تعتبر إرادة الفلاح الفلسطيني التي تستند إلى العلاقة التاريخية بينه وبين الأرض التي ورثها أباً عن جد نموذجاً حياً لمدى التمسك بالأرض ورفض جميع المخططات الهادفة إلى انتزاعه منها خدمةً لمصالح الاستيطان الهادفة إلى سرقة الأرض وتشريد السكان من بيوتهم بغير حق يذكر. عائلة المواطن عودة عبد الله عودة من بلدة ترمسعيا جسدت على مدار سنوات الاحتلال الإسرائيلي العلاقة الوطيدة بين الإنسان الفلسطيني والأرض، هذه العلاقة التي أفشلت جميع مخططات الاحتلال بانتزاعها، حيث استخدم الاحتلال أساليب الترغيب والترهيب والخداع في إقناع أسرة المواطن عودة بالرحيل لصالح مخططات الاستيطان التوسعية ممثلاً بمستوطنة ‘شيلو’ التي تمتد يوم بعد يوم على حساب الأرض الفلسطينية.
فالقصة بدأت جذورها عام 1972م كما يقول الحاج عودة عبد الله، ففي ذلك العام قرر الحاج عودة بناء بيت بسيط له ولإخوته عواد وجودة وذلك في المنطقة المعروفة باسم ‘رسم الدار’ ليكون البيت الذي يحتضن العائلة بين أحضان الطبيعة وعلى أرضه التي لطالما تعلق بها منذ نعومة أظافره، حيث يبعد المنزل مسافة لا تقل 2كم عن بيوت بلدة ترمسعيا وكالعادة حصل على التراخيص اللازمة من ما تسمى الإدارة المدنية الإسرائيلية.
لكن حلمه لم يدم طويلاً ففي احد أيام صيف عام 1978م تفاجئ بأنياب الجرافات العسكرية تنهش الأراضي المجاورة لمنزله إيذاناً بالبدء بإنشاء مستوطنة ‘شيلو’ التي تحتضن المستوطنين المتطرفين ممن تعتبر عقلية طرد العرب والاستيلاء على الأرض هي صلب عقيدتهم التي يؤمنون بها ويعملون على تحقيقها، ففي ذلك الصيف حلت الظلمة على الأرض وتبدد السكون المصحوب بأصوات العصافير التي كانت تشدو فرحاً بالطبيعة الخلابة بصوت أزيز الرصاص وصوت أنياب الجرافات التي دمرت واقتلعت المئات من الأشجار والتي يزيد عمرها عن 100عام وتمتد جذورها في عمق التربة الفلسطينية لصالح غرس أشخاص لا يوجد لهم أي جذور بالمنطقة ولا حتى أصل لهم في الأرض التي ترفضهم وترفض وجودهم عليها.
ومنذ ذلك اللحظة وعائلة الحاج عودة عبد الله تصارع البقاء في التمسك بالأرض مهما كلف الأمر، وهذا لم يرق لهؤلاء المستوطنين الغرباء حيث تعد عائلة الحاج عودة بمثابة شوكة في حلوقهم وإسفين دق في صلب مخططاتهم وهو بالتالي حجر عثرة يقف أمام توسع المستوطنة من جهة الشرق مما يعني الاستيلاء على أكثر من 3000 دونماً من الأراضي السهلية لو كتب للمشروع الصهيوني النجاح.
يذكر أن سلطات الاحتلال استخدمت جميع الأساليب العنصرية من ترغيب وترهيب في إقناع عائلة الحاج عودة عبد الله بالرحيل ولكن جميع هذه الأساليب الملتوية لم يكتب لها النجاح، حيث عرضوا عليه مبالغ مالية خيالية تقدر بملايين الدولارات مقابل ترك منزله البسيط المصنوع من الصفيح لكنه رفض هذا العرض، وعرضوا عليه الماء والكهرباء حتى إقامة الطرق إلى بيته مقابل السماح للمستوطنين التواجد والبناء في محيط أرضه الطابو المحيطة بالمنزل البسيط إلا أن هذا أيضاً قوبل بالرفض المطلق من قبل الحاج عودة عبد الله.
وقد لجأ جيش الاحتلال إلى ممارسة القوة ضده وضد عائلته فاستخدم الاحتلال الرصاص الحي في إطلاق النار صوب منزله ومنازل أشقائه عواد وجودة مع الإشارة إلى أن مجموع الأسر التي تقطن في الموقع ثلاثة أسر فقط (21 فرداً) من بينهم ( 10 أطفال) فكانت النتيجة الحتمية هي استشهاد شقيقه جودة عبد الله أمام منزله في عام 1988م تاركاً وراءه ثلاثة أطفال. رغم هذا كانت إرادة عائلة عودة أقوى من رصاص الاحتلال وفي كل يوم تصر على الثبات في أرضها وعدم التفريط بها بأي ثمن.
يشار إلى أن الحاج عودة عبد الله رغم جميع مخططات الاحتلال باقتلاعه من أرضه ومنزله أصر على توسعة منزله رغم تهديدات الإدارة المدنية له بهدم أي شيء جديد يضيفه الحاج عودة إلى منزله، ورغم هذا قام ببناء غرفتين جديدتين ومزرعة دواجن بجوار منزله، حيث على الفور قامت جرافات الاحتلال في عام 2007م بهدم جميع ما بناه حتى بلغت خسائر الحاج عبد الله بآلاف الشواقل بل وصل بهم الحال إلى تهديدهم له بالقتل، ولكن هذا لم يحط من عزيمة الحاج عودة بل عمل على ترميم ما يمكن ترميمه على مراحل لفرض سياسة الأمر الواقع هناك في وجه الاحتلال الإسرائيلي.
فعلى الرغم من قلة الإمكانيات وعدم توفر الكهرباء ولا الماء أو أي بنية تحتية لمنزله إلا أنه أراد أن يكون هذا المنزل البسيط نبراساً وعنواناً للصمود على الأرض أمام العمارات والشقق الفارهة داخل مستوطنة ‘شيلو’ الإسرائيلية انطلاقاً من إيمانه بأنه وعائلته أصحاب حق والمستوطنون هم أصحاب باطل ومصيرهم إلى زوال.
وبموازاة هذا كله لم يذخر المستوطنون طريقة أو أسلوب في سرقة ارض الحاج عودة بإتباع أساليب العربدة واستعراض العضلات وأحياناً كثيرة تهديده بالقتل لدفعه إلى الرحيل، ولكن هذا كان محفز له إلى ضرورة حماية الأرض من مخططات الاحتلال، فعلى الرغم من قيام المستوطنين باقتلاع ما يزيد عن 100 غرسة زيتون على مراحل في محيط منزله للضغط عليه إلا انه عمل ‘ على زراعة ما يزيد عن 24 دونماً في محيط منزله بغراس الزيتون، فكان في كل غرسة يزرعها أيماناً بأن تلك الغرسة ستكبر يوماً وتكون رمزاً للوجود والبقاء الفلسطيني هناك، مما أغاظ المستوطنون وجيش الاحتلال على حد سواء فابتكروا وسيلة جديدة للضغط على الحاج عودة ألا وهي منعه من دخول منزله إلا بعد الخضوع إلى تفتيش دقيق من قبل جنود الاحتلال الذين انتشروا في محيط المنزل.
الصورة 2-5: منشآت ومساكن عائلة عودة المهددة
ورغم هذا يصر على البقاء في أرضه رغم كل العقبات والتحديدات ليجسد أسطورة حقيقية تعبر عن انتماء فئة كبيرة من الشعب الفلسطيني لأرضه التي ورثها أباً عن جد وقناعتهم أن الاحتلال والظلام مهما طال سيكون إلى زوال في المستقبل القريب.
اعداد: