مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية شرع قائم مقام رئيس الحكومة الإسرائيلي بالوكالة ايهود أولمرت بكشف أوراق حزب كاديما المتصدر للاستطلاعات العامة بالفوز بقيادة الحكومة عن ما يدور خلف الكواليس فيما يتعلق برؤية الحزب في حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي حيث أشار أولمرت في عدة لقاءات صحفية إسرائيلية إلى برنامج حزبه العازم اللجوء إلى انتهاج الحلول الأحادية الجانب بعيداً عن الشريك الفلسطيني المغيب فيما يتعلق بمصير وجود الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية. و على غرار ما تم في قطاع غزة حيث عمدت إسرائيل على فك ارتباطها عن التجمعات الفلسطينية على الصعيد المدني حيث قامت بإخلاء قطاع المستوطنين و قواعد الجيش من داخل قطاع غزة في حين أنها أبقت سيطرتها العسكرية على حدود القطاع, يكشف أولمرت الآن عن نواياه بانتهاج الأسلوب ذاته في الضفة الغربية على غرار رئيسه السابق أريئيل شارون و ذلك تحت ذريعة عدم وجود شريك فلسطيني للتفاوض معه بالإشارة إلى فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية و عزمها تشكيل حكومة فلسطينية, و غير أن الحال لم يكن كذلك حين شرعت إسرائيل بتنفيذ خطة الفصل أحادية الجانب عن قطاع غزة حين كانت حركة فتح صاحبة الأغلبية في المجلس التشريعي السابق و على رأس الحكومة الفلسطينية, إلا أن الحقيقة تشير بأن إسرائيل غير عازمة بالشروع في مفاوضات مع الفلسطينيين حول قضايا الحل النهائي بغض النظر عن الجهة الفلسطينية القابعة في سدة الحكم و من أهم تلك القضايا هي القدس, المستوطنات، الحدود على الأقل من وجهة النظر الإسرائيلية و التي لم تمل أي اهتمام بقضية اللاجئين أو الموارد الطبيعية أو الدولة الفلسطينية.
و يشير أولمرت في معرض حديثه عن رؤية كاديما فيما يتعلق بترسيم حدود دولة إسرائيل, باعتماد مسار جدار الفصل العنصري المقام على أراضي الضفة الغربية المحتلة إبان حرب العام 1967 و الذي كان بحسب قول أولمرت سياج أمني إلى أن تقرر ترسيم حدود دولة إسرائيل بهدف الانفصال عن التجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية و ضم التجمعات اليهودية للحفاظ على وجود دولة إسرائيلية ذات أغلبية يهودية. و هنا تجدر الإشارة بأن ما مساحته 565 كم² (10% من مساحة الضفة الغربية المحتلة) سيكون قد تم ضمها إلى دولة إسرائيل بشكل مباشر حيث سيكون الانتقال للفلسطينيين أصحاب الأراضي الواقعة غرب الجدار عبر البوابات الإسرائيلية بمثابة الانتقال إلى دولة أخرى. أما فيما يتعلق بالقدس فقد أشار اولمرت بكل وضوح بأن مدينة القدس الموحدة أي بشقيها الغربي و الشرقي (مع استثناء بعض الأحياء العربية الفلسطينية) و التي ستكون ضمن نطاق الحكم الإسرائيلي و ذلك بطبيعة الحال ضمن ما يعرف ‘بغلاف القدس’ و الذي سيضم مستوطنة معاليه أدوميم و منطقة التوسع الجديدة الواقعة ما بين المستوطنة و القدس الشرقية و المعروفة باسم (E1) و التي تعهد أولمرت بالشروع بالعمل بها في اقرب فرصة. بالإضافة لذلك أشار أولمرت بأن هناك أمور إستراتيجية لها اعتبارات خاصة فيما يتعلق بالحدود الأمنية لدولة إسرائيل على الجانب الشرقي من الضفة الغربية أي على امتداد الحدود مع دولة الأردن حيث تعتزم إسرائيل الحفاظ على سيطرة أمنية على طول امتداد القطاع الشرقي أي على مساحة تقدر ب 29% (1664 كم²) من مساحة الضفة الغربية.
و بناء على ما تقدم أصبحت معالم خطة كاديما شبه واضحة ، فبالإضافة إلى عزم إسرائيل على الاحتفاظ بالتجمعات الإسرائيلية الكبيرة في الضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية) ضمن السيطرة الإسرائيلية بتطويقها بالجدار الفاصل و الذي كما أوضح اولمرت قد أنتقل من كونه سياج أمني إلى أداه لترسيخ الحدود الإسرائيلية ، تعتزم إسرائيل القيام بانسحابات أضافية أحادية الجانب من عدد من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، غير أن اولمرت لم يفصح عن مواقع تلك المستوطنات و التي يمكن الاستنتاج بأنها مستوطنات تقع ما بين منطقة الحزام الأمني الشرقي و منطقة جدار العزل غرب الضفة الغربية .
تقسيم الضفة إلى كانتونات :
هذا و ستقوم إسرائيل ضمن مخططاتها الأحادية الجانب بالاحتفاظ بممرات آمنة تصل ما بين منطقة العزل الغربية و الشرقية و إسرائيل و هنا تجدر الإشارة بأن الممرات المذكورة ستضمن غالبية البؤر الاستيطانية الموجودة في الضفة الغربية ضمن نطاقها.
و يوضح السالف مفهوم الرؤية الإسرائيلية للدولة الفلسطينية و التي ستتكون من خمس كانتونات غير متصلة جغرافيا (قطاع غزه، شمال الضفة و تتضمن جنين، نابلس، طولكرم، قلقيلية، وسط الضفة و تتضمن رام لله و أريحا، الوسط وتتضمن محافظة القدس و أخيرا جنوب الضفة و تتضمن محافظتي بيت لحم و الخليل) ، غير أن ذلك ليس أسوأ ما في الأمر حيث ستتقسم كل من تلك الكانتونات الأربعة في الضفة إلى تجمعات جغرافية منفصلة عن بعضها البعض حيث أن الاتصال ما بينها سيكون فقط عبر مناطق مدرجة تحت السيطرة الإسرائيلية و هي ما تعرف بمناطق C ‘ ‘ و التي من الممكن أن تكون إسرائيل قد اعتبرتها مجال التفاوض مع الفلسطينيين في المستقبل و يوضح الجدول التالي توزيع مناطق السيطرة ما بين الفلسطينيين و الإسرائيليين في الضفة الغربية:
الضفة الغربية |
المساحة 5661 كم² |
100% |
التصنيف |
|
|
|
|
سيطرة فلسطينية محدودة |
2205 كم² |
39% |
مناطق أ + ب |
مناطق ‘C’ |
1085كم² |
19% |
تحت السيطرة الإسرائيلية و تقع ما بين منطقة الحزام الأمني الشرقي و منطقة العزل الغربية و التي يمكن أن تندرج ضمن مفاوضات مستقبلية. |
مناطق تحت السيطرة الإسرائيلية |
2371 كم² |
42 % |
تتضمن منطقة جدار العزل الغربي و منطقة الحزام الأمني الشرقي. |
بالإضافة إلى ذلك ، ما تزال إسرائيل تحتفظ ب 17% (61كم²) من مساحة قطاع غزه و ذلك متمثل بالحزام الأمني الإسرائيلي المنصوب على حدود القطاع الشرقية و منطقة العزل في الشمال.
و بناء عليه لم يتبقى للفلسطينيين الكثير لإقامة دولتهم فبحسب الرؤية الإسرائيلية سيحصل الفلسطينيين بعد مفاوضات مضنية على 3591كم² (58%) من مساحة الضفة الغربية و 301كم² (83%) من مساحة قطاع غزه و التي توازي 13% فقط من مساحة فلسطين التاريخية بخلاف أل 45,5% من مساحة فلسطين التاريخية المنصوص عليها في قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في العام 1947 و بعيدا عن ما تم الاتفاق عليه في أوسلو2 من العام 1995 و الذي يضع 95% من كامل الضفة الغربية و 100% من قطاع غزه تحت السيطرة الفلسطينية. انظر الخارطة
خطوات أحادية الجانب أهذا ما تريده إسرائيل:
لطالما سعت إسرائيل لتنفيذ خططها بشكل منفرد عن سريانها في العملية السلمية حيث أنها اعتبرت أن ما تقوم به من تنازلات في الضفة الغربية و قطاع غزه المحتلين هو بمثابة تنازل عن حقوقها الشرعية في فلسطين التاريخية و قد انتهجت إسرائيل بالفعل خطوات أحادية الجانب منذ بدء العملية السلمية مع الفلسطينيين في العام 1993 حيث عمدت إلى إحداث تغييرات جغرافية على ارض الواقع خلافا لما تم الاتفاق عليه و ذلك بأن لا يقوم أي من الطرفيين الإسرائيلي و الفلسطيني بأتخاد أية خطوات من شأنها إحداث أي تغيير عن قضايا الحل الدائم ( القدس، المستوطنات، الحدود، المياه ، اللآجئيين) و هو تماما كل ما قامت به إسرائيل حيث استمرت بالبناء الاستيطاني في الضفة الغربية و القدس و تعمد إلى فرض حدود سياسية من خلال جدار الفصل باقتطاع مساحات شاسعة من أراضي الفلسطينيين و ضم مصادر المياه الجوفية في الضفة الغربية لتكون تحت سيطرتها ، هذا بالإضافة إلى نبذ حق اللآجئيين بالعودة إلى ديارهم. أما في ما يتعلق بانسحابها الأحادي الجانب من مستوطنات غزه فقد عمدت إسرائيل إلى سلوك هذا النهج لتماثله بانسحابها من مستوطنات عشوائية غير ذات أهمية في الضفة الغربية تستطيع من خلالها تنفيذ خطتها الإستراتيجية بضم التجمعات الاستيطانية الكبيرة تحت سيطرتها ضمن جدار الفصل العنصري، يكون في الوقت ذاته تحت رضى دولي عن ما تقوم به إسرائيل من انسحابات حتى لو كانت أحادية الجانب.
توسع مستوطنات, بؤر استيطانية جديدة و لآلاف الوحدات السكنية
شهد العام 2005 على غرار الأعوام السابقة حركة استيطانية توسعية في كافة محافظات الضفة الغربية غير أن طبيعة هذه التوسعات كانت قد أخذت منحنى مختلف عن سابقاتها حيث تميزت بتركيزها على زيادة في عدد بناء الوحدات السكنية في المستوطنات الواقعة غرب جدار الفصل و التي بلغت 3550 وحدة سكنية من ما مجموعه 4000, أي ما نسبته 89% من ما تم بناءه في قطاع المستوطنات في الضفة الغربية خلال العام 2005. الأمر الذي يؤكد عزم الحكومة الإسرائيلية السابقة بقيادة أرئيل شارون على تثبيت وجود المستوطنات الإسرائيلية الواقعة غرب الجدار كأمر واقع ضمن حدود الدولة الإسرائيلية المزمع ترسيمها. و يشار هنا إلى أن واقع البناء في المستوطنات الواقعة شرق الجدار- و التي صرح أولمرت بأنها ستندرج ضمن خطة إخلاء بالاتفاق مع مجلس المستوطنات الإسرائيلي-, تأتي بهدف استخدامها كورقة مساومة من أجل الحصول على تعويضات للمستوطنين على غرار ما حدث في قطاع غزة.
و تجدر الإشارة هنا بأن أولمرت لم يصرح ما إذا كان الإخلاء من مواقع المستوطنات سيكون بهدف تسليمها للفلسطينيين أو للجيش الإسرائيلي حيث أن الانفصال الأحادي الجانب يشير إلى إخلاء لقطاعات المستوطنين و ليس تسليم مناطق المستوطنات للفلسطينيين و ذلك بهدف المساومة عليها في وقت لاحق كورقة ضغط على الفلسطينيين. و تعزز نوعية التوسعات الاستيطانية للمناطق العمرانية في المستوطنات خلال العام 2005 نظرية سعي إسرائيل للضغط على الفلسطينيين للحصول على تنازلات في قضايا أخرى, حيث تبين بأن معظم التوسعات التي تمت في مناطق المستوطنات و البالغة 939 دونم قد تمت في مستوطنات واقعة شرق الجدار (639 دونم) 68% و هي المرشحة للإخلاء بحسب تصريحات أولمرت, بيد أن توسعها يشكل ورقة ضغط أكبر على الفلسطينيين. أما فيما يتعلق بالبؤر الاستيطانية فقد أكدت وحدة المعلومات الجغرافية في معهد الأبحاث التطبيقية_ أريج بأن المستوطنين قد أنشئوا خلال العام 2005 سبعة بؤر استيطانية جديدة على أراضي الضفة الغربية تركزت في المناطق القريبة من مستوطنات واقعة شرق الجدار و هي أيضاً مستوطنات معدة للإخلاء ضمن الخطة الإسرائيلية للانفصال الأحادي الجانب.
أولمرت يسقط خطة الطريق
هذا و أعرب مرشح حزب كاديما لرئاسة الوزراء أولمرت بأن خطة الطريق قد انتقلت من وضعية السبات إلى حالة الجمود إبان فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية مشيراً بأن ذلك قد سنح المجال أمام إسرائيل لاغتنام فرصة فرض الحل الأحادي الجانب بضم المستوطنات و ترسيم حدود إسرائيل بتوافق دولي إلا في حالة رجوع حماس عن مواقفها اتجاه إسرائيل و القبول بشروط الأخيرة للتفاوض و منها نزع السلاح, الاعتراف بدولة إسرائيل و الموافقة على كافة الاتفاقات السابقة و هو أمر مستبعد, خاصة و أن إسرائيل تعمد بشكل يومي إلى قطع كافة السبل في أحادث تقدم في عملية إعادة تفعيل أي من قنوات الاتصال بمواصلة انتهاجها لأساليب الاغتيالات و المصادرة و الحصار و الاعتقال و الهدم و بناء جدار الفصل العنصري.