الحكومة اليمينة الإسرائيلية الجديدة تستأنف العام الجديد بعمليات طرد تعسفية بحق الفلسطينيين في مسافر يطا جنوب مدينة الخليل
ضمنت إسرائيل مصادرتها للأراضي الفلسطينية بالقوة بعد احتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1967 من خلال قوانين وأوامر وذرائع غير قانونية ابتكرتها لهذا الغرض، أبرزها المصادرة بذريعة “أراضي الدولة”، والمصادرة بحجة “الممتلكات المهجورة والأراضي غير المزروعة”؛ والمصادرة بذريعة “مناطق التدريب العسكري (مناطق القتال)” وأيضا المصادرة بحجة “مناطق عسكرية مغلقة”. هذا بالإضافة إلى نزع الملكية “للأغراض العامة” وكذلك المصادرة بموجب قانون أملاك الغائبين، والمصادرة بحجة “المحميات الطبيعية”. وعلى مدى أعوام الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، فرضت إسرائيل حقائق مريرة على الأرض وأهدرت أي إمكانية لمفاوضات مثمرة للتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين على أساس حل الدولتين، على أن تكون القدس عاصمة للدولتين.
والجدير بالذكر ان الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة باختلاف توجهاتها السياسية اجتهدت ومنذ احتلالها للأراضي الفلسطينية لطرد الفلسطينيين وتدمير منازلهم ونهب أراضيهم وقطع الطريق امام أي تنمية مستقبلية، من أجل تكريس مشروعها الاستعماري في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وهذا بالضبط ما يحدث في مناطق تلال جنوب الخليل (مسافر يطا) جنوب الضفة الغربية المحتلة، فمنذ صدور الأمر العسكري الإسرائيلي رقم 271 في عام 1968، والذي حدد منطقة جنوب الخليل إلى جانب مناطق أخرى في الضفة الغربية المحتلة كـ “مناطق إطلاق نار أو قتال,” وكذلك الأمر العسكري رقم 378 عام 1970 الذي أعلن أيضًا المنطقة “منطقة عسكرية مغلقة” لحظر البناء والتنمية الفلسطينية في المنطقة, تعتبر دولة الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين الذين يقطنون في المنطقة “مواطنين غير شرعيين” وبالتالي يجب طردهم من أراضيهم الأصلية على الرغم من أنهم كانوا يعيشون في المنطقة هناك حتى قبل الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين في العام 1967.
والعام 2023, لم يختلف عن الأعوام السابقة, بل عاما اخر من الاضطهاد الإسرائيلي بحق الفلسطينيين وممتلكاتهم وأراضيهم, اذ ومن منذ الأيام الأولى من العام الجديد، استأنفت الإدارة المدنية الإسرائيلية عملياتها ضد الفلسطينيين وشملت هدم منازل ومباني ومنشات فلسطينية هذا بالإضافة الى تهديد أخرى بالهدم واستهدفت بشكل خاص منطقة تلال جنوب الخليل (مسافر يطا) جنوب الخليل. ويأتي هذا الاستهداف ضمن المشروع الإسرائيلي الاستعماري لطرد السكان من أماكن سكناهم والمضي قدما في المخططات الاستيطانية في المنطقة وتحويلها للاستخدام الإسرائيلي المطلق.
ويرجع بنا الامر لشهر تموز من العام 2012، عندما أمر ما يُسمى “بوزير الدفاع” الإسرائيلي انذاك، إيهود باراك ، بإخلاء ثمانية من أصل اثني عشر تجمعا فلسطينيا تقع في منطقة تلال جنوب الخليل (مسافر يطا)، والتي يقطنها ما يزيد عن 1000 فلسطيني, هم من البدو, في سبيل إفساح المجال أمام خلق ما يطلق عليه الإسرائيليون “منطقة إطلاق نار – منطقة اطلاق نار 918”. وحددت التجمعات السكانية المهددة آنذاك وهي خربة أصافي وخربة الفخيت وخربة الحلاوة وخربة الخروبة وخربة التبان وخربة المجاز وخربة المرجاز وخربة جنبا.
وعقب صدور القرار الإسرائيلي، استأنف الفلسطينيون حراكهم القانوني ضد المشروع الاستعماري الإسرائيلي في محاولة للحفاظ على أراضيهم والثبات عليها الا أن محاولاتهم باءت بالفشل بسبب الذريعة الإسرائيلية التي تحدد المنطقة المستهدفة “منطقة اطلاق نار 918” وأيضا “منطقة عسكرية مغلقة” وعليه تواجد أي فلسطيني فيها هو غير قانوني ويخالف التشريعات الإسرائيلية. كما نال هذا المشروع الاستعماري موافقة المحكمة العليا الإسرائيلية في الرابع من شهر أيار من العام 2022 بعد معركة قانونية استمرت لسنوات عديدة بين الفلسطينيين وحكومة الاحتلال الإسرائيلي حيث رفضت ما تسمى “بمحكمة العدل العليا الإسرائيلية” الاستئنافات ضد أوامر الإخلاء الصادرة بحق السكان الفلسطينيين في مسافر يطا” والذي أنهى فعليًا الإجراءات القانونية التي تقدم بها الفلسطينيون سكان المنطقة لدى المحاكم الاسرائيلية، ويسمح لسلطات الاحتلال الإسرائيلي بتطهير المنطقة واستخدامها للتدريب العسكري. ويناقض هذا الاجراء الرأي القانوني “لجيش الاحتلال الإسرائيلي للعام 1967 والذي ينص، من بين أمور أخرى، على أن “المدنيين لا يمكن إخلائهم من منطقة ما من أجل إنشاء مناطق تدريب “لجيش الدفاع الإسرائيلي”، لأسباب سياسية وإنسانية، ولأسباب تتعلق بأحكام القانون الدولي “[1].
وفي الثاني من شهر كانون الثاني من العام 2023, أعلنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي من جديد بأنها ستقوم بتوزيع إنذارات لسكان مسافر يطّا قريباً تطالبهم بإخلاء المنطقة، وأنها ستقوم بطرد السكان الفلسطينيين إلى مكان بديل ستسمح لهم الدولة بالعيش فيه. والجدير بالذكر ان الحكومة الإسرائيلية الحالية تنوي هذه المرة اخلاء التجمعات الفلسطينية جميعها (الاثني عشر تجمعا) من المنطقة وليس فقط التجمعات الثمانية التي وردت في قرار وزير جيش الاحتلال الصادر في العام 2012.
ما وراء المخطط الإسرائيلي في منطقة مسافر يطا
تبلغ مساحة منطقة تلال جنوب الخليل أو ما يطلق عليه الاحتلال الإسرائيلي “بمنطقة إطلاق النار 918” 32,713 دونما ويقطنها حوالي 1300 فلسطيني. المنطقة هي ملجا لاثني عشر تجمعا فلسطينيا وهي: خربة أم طوبا ، وخربة مفقرة ، وخربة أسافي ، وخربة المجاز ، وخربت التبان ، وخربة الفخيت ، وخربة مغاير العبيد ، وخربة الحلاوة ، وخربة المركز ، وخربة جنبة وخلة الضبعة وخربة صرورة وجميعها اليوم تواجه خطر الاخلاء و الهدم. و خلال أعوام الاحتلال الإسرائيلي, تعرضت المنطقة للعديد من عمليات الاخلاء والمصادرة والهدم والتشريد التي طالت عشرات العائلات الفلسطينية فيما سمحت سلطات الاحتلال لقطعان المستوطنين باستباحة الأراضي الفلسطينية في المنطقة لصالح الأغراض الاستيطانية المختلفة ومن ثم الاستيلاء عليها. وتجدر الإشارة الى انه عندما أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن البدء ببناء جدار العزل العنصري في الضفة الغربية المحتلة في العام 2002, على طول الحدود الغربية للضفة الغربية المحتلة, أظهرت الخرائط الأولى لمسار جدار العزل العنصري التي تم نشرها من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي أنذاك بأن منطقة تلال جنوب الخليل (مسافر يطا) أو ما تطلق عليه سلطات الاحتلال الإسرائيلي “بمناطق اطلاق نار 918” سوف تبقى خارج مسار جدار العزل العنصري, داخل الضفة الغربية بحيث لا يتم ضمها للأراضي التي سوف سوف يضمها الجدار. وفي العام 2004, أصدرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تعديلا على مسار جدار العزل العنصري الإسرائيلي والذي اظهر تغييرا واضحا في مسار الجدار في الضفة الغربية المحتلة, شمل منطقة تلال جنوب الخليل أو ما يطلق عليه الاسرائيليون “بمنطقة اطلاق نار 918” حيث تبين إن هذه الأراضي ستدخل ضمن الأراضي التي ستقوم إسرائيل بضمها بشكل غير قانوني واحادي الجانب لحدودها لتصبح بمعزل عن محافظة الخليل. وفي العام 2007, صدر تعديلا اخر لمسار جدار العزل العنصري الإسرائيلي في الضفة الغربية والذي استثنى منطقة تلال جنوب الخليل من مخطط العزل العنصري لتبقى خارج مسار الجدار, الا أن المنطقة منذ ذلك الوقت وحتى اليوم لم تسلم من المحاولات الإسرائيلية المتكررة لطرد السكان والسيطرة على الأراضي المستهدفة, هذا بالإضافة الى مضايقات جماعات المستوطنين القاطنين في المنطقة (الأكثر تدينا في الضفة الغربية المحتلة) والتي مارست ضغوطاتها على حكومة الاحتلال الإسرائيلية لضم المنطقة وعدم تسليمها للفلسطينيين وذلك ردا على التغيير الحاصل على مسار الجدار الذي تم اقراره في العام 2007 واستبعاد المنطقة خارج مسار الجدار العنصري. وما تحاول سلطات الاحتلال فرضه في المنطقة هو فعليا ما كانت تخطط له في العام 2004 الا هو ضم المنطقة لحدودها الغير قانونية ولكن هذه المرة ليس بفعل إقامة جدار العزل العنصري بل من خلال فرض المسميات التي أصدرتها عقب احتلالها للأراضي الفلسطينية على ارض الواقع وبالنهاية حرمان الفلسطينيين منها.
Firing Zone 918: a 1967 legal opinion presented to the High Court
[1] http://www.akevot.org.il/en/article/firing-zone-918-case-1967-legal-opinion-presented-high-court/
اعداد:
معهد الابحاث التطبيقية – القدس ( أريج)