مع بداية تفشي فايروس كورونا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، سارعت سلطات الاحتلال إلى إعلان حالة الطوارئ، وذلك للتصدي إلى الفايروس والحيلولة دون توسع إنتشاره، فتم الإعلان عن مجموعة من التعلميات الصادرة عن وزارة الصحة الإسرائيلية لضمان سلامة سكانها، فتم إيجاد أكثر من مكان ليكون مخصصاً للحجر الصحي، وتم فتح عيادات لفحص المواطنين ما إذا كانوا حاملين للفايروس أم لا، بالإضافة خدمات طبية وإمتيازات إضافية لسكان دولة الإحتلال بصورة عنصرية تستثني الفلسطينيين أصحاب الأرض الشرعيين خصوصاً أهل القدس الشرقية منهم.
فقد كانت كل هذه الإجراءآت بمعزل عن شرقي المدينة ومواطنيها الفلسطينيين في الأحياء العربية المزدحمة بسبب حصر وتضييق الخناق على البناء الفلسطيني ، علماً بأنها تقع ضمن حدود بلدية القدس المحتلة والتي تعتبرها دولة الاحتلال “مدينة واحدة موحدة بشطريها الشرقي والغربي”. لكن بهذا تثبت دولة الاحتلال مجدداً وتؤكد بأن ما يعنيها من الشطر الشرقي هو الأرض “المساحة” دون السكان.. وهذا هو شعارها منذ اليوم الأول لاحتلال الجزء الشرقي للمدينة وضمه عام 1967.
فسكان الأحياء الفلسطينية في المدينة المحتلة، يجابهون اليوم لوحدهم كارثة تفشي فايروس كورونا حيث تنصل الاحتلال من واجباته بتقديم الرعاية وتجهيز الخدمات للمواطنين العرب المقدسيين كما يفعل في الأحياء اليهودية في الجزء الغربي من المدينة، وفي نفس الوقت يمنع وزارة الصحة الفلسطينية من التدخل وإعلان حالة الطوارئ داخل أحياء القدس. حيث أن الاحتلال يصدر عدداً من التوجيهات سواء من وزارة الصحة الإسرائيلية و/أو بلدية الاحتلال وكذلك شرطة الاحتلال من تعليمات، لا يوجد شيء آخر تم تقديمه للأحياء العربية. بل العكس، فقد قامت شرطة الاحتلال بمداهمة قرية صور باهر، وشرعت بمصادرة حمولة شاحنة كانت تحمل معونات غذائية ولوازم لمواجهة فايروس كورونا كان من المفروض أن يتم توزيعها على العائلات المحتاجة في القرية.
كما قامت سلطات الاحتلال بملاحقة شبان مقدسيين متطوعين قاموا بعمليات تعقيم في أحياءهم تحسباً من إنتشار الفايروس في تلك الأحياء. فتم توقيفهم من قبل الأمن الإسرائيلي ومصادرة المعدات البسيطة التي كانوا يستخدمونها والتي تحتوي على مواد معقمة.
كما واستدعت شرطة الاحتلال مجموعة من القائمين على “التجمع المقدسي لمكافحة الكورونا” والذي يضم عدداً من المؤسسات والشخصيات المقدسية التي أخذت على عاتقها مواجهة الفايروس بعد تنكر سلطات الاحتلال لواجبها في الجزء الشرقي من المدينة المحتلة.
وبعد تواصل جرى ما بين السكان وبين أعضاء عرب من الكنيست،من بينهم الدكتور أحمد الطيبي، تم الضغط على وزارة الصحة الاسرائيلية مؤخراً لإفتتاح مركز في شرقي المدينة لفحص السكان ، وأن يكون هنالك خط هاتفي باللغة العربية للرد على إستفسارات المواطنين الفلسطينيين. وبالفعل تم إفتتاح مركز في بلدة شعفاط ومركز في بلدة جبل المكبر . لكن كل ذلك لم يكن إلا بعد أن تم الضغط على الاحتلال.
وما يدق ناقوس الخطر، ظهور إصابات جديدة بين صفوف المقدسيين في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى ومحيطها، حيث إرتفع عدد الإصابات بشكل مفاجئ. وهذا مؤشر خطير ينذر بوقوع كارثة حقيقية، حيث أن الأحياء الفلسطينية -خاصة في سلوان ومحيطها – تعاني من إكتظاظ سكاني كبير في ظل ظروف معيشية صعبة نتيجة إهمال بلدية الاحتلال لتلك الأحياء منذ السيطرة عليها.. الإكتظاظ السكاني لتلك الأحياء سببه الرئيسي هو منع سلطات الاحتلال المقدسي من التوسع في البناء إلا بشروط شبه تعجيزية، وغالباُ ما يمنع البناء فيها تحت إعتبارات “خدمات عامة”، وأي محاولة بناء تقابلها سلطات الاحتلال بعملية هدم..الأمر الذي يدفع عائلات بأكملها إلى تقاسم مسكن واحد في مساحة صغيرة.
والسؤال الذي يطرح نفسه : كيف يمكن للمقدسي الذي يعيش في الأحياء المزدحمة في المدينة أن يقوم بحجر نفسه مع عائلته في مسكنه الذي يشاركه مع عائلات بأكملها .. !!! هذه الأحياء تتمثل في سلوان ورأس العامود، وجبل المكبر وصور باهر، إضافة إلى البلدة القديمة، ومخيم شعفاط وحي رأس خميس وعناتا.
فعلاً إنه لأمر ينذر بحدوث كارثة حقيقية يتحمل مسؤوليتها أولاً وأخيراً الاحتلال ..كيف لا وهو من أوجد تلك الظروف ..!!
إن ما يطالب به المقدسييون من سلطات الاحتلال في ظل تفشي فايروس كورونا في المدينة،يندرج تحت “واجبات” دولة الاحتلال تجاه المواطنين،وهذا بحسب المادة 56 من إتفاقية جنيف الرابعة، والتي تنص على:
- من واجب دولة الاحتلال أن تعمل، بأقصى ما تسمح به وسائلها، وبمعاونة السلطات الوطنية والمحلية، على صيانة المنشآت والخدمات الطبية والمستشفيات وكذلك الصحة العامة والشروط الصحية في الأراضي المحتلة، وذلك بوجه خاص عن طريق اعتماد وتطبيق التدابير الوقائية اللازمة لمكافحة انتشار الأمراض المعدية والأوبئة. ويسمح لجميع أفراد الخدمات الطبية بكل فئاتهم بأداء مهامهم.
- إذا أنشئت مستشفيات جديدة في الأراضي المحتلة حيث لم تعد الأجهزة المختصة للدولة المحتلة تؤدي وظيفتها، وجب على سلطات الاحتلال أن تعترف بهذه المستشفيات عند الاقتضاء على النحو الوارد في المادة 18. وفي الظروف المشابهة، تعترف سلطات الاحتلال كذلك بموظفي المستشفيات ومركبات النقل بموجب أحكام المادتين 20 و21.
- لدى اعتماد وتطبيق تدابير الصحة والشروط الصحية، تراعي دولة الاحتلال الاعتبارات المعنوية والأدبية لسكان الأراضي المحتلة.
وبعد :- كنا نتوقع ويتوقع معنا العالم كله أن مثل هذه الأوبئة الكونية ستخلق حالة تعاون إنساني حتى بين الأعداء، لكن الإحتلال الإسرائيلي يصر مجدداً أن يثبت بأنه إحتلال عنصري لا يحترم الإنسانية ولا يحترم قوانين الحياة، ولعل تصاعد إنتهاكاته بحق الفلسطينيين خصوصاً المقدسيين منهم لأكبر دليل على سادية هذا الإحتلال الذي يفرض مخالفات الطواريء على الفلسطيني في ظل هذا الوباء ولا يؤمن له مستلزمات النجاة منه.
فأي منطق هذا الذي يطالب المقدسيين الفلسطينيين بالإلتزام في بيوتهم ثم يأتي ليهدمها من فوق رؤوسهم!!!؟؟؟
يتنصل من واجباته تجاههم ويمنع السلطة الفلسطينية من خدمتهم ويمنعهم من خدمة أنفسهم
هناك مثل عربي يقول :- “صحيح لا تقسم ، ومقسم لا تأكل .. وكل كما تريد”
لكن نتنياهو وحكومته لا يعلمون أن هناك حديث نبوي شريف يقول:- “بأن القدس لا يعمر بها ظالم”
اعداد: