لمحة عامة
بحجة منع العمليات التخريبية ضد السكان الإسرائيليين ووفقا للدواعي الأمنية , أعلنت السلطات الإسرائيلية عن البدء في إقامة الشارع رقم 45 أو كما يسمى إسرائيليا بالطريق السريع رقم 45 و الذي سيمتد على طول الأجزاء الشرقية من مدينة القدس المحتلة.
هذا وقد نشرت صحيفة ‘ هاارتس ‘ اليومية الإسرائيلية في التاسع عشر من شهر تشرين الثاني من العام الجاري , الخبر عن إقامة الشارع الجديد, حيث كشفت الصحيفة بان هذا الشارع سيتكون من مسلكين لحركة السير الفلسطينية و الإسرائيلية , كل منها على حدا و بعرض 16 مترا لكل مسلك و سيفصل بين كلا المسلكين جدار إسمنتي بارتفاع خمسة أمتار تعلوه الأسلاك الشائكة و المكهربة . و أضافت الصحيفة أيضا بان المسلك المخصص لتنقل الفلسطينيين سوف يحتوي على أنفاق و جسور ,و سيكون بإمكان الفلسطينيين استخدامها للوصول من المحافظات الجنوبية للضفة الغربية إلى الشمالية منها و لكن بدون التمكن من الدخول إلى مدينة القدس , بينما المسلك المخصص للإسرائيليين سيتكون من أنفاق و جسور و تقاطعات عديدة من بينها طريق مخصص للوصول إلى المدينة المحتلة. و بعبارة أخرى سيكون أمام الإسرائيليين خيارات و طرق و مخارج متعددة, بينما سيحظى الفلسطينيون بالقليل منها.
نهج عنصري ممنهج
إن السياسات التي اتبعتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تثبت للعالم اجمع بان سياسة الفصل العنصري متأصلة و متغلغلة في عقول الإسرائيليين و التي تظهر للجميع من خلال الممارسات العنصرية التي انتهجتها دولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني عبر عقود من الاحتلال و انتهاء بإقامة جدار الفصل العنصري.
هذا و لم تطرح خطة إقامة الطريق رقم 45 كخطة إسرائيلية مبتكرة لحل موضوع التواصل للفلسطينيين و الإسرائيليين بل هي خطة تعود إلى الأعوام 1996 و 1997 و التي كانت تهدف في حينها إلى قطع الطريق أمام السكان الفلسطينيين في القدس الشرقية عن أراضيهم في حينها , حيث كان من المخطط أن يقوم الطريق 45 بعزل مساحات شاسعة من أراضي الفلسطينيين و بأقل عدد ممكن من السكان.
و مع ظهور و تنفيذ مخطط الجدار الفاصل لاحقا في الأراضي الفلسطينية المحتلة و الذي يسعى لضم تجمع مستوطنات معالي ادوميم إلى منطقة القدس المحتلة , حيث أصبح الطريق 45 عاملا رئيسيا في تكريس خطة الاحتلال لعزل الأراضي الفلسطينية و استخدامها لاحقا لتوسيع البناء و التوسع الاستيطاني الإسرائيلي و إنشاء إحياء استيطانية جديدة حيث دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ارئيل شارون إلى تنفيذ المخطط بما يتماشى و خطة الجدار الفاصل لتعزيز التواجد الاستيطاني في منطقة القدس المحتلة و لعزلها عن باقي محافظات الضفة الغربية. إضافة إلى ذلك سيكون الطريق رقم 45 بديلا للسكان الفلسطينيين ليتنقلوا من خلاله بين جنوبي الضفة الغربية و شمالها باستثناء الدخول إلى القدس و بدون إعطائهم أي مناطق من شانها أن تشكل لهم تواصلا جغرافي.
حاليا , إن الحكومة الإسرائيلية برئاسة أيهود اولمرت تسير على خطى سابقتها بتكريس عقيدة الفصل العنصري بين السكان الفلسطينيين أنفسهم من ناحية وبين أرضيهم من ناحية أخرى, بحيث يأتي الشارع الإسرائيلي دليلا إضافيا لإثبات عقيدة العزل و الفصل المتأصلة في عقول القيادات الأمنية و السياسية الإسرائيلية على حد سواء.
يتضح بما لا يترك مجالا بالشك بان الطريق رقم 45 جاء ليخدم المصلحة الإسرائيلية فقط و ليس للحفاظ على التواصل الجغرافي للدولة الفلسطينية المستقبلية, و هذه أهم النقاط التي تفند هذه المزاعم الإسرائيلية:
أولا : إن الشارع الإسرائيلي الذي تقوم إسرائيل بتشييده جاء ليخفف من حدة أزمة السير الإسرائيلية و للتسهيل على و المستوطنين الإسرائيليين ليتسنى لهم التنقل بحرية و سرعة اكبر بين تجمع مستوطنات ‘معالي ادوميم ‘ و بين مدينة القدس المحتلة.
ثانيا : إن الشارع الإسرائيلي جاء ليربط بين تجمع مستوطنات ‘ميتاح بنيامين ‘ الذي يقع شمال و شمال شرقي القدس مع مدينة القدس المحتلة.
ثالثا : إن الشارع الإسرائيلي جاء ليؤكد على النوايا الإسرائيلية المبيتة للإبقاء على مستوطنة ‘ معالي ادوميم ‘ و التي يصل عدد سكانها إلى 35,000 مستوطن إسرائيلي و المقامة على أراضي الفلسطينيين الخاصة , تحت السيادة الإسرائيلية , بالإضافة إلى المنطقة المحيطة بالمستوطنة و التي تصل مساحتها إلى 12,468 دونما, و المخصصة إسرائيليا لبناء 3,500 وحدة سكنية للمستوطنين الإسرائيليين ضمن ما يعرف بخطة إل E1 بين مستوطنة ‘معالي ادوميم’ و مدينة القدس, و الجدير بالذكر بأنه وفقا إلى خطة E1 ستقوم إسرائيل ببناء العديد من الوحدات السكنية بالإضافة إلى المتنزهات و مواقف السيارات و الفنادق ناهيك عن المباني العامة و أيضا بناء مقر جديد للشرطة الإسرائيلية في القدس و الكائن حاليا في حي رأس العامود في القدس الشرقية , بحيث بدأت إسرائيل ببناء المقر الجديد في منطقة إلE1 تمهيدا لنقله إلى المنطقة قريبا. هذا و قد قامت الحكومة الإسرائيلية الحالية و أيضا السابقة بالتعهد للولايات المتحدة الأمريكية بعدم البدء في البناء في مشروع ال E1 و تجميد الخطة حتى البدء بمفاوضات الحل النهائي بين الطرفين الإسرائيلي و الفلسطيني و التي من المتوقع بان يتخللها عملية تبادل أراضي في إطار تسوية مستقبلية شاملة. بالمقابل و خلافا لما تعهدت به الحكومتين الإسرائيليتين , فقد تم البدء ببناء مقر الشرطة الإسرائيلية في منطقة إل E 1 , و الذي يتكون من أربع طبقات , بحيث يأتي بالتزامن مع إقامة الشارع رقم 45 بهدف السيطرة الإسرائيلية على المنطقة و استثنائها من أي عملية تبادل أراضي مستقبلية.
رابعا : إقناع الولايات المتحدة الأمريكية و المجتمع الدولي بان اسرائيل تعمل على التواصل الجغرافي للدولة الفلسطينية المستقبلية , و بان الشارع رقم 45 جاء كحل سحري لضمان خلق تواصل جغرافي بين الأراضي الفلسطينية المحتلة و التي مزقها جدار الفصل العنصري و الطرق الالتفافية الإسرائيلية و المستوطنات و البؤر الاستيطانية. و لكن الواقع على الأرض يفضي إلى غير ذلك, حيث أن هذا الشارع قد جاء ليخدع العالم و المجتمع الدولي وليكون على الفلسطينيين امرأ واقعا يتمثل في مصادرة الحق الشرعي للفلسطينيين و المتمثل بإمكانية وصولهم إلى عاصمة دولتهم الفلسطينية المستقبلية و هي مدينة القدس.
إن القرار الإسرائيلي ببناء الشارع الجديد يعتبر خرقا إسرائيليا يضاف الى قائمة طويلة من الخروقات الإسرائيلية و التي تصب في خانة المستعمر الإسرائيلي و لتسهيل حياته و حركته و تنقلاته و إن كان على حساب التضييق و الحصار على المواطن الفلسطيني و تحويل حياته إلى معاناة لا نهاية لها و لإجباره على الخضوع أمام سياسة الأمر الواقع الإسرائيلية.
بالإضافة إلى ذلك ,أعلنت السلطات الإسرائيلية و في الرابع من شهر تشرين الأول من العام الجاري عن خطة احتلالية جديدة لإقامة شارع جديد يسمى إسرائيليا ب ‘ نسيج حياة’ , بذريعة التسهيل على السكان الفلسطينيين و حماية المواطنين الإسرائيليين من العمليات الإرهابية.
هذا و سيقوم الشارع المعروف باسم’ نسيج الحياة ‘ بربط منطقة بيت لحم و جنوب الضفة الغربية المحتلة بشكل عام بمنطقة أبو ديس جنوبي القدس و منها بمنطقة أريحا حيث سيقوم بتوجيه خط سير الفلسطينيين باتجاه منطقة غور الأردن بعيدا عن تجمع مستوطنات معالي ادوميم و المشروع الإسرائيلي المزمع إنشاؤه و المعروف باسم ال E1. هذا وسيتم بناء شارع ‘نسيج الحياة’ على غرار خطة الشارع رقم 45 , , بحيث سيتكون من مسلكين مختلفين و معزولين , الأول للإسرائيليين و الثاني للفلسطينيين. للمزيد من المعلومات عن هذا الشارع يمكنك الرجوع إلى التقرير السابق ( إقامة شارع جديد شرقي معالي ادوميم 22-10-2007 ). انظر إلى الخريطة أدناه:
خارطة توضح الطريق رقم 45 و طريق نسيج الحياة
خاتمة
منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في أواخر العام 1987 و دولة الاحتلال الإسرائيلي ماضية في سياساتها التصعيدية ضد الفلسطينيين و خصوصا بما يتعلق بحرية حركتهم و تنقلهم داخل الأراضي المحتلة , و ذلك بحجج أمنية و عسكرية واهية, متجاهلة كافة الاتفاقيات و المعاهدات الدولية و قواعد القانون الدولي و الإنساني . و بعيد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية أو’ انتفاضة الأقصى’ في العام 2000 وصلت سياسة التضييق و تشديد الخناق على المواطنين الفلسطينيين إلى مستويات غير مسبوقة.
علاوة على ذلك, فان اسرائيل, و ما تقوم به من انتهاكات ضد المواطنين الفلسطينيين على الأرض , تضعف جميع الجهود الإقليمية و الدولية المبذولة , و التي تسعى إلى الوصول إلى سلام عادل و شامل بين الفلسطينيين و الإسرائيليين يقوم على أساس المساواة و العدل. وتأتي هذه المخططات الإسرائيلية العنصرية في هذه المرحلة الحساسة و المصيرية من عمر الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي لتؤثر سلبا على العملية السلمية , خصوصا وان أنظار العالم تتجه إلى المؤتمر الدولي للسلام و الذي دعا إليه الرئيس الأمريكي جورج بوش و الذي من المنتظر أن يتوصل الطرفين فيه إلى اتفاق و إن كان مبدئيا على قضايا الوضع النهائي و جميع القضايا العالقة و على رأسها قيام الدولة الفلسطينية المتواصلة جغرافيا و عاصمتها القدس و عود و تعويض اللاجئين و المستوطنات و البؤر الاستيطاني و الحدود كافة القضايا الأخرى.