الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين لا تقتصر على التنكيل بالافراد، أو وضع القيود على الحركة والتنقل، أو استهداف المنازل والمنشات، أو مصادرة الأراضي، أو نهب الموارد والمصادر الطبيعية، بل تجاوزت ذلك إلى العبث بالبيئة الفلسطينية، وأبرزها التعدي على الأشجار الفلسطينية، لا سيما أشجار الزيتون، والتي يتم استهدافها بشتى الطرق منها منع أصحاب الأراضي الفلسطينيين من الوصول إليها في المناطق المعزولة غرب جدار الفصل العنصري، وأيضا منع استصلاح الأراضي الفلسطينية القريبة من المستوطنات والبؤر الاسرائيلية، حيث يتم مصادرة المعدات والآليات التي تقوم بذلك هذا بالإضافة الى اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين ما بين اقتلاع أشجار الزيتون المثمرة من جذورها وسكب مواد كيميائية عليها بغرض القضاء عليها، أو إغراقها بالمياه العادمة، أو حرقها بالكامل، أو سرقة المحصول في موسم قطف الزيتون، إضافة إلى مهاجمة المزارعين الفلسطينيين اثناء عملهم في أراضيهم الزراعية.
وعلى الرغم من وجود أوامر وقوانين كانت سارية في الأراضي الفلسطينية مثل “أمر الغابات الانتدابي من العام 1926”[1]، أو القانون الأردني, “قانون الحراج والغابات الموحد رقم (81) لسنة 1951”[2]، وغيرها من التعديلات التي أقرها الكنيست الإسرائيلي عقب الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في العام 1967 على أمر الغابات الانتدابي والتي تحدد وتنظم أوجه التعامل مع الأشجار، الا أن سلطات الاحتلال الاسرائيلي لا تطبق أي منها على الأراضي المحتلة، حيث لا يتعدى دور جيش الاحتلال والشرطة الإسرائيلية أثناء قطف المزارعين الفلسطينيين لمحاصيلهم في موسف الزيتون؛ حمايةَ المستوطنين الإسرائيليين المعتدين على المزارعين الفلسطينيين وتوثيق أضرار المزارعين.
وعبر السنوات، قام معهد الأبحاث التطبيقية – القدس (أريج) بتوثيق العديد من التعديات الشرسة والمتعمدة التي ارتكبها المستوطنون الإسرائيليون وأيضا قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي على الأشجار الفلسطينية, اخرها كانت الاعتداءات التي شهدتها الأراضي الفلسطينية في العام 2022 التي أدت الى اتلاف واقتلاع ما يزيد عن 12500 شجرة مثمرة، حوالي 85% منها أشجار زيتون. تجدر الإشارة الا انه تم رصد العديد من الحالات المشابهة من خلال تحليل الصور الجوية التي أظهرت مدى الدمار الذي لحق بمساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية المزروعة بالأشجار المثمرة وعلى وجه الخصوص بأشجار الزيتون، سواء كان ذلك نتيجة اعتداءات المستوطنين الاسرائيليين، أو شق طرق التفافية اسرائيلية جديدة لخدمة المستوطنين ولربط الكتل الاستيطانية الإسرائيلية بعضها ببعض، مثل طريق التفافي حوارة جنوب مدينة نابلس، الذي يشق أراضي بلدة حوارة ويمتد بطول 4.5 كيلومتر تقريبا، حيث أظهرت الصور الجوية أن أعمال التجريف صادرت ما يزيد عن 267 دونما من أراضي البلدة لهذا الغرض، من ضمنها 63% مزروعة بأكثر من 3400 شجرة زيتون.
الصورة رقم 1: طريق التفافي حوارة جنوب مدينة نابلس
وأيضا، طريق النبي الياس الالتفافي شرق مدينة قلقيلية، الذي يبلغ طوله 2.5 كيلومتر تقريبا، حيث صادرت اعمال التجريف حوالي 110 دونم من الأراضي التي تتبع لقريتي عزبة الطبيب والنبي الياس، من ضمنها 80% مزروعة بحوالي 1760 شجرة زيتون.
الصورة رقم 2: طريق النبي الياس الالتفافي شرق مدينة قلقيلية
كما أن أعمال التجريف الإسرائيلية لشق مقطع جديد بطول 7 كيلومتر تقريبا على شارع رقم 60 جنوب الضفة الغربية لربط الكتلة الاستيطانية لمستوطنات جبل الخليل بالكتلة الاستيطانية لمستوطنات غوش عتصيون، قد دمرت ما يزيد على 500 دونما من أراضي بلدتي بيت امر وحلحول شمال الخليل، 80% منها مزروعة بأشجار العنب.
الطرق الالتفافية
الطرق الالتفافية الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة تعمل على تقسيم المناطق الفلسطينية بشكل اكثر اعلية لخدمة الأهداف الخفية للحكومة الإسرائيلية. يبلغ طول الطرق الالتفافية التي شقت في أراض فلسطينية مصادرة لربط المستوطنات الإسرائيلية ببعضها وبإسرائيل إضافة إلى تلك قيد الإنشاء ما يقارب 938 كم هذا بالإضافة الى شبكة جديدة من الطرق الالتفافية تخطط إسرائيل لاقامتها في الضفة الغربية المحتلة والتي من شأنها أن تزيد من الفصل الجغرافي بين التجمعات الفلسطينية هذا بالإضافة الى تخصيص هذه الطرق للاستخدام الإسرائيلي المطلق. فهذه الطرق التي هي بمثابة حلقة وصل بين المستوطنات، عملت الطرق الالتفافية على تجزئة الأراضي الفلسطينية وفصل التجمعات السكانية الفلسطينية المقامة داخل رقعة جغرافية واحدة عن بعضها البعض لكونها تخضع للسيطرة الإسرائيلية. كما أن وجود هذه الشبكة إلى جانب شبكة الطرق الفلسطينية ساهم بخنق البنية التحتية الفلسطينية. ولقد أصبحت هذه الطرق حاليا ممنوعة على الفلسطينيين إلى جانب طرق فلسطينية سيطر عليها من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي مما أجبر المواطنين الفلسطينيين سلوك طرق بديلة أطول وأكثر رداءة.
في الختام,
خلال أعوام الاحتلال الإسرائيلي استندت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الى هدفين اثنين ومتناقضين أحيانًا مع بعضهما البعض, هما التوسع الاستيطاني والفصل الجغرافي, وجاءت الطرق الالتفافية لتخدم كلا الأمرين حيث عادة ما يتم شق الطرق الالتفافية على طول محيط المناطق العمرانية الفلسطينية والتي بدورها خلقت حدودًا حول المناطق الفلسطينية، مما أدى إلى تقطيع أوصال التجمعات الفلسطينية والفلسطينيين القاطنين فيها ونتج عن ذلك جيوب فلسطينية مكتظة بالسكان بسبب عدم قدرتها على التوسع واستيعاب النمو السكاني الطبيعي وأيضا تدمير للموارد الطبيعية والبيئة الفلسطينية بكل مكوناتها والذي بدوره أيضا أدى الى تقويض التنمية في المناطق الفلسطينية بسبب الإجراءات الإسرائيلية.
ان الهدف الأساسي من شق الطرق الالتفافية الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة هو تلبية أهداف سياسية. إن اتفاقيات السلام الموقعة بين دولة الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الوطنية الفلسطينية تدعو بوضوح تام إلى إنهاء جميع الإجراءات التي من شأنها أن تغير من وضع الضفة الغربية وقطاع غزة في انتظار نتيجة مفاوضات الوضع النهائي. الا أن شق الطرق الالتفافية الإسرائيلية التي تربط المستوطنات الإسرائيلية التي تخدمها، يضر بلا شك باتفاقية الوضع النهائي من خلال تقسيم الضفة الغربية إلى العديد من المناطق الفلسطينية الصغيرة المنفصلة جغرافيا والغير قابلة للحياة. ومؤخرا قامت دولة الاحتلال الاسرائيلي بتكثيف وتسريع سياستها المتمثلة في إنشاء طرق التفافية جديدة على أراضي في الضفة الغربية المحتلة الامر الذي سوف ينعكس بشكل سلبي على أرض الواقع ويفرض المزيد من الوقائع المريرة على الأرض الفلسطينية.
تعتبر الأراضي الفلسطينية المحتلة مثالا واضحا على العلاقة العضوية بين تدهور البيئة والصراع السياسي. سيادة الموارد الطبيعية هي أحد العناصر الرئيسية التي يجب أن تحققها أي دولة لتحقيق التنمية المستدامة وإدارة بيئية صحيحة. الا أن الوضع في الأراضي الفلسطينية يختلف عن باقي الدول بسبب الاحتلال الإسرائيلي وعدم قدرة الفلسطينيين على تنظيم استخدام الأراضي بحيث لا يمكن الحفاظ على النظم البيئية الطبيعية، ولا يمكن مراقبة حالة البيئة بشكل صحيح، ولا يمكن تنفيذ حماية البيئة.
[1] مرسوم الغابات (الأشجار الموقاة) لسنة 1926
[2] قانون الحراج والغابات الموحد رقم 81 لسنة 1951
http://www.qanon.ps/news.php?action=view&id=167323
اعداد:
معهد الابحاث التطبيقية – القدس ( أريج)