اثنان و اربعون عاما عمر الاستيطان الاسرائيلي وثلاثة عشر عاما هو عمر ظاهرة البؤر الاستيطانية الاسرائيلية التي استشرت كالسرطان في مختلف ارجاء الاراضي الفلسطيني المحتلة ، ففي العام 1996 تولى رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو رئاسة الوزراء في اسرائيل انذاك و ما كان به الا القيام يتوسيع رقعة الاستيطان الاسرائيلي ، فقام ببناء مستوطنات جديدة ، وبتوسيع اخرى ناهيك عن تشجيع اقامة البؤر الاستيطانية وتقديم الدعم اللوجستي و الخفي لضمان ديمومة هذه البؤر غير القانونية، برغم المعارضة الدولية و الامريكية لهذه الظاهرة لما تحدثه من اضرار جسيمة وعقبات جدية في طريق العملية السلمية مع الجانب الفلسطيني. وخلال هذه السنوات عكفت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة على تقديم كافة اشكال العون و المساعدة لبقاء البؤر الاستيطانية و لاقامة العديد منها و لم ترضخ اسرائيل الى اية ضغوط دولية لوقف هذه الظاهرة.
هذا و في محاولة اسرائيلة لتضليل المجتمع الدولي قام رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ‘ارئيل شارون’ في العام 2005 بتكليف المحامية الاسرائيلية ‘تاليا ساسون’ باعداد تقرير حكومي اسرائيلي رسمي حول عدد البؤر الاستيطانية غير القانونية فقد اشار التقرير الى وجود 105 بؤر استيطانية غير قانونية تم اقامتها بمبادرة من المستوطنين انفسهم وبشكل غير قانوني اي بدون تصريح حكومي وهنا اراد الاسرائيليون خلق طابع لدى اللجنة الرباعية مفاده ان اسرائيل هي دولة قانون و ليست دولة احتلال بل و اكثر من ذلك تشويش ظاهرة البؤر الاستيطانية بمحاولة صبغ البعض منها بغطاء قانوني وذلك بالاشارة الى ان هنالك بؤر قانونية وهي تلك التي لم يتم الشارة اليها في التقرير والبالغ عددها 108 بؤرة استيطانية . وعلى اثر هذا التقرير اعلنت الحكومة الاسرائيلية منذ العام 2005 عن عدد من مبادرات مفادها الشروع بتنفيذ خطط اخلاء لعدد من البؤر ولم يتم فعليا اخلاء اي منها.
و في تشرين الثاني من العام 2007 و عند انطلاق مؤتمر انابوليس للسلام كان عدد البؤر الاستيطانية في الاراضي الفلسطينية 220 بؤرة و بعد المؤتمر وحتى هذا التاريخ ارتفع عدد هذه البؤر ليصل الى 232 بؤرة اي بزيادة 12 بؤرة استيطانية جديدة.
و اليوم و في ظل الضغوط الدولية التي تتعرض لها حكومة نتنياهو خاصة من ادارة الرئيس باراك اوباما، لتجميد البناء في المستوطنات الاسرائيلية بما في ذلك النمو الطبيعي للسكان، قام رئيس الوزراء الاسرائيلي بمساعدة وزير دفاعه ايهود باراك باعداد سيناريو هزلي لخداع الادارة الامريكية حيث اعلن عن قرار الحكومة الاسرائيلية اخلاء 26 بؤرة استيطانية غير قانونية وقام باخلاء عدد قليل منها لاقناع الادارة الامريكية بان الحكومة الاسرائيلية تقوم بتنفيذ التزاماتها و في المقابل وعلى الارض البناء متواصل و بشكل متسارع في المستوطنات الاسرائيلية في مختلف ارجاء الاراضي الفلسطينية المحتلة.
بناء على ما تقدم فهناك جملة من الاستنتاجات و التوضيحات التي يترتب على المجنمع الدولي و العالم اجمع ان يكون على دراية بها و هي كالاتي:
اولا : ان كافة البؤر الاستيطانية الاسرائيلية و التي يبلغ عددها حاليا 232 بؤرة بالاضافة الى كافة المستوطنات التي قامت اسرائيل ببنائها منذ العام 1967 هي غير قانونية كونها وفي غالبها اقيمت على اراضي فلسطينية خاصة حيث نصت قرارات الشرعية الدولية ومجلس الامن الدولي على بطلان جميع الاجراءات الاسرائيلية التي قامت بها اسرائيل على الارض منذ احتلالها عام 1967 بما في ذلك المستوطنات.
ثانيا : ان التصنيف الاسرائيلي للبؤر الاستيطانية لا يعدو كونه خداع و تضليلا للمجتمع الدولي لان عدد البؤر الاستيطانية هى 232 بؤرة وليس كما تدعي اسرائيل بانها 105 حيث تحاول اسرائيل ان تضفي الشرعية على بقية البؤر يالادعاء بان ال 105 هي غير قانونية اما الباقي فهو قانوني وهذا غير صحيح لان كافة البؤر اقيمت على اراضي فلسطينية خاصة وهي بالتالي غير شرعية شانها شان المستوطنات الاسرائيلية .
ثالثا: ان ما تقوم به الحكومة الاسرائيلية الحالية باخلاء بعض البؤر الاستيطانية ‘غير القانونية’ على حد زعمهم هو اكذوبة كبيرة لانها اولا تقوم باخلاء هذه البؤر في النهار و امام عدسات الكاميرا، و في الليل يعود المستوطنون ويتمركزون داخل البؤر المخلاة، وثانيا ان الخطوة التي تقوم بها اسرائيل حاليا لخداع ادارة الرئيس اوباما و التي تنص على اخلاء 26 بؤرة غير قانونية هي محاولة لذر الرماد في العيون و تشتيت الانظار عن ما تقوم به اسرائيل من استيطان وتهويد في كل رقعة من الاراضي الفلسطينية المحتلة.
رابعا : ان التمترس الاسرائيلي الحالي وراء عدم امكانية وقف النشاط الاستيطاني في المستوطنات الاسرائيلية بذريعة النمو الطبيعي لا يهدف الا لكسب الوقت و اهدار الجهود و النوايا الصادقة التي يبذلها المجتمع الدولي و الادارة الامريكية الحالية بغرض المضي قدما باتجاه السلام العادل و الشامل.
خامسا : ان ذريعة ‘ النمو الطبيعي للمستوطنين’ التي تتمسك بها اسرائيل لتبرر بها عدم استجابتها للمطالب الدولية المتمثلة بوقف الاستيطان هي ايضا محاولة للالتفاف على الشرعية الدولية لانه ووفقا للمعطيات و الدراسات الاسرائيلية فان نسبة النمو السكاني للمستوطنين الاسرائيليين في المستوطنات الاسرائيلية لا تتناسب مع عملية التوسيع غير المسبوقة و التي تشهدها هذه المستوطنات ، بل و اكثر من ذلك فقد عزت هذه الدراسات السبب الحقيقي وراء ارتفاع عدد السكان الاسرائيليين في المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية الى ارتفاع نسبة انتقال المستوطنين من المستوطنات الاسرائيلية داخل الخط الاخضر للسكن داخل مستوطنات الضفة الغربية و بتسهيل و تشجيع مباشر من الحكومة الاسرائيلية حيث تقوم بتحفيز المستوطنين و اعطائهم تسهيلات عديدة مقابل انتقالهم للعيش هناك، وذلك لخداع المجتمع الدولي والادارة الامريكية في محاولة للتملص من الالتزامات المترتبة عليها و على راسها وقف الاستيطان بكافة اشكاله.
سادسا: انه لا يخفى على احد بان عملية السلام لا تنحصر في تفكيك البؤر الاستيطانية الاسرائيلية غير القانونية ووقف الاستيطان بشكاله لانه وعلى الارض فان الواقع عكس ذلك تماما فهناك الجدار الذي يقطع اوصال الاراضي الفلسطينية و الحواجز و المعابر الاسرائيلية و الطرق الالتفافية و العديد من العقبات على الارض وحتى التجمعات الاستيطانية الكبرى التي اضحت من اهم العقبات التي تقف في طريق اقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة .
لذلك فعلى دولة و حكومة الاحتلال الاسرائيلي ان تكف عن المراوغة و التضليل و الخداع للمجتمع الدولي و الشرعية الدولية و الموافقة غير المشروطة على وقف التوسع الاستيطاني بما في ذلك النمو الطبيعي كما نصت عليه احد بنود خارطة الطريق و تفكيك البؤر الاستيطانية غير القانونية و البالغ عددها 232 كخطوة اولى و ليس اخيرة في سبيل الانطلاق مجددا في محادثات السلام مع الجانب الفلسطيني والكف عن التذرع بعدم وجود شريك فلسطيني حقيقي ، و اذا كانت اسرائيل تعتبر نفسها شريكا في عملية السلام فعليها الانصياع لقرارات الشرعية الدولية و الالتزام بالاتفاقيات الموقعة مع الجانب الفلسطيني واتخاذ خطوات حقيقية و ليس هزلية باتجاه التقدم في السلام لانه حتى هذه اللحظة لا يمكننا الا ان نرى ان الحكومة الاسرائيلية الحالية هي حكومة استيطان وتهويد ومراوغة بامتياز.