لطالما راودت فكرة الاستيلاء على أراضي فلسطين من البحر إلى النهر مخيلة قادة الاحتلال الإسرائيلي وقادة ومنظري الصهيونية العالمية حتى قبل العام 1948، فقد كان النجاح العسكري باحتلال الضفة الغربية المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية وقطاع غزة ما هو إلا لبداية تحقيق الحلم الصهيوني لإقامة الدولة اليهودية على كامل التراب الفلسطيني.
منذ اليوم الأول من الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطيني إنكبت سلطات الاحتلال على التخطيط والتحضير لبسط سيطرتها على أكبر قدر ممكن الأراضي الفلسطينية بشتى الطرق والمبررات. ففي العام 1967 قامت إسرائيل بإنشاء أول مستوطنة لها على أرض فلسطين وهي مستوطنة كفار عتصيون ودأبت على استصدار القرارات العسكرية الواحد تلو الأخر لبسط سيطرتها ووضع يدها على المناطق الإستراتيجية بذرائع الضرورات العسكرية والأمنية الملحة.
هذا وقد بدأت إسرائيل بحسم معركتها لإحكام قبضتها على منطقة العزل الشرقية والأغوار الفلسطينية باكرا، حيث و في العام 1967 أعلنت سلطات الاحتلال العسكري عن إغلاق مساحات شاسعة وأعلنتها مناطق عسكرية مغلقة وشرعت بإقامة حزام استيطاني مترامي الأطراف ومبعثر على امتداد منطقة العزل الشرقية إبتداء من أقاصي محافظة طوباس في الأغوار الشمالية ، مرورا فالتفافا حول محافظة أريحا المحاصرة بالطرق الالتفافية والمستوطنات وصولا الي أقصى جنوب صحراء الضفة الغربية شرقي الخليل وعلى تخوم صحراء النقب.
تمديد إغلاق ومصادرة ما يزيد عن 410 الالاف دونم
فقبل أيام قليلة أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي أمرا عسكريا يحمل الرقم والمسمى ( 1651 -2009-5770 يهودا والسامرة) 99/1/س (تعديل حدود رقم 6) 5775-2015 ( منطقة إطلاق نار 912) والذي يقضي بتمديد إغلاق ومصادرة 410,672 دونما من الأراضي الفلسطينية الواقعة في المقطع الجنوبي لمنطقة العزل الشرقية تبدأ من مستوطنة معاليه أدوميم وصولا لأقصى الجنوب الشرقي لمحافظة الخليل .
والجدير ذكره بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي كانت قد أصدر الأمر العسكري قبل التعديل في شهر أيار من العام 2009 والذي أعلن فيها إغلاق ومصادرة 410,884 دونما أي بزيادة قدرها 212 دونما عن أمر التمديد الحالي وذلك لان 212 دونما المذكورة قد تم استخدامها لصالح توسيع مستوطنة معاليه أدوميم غير الشرعية وبالتالي تم شطبها من ضمن المناطق المصادرة والمغلقة. انظر الخارطة رقم 1
خارطة رقم 1: الامر العسكري الاسرائيلي رقم 1651- 2009 / 5770
95% من مساحة منطقة العزل الشرقية تحت القبضة العسكرية الإسرائيلية
نتيجة لنيتها المبيتة لإحكام سيطرتها على هذه المنطقة الإستراتيجية والحساسة من الأراضي الفلسطينية المحتلة فقد عملت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على تغيير الواقع على الأرض ولو بالقوة الجبرية والعسكرية. فمساحة هذه المنطقة تبلغ 1564 كلم 2 (1,564000 دونما ) منها 716,210 دونم (12.6% من مساحة منطقة العزل الشرقية) مصنفة على انها مناطق عسكرية مغلقة ومناطق إطلاق نار وأراضي "محمية طبيعية".
كذلك شرعت إسرائيل منذ العام 1968 ببناء المستوطنات غير القانونية والتي تمتد من مستوطنة "ميخولا" في أقصى شمال منطقة الأغوار وانتهاء بمستوطنة "متسييه شاليم" في أقصى الجنوب، على الشاطئ الغربي للبحر الميت حيث شجعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة المستوطنين الإسرائيليين على الاستيطان في منطقة العزل الشرقية وتشجيعهم من خلال حوافز مالية وإعفاءات من دفع رسوم معينة كتلك الخاصة بالتعليم والمواصلات والضرائب بالإضافة إلى تسهيلات القروض بفوائد قليلة.
ليس ذلك فحسب, فقد شجعت الحكومات الإسرائيلية أيضا المستوطنين على استغلال المناطق الزراعية المحاذية للمستوطنات وذلك بهدف السيطرة على أراضي الفلسطينيين وضمها بشكل غير قانوني لمستوطناتِهم، بحكم الأمر الواقع، حيث وصلت مساحة المناطق الزراعية التي استولى عليها المستوطنون في منطقة العزل الشرقية 64000 دونم (64 كيلومتر مربع)، ما نسبته 7.4% من المساحة الكلية للمناطق الزراعية في منطقة العزل الشرقية (864كلم مربعا) و 3.9% من المساحة الكلية للمنطقة، وبذلك تم حرمان سكانها من المواطنين الفلسطينيين من استغلال تلك الأراضي والتي سيطر عليها الاحتلال بالقوة العسكرية وبشكل غير شرعي.
ويوجد اليوم في منطقة العزل الشرقية، و التي تشكل 27% من إجمالي مساحة الضفة الغربية المحتلة، 38 مستوطنة إسرائيلية غير شرعية تم بناؤها على مساحة قدرها 37,953 دونم (ما يقارب 38 كلم مربع ) ويقطنها ما يزيد عن 13000 مستوطن بالإضافة إلى 32 بؤرة استيطانية. كما قامت دولة الاحتلال الإسرائيلي بشق طرق التفافية يبلغ طولها 285 كلم خاضعة لسيطرة الجيش ، ولتسهيل تنقل المستوطنين ما بين منطقة العزل الشرقية وبقية مناطق الضفة الغربية المحتلة.
وعلى الأرض, فإن إسرائيل تسيطر على إجمالي مساحة 95% من منطقة العزل الشرقية, مُقسمة على النحو التالي: 9% مناطق مزروعة بالألغام، 25% مناطق مصنفة على انها محميات طبيعية و 2.3% مناطق تحتلها المستوطنات الإسرائيلية، و 2.8 % مناطق تحتلها القواعد العسكرية بالإضافة إلى 51.4% مناطق تم الإعلان عنها على أنها "مناطق عسكرية مغلقة".
المصادرة بذريعة المناطق المغلقة وأراضي الدولة وجهان لسياسة واحدة……الاستيطان
إن سياسة الاحتلال الإسرائيلي لمصادرة وإغلاق الأراضي الفلسطينية بذريعة انها أراضي عسكرية مغلقة أو ما يسمى بأراضي الدولة" ما هي إلا حلقة من مسلسل الاستيطان والتهويد الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة بهدف ضم أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية المحتلة وترسيم حدودها وواقعها الجغرافي على مقاس المشروع ألتهويدي والتوسعي لدولة الاحتلال. فسياسة مصادرة أراضي الفلسطينيين بحجة انها أراضي دولة تعتبر أحد البدع التي اختلقتها سلطت الاحتلال الاسرئايلي لتمكنها من ابتلاع مساحات شاسعة من أراضي الفلسطينيين دفعة واحدة بدون عناء وجهد.
حيث أن تقسيم ما تسميه إسرائيل بأراضي الدولة على النحو التالي : 634,920 دونم (11.2% من مساحة الضفة الغربية) مُسجلة كأراضي دولة وتعتبر إسرائيل نفسها مالكة هذه الأراضي بصفتها الوريثة للحكم الأردني الذي انتهى بالاحتلال العسكري الإسرائيلي عام 1967 وذلك طبعًا وفق التفسير الإسرائيلي للقانون. أما الجزء الثاني من هذه الأراضي فهي 843,922 دونمًا (14.9% من مساحة الضفة الغربية) وهي أراضي أعلنت إسرائيل بأنها أراضي دولة بعد العام 1979 أما الجزء الثالث والأخير من هذه الأراضي فتبلغ مساحته 666,327 دونمًا (11.7% من مساحة الضفة الغربية) فهي أراضي دولة تم إعداد مخططات تسجيل لها بعد مسحها وجاري العمل على إجراءات تسجيلها وفق للقوانين الإسرائيلية ، وبذلك يبلغ مجموع أراضي الدولة 2,145169 دونمًا أي ما يساوي 37.8% من إجمالي مساحة الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية.
ومن الجدير ذكره بأن 248,904 دونمًا أي ما يعادل 5% من ما تصنفه إسرائيل كأراضي دولة يقع في مناطق السلطة الفلسطينية "أ" و "ب" ومعظمها في محافظة الخليل أما النسبة المتبقية فتقع في المناطق "ج" الخاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية وفقا لاتفاقية أوسلو.
وعليه فإن إجمالي ما تسيطر عليه دولة الاحتلال الإسرائيلي من مناطق عسكرية مغلقة وإطلاق نار وأخرى أراضي دولة تقارب ما نسبته 50% من إجمالي مساحة الضفة الغربية البالغة 5661 كلم 2
ليس من قبيل الصدفة…….
ليس من قبيل الصدفة أن تقوم إسرائيل بتصنيف 166,538 دونما من الأراضي الواقعة جنوبي منطقة العزل الشرقية كأراضي محمية طبيعية يحظر على الفلسطينيين التواجد فيها أو الوصول إليها. وهي تقع غربي الأراضي المصادرة موضوع التقرير.
وليس صدفة بأن تسهل سلطات الاحتلال الإسرائيلي تمرير ما مساحته 139,000 دونم من الأراضي الفلسطينية قبالة شواطىء البحر الميت الشمالية والغربية عام 2009 لصالح مستوطنة "معاليه أدوميم" وهي بالمناسبة تقع شرقي أمر المصادرة موضوع التقرير.
وأيضا ليس من قبيل الصدفة أن تقوم الإدارة المدنية الإسرائيلية في شهر كانون الأول من العام الماضي وقبل أقل من ثلاثة أشهر بتحويل ما يزيد عن 35,000 دونم من الأراضي المصنفة انها مناطق عسكرية مغلقة/مناطق إطلاق نار لصالح توسيع 4 مستوطنات غير شرعية جاثمة على أراضي الفلسطينيين في محافظة سلفيت وهي : بيت أرييه- بيدوئيل- إيلي زهاف و عوفرا. وهي بالمناسبة أيضا تقع في المقطع الشمالي من منطقة العزل الشرقية
فليس من قبيل الصدفة أن تقرر دولة الاحتلال في العام 2012 إقامة جدار فاصل على الحدود مع الأردن الأول وعلى امتداد الحدود الشرقية البالغة 240 كلم وبتكلفة تصل إلى 360 مليون دولار أمريكي بحجة تأمين الحدود! وعن أية حدود يتحدثون وهل يقصدون بإقامة الجدار على اعتبار إن حدود دولة إسرائيل من البحر المتوسط إلى نهر الأردن، بما يعنيه من تجاهل ضمني لإمكانية وجود دولة فلسطينية مستقبلية حدودها الشرقية ومنفذها مع العالم هي الحدود مع الأردن،؟وهل يمكن أن تكون إقامة الجدار مع الأردن وإستنادا إلى تصريحات لقادة اليمين الإسرائيلي المتطرف والذين أعلنوا مرارًا عن فكرة تهجير الفلسطينيين إلى الأردن، مقدمة لما هو أسوأ ويدور في مخيلة قادة وساسة دولة الاحتلال المتطرفين من تجسيد لفكرة الوطن البديل للفلسطينيين انطلاقا من إيمانهم وأيديولوجيتهم التي تعتبر الوجود الفلسطيني تهديدًا رئيسيا للوجود اليهودي في الأرض المحتلة مستندين في ذلك إلى معتقداتهم الدينية و التاريخية.؟؟؟
وليس من قبيل الصدفة أن تقرر الحكومة الإسرائيلية إقامة شارع استيطاني في أيلول من العام 2013 يربط بين التجمع الاستيطاني "جوش عتصيون" والواقع غربي محافظة بيت لحم وبين منطقة البحر الميت مرورا بصحراء بيت لحم وهو يقطع بالمناسبة الجزء الجنوبي من أمر المصادرة موضوع التقرير
ليس من قبيل الصدفة أن يعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي وعدد من قادة حكومته في مناسبات عدة عدم تخليهم عن سيطرتهم على منطقة الأغوار ورغبتهم في إبقاء السيطرة العسكرية الإسرائيلي عليها ضمن أي اتفاق سلام مستقبلي مع الفلسطينيين
ليس من قبيل الصدفة ونحن في العام 2015 وقد مضى 48 عاما من الاحتلال الإسرائيلي لأرضنا الفلسطينية بأن تكون إسرائيل قد خططت ورسمت ونفذت أحد أبرز مخططاتها الإستراتيجية في طريق تحقيق حلم الدولة اليهودية من النهر إلى البحر وهو إسقاط منطقة الأغوار والحزام الشرقي للدولة الفلسطينية المستقبلية…..
اعداد: معهد الابحاث التطبيقية – القدس
(أريج)