سلم جيش الاحتلال الإسرائيلي في الثاني والعشرين من شهر ايار من العام 2024 أمرا عسكريا جديدا بعنوان “أمر بشأن وضع اليد على أراضي رقم ۲٧/٢٤ / ت يهودا والسامرة)، ٥٧٨٤-٢٠٢٤”، والذي بموجبه يتم مصادرة أراضي بلدة نحالين غرب مدينة بيت لحم لأغراض عسكرية. واستهدف الامر العسكري الإسرائيلي 5.705 دونما من الأراضي في البلدة في المنطقة المعروفة محليا باسم “مرح بنت عيسى”، و”أرض أبو كليبة”. تجدر الإشارة الى أن الامر العسكري صدر بتاريخ العشرين من شهر اذار من العام 2024 الا انه لم يتم الإفصاح عنه لأهالي البلدة الا مؤخرا، الامر الذي يهدد الفرصة المتاحة للفلسطينيين للاعتراض على الامر العسكري بحسب ما هو منصوص عليه.
صورة رقم 1-4: الامر العسكري الإسرائيلي الصادر بحق بلدة نحالين
وفي تحليل اجراه معهد الأبحاث التطبيقية – القدس (أريج) للأمر العسكري الإسرائيلي الصادر، تبين ان المساحة المهددة بالعزل والمصادرة لا تقتصر على المساحة المذكورة في الامر العسكري فقط, بل تتعدى ذلك بكثير, اذ وبحسب الامر العسكري, فان جيش الاحتلال الإسرائيلي ينوي احاطة مستوطنة جيفاعوت بسياج أمني يلتف حولها من جميع الجهات, الامر الذي سوف يعزل ما يزيد عن 1100 دونما من الأراضي الفلسطينية التابعة لبلدة نحالين لتصبح ضمن الحدود الجديدة والغير القانونية للمستوطنة بحيث تشمل المنطقة العمرانية للمستوطنة ومساحة مفتوحة تضمن التوسع المستقبلي لها. ويأتي هذا الاجراء ضمن المحاولات الإسرائيلية المتعددة للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وبالتحديد في المناطق المصنفة “ج” (بحسب اتفاقية أوسلو الثانية للعام 1995)، في الوقت ذاته تقطع التواصل الجغرافي بين التجمعات الفلسطينية المحيطة من خلال مصادرة الأراضي والاستيلاء على المساحات المفتوحة التي تحيط بها لصالح التوسعات الاستيطانية المختلفة.
الخارطة رقم 1: الامر العسكري الاسرائيلي الذي يستهدف اراضي بلدة نحالين – باللون الاخضر
المخطط الهيكلي الاستيطاني ومناطق النفوذ
مستوطنة جيفاعوت الإسرائيلية هي احدى المستوطنات الواقعة ضمن تجمع/تكتل مستوطنات غوش عتصيون جنوب غرب بيت لحم, في محافظة بيت لحم والذي يضم احدى عشرة مستوطنة إسرائيلية (بيتار عيليت, هادار بيتار, مجدال عوز, روش تسوريم, افرات, نيفيه دانييل, بيت عاين, كفار غتصيون, الون شيفوت واليعيزر وجيفاعوت) بتعداد سكاني يتجاوز ال 97,800 الفا بحسب إحصائية وزارة الداخلية الإسرائيلية للعام 2024. ففي الثامن والعشرين من شهر اب من العام 1982, صدر قرار عن المجلس الوزاري الإسرائيلي رقم (887 ‐‐ HT/32) يقضي بالموافقة على إنشاء مستوطنة جديدة على أراضي بلدة نحاليت تحت اسم “جيفاعوت” بحيث تكون المرحلة الأولى للمستوطنة على هيئة “مستوطنة عسكرية” أو ما هو متعارف عليه ب “ناحال”, كون المنطقة التي سوف تقوم عليها المستوطنة آنذاك تخضع لتصنيف “أراضي حكومية إسرائيلية”[1] بفعل الامر العسكري الإسرائيلي رقم 59 (للعام 1967) (والمعدل بموجب الامر العسكري 1091) والذي يجيز “لحارس الأملاك الحكومية” المعين من قبل السلطات العسكرية الإسرائيلية بالاستيلاء على الأراضي المملوكة للحكومة الأردنية, كما يجيز الامر العسكري ذاته “لحارس الأملاك الحكومية” بالاستيلاء على الأراضي الخاصة بأفراد أو جماعات بعد الاعلان عن تلك الأراضي بأنها ‘أراضي عامة’ أو ‘أراضي دولة’ والتي تعرّف بانها “أراضي مملوكة أو تحت تصرف أو كانت متصلة بجهة معادية أو شخص من دولة عدوة قبل وخلال وبعد حرب العام 1967.”
واليوم, وبفعل الإجراءات والاوامر العسكرية والمصادرات الإسرائيلية المتوالية, تحتل المستوطنة, التي تم البدء ببنائها في العام 1984, مساحة إجمالية تبلغ 140 دونمًا تم مصادرتها من أراضي قرية نحالين غرب مدينة بيت لحم. ووفقًا للمخططات الهيكلية الإسرائيلية للمستوطنات التي نُشرتها الإدارة المدنية الإسرائيلية في العام 1991، تبلغ مساحة المخطط الهيكلي للمستوطنة (جيفاعوت) 530 دونمًا، وهو ما يقرب أربعة أضعاف المساحة الحالية للمستوطنة. بالإضافة إلى ذلك، زادت الأوامر العسكرية الإسرائيلية الصادرة خلال العام 2012 مساحة النفوذ التابعة للمستوطنة بنحو خمسة أضعاف مساحة المخطط الهيكلي للمستوطنة الصادر في العام 1991, بحيث بلغت 2,560 دونمًا.
الريف الغربي ومخطط جدار الفصل العنصري الاسرائيلي
يبلغ طول جدار الفصل العنصري في محافظة بيت لحم بحسب الخرائط الاسرائيلية 84.1 كيلومترا، حيث قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ ما يقارب 36% من طوله في المحافظة فيما تزال المرحلة المتبقية قيد التخطيط. وحال الانتهاء من بناء الجدار, فانه سوف يعزل منطقة الريف الغربي في محافظة بيت لحم والتي تشمل كل من تجمعات بتير ونحالين، وحوسان، وواد فوكين، وخربة عفانة، وخربة البلوطة وخربة بيت سكاريا عن مدينة بيت لحم والمراكز الحيوية فيها, في الوقت ذاته سوف يعمل الجدار على ضم تجمع مستوطنات غوش عتصيون الإسرائيلي (المستوطنات الاحد عشر المكونة للتجمع والمساحات الشاسعة التي تحيط بها) بشكل غير قانوني واحادي الجانب لتصبح جزءا من الحدود الجديدة والغير قانونية التي يفرضها مسار جدار الفصل العنصري على أرض الواقع, أي ما مساحته 174,022 دونما (174 كم²) من أراضي محافظة بيت لحم, 26.4% من مساحة المحافظة الكلية.
الخارطة رقم 2: مراحل بناء جدار العزل العنصري في محافظة بيت لحم
في الختام,
تنتهك دولة الاحتلال الإسرائيلي كافة المواثيق والمعاهدات وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة حيث تستخدم ألية غير قانونية وبيروقراطية معقدة تتخطى إجراءات العدالة الإنسانية والحقوقية للسيطرة وبشكل ممنهج على الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية حيث تستمر بفرض الوقائع المريرة على الارض في سبيل توسيع المستوطنات الإسرائيلية والبؤر الاستيطانية والنشاطات الاستيطانية الأخرى وتوفير الحماية لها هذا بالإضافة الى البنية التحتية المتكاملة من أجل تسهيل تنقل المستوطنين القاطنين فيها بحرية في الضفة الغربية المحتلة ضاربة بعرض الحائط حق الشعب الفلسطيني في العيش بحرية وكرامة في أرضه ووطنه. وتعتبر الأوامر العسكرية الإسرائيلية الأداة الرئيسية التي استخدمتها وما زالت تستخدمها دولة الاحتلال الإسرائيلي في السيطرة على الأراضي الفلسطينية للأغراض المختلفة منها العسكرية, وأملاك الغائبين والاملاك الحكومية والاحتياجات العامة والمحميات الطبيعية والحدائق الوطنية وغيرها من المسميات التي استندت كل منها على أسس غير قانونية منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية في العام 1967 وحتى يومنا هذا.
إن الأوامر العسكرية الإسرائيلية الصادرة ما هي الا ترجمة فعلية لمخططات الضم والتوسع واحكام السيطرة على المناطق الاستراتيجية والحيوية في الضفة الغربية المحتلة والموارد الطبيعية حتى تضمن استدامتها “كدولة احتلال” .
[1] Israel: ‘Secret’ Defense Ministry Database Reveals Full Settlement Construction
https://irp.fas.org/world/israel/database-e.pdf
اعداد:
معهد الابحاث التطبيقية – القدس ( أريج)