في دعوة اسرائيلية اخرى لاحتلال قمم الجبال في الضفة الغربية المحتلة, دعا وزير الاحتلال الإسرائيلي الاسبق, اوري اريئيل (وزير الزراعة حاليا في الحكومة الاسرائيلية الجديدة), في الثالث عشر من شهر نيسان من العام 2015, وخلال زيارة له الى منطقة جبل عيبال في قلب محافظة نابلس, الى تمكين المستوطنين من ممارسة حقوقهم الدينية في المنطقة وذلك في محاولة جديدة للاستيلاء على المزيد من الاراضي الفلسطينية. وخلال الزيارة, أكد وزير الاحتلال الاسرائيلي على أنه سوف يبحث مع قيادة الجيش الاسرائيلي بالسماح للمستوطنين للوصول الى المنطقة بدعوى أن الجبل هو "مكان مقدس لليهود" وان لهم الحق بممارسة شعائرهم الدينية فيه.
وجدير بالتنويه أن منطقة جبل عيبال تعتبر من أعلى النقاط في الضفة الغربية المحتلة وهو موقع استراتيجي ومطل على مناطق تل ابيب ونتانيا وجبال الأردن ولبنان. وعقب الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية في العام 1967, نفذ جيش الاحتلال الاسرائيلي أولى مخططاته الاستيطانية الهادفة الى تهويد منطقة جبل عيبال وذلك من خلال انشاء قاعدة عسكرية اسرائيلية في المنطقة والتي اخذت بالتوسع مع مرور السنين لتفرض سيطرتها وتمنع التواصل الجغرافي الفلسطيني في المنطقة. في ذات الوقت,
وبحسب اتفاقية أوسلو الثانية التي تم توقيعها بتاريخ الثامن والعشرين من شهر أيلول من العام 1995, وتقسيم الضفة الغربية إلى مناطق "أ"[1] و "ب"[2] و "ج"[3], تم تصنيف منطقة جبل عيبال بمنطقة "ج" التي تخضع للسيطرة الاسرائيلية الكاملة, أمنيا و اداريا. ويتوسط جبل عيبال عددا من التجمعات الفلسطينية, عصيرة الشمالية من الشمال, مدينة نابلس ومخيم عين بيت المية من الجهة الجنوبية والشرقية ومخيمي بلاطة وعسكر من الجهة الجنوبية الغربية وقرية عزموط من الشرق.
ولطالما عملت اسرائيل جاهدة الى تنفيذ مخططاتها الاستيطانية بشكل منفرد بعيدا عن المسار السياسي والمفاوضات في الضفة الغربية المحتلة حيث أنها اعتبرت أن ما تقوم به من تنازلات في الاراضي الفلسطينية المحتلة هو بمثابة تنازل عن حقوقها الشرعية في فلسطين التاريخية, لذلك انتهجت إسرائيل بالفعل خطوات أحادية الجانب منذ بدء العملية السلمية مع الفلسطينيين في العام 1993 حيث عمدت إلى إحداث تغييرات جغرافية على ارض الواقع وفرض حدود سياسية جديدة في الارض الفلسطينية خلافا لما تم الاتفاق عليه وذلك بأن "لا يقوم أي من الطرفيين الإسرائيلي والفلسطيني باتخاذ أية خطوات من شأنها إحداث أي تغيير عن قضايا الحل الدائم ( القدس، المستوطنات، الحدود، المياه ، اللاجئين).
وعندما أعلنت اسرائيل عن البدء ببناء جدار العزل العنصري الاسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة في شهر حزيران من العام 2002, فان مخطط جدار العزل العنصري لم يشمل المواقع الاستيطانية[4] الاسرائيلية في محافظة نابلس, الا ان السلطات الاسرائيلية ارتأت من خلال السيطرة على المناطق التي تقوم عليها هذه المواقع بما فيها من مستوطنات وبؤر وقواعد عسكرية ومنع الفلسطينيين من استغلالها وايضا منع الفلسطينيين من استخدام الطرق الالتفافية التي تصل هذه المواقع بعضها ببعض الى خلق تواصل جغرافي بين هذه المواقع الاستيطانية وبين المواقع الاستيطانية الاخرى في الضفة الغربية المحتلة, وهذا بالفعل ما تقوم اسرائيل بتنفيذه في المنطقة.
والجدير بالذكر ايضا أن منطقة جبل عيبال لا تدخل ضمن ما تصنفه أو ما تسعى اسرائيل الى تطبيقه على أرض الواقع بمنطقة "الممرات الاسرائيلية" والتي من خلالها تقوم اسرائيل بعملية ربط جغرافي بين منطقتي العزل الغربية[5] والعزل الشرقية[6] في الضفة الغربية, حيث انها تسعى الى خلق تجمعات استيطانية اخرى خارج نطاق هاتين المنطقتين لتزيد من المساحة التي تسيطر عليها في الضفة الغربية المحتلة وايضا من عدد المستوطنات والبؤر التي سوف تضمها لحدودها الغير قانونية حال الانتهاء من مخططاتها الاستيطانية في المنطقة. في ذات الوقت, تعمل اسرائيل على تعطيل جميع الجهود الدولية الرامية للتوصل الى اتفاق سلام وذلك من خلال سياسة "اللاحل والمماطلة" التي تنتهجها خلال السنوات الماضية لكسب الوقت وتعزيز الاستيطان في المنطقة.
السلطات الاسرائيلية تربط منطقة جبل عيبال بالمستوطنات الاسرائيلية في الغرب
في الحادي عشر من شهر ايلول من العام 2012، سلمت سلطات الاحتلال الاسرائيلي أهالي قريتي زواتا واجنسينيا شمال مدينة نابلس امرا عسكريا يحمل رقم ت/11/95 ويقضي بمصادرة 92.3 دونما من اراضي القريتين لاجل "اغراض امنية", لبناء طريق عسكري لمنع الهجمات الارهابية" على حد ما ذُكر في الامر العسكري. الصورة رقم 1 & الصورة رقم 2
الصورة رقم 1 & الصورة رقم 2: الامر العسكري الاسرائيلي رقم ت/11/95
وفي تحليل اجراه معهد الابحاث التطبيقية-القدس (أريج) للامر العسكري، تبين بأن بناء الطريق العسكري الذي يبلغ طوله تسعة كيلومترات يأتي بشكل اساسي من اجل ربط القاعد العسكرية الاسرائيلية في منطقة جبل عيبال في محافظة نابلس بمستوطنة "شافي شمرون" الاسرائيلية الجاثمة بشكل غير قانوني على أراضي القريتين وبالتالي بالمستوطنات الاسرائيلية الاخرى. الخارطة رقم (1)
خريطة رقم (1): الامر العسكري الاسرائيلي رقم ت/11/95 لبناء الطريق العسكري
تجدر الاشارة الى ان اسرائيل سوف تستفيد من الشارع الالتفافي الجديد كون المنطقة التي تحيط بالشارع على الجانبين, هي منطقة مفتوحة, يُمنع الفلسطينيين من استغلالها, الامر الذي يفتح المجال أمام الاسرائيليين باستغلال هذه المنطقة في المستقبل للأغراض الاستيطانية.
في الختام
منذ ان احتلت اسرائيل الاراضي الفلسطينية في العام 1967 ، ترفض الامتثال للقانون والاتفاقيات الدولية و قرارات مجلس الامن التابعة للأمم المتحدة، فيما يتعلق بالبناء والتوسع في المستوطنات الاسرائيلية الغير شرعية، ومصادرة الاراضي الخاصة بالفلسطينيين، وهدم منازل ومنشئات الفلسطينيين، على الرغم من ان وجودها يعتبر غير شرعي ويعد انتهاكا خطيرا للقانون الدولي. بالإضافة الى ذلك، تستمر اسرائيل وبشكل متعمد ببناء وتوسيع المستوطنات والبؤر الاستيطانية وبناء الوحدات الاستيطانية الجديدة، في محاولة لفرض الوقائع على الارض، و اضعاف اي فرصة مستقبلية لإقامة دولة فلسطين على اساس حل الدولتين.
وبناءا على القانون الدولي والاتفاقيات الموقعة بين الفلسطينيين والاسرائيليين، فأنه يحظر على اسرائيل مصادرة و نهب الاراضي الخاصة بالفلسطينيين أو اخذ اي خطوة يمكن ان تغير من الوضع القائم على الارض، والذي يؤدي الى إضعاف اي فرصة مستقبلية لإقامة عملية سلام دائمة وعادلة في المنطقة.
وتنص اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 ، المادة رقم (49): "يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أياً كانت دواعيه. المادة (53) : يحظر على دولة الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات، أو بالدولة أو السلطات العامة، أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية، إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتماً هذا التدمير."
- اتفاقية لاهاي للعام 1907 المادة رقم 23 تنص على انه "يحظر تدمير او مصادرة اراضي محتلة، ما لم تقتضيه حاجة عسكرية ضرورية ."
- اتفاقية اوسلو الثانية للعام 1995، مادة رقم 31 تنص على "انه لا يجوز لاي طرف اخذ اي خطوة من شأنها ان تغيير الواقع على الارض في الضفة الغربية وقطاع غزة."
- قرار مجلس الامن رقم 242 (1967) ينص على "انسحاب قوات الجيش الاسرائيلي من الاراضي المحتلة في حرب عام1967 والتي تتضمن الضفة الغربية وقطاع عزة. "
- قرار مجلس الامن رقم 452 (1979) والذي يدعو الحكومة والشعب الإسرائيلي بالسرعة الممكنة لوقف عمليات إقامة وبناء وتخطيط المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة منذ 1967 بما في ذلك القدس.
- قرار مجلس الامن رقم 465 (1980) ، طالب إسرائيل بوقف الاستيطان والامتناع عن بناء مستوطنات جديدة وتفكيك تلك المقامة وطالب أيضاً الدول الأعضاء بعدم مساعدة إسرائيل في بناء المستوطنات
[1] منطقة أ، حيث تتمتع السلطة الفلسطينية بكامل السيطرة الامنية و الادارية حيث تتكون منطقة أ من الأجزاء الرئيسية للمدن الكبيرة في الضفة الغربية.
[2] منطقة ب وتشكل معظم المناطق الفلسطينية المأهولة من البلديات والقرى وبعض المخيمات. و تسيطر السلطة الوطنية الفلسطينية على كامل الشؤون المدنية أما إسرائيل فتسيطر على الشؤون الأمنية.
[3] اما منطقة ج وهي تغطي باقي المساحة خارج منطقتي أ و ب ولإسرائيل كامل السيطرة على هذه المنطقة أمنيا و اداريا وهي تتكون من جميع المستوطنات الإسرائيلية ومعظم الأراضي الفلسطينية غير المأهولة أو المناطق ريفية المأهولة بشكل محدود.
[4] التجمعات الاستيطانية وتشمل المستوطنات والبؤر والقواعد العسكرية الاسرائيلية.
[5] المنطقة المحصورة بين الخط الاخضر (خط الهدنة للعام 1949) ومسار جدار العزل العنصري.
[6] منطقة غور الاردن والبحر الميت.
اعداد: معهد الابحاث التطبيقية – القدس
(أريج)