لقد كانت قضية إدارة وتسجيل الأراضي وما زالت من أكثر المواضيع تعقيدًا التي كان على الفلسطينيين التعامل معها في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وغالبًا ما تسبب النقص في البيانات الرسمية المتعلقة باستخدام الأراضي وتسجيلها في حدوث ارتباك، خاصة وأن الاحتلال الإسرائيلي أوقف جميع الإجراءات المتعلقة بتسجيل الأراضي والميراث عقب احتلاله للأراضي الفلسطينية في العام 1967. وعلى مر التاريخ، خضعت عمليات تسجيل الأراضي في فلسطين لتصنيفات مختلفة وذلك بحسب الإدارات المختلفة التي مرت على الأرض. ففي ظل حكم الدولة العثمانية لفلسطين، بدأت عملية تسجيل الأراضي المعروفة باسم “الطابو” في العام 1858 لتأسيس حقوق ملكية الأراضي لمن يعنيهم الامر. كذلك بعد بضع سنوات من الانتداب البريطاني على فلسطين (1920-1948)، دخل قانون تسوية الأراضي حيز التنفيذ في العام 1928 لتأكيد حقوق ملكية الأرض. وفشل كل من العثمانيين والبريطانيين في عملياتهم (عمليات تسجيل الاراضي) حيث رفض المزارعون المحليون الذين شكلوا غالبية مالكي الأراضي هذه العمليات، والتي لن يتعامل “البريطانيون” فيها مع نظام ملكية الأراضي “العائلي” التقليدي؛ وأيضا بسبب الضرائب المرتفعة التي فرضها العثمانيون على الأراضي المزروعة المسجلة.
وفي ظل الحكم الاردني والذي استمر حتى عام 1967، تم تسجيل قرابة 30٪ من أراضي الضفة الغربية. كما تم اجراء عمليات مسح إضافية لأراضي أخرى في الضفة الغربية، بما في ذلك في القدس الشرقية، ولكن لم يتم تسجيل هذه الاراضي رسميًا بسبب الحرب. وعندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية) في العام 1967، فإنها لم تعترف بالنظام المجتمعي (العائلي) التقليدي للملكية الموجودة على الأرض ولم تسمح به، لا سيما في المناطق الريفية الجنوبية للضفة الغربية. علاوة على ذلك، استخدمت إسرائيل سياسات وقوانين وأنظمة لتمكين هيمنتها على الأراضي الفلسطينية المملوكة ملكية خاصة، والتي كانت خطوة أولى نحو إصدار الأمر العسكري الإسرائيلي لعام 1967 بوقف أي شكل من أشكال تسجيل الأراضي في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية، بحجة “حماية حقوق” ملكية الغائبين.
وبعد اعتراف إدارة الرئيس دونالد ترامب بالقدس كعاصمة “موحدة” لإسرائيل واتخاذ الخطوة الإسرائيلية التي طال انتظارها لفتح السفارة الأمريكية في القدس، بدأت بلدية الاحتلال الإسرائيلي في القدس المحتلة خطة “تسوية الحقوق العقارية” في القدس. والهدف غير المعلن لمثل هذه الخطة هو حرمان العديد من الفلسطينيين (الذين يعيشون في الشتات أو حتى في الضفة الغربية المحتلة) من حقوقهم في وراثة ممتلكاتهم في القدس المحتلة، مما يمهد الطريق للاحتلال الإسرائيلي بالاستيلاء على ممتلكاتهم بحجة انه لم يتم توثيق ملكيتهم “بالشكل الصحيح”، وبالتالي إعادة تفعيل قانون أملاك الغائبين[1] للاستيلاء “رسميًا” على ممتلكات الفلسطينيين. وحتى ذلك الحين، وفي حالة التوصل إلى تسوية بين الأطراف المتنازعة (على الأرجح تسوية فُرضت على الفلسطينيين)، فانه من المرجح أن يخضع الفلسطينيون المقدسيون للضرائب بأثر رجعي من أجل تسجيل ممتلكاتهم فقط وليس الأرض التي يقيمون عليها. وفي التاسع من شهر اذار من العام 2018, أعلنت وزيرة العدل الإسرائيلية السابقة (في حكومة نتنياهو السابقة)، وزيرة الداخلية الإسرائيلية الحالية في حكومة بينيت، أيليت شاكيد, عزمها الشروع في إجراءات تسوية العقارات وحقوق شراء الأراضي في مواقع مختلفة في مدينة القدس المحتلة.
والجدير بالذكر ان إدارة مجلس الصندوق القومي اليهودي (KKL-JNF) (كيرين كييمت) بصدد الموافقة على خطة تبلغ تكلفتها 100 مليون شيكل لفحص معاملات يدعي الصندوق أنه نفذها قبل نكبة العام 1948 / احتلال فلسطين، وتشمل 7000 عقارا في الضفة الغربية المحتلة (بما فيها القدس الشرقية) وفي الداخل المحتل والتي من المتوقع أن تستغرق حوالي 5 سنوات. ويسعى الصندوق القومي اليهودي إلى شرعنة ادعاءه من خلال القانون العنصري الإسرائيلي للعام 1970 (قانون إجراءات القانون والإدارة) الذي يمكّن اليهود من المطالبة بالممتلكات التي فقدوها في القدس الشرقية قبل عام 1948، مع حرمان الفلسطينيين من نفس الحق للقيام بذلك. ومن الواضح أن الصندوق القومي اليهودي (KKL-JNF) (كيرين كييمت) لم يستكمل إجراءات التسجيل لـ 88٪ من المعاملات في ذلك الوقت. وتحقيقا لهذه الغاية، أقرت حكومة الاحتلال الاسرائيلي في شهر أيار من العام 2018 ميزانية قيمتها 560 مليون دولار لتعزيز سيطرة إسرائيل وسيادتها على القدس المحتلة للسنوات الخمس المقبلة. بما في ذلك مخصصات ميزانية لتغطية المصاريف الإجرائية لتسوية الحقوق العقارية.
وقد وافق الصندوق القومي اليهودي (KKL-JNF) (كيرين كييمت) على مساعي أيليت شاكيد المتعلقة بتسجيل الأراضي في القدس الشرقية المحتلة، لصالح اليهود في جميع أنحاء القدس؛ بما في ذلك منطقة الضفة الغربية المحتلة، التي ضمتها إسرائيل بشكل غير قانوني واحادي الجانب إلى حدود القدس الشرقية في أعقاب حرب عام 1967. وتتم المعاملات التي يتابعها الصندوق القومي اليهودي في 530 موقعًا (360 عقارًا و170 عملية شراءً للأراضي) تقع في مناطق من الضفة الغربية المحتلة التي تم ضمها بشكل غير قانوني واحادي الجانب إلى الحدود المفروضة للقدس الشرقية بعد حرب عام 1967. فيما لا زالت 2050 صفقة ما زالت قيد البحث في القدس، بما في ذلك العقارات والأراضي، وتغطي مساحة تقارب 2,500 دونما، والتي تديرها وصاية معينة منذ العام 1967. وحدث هذا على الرغم من حقيقة أن الكثير من الأراضي المتضمنة في الوصاية لها مالكين (من سكان الضفة الغربية المحتلة)، والعديد من هذه العقارات مسكونة حاليًا كما كانت منذ عقود؛ حتى أن البعض منها كان مسكونا قبل احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية في العام 1967، على سبيل المثال الشيخ جراح, حيث يكافح الفلسطينيون القاطنين في الممتلكات المستهدفة للتمسك بحقهم أمام المحاكم الإسرائيلية للبقاء في منازلهم رغم التهديد الذي يوجهونه بالإخلاء بناءً على طلب الصندوق القومي اليهودي الذي يدعي ملكيته للأراضي التي شيدت عليها منازلهم.
وبناء عليه…
- فان المطلوب من الفلسطينيين المقدسيين عدم التعامل مع الإجراءات الإسرائيلية المتعلقة بتسجيل الأراضي في القدس أو في أي مكان آخر في هذا الشأن.
- إن ما تحاول دولة الاحتلال الإسرائيلي تنفيذه في القدس يتجاوز عملية تسجيل الأراضي، فهدفها الأساسي هو فرض “الوضع الراهن” على الأرض، والتأكيد على الضم القسري “للقدس الموحدة”، ثم لاحقا “القدس الكبرى”، وكأنه عملًا شرعيًا يحمل توقيعًا فلسطينيًا.
- إن المشروع المسمى “بالقدس الكبرى” والتي تقوم دولة الاحتلال الإسرائيلي بالمساعي المختلفة لتنفيذه على الأرض ما هو الا مجرد خطة لتوطيد سيطرتها على المدينة المحتلة، متجاهلة في هذه العملية الحقوق المشروعة لأكثر من 300 ألف فلسطيني من السكان الأصليين الذين يعيشون في المدينة.
- ان ما تقوم به إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة؛ وعلى وجه الخصوص في القدس الشرقية المحتلة هو خرق وانتهاك واضح وصريح للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وحتى انها ترتقي لان تكون جريمة حرب ضد الإنسانية.
- نطالب المجتمع الدولي بالتدخل الفوري والسريع لوقف الإجراءات الإسرائيلية الهادفة للاستيلاء على أراضي الفلسطينيين وممتلكاتهم، واجبارهم على الرحيل عن منازلهم، بهدف تهويد المدينة، وتفريغها من سكانها.
إسرائيل تنتهك المادة 17/2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
إسرائيل تنتهك الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965
إسرائيل تنتهك المادة 46 من ميثاق لاهاي للعام 1907، للحفاظ على الملكية الخاصة
إسرائيل تنتهك اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وجميع أشكال حقوق الإنسان
إسرائيل تنتهك قرارات الشرعية الدولية وقرار مجلس الأمن رقم 198 لعام 1971، القاضي باعتبار الاستيلاء العسكري على أراضي الغير أمر غير قانوني وينتهك القانون الدولي
إسرائيل تنتهك قرار مجلس الأمن رقم 2334 لسنة 2016
[1] الاستملاك من خلال الإعلان عن الأراضي بأنها ‘هجرت’: أصدر القائد العسكري الاسرائيلي للمناطق المحتلة في العام 1967 أمراً عسكرياً يحمل رقم 58 ويقضي بتعريف ‘الغائب’ بالشخص الذي ترك المناطق المحتلة قبيل وخلال أو بعد حرب العام 1967. القرار العسكري الإسرائيلي 58 للعام 1967 منح السلطة العسكرية الاسرائيلية حق السيطرة على أراضي الغائبين وتحديد كلمة غائبين بالشخص الذي ترك إسرائيل قبيل وخلال أو بعد حرب العام 1967 ويمنح السلطة العسكرية الإسرائيلية حق الاحتفاظ بتلك الأراضي حتى لو أن ذلك تم بطريق الخطأ ونتيجة سوء تقدير (بأنها هجرت على سبيل المثال). وبعد أن أصبح لإسرائيل سيطرة كاملة على سجلات الأراضي في المناطق المحتلة بعد العام 1967 عكفت إسرائيل على تصنيف الأراضي وخاصة تلك الممكن إدراجها كأملاك مهجورة أو غائبين. ورغم ذلك لم تسلم أراضي الفلسطينيين الخاصة من تلك التصنيفات التي طالت أجزاء كبيرة منها، حيث أجاز القانون الإسرائيلي لحارس أملاك الغائبين بالاستيلاء على أية أراضي والإعلان عنها كأراضي دولة أو أراضي غائبين وتحويل ملكيتها أو استخدامها لأفراد أو جماعات أو شركات خاصة. أما في حال قيام صاحب الأرض الفلسطيني بالاعتراض على قرار حارس أملاك الغائبين الإسرائيلي فان الأخير يستعين بالقرار العسكري الإسرائيلي 58 (ذكر سابقاً) بالإضافة إلى فقرة 17 من قانون أملاك الغائبين الإسرائيلي للعام 1950 والذي يجيز للجهاز العسكري الإسرائيلي السيطرة على أية أراضي وتحت أية ظروف.
قانون أملاك الغائبين للعام 1950: فقرة 17: أي تداولات تمت بحسن نية بين حارس أملاك الغائبين وأي فرد أو جهة فيما يتعلق بنقل صلاحيات قانونية لأراضي تبين لاحقاً بأنها لا تنضوي تحت أملاك غائبين تعتبر قائمة وتبقى التداولات سارية المفعول حتى لو تبين لاحقاُ أن الأراضي المنقولة لا تنطبق عليها قانون الغائبين.
اعداد:
معهد الابحاث التطبيقية – القدس (أريج)