لا يبشر العام 2019 بالإيجابيات للفلسطينيين حيث تواصل اسرائيل هجمتها الاستيطانية الشرسة التي تستهدف نهب الأراضي والممتلكات تحت ذرائع واهية مختلفة و بقرارات مسبقة ومدعومة من أعلى المستويات السياسية الاسرائيلية في دولة الاحتلال بهدف فرض سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين وسد الطريق أمام ايجاد حل نهائي وعادل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي واقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود العام 1967.
ففي الثامن والعشرين من شهر كانون الثاني من العام 2019, نشرت صحيفة الجلوبز الاسرائيلية عن نية الحكومة الاسرائيلية بناء مستوطنة اسرائيلية جديدة (مدينة جديدة كما تطلق عليه المصادر الاسرائيلية) لمنفعة المستوطنين اليهود المتدينين شمال الضفة الغربية المحتلة تلتهم مئات الدونمات من الاراضي الفلسطينية في محافظتي قلقيلية وسلفيت, الى الشرق من مسار جدار العزل العنصري الاسرائيلي. وعن تفاصيل المخطط ذكرت الصحيفة أنه في منتصف شهر حزيران من العام 2018 , أصدر وزير البناء والإسكان الإسرائيلي, يوآف جالانت, اثناء زيارة له للمنطقة المستهدفة, تعليماته لرئيس مجلس المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة, يوسي داجان, للبدء بتنفيذ مخطط “لبناء مدينة استيطانية جديدة” على اراضي فلسطينية تعود لعدد من القرى والبلدات الفلسطينية في محافظتي قلقيلية وسلفيت شمال الضفة الغربية المحتلة تحت مسمى “مدينة جديدة للمتدنيين اليهود – (أجيال النخبة)”.
الصورة رقم 1: نسخة عن المخطط كما نشرته صحيفة الجلوبز الاسرائيلية
واشارت الصحيفة, نقلا عن جالانت, بان بناء المدينة الاستيطانية الجديدة يأتي بهدف “تحقيق الرؤية الاسرائيلية” بخلق تجمع استيطاني جديد على الناحية الشرقية لتجمع جوش دان الاستيطاني الاسرائيلي.
وعقب ثلاثة أشهر من زيارة جالانت للموقع المستهدف، تم عقد اجتماع بين ممثلين عن وزارة البناء والإسكان الاسرائيلية، بما فيهم المُخطط الرئيسي المسؤول في الوزارة، فيريد سولومون، وممثل عن المجلس الإقليمي لمستوطنات شمال الضفة الغربية المحتلة, للبحث في حيثيات المخطط الاستيطاني الجديد. وتلخص الاجتماع بالشروحات التي قدمها يهودا الكالاي, المهندس المسؤول في مجلس المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة, عن النمو السريع للسكان المستوطنين في المنطقة والحاجة الملحة إلى اعداد مخطط هيكلي للمنطقة المستهدفة في سبيل استيعاب الزيادة السكانية للمستوطنين. ويدَعى الكالاي أن اسرائيل قامت, في ثمانينيات القرن الماضي, بشراء ما مساحته 200 دونما من الاراضي من أصحابها الفلسطينيين الى الجنوب الغربي من مستوطنة معاليه شمرون (شمال شرق قرية سنيريا), من قبل شركة تدعى YAH (Yakir) للاستثمارات, وقبل عامين فقط, قامت الشركة ببيع الاراضي لشركة أخرى تسمى GTL المحدودة ، والتي يملكها يهود غير مقيمين. ويتم تسويق قطع الاراضي في الموقع المستهدف من قبل شركة Afikim Rosenthaler.
وأشار الكالاي ايضا الى امكانية شراء 600 دونما إضافية من الاراضي الفلسطينية في المنطقة بجوار الموقع المستهدف حيث تم ادراجها في إطار المخطط الهيكلي الرئيسي للمدينة الاستيطانية الجديدة. ويشمل مخطط المدينة الاستيطانية (المستوطنة) الجديدة ايضا ايجاد حلقة وصل جغرافية بين الموقع المستهدف والمستوطنات الاسرائيلية المجاورة من خلال الطريق الالتفافي الاسرائيلي رقم 55 والطريق الالتفافي الاسرائيلي رقم 5 “. والجدير بالذكر أنه لا يوجد قرار حكومي رسمي بإنشاء “مدينة-مستوطنة جديدة” خلف الخط الأخضر (خط الهدنة للعام 1949), بحسب ما أشارت الصحيفة, وأنه لا علم لوزارة الداخلية الاسرائيلية أو الإدارة المدنية بالمخطط الاستيطاني الضخم.
كما وتجدر الاشارة ايضا الى أن مخطط المدينة الاستيطانية الجديد سوف يقطع التواصل الجغرافي على العديد من التجمعات الفلسطينية التي تحيط به (منها قرى سنيريا وبديا ومسحه وكفر ثلث وقراوة بني حسان وغيرها مجاورة) ويغلق الباب أمام توسعها عمرانيا أو استثمار الاراضي التابعة لها في المستقبل, في الوقت ذاته تستبيح اسرائيل لنفسها الاستيلاء على تلك المناطق بذريعة شرائها من أصحابها الفلسطينيين, مع العلم أن الاراضي المستهدفة لا زالت تخضع لتصنيف “ج”[1] بحسب اتفاقية أوسلو الثانية للعام 1995 والتي, بحسب الاتفاقية, بمعنى انها ما زالت تخضع للسيطرة الكاملة الإسرائيلية أمنياً و ادارياً, ويمنع البناء الفلسطيني فيها أو الاستفادة منها باي شكل من الاشكال الا بتصريح صادر عن الادارة المدنية الاسرائيلية.
الخريطة رقم 1: المخطط الاسرائيلي على أرض الواقع
وتقوم الشركة المسوقة للمشروع الاستيطاني حاليا (Afikim Rosenthaler), ومقرها في بلدة بني براك داخل الخط الأخضر والمتخصصة بمجال التسويق السكني لقطاع اليهود المتدينين, بتسويق الأراضي في المنطقة من خلال تقديم عروض على اسعار قطع الاراضي للمستوطنين في الضفة الغربية المحتلة وغيرهم من اليهود داخل الخط الاخضر. وأظهر تحليل الغطاء النباتي (أريج 2019) للاراضي التي سوف تقوم عليها المدينة الاستيطانية الجديدة هي أراضي صالحة للزراعة وتنوي اسرائيل تحويل استخدامها من زراعية الى أراضي صالحة للبناء في المستقبل, حيث تقوم شركة روزينتهالير بعرض قطع أراضي في الموقع المستهدف بمساحات مختلفة ومخصصة للبناء (بغض النظر عن نوع البناء -عمراني كان أو تجاري أو استثماري وغيره), موضحة بان “شراء الأراضي في الموقع المستهدف الآن أفضل وأرخص الحلول للوصول إلى شقة فائقة الجمال في المستوطنة الجديدة في المستقبل حيث يبلغ سعر قطعة الارض الان ربع قيمة سعر الأرض الحقيقي، بحيث سوف يتمتع المُشتري في غضون بضع سنوات بمئة بالمائة من قيمة سعر الأرض.” وتتراوح اسعار الاراضي بحسب ما تعرضه الشركة بدءاً من 92,000 شيكل (قطعة أرض مساحتها 100 متر مربع) وتصل الى أكثر من 1,000,000 شيكل لقطع أراضي تبلغ مساحتها دونما. وتتحدث الشركة القائمة على عملية التسويق ايضا عن فترة زمنية مدتها خمس سنوات يتم فيها مسح الأرض بالكامل وثلاث سنوات أخرى للبدأ ببناء المدينة الاستيطانية الجديدة. ويشمل مخطط المستوطنة الجديدة بناء 2000 وحدة استيطانية جديدة في الموقع المستهدف في حين يجري العمل على “شراء وتسجيل” 600 دونما اضافية في المنطقة (بحسب ما تدعي الشركة) بحيث سوف يتم البناء بالمجمل على ما مساحته 800 دونما من الاراضي الفلسطينية في المنطقة ورفع عدد الوحدات الاستيطانية المنوي بنائها في المنطقة الى 8000 وحدة استيطانية جديدة.
[1] تجدر الاشارة الى أن المناطق المصنفة “ج”, كان يتوجب نقلها لتصبح تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة لولا المماطلات الاسرائيلية والتعمد في عدم تنفيذ الاتفاقيات الموقعة مع الفلسطينيين التي أبقت على المناطق المصنفة “ج” تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة حتى يومنا هذا. ومع تصاعد الهجمة الاستيطانية الشرسة والزيادة غير طبيعية للتوسع الاستيطاني قامت إسرائيل بالاستيلاء على ألاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية ذات الملكية الخاصة وذلك من خلال تطبيق العديد من الإجراءات ومن ثم تحوليها لصالح المستوطنات الإسرائيلية لأهداف أعمال البنية التحتية والتوسع وبناء البؤر الاستيطانية الجديدة.
اعداد: معهد الابحاث التطبيقية – القدس
(أريج)