في فجر يوم الثاني والعشرين من شهر تموز من العام 2019 ، اقتحمت العشرات من الجرافات الإسرائيلية ترافقها مئات من شرطة الحدود الإسرائيلية وموظفو البلدية الإسرائيلية منطقة وادي الحمص جنوب صور باهر جنوب شرق القدس المحتلة لتنفيذ أوامر هدم لـ 16 مبناً فلسطينيا, ما يقارب 100 شقة سكينة تستوعب حوالي 500 فلسطينيا. وتقع المباني المستهدفة داخل المناطق المصنفة “أ” (9 مبانِ) والمناطق المصنفة “ب” (7 مبانِ) والتي تمنح الفلسطينيين بموجب اتفاقيات أوسلو الموقعة في العام 1995 حقوقًا كاملة في البناء في هذه المناطق والسكن فيها دون أي تدخل من الجانب الإسرائيلي.
الصور 1-4: قوات الاحتلال الاسرائيلي وحرس الحدود لحماية عمليات الهدم الاسرائيلية في منطقة وادي الحمص في بلدة صور باهر
وشرعت فرقة الهدم التابعة لجيش الاحتلال الاسرائيلي في التحضير لهدم ثمانية مباني من أصل 16 مبنا مستهدفا للهدم في المنطقة؛ وحتى هذه اللحظة، نفذت الجرافات الاسرائيلية خمس عمليات هدم بما في ذلك مبنيين سكنيين ومخازن وبنية تحتية (قاعدة) لبناية سكنية جديدة كانت من المخطط ان يتم بناءها في المنطقة هذا بالاضافة الى عملية هدم واحدة باستخدام المتفجرات.
الخارطة رقم 1: المباني الفلسطينية التي هدمتها جرافات الاحتلال الاسرائيلي في منطقة وادي الحمص في بلدة صور باهر جنوب القدس المحتلة
والجدير بالذكر أن محكمة العدل العليا الإسرائيلية أكدت في قرار سابق لها (في الثاني والعشرين من شهر حزيران من العام 2019 الماضي ) بهدم المباني الفلسطينية المستهدفة ورفضت التماسًا تقدم به السكان الفلسطينيون (أصحاب الممتلكات المستهدفة بالهدم) يطلبون فيه إلغاء أمر الهدم الاسرائيلي الصادر بحق ممتلكاتهم. ورفض الفلسطينيون الذريعة الإسرائيلية للمخاوف الأمنية (وقوع المباني الفلسطينية المستهدفة داخل المنطقة الامنية التابعة لجدار الفصل العنصري الاسرائيلي الذي تم بناءه بطريقة غير قانونية ومنافية للقانون الدولي)؛ معربين عن قلقهم ازاء المخططات الاسرائيلية الرامية الى إخراج الفلسطينيين المقدسيين من مدينة القدس المحتلة والتي تأتي في اطار أجندة سياسية تهدف إلى تقليص الوجود الفلسطيني في مدينة القدس المحتلة والتلاعب بالديموغرافيا في المدينة لصالح المستوطنات الاسرائيلية والسكان القاطنين فيها.
الصور 5-9: مشاهد من الدمار الذي خلفته جرافات الاحتلال الاسرائيلي في منطقة وادي الحمص في بلدة صور باهر في القدس المحتلة
ويكاد يكون من المستحيل أن يحصل الفلسطينيين على تصاريح بناء من بلدية القدس الإسرائيلية لاسباب عدة منها التكاليف الباهظة والاجراءات المعقدة التي تُفرض عليهم، الأمر الذي يُجبر العديد منهم على البناء بمفردهم دون الحصول على التراخيص اللازمة من بلدية القدس المحتلة من أجل مواكبة النمو السكاني، أو اللجوء الى الخيار الاخر الا وهو مغادرة المدينة المحتلة والسكن خارج حدود بلدية القدس التي تم رسمها بشكل غير قانوني واحادي الجانب عقب العام 1967, في منطقة يمكن البناء والسكن فيها بعيدا عن العراقيل التي تفرضها دولة الاحتلال الاسرائيلي عليهم (ممثلة ببلدية الاحتلال)، الامر الذي يعرض إقامتهم (الاقامة المقدسية – الهوية المقدسية) للخطر حيث تعتبر إسرائيل المقدسيين الفلسطينيين (حملة الهوية المقدسية) الذين يعيشون خارج حدود بلدية القدس الإسرائيلية سكان غير شرعيين ما لم يثبتوا اقامتهم في المدينة مثل الانتفاع من المرافق التعليمية والصحية ومراكز الخدمات الاسرائيلية في المدينة; وبالتالي تسعى جاهدة لتجريدهم من اقامتهم في المدينة. وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الداخلية الإسرائيلية ألغت حق الإقامة لأكثر من 14800 مقدسي فلسطيني منذ العام 2000 بذريعة “العيش خارج حدود بلدية القدس الإسرائيلية”.
وكالعادة، تجاهلت دولة الاحتلال الإسرائيلي وجيشها المحتل جميع التحذيرات التي أصدرتها الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، من بين أمور أخرى ، واستمرت في إضافة انتهاك إنساني آخر ضد الشعب الفلسطيني لأنها المسؤول بشكل مباشر ومقصود عن تهجير عشرات العائلات الفلسطينية من منازلهم وأراضيهم.
ولا يعتبر هدم المنازل الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة خارج اطار الانتهاكات اليومية التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته وأراضيه. ومع ذلك ، فإن المنازل التي تم هدمها تقع في المناطق المصنفة “أ” و “ب” الخاضعة للسيطرة الفلسطينية بحسب الاتفاقيات الموقعة، والتي تُبرز مجددًا الانتهاكات الإسرائيلية للاتفاقية الموقعة; وأكثر من ذلك، فانه من الواضح أن اسرائيل تمارس سياسة العقاب الجماعي ضد السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة بما فيها مدينة القدس المحتلة. في الوقت ذاته, فإن أكثر من 800 ألف مستوطن إسرائيلي يقطنون في 198 مستوطنة وبؤرة استيطانية اسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة يعتبرها المجتمع الدولي و الأمم المتحدة (عشرات القرارات الصادرة عن الامم المتحدة بهذا الشأن) غير شرعية وتنتهك القانون الدولي والتي ما زالت تتوسع بشكل غير قانوني في الاراضي الفلسطينية المحتلة لايواء المزيد من المستوطنين الاسرائيليين. وتبرز عمليات الهدم التي نفذتها دولة الاحتلال الاسرائيلي اليوم (22 تموز 2019) التساؤلات حول صحة الاتفاقيات الدولية والقوانين الإنسانية بما في ذلك:
المادة 17 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان في العاشر من شهر كانون الأول من العام 1948
( 1 ) كلِّ فرد حقٌّ في التملُّك، بمفرده أو بالاشتراك مع غيره.
( 2 ) لا يجوز تجريدُ أحدٍ من مُلكه تعسُّفًا.
المــادة 23 (الفقرة ج) من الاتفاقية الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية – لاهاي – 18 تشرين الأول 1907 … علاوة على المحظورات المنصوص عليها في اتفاقيات خاصة, يمنع بالخصوص:
- تدمير ممتلكات العدو أو حجزها, إلا إذا كانت ضرورات الحرب تقتضي حتماً هذا التدمير أو الحجز.
المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12آب 1949
- يحظر على دولة الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات، أو بالدولة أو السلطات العامة، أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية، إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتماً هذا التدمير.
العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المؤرخ في 16 كانون الأول 1966
تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية.
كما ويصادف هذا الشهر (تموز) ذكرى مرور خمسة عشر عاما على صدور الراي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في لاهاي[1] فيما يتعلق بعدم شرعية جدار الفصل العنصري الذي قامت اسرائيل ببنائه على امتداد الاراضي الفلسطينية المحتلة. وللاسف، فان هذا القرار قد تم تجاهله بالمطلق من جانب الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة بالرغم من الشجب الصريح والواضح للمحكمة الدولية لوجود الجدار ومطالبتها اسرائيل بازالته وتفكيكه نهائيا، بالاضافة الى تاكيد المحكمة على عدم شرعية الاجراءات والتدابير الاحتلالية الاسرائيلية في الاراضي المحتلة من هدم للمنازل ومصادرة للاراضي والتضييق على السكان الفلسطينيين والحد من تحركاتهم في الضفة الغربية والقدس الشرقية, حيث أوضحت المحكمة انه اذا اقتضت الضرورة لاسرائيل ببناء الجدار, فيمكن لها ان تقوم بإقامة الجدار على اراضيها وليس داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة. كما ذكرت المحكمة ايضا بانها لم تقتنع بان اقامة الجدار هي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها حماية سكان اسرائيل وان هنالك العديد من الطرق لتحقيق هذا الغرض بعيدا عن اقامة الجدار. وقد حددت المحكمة الالتزامات المترتبة على اسرائيل والتي يأتي على راسها اعادة الاراضي التي صادرتها من اصحابها الفلسطينيين لإقامة الجدار عليها واذا لم تستطع يجب ان تقوم بتعويضهم عن كافة الاضرار المترتبة على اقامة الجدار.
فيما يلي تلخيص لاهم الخمس نقاط الاساسية للرأيالاستشاري لمحكمة العدل الدولية
–> ان الجدار الذي قامت اسرائيل ببنائه في الاراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذالك داخل و حول مدينة القدس يتخالف مع القانون الدولي.
–> تقع على اسرائيل مسؤولية انهاء حالة خرق القانون الدولي (والمتمثلة هنا ببناء جدار الفصل) وازالة هذا الجدار وتفكيكه، بما في ذلك داخل و حول مدينة القدس المحتلة وذلك وفقا لنص الفقرة 151 من القرار.
–> تقع على عاتق اسرائيل مسؤولية جبر الضرر الناتج عن بناء جدار الفصل في الاراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك مدينة القدس.
–> على كل الدول الالتزام بعدم الاعتراف بشرعية وجود جدار الفصل الذي اقامته اسرائيل و كافة النتائج المترتبة على اقامته وعدم تقديم اي عون او دعم من شانه تعزيز وتثبيت وجود الجدار غير القانوني، و على كل الدول الاعضاء التي وقعت على اتفاقية جنيف عام 1949 الخاصة بحماية المدنيين في اوقات الحرب والتي تحترم ميثاق الامم المتحدة ان تحث اسرائيل على الانصياع لقرارات الامم المتحدة والمواثيق الدولية ذات الصلة.
–> على الامم المتحدة و تحديدا الامانة العامة و مجلس الامن الدولي ان تقوم بما يلزم و ما هو مطلوب لانهاء الوضع غير القانوني الذي اقامته اسرائيل في الاراضي الفلسطينية المحتلة.
[1] صدر الراي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية فيما يخص الجدار في التاسع من شهر تموز من العام 2004
اعداد: معهد الابحاث التطبيقية – القدس
(أريج)