‘ ان جيش الدفاع الاسرائيلي يجب ان لا يتدخل في تحديد مسار الجدار الفاصل , بل يجب ترك الامر للقيادة السياسية لدولة اسرائيل’. (جابي اشكنازي رئيس اركان جيش الاحتلال الاسرائيلي 27-07-2007).
ان هذا التصريح الصادر عن الجنرال الاسرائيلي قد اتي بعد ان تاكد هذا الجنرال بان مسار الجدار الفاصل – مقطع جيوس- لم يتم تحديده بناء على الدواعي الامنية كما يدعي بل لبناء تجمعات و احياء استيطانية غير شرعية جديدة في شمالي الضفة الغربية المحتلة .
ان هذه التصريحات الاسرائيلية لم تكن مفاجئة في مضمونها بل المفاجاة تكمن في موقف رئيس الاركان الاسرائيلي الذي قد نسي او بالاحرى تناسى بان المسؤول عن رسم و تحديد مسار الجدار هو جنرال اسرائيلي يعمل تحت امرة رئيس الاركان ووزير الدفاع الاسرائيلي نفسه. و في نفس الوقت يتضح بان الجدار الفاصل لم ياتي لحماية امن دولة الاحتلال الاسرائيلي بل ليصادر و يبتلع اكبر قدر ممكن من اراضي المواطنين الفلسطينيين لاقامة المشاريع الاستيطانية و الاحتلالية الاسرائيلية عليها , بالاضافة الى رسم حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية بطريقة احادية الجانب و من منطلق فرض سياسة الامر الواقع.
عندما بدات اسرائيل بناء الجدار الفاصل في الضفة الغربية المحتلة في حزيران من العام 2002 , كان طول الجدار انذاك 645 كيلومترا , مع ذلك فقد خضع هذا المسار الى تعديلات اخرى تتماشى و المصالح السياسية و الاستيطانية الاسرائيلية .
وفقا لذلك وفي شهر اب من العام الحالي قامت محكمة العدل العليا الاسرائيلية باصدار امرا يقضي بتعديل مسار جدار الفصل العنصري في منطقة مستوطنة ‘معالي ادوميم’ , و التالي هي اهم التعديلات التي قامت بها دولة الاحتلال على مسار الجدار في الضفة الغربية:-
مقطع جيوس – فلامية :
بعد معركة قضائية شرسة استمرت لخمس سنوات متتالية قادها المواطنين الفلسطينيين مع السلطات الاسرائيلية المعنية , فقد خضعت الحكومة الاسرائيلية مرغمة بقرار من المحكمة الاسرائيلية بتعديل مقطع الجدار في قريتي جيوس و فلامية و الذي اقيم على اراضي المواطنين الفلسطينية الخاصة حيث اقترب المسار الجديد الذي فرضته المحكمة اكثر من الخط الاخضر خلافا لما كان علية المسار القديم الذي رسم بعيدا عن الخط الاخضر ليضم المزيد من اراضي المواطنين الفلسطينيين ليستوعب عملية توسيع مستوطنة ‘ تسوفيم’ غير الشرعية و التي قامت اسرائيل ببنائها اصلا على اراضي مواطني القريتين.
ان المسار القديم لمقطع الجدار جيوس- فلامية , قد تم بناؤه في العام 2003 و يمتد مسافة 4.2 كيلومترا في عمق اراضي القريتين , ولكن بعد القضية التي رفعها المواطنون الفلسطينيون امام المحكمة العليا الاسرائيلية , و التي قلما ما تخرج عن ارادة المؤسسة العسكرية الاسرائيلية, فقد اصدرت حكمها في شهر تموز من العام الماضي (2007) بتفكيك المسار القديم للجدار وبناء مسار جديد يمتد طوله ليصل 4.9 كيلومترا .
هذا فان القرار الذي اصدرته المحكمة العليا الاسرائيلية قد جاء متماشيا مع اقتراحات قدمها الجنرال المتقاعد في جيش الاحتلال الاسرائيلي ‘شاوول ارئيلي’ والذي قام باعداد كتاب بالتعاون مع المحامي ميشيل سفرد حول موضوع الجدار الفاصل في الاراضي الفلسطينية حي اطلق على كتابه اسم ‘ جدار الحماقة’!!!!
والجدير بالذكر بان المسار القديم للجدار في قريتي جيوس و فلامية سيتؤدي الى مصادرة 20,028 دونما من اراضي القريتين , بينما المسار الجديد سيصادر 16,400 دونما حيث استعادت القريتين 11,628 دونما من اراضيها التي صودرت جميعها بطريقة غير شرعية لاقامة جدار غير شرعي حيث سيتعين على سكان جيوس و فلامية ان يجتازوا بوابات اسرائيلية خاصة تقيمها سلطات الاحتلال الاسرائيلي على طول مسار الجدار وذلك للوصول الى اراضيهم التي عزلها الجدار وراءه وذلك بعد الحصول على تصاريح خاصة من ما يغرف ب ‘ الادارة المدنية الاسرائيلية’ و التي قلما تصدر هذه التصاريح , و ان قامت باصدارها فتكون لمرات معدودة خلال العام الواحد. انظر الى الخريطة (1) ادناه:
مقطع معالي ادوميم :
في شهر اب من العام الحالي , واستجابة لقرار من المحكمة العليا الاسرائيلية , قام مكتب الادعاء العام الاسرائيلي بالاعلان عن تعديل على مسار الجدار الفاصل في شرقي مستوطنة معالي ادوميم الواقعة الى الشرق من مدينة القدس المحتلة الامر الذي يترتب عليه اعادة 4000 دونما من اراضي الفلسطينيين التي ابتلعها المسار الاول و الاصلي للجدار وذلك لاقامة حي اسيطاني جديد لاستيعاب 84 عائلة يهودية جديدة في مستوطنة كيدار المحاذية لمستوطنة معالي ادوميم. ايضا فقد اعلن مكتب الادعاء العام الاسرائيلي بان قرار تعديل مسار الجدار في في منطقة مستوطنة معالي ادوميم جاء نتيجة للدعوة القضائية التي رفعها المواطنين الفلسطينيين من قرية السواحرة الشرقية حيث اصدرت المحكمة الاسرائيلية قرارها بعد ثلاث سنوات و الذي يقضي بتعديل مقطع الجدار في منطقة معالي ادوميم. انظر الى الخريطة (2) ادناه:
مقطع بلعين :
في الرابع من ايلول العام الماضي (2007) , اصدرت المحكمة العليا الاسرائيلية قرارا يقضي باعادة رسم مسار الجدار في قرية بلعين الفلسطينية و الواقعة شمالي غرب محافظة رام الله , وذلك بازاحة مسار الجدار 500 مترا خارج المنطقة العمرانية لقرية نعلين ليقترب الجدار من الخط الاخضر . هذا و قد صدر هذا الامر الاسرائيلي ثمرة لسلسلة الالتماسات و الدعاوي التي قدمها سكان قرية نعلين الى المحاكم الاسرائيلية لتعديل مسار الجدار الذي الحق اضرارا بالغة بحياة ووجود المواطنين في قرية بلعين.
وبعد مرور سنة كاملة من صدور امر المحكمة الاسرائيلية و الذي يقضي ايضا بضرورة تفكيك و ازالة ما تم بناؤه من الجدار في القرية , الا ان الاحتلال الاسرائيلي لم يحرك ساكنا و لم يقم باي خطوة لازالة او اعادة رسم مسار الجدار في القرية كما نص عليه قرار المحكمة الاسرائييلية حيث تجري العادة في مثل تلك الحالالت بان يقوم جيش الاحتلال الاسرائيلي بتسليم المجلس القروي مخططا للمسار الجديد الذي من المفترض ان يسير عليه.
هذا و في شهر اب من هذا العام قام رئيس المحكمة العليا الاسرائيلية و اثنين من القضاة اعضاء المحكمة بتوجيه انتقادات لاذعة الى المؤسسة العسكرية الاسرائيلية لعدم توصلها الى مسار جديد للجدار الفاصل في قرية بلعين و لذي كان من المفترض ان يسلمه جيش الاحتلال الى مجلس القرية في غضون 45 يوما من تاريخ صدور الامر المذكور , حيث سلمت سلطات الاحتلال الجانب الفلسطينية الخارطة الجديدة لمسار الجدار فقط في شهر تموز من هذا العام اي بعد مرور حوالي عام ونصف من صدور قرار المحكمة العليا الاسرائيلية.
ومع ذلك فان السيد ‘مشيل سفارد’ المحامي عن اهالي قرية بلعين اعلن انه و بالرغم من تسليم اسرائيل لمسار الجدار الجديد الا انه لا يتماشى مع ما اصدرته المحكمة الاسرائيلية حيث لم يقم جيش الاحتلال السرائيلي بالاخذ بعين الاعتبار القرارات و الانتقادات الصادرة عن المحكمة الاسرائيلية .
هذا وفي الرابع و العشرين من شهر نيسان من هذا العام نشرت صحيفة ‘هاارتس ‘ الاسرائيلية اليومية تصريحا اطلقه المتحدث باسم وزارة الدفاع الاسرائيلية المدعو ‘شلومو دورور’ و الذي فيه يبرر التاخير الاسرائيلي في الانصياع الى قرارا المحكمة الاسرائيلية وذلك بحجة عدم توفر واقرار الميزانيات المطلوبة لعملية التعديل الامر الذي يثير استهجانا شديدا حيث شهدت هذه الفترة ارتفاعا شديدا في عدد الوحدات السكنية التي ستقوم اسرائيل ببنائها داخل المستوطنات الاسرائيلية الامر الذي يتناقض مع تصريحات المسؤول الاسرائيلي حيث اعلنت ايضا السلطات السرائيلية عن تخصيص مبلغ 250 مليون شيكيل اسرائيلي لعملية تغيير مسار الجدار الفاصل في الضفة الغربية 70 مليون شيكل منها تم تخصيصها لعميات التعديل المقترحة على المسار القديم للجدار.
بغض النظر عن توافر الميزانيات المطلوبة من عدمها , فان سلطات الاحتلال الاسرائيلية لا تزال تماطل و تراوغ في تنفيذ تعديل مسار جدار الفصل العنصري المذكورة سابقا , حيث تسعى اسرائيل الى ابقاء الاراضي الفلسطينية محتلة و تحت قبضتها , وليس كما تدعي بانها تقوم بارجاع بعض من الاراضي الى اصحابها الفلسطينيين , فيجب ان لا تنسى دولة الاحتلال بانه حتى لو استقر مسار الجدار الجديد على حدود العام 1967 فانها اراضي فلسطينية خاصة قامت اسرائيل بالاستيلاء عليها بالقوة العسكرية وبشكل غير شرعي حيث ان الوجود الاسرائلي في هذه الاراضي غير قانوني على الاطلاق.
ان دولة الاحتلال الاسرائيلي ماضية في سياسة التلاعب على ارض الواقع , جغرافيا و ديمغرافيا بطريقة احادية وعنصرية , لتنهب المزيد من اراضي الفلسطينيين و توسيع مستوطناتها غير الشرعية و تقطيع اوصال التجمعات الفلسطينية و شق الطرق الالتفافية وذلك لصالح فرض الحلول الي ترتئيها اسرائيل للقضية الفلسطينية بما يتماشى مع مصالحها الخاصة متناسية حقوق الفلسطينيين في العيش على اراضيهم بحرية وكرامة.
هذا و ان الكانتونات التي اقامتها اسرائيل بسبب اقامتها جدا الفصل العنصري و المعابر الاحتلالية قد فرضت على الفلسطينيين واقعا جديدا و مؤلماً حتم عليهم عدم القدرة على الوصول الى اراضيهم المعزولة وراء الجدار الفاصل وعزز بشكل غير مسبوق وجود المستوطنات الاسرائيلية غير الشرعي في منطقة العزل الغربية و التي تقع في عمق الضفة الغربية حيث ان 90% من العطاءات و المخططات التي علنت عنها اسرائيل لبناء و توسيع المستوطنت القائمة , تتركز في منطقة العزل الغربية وفي القدس الشرقية المحتلة.
في النهاية وعلى الارض, فان 13% من المساحة الاجمالية للضفة الغربية المحتلة قد تمت مصادرتها و عزلها وتخصيصها كمناطق عازلة بعيد بناء الجدار اعنصري خلافا لما يصرح به الساسة و العسكريين الاسرائيليين بان الجدار الفاصل ياتي لمصلحة الدولة الفلسطينية المستقبلية !!.
ان السياسات التي تنتهجها اسرائيل و التي تترجمها الى انتهاكات على ارض الواقع تتعارض تماما مع كافة قواعد القانون الدولي و الانساني ومع المعاهدات و المواثيق الدولية . وفقا للاتفاقية الدولية الخاصة بالقمع و العقوبا الجماعية و الجرائم العنصرية و الموقعة في العام 1973 فانه عندما تقوم اي دولة بالتمييز بين طرف على حساب الاخر في الحقوق و المعاملة وبطريقة عنصرية فان ذلك يعتبر جريمة ضد الانسانية. علاوة على ذلك فان الانتهاكات التي تمارسها اسرائيل في الا راضي الفلسطينية المحتلة تعتبر خرقا واضحا و صريحا للاتفاقيات و المعاهدات الدولية والتي ياتي على راسها اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949 و اتفاقية لاهاي للعام 1907 وذلك على النحوالتالي :
الفقرة 23 من اتفاقية لاهاي للعام 1907 ‘ تحظر على اي قوة احتلال تدمير او مصادرة املاك العدو باستثناء الحالات التي تقضي بها الضرورة العسكرية’.
الفقرة 49 من اتفاقية جنيف الرابعى للعام 1949 ‘ تحظر على القوة المحتلة بان تقوم بنقل سكانها او جزء منهم الى الاراضي التي احتلتها’
كذلك الفقرة 147 من اتفاقية جنيف ‘تحظر على القوة المحتلة تدمير او مصادرة الممتلكات التي تخص العدو الا في حالة الضرورة العسكرية الملحة’
وخلافا لما ورد في هذه الاتفاقيات ووفقا لما تنص عليها هذه المعاهدات فان اي خرق لاي بند من بنود هذه المعاهدات يعتبر خرقا صريحا لبنودها و يعتبر انتهاكا خطيرا يرتقي لمستوى ‘جريمة الحرب’.