزيران 1967، ارضا محتلة بموجب القانون الدولي وتحديا وفق لائحة لاهاي لعام 1907 واتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكولات المكملة لها لعام 1977، وأيضا بمقتضى عشرات القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الامن والجمعية العامة للأمم المتحدة، والآراء الاستشارية الصادرة عن محكمة العدل الدولية ( فتوى العواقب القانونية الناشئة عن تشييد الجدار في 9 تموز 2004، وفتوى العواقب القانونية المترتبة على السياسات والممارسات لإسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس في تموز 2024.
ورغم تحفظنا على اقتصار توصيف الأرض الفلسطينية المحتلة على الأرض التي تم احتلالها والسيطرة عليها من إسرائيل عام 1967، إذ يجب ان يمتد هذا التوصيف ليشمل كافة الأراضي التي سيطرت عليها دولة إسرائيل خارج نطاق الإطار الجغرافي الذي حدده قرار الجمعية العامة بتقسيم فلسطين رقم (181) الصادر في 29 نوفمبر 1947، لكون كافة الأراضي التي استولت وسيطرت عليها دولة إسرائيل خارج نطاق ما هو محدد لها بموجب قرار التقسيم يعتبر اكتساب وضم غير مشروع لأراضي الغير بالقوة وهو ما يمثل انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة ولمبدأ قطعي وآمر من مبادئ القانون الدولي.
ولهذا نرى أهمية أن يمتد هذا التوصيف أيضا ليشمل الاستيطان، إذ يجب ان يعرف الاستيطان فلسطينيا ودوليا بكونه جميع عمليات البناء والنقل والتوطين للسكان الإسرائيليين التي قامت بها دولة إسرائيل على صعيد الأراضي الخارجة عن نطاق حدودها الجغرافية بمقتضى قرار التقسيم، أسوة بما أخذت به بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن آثار بناء المستوطنات عام 2013 التي قالت بأﻧﻬا تفهم “المستوطنات الإسرائيلية ” على أﻧﻬا تشمل جميع الِبنَى والعمليات المادية وغير المادية التي تشكل وتمكن وتدعم العملية الرامية إلى توطين تجمّعات سكنية إسرائيلية فيما وراء الخط الأخضر ل عام ١٩٤٩ في الأرض الفلسطينية المحتلة والرامية أيضًا إلى التوسّع في هذه التجمّعات والحفاظ عليها .ولم تفرّق البعثة بين “المستوطنات” و”الكتل الاستيطانية ” و”النقاط الاستيطانية ” أو أي هياكل أخرى تكون قد ُأقيمت أو ُأنشئت أو جرى التوسّع فيها أو مصادرﺗﻬا أو أي أرض أو موارد طبيعية جرى مصادرﺗﻬا. (تقرير البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في آثار بناء المستوطنات الإسرائيلية على الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعب الفلسطيني في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية “7 فبراير 2013)” لتقرير عملا بقرار مجلس حقوق الإنسان 19/17 A/HRC/22/ 63.
وبالرجوع لموضوع طرح الاحتلال للتسوية في الأرض الفلسطينية المحتلة، فهنا نرى بأن هذا الاجراء ليس بأكثر من أداة ووسيلة يستخدمها المحتل لوضع اليد على الأرض الفلسطينية ومن ثم التصرف بها على وجه يعزز ويخدم الاستيطان والمستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والسيطرة والاستحواذ على مقدرات وثروات الشعب الفلسطيني من المياه والموارد والثروات الطبيعية، ولهذا يقتضي ما يجري على صعيد مد دولة الاحتلال الإسرائيلي لتشريعاتها أو سياسات وقرارات سلطاتها التنفيذية والتشريعية والفضائية على صعيد الأرض الفلسطينية المحتلة، ضرورة التحرك الفلسطينية ليس فقط لرفض والاقرار بعدم مشروعيته وإنما لفتح موضوع الاستيطان مجددا على صعيد الاشتباك القانوني مع دولة الاحتلال.
ودون الدخول في جدلية نقاش مدى مشروعية السياسات اإسرائيلية المتعلقة بالتسوية، أو بالمصادرة ، أو بالاستحواذ والسيطرة على المياه والثروات، نشير الى أن محكمة العدل الدولية بوصفها المرجعية القضائية الدولية وأيضا أحد صناع قواعد واحكام القانون الدولي، قد حسمت المركز القانوني لمدى مشروعية السياسات والتشريعات والقرارات الصادرة من دولة الاحتلال بشأن الأرض الفلسطينية المحتلة بقولها بمقتضى الفقرة 268 من فتوى العواقب القانونية لعام 2024(… أنها غير قانونية، وإن إسرائيل ملزمة بوضع حد لتلك الأعمال غير القانونية. وفي هذا الصدد، يجب على إسرائيل أن توقف فوراً جميع الأنشطة الاستيطانية الجديدة. وعلى إسرائيل أيضًا التزام بإلغاء جميع التشريعات والتدابير التي تخلق أو تحافظ على الوضع غير القانوني، بما في ذلك تلك التي تميز ضد الشعب الفلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة، وكذلك جميع التدابير التي تهدف إلى تعديل التركيبة السكانية لأي جزء من الأرض..).
ولهذا نرى أهمية أن لا يقتصر التحرك الفلسطيني بمواجهة هذه السياسات على طلب إدانتها ورفضها من قبل المجتمع الدولي سواء على صعيد الأمم المتحدة، أو المنظمات الدولية الإقليمية، وإنما يجب ان يكون الرد على هذه السياسات بفتح ملف المسؤولية المدنية لدولة الاحتلال الإسرائيلي أي المسؤولية القانونية القائمة على المطالبة بتعويض المحتل الإسرائيلي للشعب الفلسطينية عن أي ضرر ناشئ عن هذه السياسات
والممارسات وما اكتسبته دولة الاحتلال من عوائد ومكاسب غير مشروعة من استغلال هذه الأراضي سواء على صعيد الأراضي التي تم مصادرتها ووضعها لمنفعة المستوطنين لغايات السكن أو تلك التي تم استغلالها زراعيا وصناعيا، أو على صعيد الثروات الجاري سلبها ونهبها من مياه ومقدرات فلسطينية، أو على صعيد الاضرار التي الحقها المحتل في الفلسطينيين نتيجة لما خلفته المستوطنات والمستوطنيين من تلوث ودمار على صعيد البيئة والتلوث والتدمير والتخريب للأراضي الفلسطينية سواء جراء ضخ واطلاق المياه العادمة والنفايات باشكالها المختلفة.
لقد أكدت على هذه المسؤولية محكمة العدل الدولية سواء في فتوى الجدار لعام 2004، أو فتوى عواقب الاحتلال لعام 2024، وليس هذا فحسب بل أكدت الفقرة 270 من فتوى 2024 على حق الفلسطينيين في الاسترداد أي حقهم بأن باستعادة جميع الأصول التي استولت عليها دولة الاحتلال من أي شخص طبيعي أو اعتباري منذ بدء احتلالها في عام 1967، وجميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين والمؤسسات الفلسطينية، بما في ذلك المحفوظات والوثائق كما يتطلب إجلاء جميع المستوطنين من المستوطنات القائمة وتفكيك أجزاء الجدار التي بنتها إسرائيل والواقعة في الأرض الفلسطينية المحتلة.
وعلى هذا الأساس نرى أهمية أن يعمل الفلسطينيين على اصدار قرار دولي واضح من الجمعية العامة للأمم المتحدة، المطالبة بتشكيل الجمعية العامة للجنة خاصة بحصر الاضرار الناشئة عن ممارسات دولة الاحتلال، سواء على صعيد الاستيطان أو على صعيد نهب الموارد والثروات، بهدف حصر وتوثيق الاضرار المادية الناشئة عن ممارسات المحتل في الاراضي الفلسطينية، وتحديد قيمتها باعتبارها حقوق تعويضية للفلسطينيين ويعد هذا العمل في غاية الاهمية لكون توثيق جهات رسمية معترف بها للضرر سيشكل مستقبلا أداة وقرينة قانونية قاطعة ستمكن الفلسطينيين من الاعتماد عليها في مساءلة المحتل الإسرائيلي مدنيا.
ولعل ما تجدر الإشارة اليه التأكيد على أن حصول الفلسطينيين على التعويض استنادا لاحكام القانون الدولي، لا يعني باي حال من الأحوال بان هذا التعويض هو ثمن للاعتراف ببقاء ما اقامته دولة الاحتلال من ممارسات وإنما يعتبر هذا التعويض كمقابل لقيمة الضرر الذي الحقته ممارسات المحتل بالشعب الفلسطيني، وذاك ما لا يتعارض مع وجوب قيام المحتل بإزالة كل مخالفاته القانونية سواء على صعيد تفكيك المستوطنات أو على صعيد وقف المحتل عن استغلال الثروات والموارد دون وجه حق.
ومن جانب آخر نرى أهمية أن يتم إصدار قانون فلسطيني خاص حتى وأن كان هناك عجز وعدم قدرة على تطبيقه يقضي بتجريم شراء رعايا الاحتلال للأراضي الفلسطينية أو تنفيذهم لي مشاريع اقتصادية وصناعية وتجارية، ومسؤولية كل فرد يسكن ويقيم من رعايا الاحتلال أو الأجانب في فلسطين بمقتضى قرار إسرائيلي بالمسؤولية عن تعويض من تضرر من الفلسطينيين كافراد أو كأشخاص معنوية عامة أو خاصة.
ومن جانب آخر ان الرد على هذه السياسات والإجراءات يقتضي فتح معركة قانونية حول تسوية وتسجيل الممتلكات الفلسطينية التي وضعت دولة إسرائيل يدها عليها داخل دولة إسرائيل وهي ممتلكات تعود عائديتها للفلسطينيين بمقتضى قرار التقسيم والتي تم تسجيل قسم كبير منها من قبل لجنة التوفيق التي انشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة.
اعداد: