تمهيد:
بعد الزيارة الأخيرة لـ توني بلير ‘ منسق السلام في الشرق الأوسط’ للأراضي الفلسطينية المحتلة وإعلانه ان قوات الاحتلال ستعمل على فتح ثلاث طرق ومداخل رئيسية في الضفة الغربية والتي من بينها ما يعرف ( بسدة الفحص ) جنوب مدينة الخليل والمغلقة منذ بداية انتفاضة الأقصى لحجج أمنية، والتي تربط المنطقة الصناعية بمدينة الخليل كما وتعتبر أيضاً المدخل الرئيسي لبلدات: يطا والسموع وبني نعيم، إلا ان الأمر كان مغايراً تماماً لما تم الإعلان عنه.
إزالة السواتر الترابية واستبدالها ببوابات عسكرية:
قامت جرافات الاحتلال بإزالة السواتر الترابية التي كانت تغلق الشارع المؤدي إلى المنطقة الصناعية والبلدات الجنوبية في محافظة الخليل، واستبدالها ببوابات حديدية على جانبي الشارع وعلى المفترق الواصل بين المنطقة الصناعية والشارع الاستيطاني رقم ’60’ ، فيما يتمركز على هذه البوابات جنود إسرائيليون يتحكمون في المواطنين الفلسطينيين حسب مزاجيتهم.
هذا وقامت أيضاً بإقامة برج عسكري لمراقبة تحركات المواطنين الفلسطينيين هناك على حساب ارض المواطن حلمي الجمل.
ثماني سنوات من المعاناة .. وتستمر:
ان إغلاق طريق ‘الفحص’ لسنوات طويلة والتي تعتبر الشريان الرئيسي للمنطقة الصناعية ومنطقة جنوب الخليل، كان قد تسبب بمعاناة كثيرة للمواطنين الفلسطينيين وتكبدهم خسائر فادحة في هذه السنوات الطويلة من إعاقة للحركة التعليمية والتجارية وخاصة للمواطنين الذين يسكنون في الموقع ، هذا وأدى ايضاً إلى ضعف الحركة الاقتصادية في المنطقة الصناعية جنوب مدينة الخليل لصعوبة الوصول إليها، إذ يضطر المواطن سلوك طرق طويلة وضيقة لإيصال المواد من والى مصانعهم، فضلاً عن صعوبة التنقل بين مدينة الخليل والبلدات المجاورة مثل يطا، والسموع وبني نعيم وحتى مدينة بيت لحم أيضاً.
المواطن حلمي احمد عبد الحليم الجمل (56 عاماً ) يسكن منطقة الفحص منذ العام 1973 وهو رب أسرة مكونه من 19 فرداً، وصاحب ورشة للدهان والحديد، يحدثنا الجمل عن معاناته التي سببها له الشارع الالتفافي ( شارع 60 ) منذ ان اقتطع أرضه في العام 1995 ، فقد سلب هذا الشارع من أرضه مساحة تقدر بحوالي ثلاث دونمات وبدون أي إخطار أو إشعار مكتوب من قوات الاحتلال ، واخترق هذا الشارع أراضي الجمل ليقسمها الى قسمين : قسم على الطرف الجنوبي للشارع تقدر بحوالي ثلاث دونمات والمقام عليه البرج العسكري حالياً والقسم الآخر على الطرف الشمالي للشارع والمقدر بحوالي خمسة دونمات.
ويضيف الجمل انه ومنذ شق شارع رقم 60 الاستيطاني وهو يتعرض لمضايقات جنود الاحتلال والمستوطنين لإجباره على الرحيل وترك المنطقة، هذا وتعرض الجمل للعديد من الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية ابرزها:
منذ عام 1995 وبالتزامن مع شق الشارع الاستيطاني في المنطقة تقوم جرافات الاحتلال بتجريف أرضه ومزروعاته التي يزرعها في كل موسم، وتتكرر هذه الاعتداءات باستمرار.
بعد ان قام بتسييج أرضه بجدران استنادية بطول حوالي 300 متراً أملاً منه في حماية أرضه قامت جرافات الاحتلال بهدم وتجريف هذه الجدران.
في كل عام وخاصة في الأعياد اليهودية يقوم المستوطنون وبحراسة من جيش الاحتلال بالتجمهر في أرضه ويقيمون احتفالات وطقوساً على أرضه ويخبروه أنهم يملكون هذه الأرض وعليه مغادرتها.
تدمير وتكسير العدد التي يجمعها الجمل في أرضه لغرض صيانتها أو بيعها كخردوات الأمر الذي كبده خسائر تقدر بحوالي 30 ألف دولار ، إذ يحظر عليه زراعة أرضه أو وضع أي شيء فيها.
يمنع من استصلاحها لأي غرض كان، علماً انه عمل على استصدار ترخيصاً لإقامة محطة محروقات على أرضه لحمايتها من المصادرة، إلا أن جيش الاحتلال منعه من ذلك.
ويستمر مسلسل التجريف:
ويضيف الجمل ان جرافات الاحتلال التي قامت بإزالة السواتر الترابية ( سدة الفحص ) في 15 أيار 2008، قامت أيضاً بتجريف أرضه من جديد وحطمت السور المحاذي لها وعملت على تسويتها وتمهيدها ( علما أن هذه القطعة تقع ضمن الحوض 34423 وتحمل الرقم 79).
وأفاد الجمل لباحث مركز أبحاث الأراضي بالتالي: ‘ بعد انتهاء جرافات الاحتلال من فتح سدة الفحص في 15 ايار 2008، حضرت جرافتان واحدة من نوع D9 والاخرى من نوع كتربلر، إلى ارضي البالغة مساحتها نحو ثلاث دونمات وشرعت بتجريف ارضي على ما فيها من خردة ومحتويات، وعندما سألتهم عن سبب التجريف كانت الإجابة كسابقاتها ‘ أن لا دخل لك بما يحدث ‘، وانا اعرف تماماً نية الاحتلال هي مصادرة ارضي بالقوة لإقامة نقطة عسكرية في المنطقة نظراً لوجود البرج العسكري الذي يعتبر البؤرة الأولى لإقامة المعسكر على الارض.’
هذا ولحظة إعداد هذا التقرير أخبرنا الجمل أن حفارات إسرائيلية من نوع ( JCB)، قد عادت إلى المكان وعملت بعض الحفر في أرضه التي تدل على إقامة أساسات لمباني ستقام على أرضه.
اضطر لمغادرة بيته:
بعد أكثر من أربع وعشرين عاماً من سكنه لبيته في منطقة الفحص وعمله في ورشته المجاورة له، وبسبب ما عاناه من جنود الاحتلال والمستوطنين من اعتداءات ومضايقات واقتحامات لبيته وتكسير الأبواب والزجاج، اضطر الجمل لمغادرة بيته الى مكان أكثر أمناً، وقام ببيع العديد من الماكنات والعدد اليدوية في مشغله بعد ان كسدت الحركة الاقتصادية في المنطقة بسبب إغلاق شارع الفحص ومغادرة الزبون الى أماكن أكثر أمناً .
هذا وأفاد المواطن وسام حسونة الذي يقطن المنطقة لباحث مركز أبحاث الأراضي بالتالي: ‘ ما الفائدة أزالوا السواتر الترابية ووضعوا مكانها بوابات حديدية والتي سيتم إغلاقها متى شاء الاحتلال، إذ ان إغلاق الشارع بهذه الطريقة يعتبر أسهل لجنود الاحتلال لأن الأمر لا يحتاج الى جرافات بل يحتاج الى جندي واحد يقوم بإغلاق البوابات’.
بعد الإعلان عن فتح سدة الفحص استبشر المواطنون خيراً ، إلا ان ما شوهد على ارض الواقع كان عكس ذلك تماماً بوضع البوابات العسكرية، هذا وفي الوقت الذي قامت فيه قوات الاحتلال بإزالة السواتر الترابية في منطقة ‘سدة الفحص’ قامت بإغلاق الشارع الاستيطاني رقم ’60’ أمام حركة المواطنين الفلسطينيين بمحاذاة مبنى الإدارة المدنية في منطقة وادي الهرية بالمكعبات الإسمنتية، وقد تسبب إغلاقه في إعاقة حركة المواطنين الفلسطينيين وتنقلهم بين ضواحي وبلدات المدينة.
وفي مقابلة ميدانية لباحث مركز أبحاث الأراضي مع المواطن ماهر الجمل والذي يقطن بجانب الشارع المغلق أفاد بالتالي: ‘ بعد إغلاق هذا الشارع سنضطر الى سلوك طريق بديل يقدر بحوالي ثلاث كيلو مترات إضافية للوصول الى منزلنا في حين كان الأمر لا يتعدى خمسين مترا من باب الإدارة المدنية وحتى منزلنا .. عن أي تسهيلات يتحدث عنها الإسرائيليون ؟!!! ‘
أبا عبد يعمل ‘ سائق’ ويقل المواطنين من وسط مدينة الخليل الى منطقة وادي الهرية ومنطقة الفحص وبالعكس، أفاد لباحث مركز أبحاث الأراضي بالتالي: ‘ بعد إغلاق هذا الشارع سنضطر الى سير أربعة كيلومترات إضافية لإيصال الركاب الى بيوتهم وسنسلك طرقاً ضيقة وبديلة الأمر الذي سيؤثر على سيارتي وعلى استهلاك الوقود بينما تبقى الأجرة كما هي في ظل غلاء الأسعار وارتفاع أسعار المحروقات.’