عندما يجتاح الكون وباء خطير .. تتراجع جرائم البشر ضد بعضهم البعض وتتجمد الخصومات، ويتحالف الجميع بشكل تلقائي طوعي في مكافحة الوباء الخارجي الذي لا يفرق بين إنسان وإنسان، بل يتفشى دون تمييز ويحصد الأرواح بلا رحمة وبلا هوية ولا توقفه الحدود.
فهل هذا ما حدث في أراضي “السلطة الفلسطينية” الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي عندما انتشر فايروس “كوفيد –19” واجتاح العالم بما فيه كل أراضي فلسطين التاريخية وكل دول الإقليم؟
لكن قبل الإجابة على هذا السؤال، دعونا نستعرض الأوضاع والظروف التي كانت تمر بها أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية قبيل الوباء والتي نستطيع تلخيصها في النقاط التالية:-
- ضوء أخضر وتشجيع أمريكي علني بشرعنة الاستيطان الإحتلالي الذي يجثم على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م بما فيها القدس الشرقية، رغم مخالفة ذلك لمبادئ القانون الدولي ومعاهداته، ورغم خروج ذلك على قرارات الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن التي تعتبر مصادرة الأرض والاستيطان في الأراضي المحتلة نشاطات غير شرعية.
- تهديدات إسرائيلية متصاعدة ومحمومة لضم كامل أراضي الأغوار الفلسطينية والتي تقدر مساحتها بحوالي 30% من مجموع مساحة الضفة الغربية.
- تصاعد محموم في إجراءات ملاحقة الأنشطة الزراعية و/أو العمرانية الفلسطينية من قبل الأجهزة الرسمية للاحتلال وما يسمى بقيادة الإدارة المدنية في الضفة الغربية ومجلس تنظيمها الأعلى من خلال أوامر عسكرية جديدة مستحدثة تهدف للإسراع بالهدم والتجريف والمصادرة دون أن تمنح وقتاً شكلياً للمتضررين الفلسطينيين للاعتراض القانوني.
- مطاردات حثيثة من المستوطنين الإسرائيليين وجمعياتهم الاستيطانية للمزارع وللبدوي الفلسطينيين للتسريع في أعمال الهدم ولعل مؤسسة “ريغافيم” الاستيطانية التي تراقب البناء العربي تعبر بوضوح عن هذه السياسة.
- تصاعد اعتداءات المستوطنين على الأراضي الفلسطينية وعلى المزارعين بكل السبل الممكنة من تدمير وتجريف مزروعات وشبكات ري وتقطيع أشجار ورعي مزروعات وضرب مزارعين وإطلاق كلاب شرسة عليهم.
- توسيع للمستوطنات وفرض بؤر استيطانية جديدة حيثما استطاعوا مستبيحين كل الأرض الفلسطينية لا سيما المصنفة (ج).
- ثم بعد ذلك كله جاءت صفقة القرن التي طرحها الرئيس الأمريكي والتي تشكل غطاءً لكل تلك الجرائم على الأرض بل تمنح الاحتلال ما هو أكثر مما استطاع اغتصابه خلال كل سنوات الاحتلال وبشتى الطرق التي استباح بها الأرض الفلسطينية.
لكن … ماذا حدث للأرض والسكن والزراعة في فلسطين بعد اجتياح وباء الكورونا للمنطقة؟:-
لو ألقينا نظرة على معدلات مصادرة الأراضي الفلسطينية وتوسيع المستعمرات الصهيونية، والاعتداء على الأشجار قلعاً وتحطيماً وحرقاً، وهدم المساكن والمنشآت، وأوامر الهدم الجديدة، وتجريف الأراضي وتلويث التربة وتدمير ورعي المزروعات من قبل رعاة المستعمرين، والاعتداء الجسدي على المزارعين الفلسطينيين وذلك خلال الأشهر الأخيرة قبيل مرحلة الوباء ومقارنتها بنفس الانتهاكات التي حدثت في أشهر الوباء لوجدنا ما يلي:-
- بلغ معدل مصادرات الأراضي والتوسع الاستيطاني خلال شهري ما قبل الكورونا حوالي 850 دونماً في كل شهر، لتقفز هذه النسبة خلال مرحلة الإغلاقات ومنع التجوال وبقاء الناس في بيوتهم لوقف انتشار الوباء إلى حوالي ( 1480 ) دونماً في كل شهر !!!
- وبلغ عدد الأشجار المعتدى عليها سواء من جيش الاحتلال أو من المستعمرين في مرحلة قبل الكورونا حوالي 119 شجرة شهرياً ليرتفع الرقم إلى حوالي ( 956 ) شجرة شهرياً خلال مرحلة ما بعد كورونا.
- أما المساكن والمنشآت فقد ادعى الاحتلال أنه سيتوقف عن هدم المساكن والمنشآت المستخدمة مراعاةً لظرف الوباء، إلا أنهم على أرض الواقع هدموا حوالي ( 96 ) مسكناً ومنشأةً خلال الأشهر الثلاث بعد وقف الحركة لمواجهة الوباء منها(28) مسكناً ومنشأةً مسكونة ومستخدمة وذلك بمعدل ( 32 ) مسكناً ومنشأةً شهرياً ، في حين كان المعدل قبل انتشار الوباء حوالي ( 30) مسكناً ومنشأةً في كل شهر.
- أما أوامر الهدم الجماعي الجديدة فقد بلغت حوالي (97) أمراً عسكرياً جديداً لهدم مساكن ومنشآت فلسطينية خلال أشهر الكورونا الثلاث الأخيرة ( آذار- نيسان – أيار ).!!! بحيث بلغ المعدل الشهري لعدد المساكن والمنشآت المهددة بالهدم بعد إجراءات مكافحة الوباء (187) مسكناً ومنشأةً شهرياً في حين كانت النسبة قبل الوباء (61) مسكناً ومنشأةً .
- ولقد تم رصد الاعتداء على ( 562) دونماً من الأراضي الزراعية من قبل المستعمرين وأغنامهم وجرافاتهم بمعدل ( 190 ) دونم شهرياً في حين كانت نسبة الاعتداءات الشهرية حوالي 43 دونم قبل الكورونا!!!
- هذا وقد تم رصد حوالي ( 72 ) اعتداءً جسدياً بالضرب وتكسير العظام وإطلاق الكلاب المدربة التي تمزق جسد المزارع الفلسطيني بصورة وحشية بمعدل حوالي ( 24 ) اعتداءً شهرياً في حين بلغ معدل هذه الاعتداءات قبل كورونا حوالي (20) اعتداءً طالت مزارعين وأبنائهم واحتاجوا لعلاج في المستشفيات الفلسطينية المنشغلة أساساً في مكافحة وباء الكورونا ليضاف إليه وباء الاحتلال الإسرائيلي ووباء مستعمريه.
والجدول التالي يوضح معدلات الانتهاكات الإحتلالية قبل وبعد الوباء مع رسم بياني يعكس مضاعفة الإجراءات التي فرضها الاحتلال استغلالاً للظرف القاسي حيث العالم منشغل في مكافحة وباء فايروس كوفيد -19-.
الانتهاك |
قبل وباء كورونا |
في ظل وباء كورونا |
مصادرة الأراضي – دونم |
850 |
1480 |
الاعتداء على الأشجار – عدد |
119 |
956 |
هدم المساكن والمنشآت – عدد |
30 |
32 |
التهديد بهدم المساكن والمنشآت – عدد |
61 |
187 |
الاعتداءات على الأراضي والمزروعات – دونم |
43 |
190 |
اعتداءات على المزارعين – عدد |
20 |
24 |
وبإلقاء نظرة تحليلية على ما حدث خلال الأشهر الثلاث الأخيرة ( آذار- نيسان – أيار) / 2020م .. نستطيع رصد ثلاثة توجهات تنفذ الانتهاكات على الأرض (وهم جميعاً من عصابات الاحتلال بعضهم جهات رسمية عسكرية وبعضهم عصابات استيطانية) يعملون على الأرض بصورة شبه متداخلة، وهم :-
أصحاب التوجه الأول:- يسعون للإسراع في تطبيق أجزاء من صفقة القرن التي اتفق عليها الرئيس الأمريكي “ترامب” ورئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو”، وبالرغم من نشر الخارطة الأولية العامة لهذه الصفقة إلا أنهم أعلنوا بأنها بحاجة للترسيم بدقة تفصيلية أكثر، وهذا بنظر قيادة الاحتلال ومستوطنيه فرصة للإمعان أكثر في تمزيق الأرض والاستيلاء على المزيد منها وتهجير المزيد من الفلسطينيين، فاستغلوا فرصة تقييد حركة الفلسطينيين بسبب الجائحة وأخذوا يعتدون ويهدمون ويدمرون ويطردون الفلسطيني من أرضه ومزرعته وقد تبين ذلك بوضوح من خلال المواقع المستهدفة بالهدم والتدمير للضغط على الفلسطينيين للهجرة عن أراضي واقعة في طريق تنفيذ خارطة الصفقة مما قد يعرقل عملية التنفيذ هذه، وتعتبر هذه الانتهاكات وسيلة لفرض الأمر الواقع على الأرض تسهيلاً لتنفيذ خطة الصفقة.
ويبدو ذلك واضحاً من خلال تركز الكثير من هذه الانتهاكات في هذه الفترة القصيرة نسبياً في مسارات (كرودورات) توصل المستعمرات والبؤر الاستعمارية مع بعضها البعض وتوصلها بأراضي فلسطين المحتلة عام 1948م، وتقتطع مساحات واسعة من أراضي فلسطينية مأهولة أو مستغلة زراعياً لم يتمكن الاحتلال من إيجاد ذريعة للاستيلاء عليها سابقاً، وحتى لا تشكل عائقاً متوقعاً في المستقبل أمام الصفقة المذكورة يسعى الاحتلال من خلال أجهزته ومستعمريه لمحاولة تهجير الفلسطينيين منها وتفريغها من أجل تنفيذ مخططاتهم التوسعية على الأرض الفلسطينية والتصفوية لقضيتها.
وقد تم رصد حوالي 55 موقعاً ريفياً وقروياً تم الاعتداء عليها من أقصى شمال محافظة جنين من قرية ظهر العبد – حتى يطا وقلقس جنوب الخليل وترقوميا غرب الخليل، حيث رسمت هذه الاعتداءات حوالي 14 كرودوراً من الكرودورات التي تحافظ على بقاء المستعمرات والبؤر الاستيطانية جاثمة على الأراضي الفلسطينية ضمن أي حل مفروض مستقبلاً، وبالطبع ستفاقم عملية خنق وعزل وتقطيع أوصال المدن والقرى الفلسطينية داخل تجمعاتها السكنية فقط.
أصحاب التوجه الثاني :- وهم الساعون لتنفيذ خطة ضم أراضي الأغوار الفلسطينية كمقدمة إستباقية لصفقة القرن وتفرض على الأخيرة أمراً واقعاً أشد سوءً وأكثر استهتاراً بالقانون الدولي الإنساني، فهم يعارضون فكرة دولة فلسطينية لها سيادة ولها حدود دولية وينادون للفلسطينيين بحكم ذاتي مجزأ للمدن والقرى داخل كيانهم المُغتصِب وهذا أقل مما كان مطروحاً أيام روابط القرى سيئة الذكر.
وقد ظهر ذلك جلياً من خلال الانتهاكات التي تركزت في الأغوار الشمالية في قرى وادي المالح وأم القبا والدير وعين البيضا والحديدية وفروش بيت دجن ثم نزولاً للأغوار الوسطى في الجفتلك وفصايل والعوجا، من أجل سلب واغتصاب ما تبقى من أراضي في أيدي الفلسطينيين بتخريب المزروعات وتقطيع شبكات الري ومصادرة وهدم آبار المياه وهدم العرائش والبركسات والخيام والبيوت البسيطة للمزارعين هناك. وقد كان واضحاً أن من يعملون هناك يتناغمون مع خطة الضم التي يتبناها رئيس وزراء دولة الاحتلال نتنياهو وبضوء أخضر منه.
أصحاب التوجه الثالث :- وهم غلاة المستعمرين المتشددين الذين يرفضون صفقة القرن لأنها في مرحلة ما قد تقبل بدولة فلسطينية – حتى لو كانت مسخاً وبلا صلاحيات وممزقة – !!! كما ويرفضون فكرة ضم الأغوار لأنهم يعتبرون كل أراضي الضفة الغربية المحتلة عام 1967م هي لهم وليست الأغوار فقط وكانت محتلة وعادت إليهم ولا سبيل لترك أجزاء منها للفلسطينيين وأن عملية الضم للأغوار ستعني التنازل عن أراض أخرى للفلسطينيين !!! وهؤلاء يرفضون أي وجود لأي كيان فلسطيني غربي نهر الأردن ويعتبرونه خطراً على مستقبل وجودهم الاستعماري العنصري في أرض فلسطين، مطالبين بضم كل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م، معتبرين أن دولة الفلسطينيين هي الأردن شرقي النهر وأن عليهم الرحيل إليها يوماً ما !!!
وقد أتضح ذلك من خلال انتهاكات وتحضيرات لإنشاء بؤراً استيطانية تركزت في أراضي بلدات إبزيق وكردلة ويرزا شمال شرقي طوباس موازية للأغوار الشمالية ولكنها خارج خارطة ضم الأغوار ويستهدفون من ذلك إحراج نتنياهو في حال عدم ضمها. كما أنها تقع هي ومواقع انتهاكات أخرى ضمن المنطقة المخصصة للفلسطينيين حسب الخارطة الأولية لصفقة القرن، ينطبق ذلك أيضاً على انتهاكات تركزت على أراضي موقع رمانة شرقي جنين، وديوك التحتا ودير القلط ضمن أراضي أريحا وقواويس جنوبي مدينة الخليل وهذه جميعاً تقع ضمن خارطة الصفقة، وهم بذلك يسعون أيضاً لإفشال مخطط هذه الصفقة حتى لا يكون للفلسطينيين أي وجود على هذه الأراضي.
ولا شك أن صانعي السياسة في دولة الاحتلال يعلمون بتفاصيل كل تلك الأنشطة والقائمين عليها ويتركون المجال رحباً لكل فريق يصنع ما يشاء لأن القيادة الإسرائيلية العليا لم تكن يوماً تسعى للسلام الحقيقي ، بل تتخذ من معارضيها حجة للمماطلة والتسويف والتراجع عن أي اتفاق أو تعهد تضطر أحياناً لتوقيعه أو للاتفاق عليه، لذا فوجود هذه الأطراف الثلاثة هو مكسب سياسي يمنحهم المزيد من أوراق اللعب المتناقضة وغير المفهومة لكنها في النهاية تسير بنفس الاتجاه وهو بقاء دولة الاحتلال في حالة احتدام مع الفلسطينيين مما قد يدفع بعضهم للهجرة الطوعية تحت ضغط الحاجة وعدم المقدرة على احتمال كل هذا الظلم والقهر والجوع، ومستثمرين ذلك للوصول والتطبيع مع بعض العرب لبث المزيد من الفرقة والفتن بينهم وداخل مجتمعاتها فيتم تمزيق الممزق من أجل أن تظل الأمة نهباً للمستعمرين الإمبرياليين كما كانت منذ بدء القضية العربية في فلسطين وحتى اليوم.
هذا ولقد جاء القرار الجريء للقيادة الفلسطينية بالتحلل من الاتفاقيات مع دولة الاحتلال لترتفع وتيرة التعقيد في فلسطين فأصبح واقع الأرض والمساكن والزراعة الفلسطينية أشد تدهوراً وخطورة، حيث بدأ الاحتلال بمعاقبة الفلسطيني على موقف قيادته متخذاً من ذلك ذريعة إضافية، وبالرغم من أن الفلسطينيين شعباً وقيادةً كانوا يتوقعون ذلك لدرجة اليقين إلا أن قدراتهم على اتخاذ خطوات إستباقية فعّالة تحمي المزارعين وتحفظ المزروعات والمساكن لم تكن كافية لهذه المواجهة غير المتكافئة، ومع ذلك نفذت السلطة الفلسطينية والمؤسسات الأهلية الفلسطينية المختصة حملات دعم متأخرة لمزارعي الأغوار ورفعت من وتيرة التوجه للمجتمع الدولي وللقانون الدولي ومحكمة الجنايات من أجل نصرة الحق الفلسطيني على أرضه ومحاكمة مجرمي الاحتلال، وهذه بالعادة طرق رتيبة بطيئة قد نسمع ببسيط نتائجها بعد زمن طويل قد تكون فيه قد ضاعت القضايا واندثرت.
في ظل هذا الظرف المعقد ما هي العقبات التي تنتظر الفلسطينيين ؟
لا شك أن المرحلة القادمة ستشكل حالة صدام أوسع وأصعب بين المستوطنين المستعمرين وبين المزارعين الفلسطينيين وستصبح حياة المزارع في خطر ومزروعاته معرضة للتدمير والضياع واغتصاب أرضه يتكرر أكثر وأكثر، ومن المتوقع تكبيل أيدي السلطة الفلسطينية وشل قدرتها على العمل لتقوم بالدور الأساس في حماية الأرض والإنسان فيما تبقى بحيازته من أرض وإمكانيات !!!
لذا وكمجتمع مدني فلسطيني وكمؤسسة مختصة ماذا نقترح لتقليل الخسائر وتعزيز الصمود في هذه المرحلة بالغة الخطورة !؟
مبادئ عامة تستند عليها الرؤيا المقترحة وتشكل عوامل قوة :-
- الإنسان الفلسطيني يعشق الأرض ويتمسك بها لأبعد الحدود وهو ركيزة الصمود.
- البدو الفلسطينيون كان لهم الفضل في حفظ الكثير من الأراضي المستهدفة من الاحتلال كما أن انتشارهم أفشل الكثير من المخططات الاستيطانية.
- أبناء المخيمات الفلسطينية طاقة بشرية هائلة طاقاتهم غير مستثمرة كما يجب.
- يمتلك الشعب الفلسطيني عدداً من المؤسسات الوطنية غير الحكومية (مؤسسات أهلية تخصصية وجامعات ومراكز أبحاث ومؤسسات مهنية وبحثية وثقافية ورياضية وجمعيات خيرية وتعاونية ونقابات مهنية وعمالية وطلابية لكل القطاعات والتخصصات ) تستطيع حماية النسيج الاجتماعي الفلسطيني وتشكل أبرز أدوات الصمود في كل المراحل.
- جميع أراضي فلسطين ينظمها عدد كبير من قوانين الأراضي والأوامر العسكرية الإحتلالية والتشريعات والأنظمة المتداخلة والمتناقضة أحياناً والمعقدة دائماً، وهذه بقدر ما هي مشكلة قد تشكل فرصة لقرارات ثورية محفزة للأفراد والجماعات.
- برغم صغر مساحة أراضي فلسطين وفقدان معظمها بسبب الاحتلال، وبالرغم من جفاف المنطقة وتصحرها وشح المياه فيها إلا أن فلسطين تمتلك حالة من التنوع الحيوي الكبير سواء في تصنيف الأراضي والتربة وتنوع المناخ وتنوع المنتجات الزراعية الملائمة للحياة فيها وهذه أيضاً تعتبر فرصة غالية الثمن.
- منظومة البلديات والمجالس القروية واللجان المحلية التي ساعدت على تطويرها السلطة الفلسطينية قادرة على المساهمة في تحقيق شيء من التوازن لحماية النسيج الاجتماعي والاقتصادي الفلسطيني إذا ما تعاونت بصورة معمقة مع مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني.
واستناداً لهذه المعطيات الثمينة نقترح تطوير منهجية دائمة لتعزيز صمود الإنسان على أرضه وهو الضمانة لمقاومة وإفشال مخططات الاحتلال، وهذه تحتاج لجهد جماعي معمق، وعليه نقترح على هذا الدرب ما يلي :-
- تعزيز فكرة لجان السكرتاريا القانونية في البلديات والمجالس القروية التي أنشأها مركز أبحاث الأراضي وما زال ينشئ المزيد منها، حتى تقوم كل بلدية بمتابعة قضايا أرضها ومواطنيها كنوع من توزيع المسؤوليات والأعباء مما يجعل القيام بها أسهل.
- توزيع الأراضي غير المستغلة من الأملاك العامة والمشاعية وأراضي الأوقاف على المزارعين غير المالكين وعلى البدو المنتشرين عليها بشرط استصلاحها والعيش عليها وحمايتها، ولا يكون ذلك بدون تمليك حقيقي لهم لأجزاء منها، حتى يتسنى لهم الدفاع المستميت عنها، وهذه الأراضي دائماً مستهدفة من الاحتلال الذي يغتصبها منكراً ملكيتها لأحد.
- استثمار طاقة شباب المخيمات الفلسطينية الذين لم يتبقى لهم مكان يسكنون فيه داخل المخيم ولا سبيل لمعظمهم بشراء أراضي خارجه، فلماذا لا يتم توزيع أراضي خزينة الدولة والأراضي الوقفية عليهم تمليكاً أو تأجيراً آمناً بلا رسوم وبلا ضرائب من أجل حمايتها وذلك ضمن معايير توضع وشروط ملزمة لهم بالاستخدام الذي يحمي الأرض ويحفظها من خطر التمدد الاستيطاني اليهودي.
- تجديد تحريم بيع الأراضي مجتمعياً ودينياً للغرباء والحد من تفشي ظاهرة سماسرة الأراضي.
- الحد من ظاهرة عودة كبار الملاك والإقطاع فهؤلاء لم يكونوا الأحرص على حماية الأرض يوماً.
- التركيز على المشاريع الزراعية والصناعية الصغيرة والأسرية التي تعزز الصمود ولا تلوي ذراع صاحبها للاحتلال.
- الحد من المشاريع العملاقة التي تضيق الفرص على صغار المنتجين والكَسَبة والتي ستكون مضطرة للتنسيق والتعاون مع الاحتلال حتى لا تنهار مما يكسر أي قرار وطني صلب في مواجهة الاحتلال.
- التركيز على الزراعة العامة وتقنيات الزراعة المنزلية (نباتية أو ثروة حيوانية أو دواجن) التي تنتج الغذاء اللازم للاستهلاك الفلسطيني المحلي وليس للتصدير، وهذا ما يرفع القدرة على تحمل أعباء المواقف الوطنية كالعصيان المدني أو منع التجوال أو الإغلاقات التي قد تحدث في أي لحظة.
- تعزيز برامج العمل الجماعي الفلسطيني من خلال التلاحم بين المؤسسة الرسمية والشعبية والمدنية، وتطوير العمل التعاوني الحقيقي غير المسيس تنظيمياً.
وبعد .. لا شك أن شعب فلسطين يعيش جائحة إحتلالية مركبة تتكالب عليه وعلى قضيته التي يواجهها بصدره العاري نيابة عن الأمة كلها، وتتعرض هذه القضية لخطر التصفية ولا سبيل له سوى التمسك بحقه والصمود على أرضه والكفاح بشتى السبل للحفاظ على هذا الحق التاريخي الذي سيعود يوماً عندما تستيقظ الأمة، والفلسطيني حباه الله بشرف الرباط فليكن جديراً بالمهمة المقدسة التي خصه الله بها.
اعداد: