بوجه اسمر لفحته شمس صحراء الجنوب، يحمل عكازته يتوكؤ عليها، فر من على فراشه البسيط ، وكعادة بدو فلسطين العربية الأصيلة، رحب بنا بحرارة ، كان يخفي شيئا من الخجل .. يتمثل في ان الفراش العربي البسيط الذي مد على تراب الأرض الصامد عليها – وفي نظره – انه قد لا يليق بالضيوف القادمين إليه ، لكنه أوضح ان هذه هي الحال لدى كل أقربائه وجيرانه ..
انه السيد سليمان عيد الهذالين ذو الستين عاماً، الذي أحب أن يذكر اسمه بالتفصيل، ابتداءً بسليمان مروراً بالأب عيد، وصولاً إلى الجد السابع وانتهاءً بعائلة الهذالين، واصفاً نفسه بأنه الحامي للأرض بعد الله تعالى . بلهجة بدوية .. بدأ سليمان يسرد قصته واعتداءات المستعمرين عليه وعلى أهله وأرضه .. لكنه احتار من أين يبدأ ..أيبدأ من الترحيل القسري عن ارض الآباء والأجداد في العام 1948 من منطقة عراد جنوب فلسطين .. أم يشرح تفاصيل رحلة العذاب التي مرت به عائلته خلال تلك المدة الماضية .. لكنه فضل الاختصار .. وقرر ان يدلي ببعض اعتداءات سلطات الاحتلال والمستعمرين الذين لاحقوا عائلة الهذالين حتى في الأرض التي اشتروها ولجئوا إليها في خربة أم الخير شرق بلدة يطا.
وجاءت ' الكبانية '
يسمي الهذالين المستعمرة ب ' الكبانية '، ويعود بالذاكرة إلى مطلع الثمانينات من القرن الماضي ، حين أقام الاحتلال معسكرا لجيشه على الطرف الغربي من خربة ' ام الخير ' وعلى قسم من أراضي الهذالين، وشيئا فشيئا، تحول المعسكر الى ' كبانية ' أي إلى مستعمرة، وأصبحت ' كرمئيل ' أمراً واقعاً تتربع على نحو أربعة آلاف دونم من أراضي الهذالين وأراضي مواطنين من بلدة يطا.
يستطرد سليمان حديثه، ومرارة الوضع الذي يعيشه لا تخفى عن حديثه، فهو يتحدث في السياسة، ويستشهد بأحداث شهدتها الساحة الفلسطينية وتدلل أن الاحتلال يسلك كافة السبل للوصول الى هدفه ، فيذكر ممارسات الاحتلال مع الزعيم الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات ، ويقول ' ان سلطات الاحتلال حين وجدت في ابو عمار رجلاً صامداً لم يتنازل في المفاوضات عن قضيتي القدس واللاجئين ، عمدت إسرائيل إلى قتله بالسم للتخلص منه ، فإسرائيل تعمل ما تريد للوصول الى أهدافها ' .
سياسة الترحيل:
طلب منا الهذالين ان نكون ' واسعي الصدر ' وان نستمع لشكواه، فبدأ بالحديث عن سياسة هدم بيوت الشعر والخيام التي قامت بها سلطات الاحتلال لإجبار عائلته على الرحيل عن أرضها، وقال ' منذ قيام المستعمرة . على أراضينا ، قامت سلطات الاحتلال بهدم مساكننا من الخيام والصفيح عدة مرات ، ويقوم المستعمرون بالاعتداء علينا يومياً' .
ويشير الهذالين إلى قيام المستعمرين بالاعتداء على احد أبنائه مما أدى إلى إصابته بإعاقة دائمة، ويضيف ان سلطات الاحتلال تستهدفه وأبناؤه بعمليات القمع نظراً لصمودهم على أراضيهم، وانه في كل مرة يتعرض فيها لاعتداءات الاحتلال يصر على البقاء أكثر فأكثر على أرضه ، ويضيف ' في كل مرة أقول لجنود الاحتلال وللمستعمرين لن ارحل عن هذه الأرض إلا إلى قبري ولن تحلموا بالسيطرة عليها ما دمت حياً '، ويستطرد حديثه ' كنت أقول لهم أيضاً لولا أسلحتكم هذه .. لطاردت كل المستعمرين بعصاتي هذه ' .
ممنوع دخول المواشي :
بعد أن سيطر المستعمرون وبالقوة على سفح جبل يملكه الهذالين، قاموا بزراعته بأشجار الزيتون، ووضعوا كراس خشبية لإقامة ما يشبه المتنزه على أراضي الهذالين، عملوا على منعهم من دخول هذه المنطقة، أو حتى المرور بها بأغنامهم، مما اضطر الهذالين ورعاة الأغنام إلى الالتفاف عدة كيلومترات حول سفح الجبل للتنقل ما بين مراعيهم ومساكنهم .
وفي إحدى المرات حين غفل احد الرعاة عن قطيعه، قامت بعض المواشي برعي أشجار الزيتون في الأراضي المستولى عليها، فهرع المستعمرون وعلى مرأى من جنود الاحتلال، وقاموا بمطاردة المواشي والتهديد بمصادرتها، حيث قام احد الجنود بضرب إحدى المواشي ما أدى إلى نفوقها، واخبروا المواطنين أن هذه الأراضي ' هي ملك للمستعمرين ' ولا يحق لعائلة الهذالين الاقتراب منها .
وأوضح الهذالين أن المستعمرين قاموا بوضع إشارات على سفح الجبل مفادها ' ممنوع دخول المواشي ' ، وأضاف أنهم لم يكتفوا بذلك، بل يقومون بمطاردة الرعاة والاعتداء عليهم بمجرد توجههم إلى تلك المنطقة . وأضاف أن جيش الاحتلال قد داهم منطقة سكناه، صباح اليوم الذي زرناه فيه، وان جنود الاحتلال قد طالبوه بعدم إخراج أغنامه من حظائرها ، وقال ' ها هي أغنامي في حظائرها ولا استطيع أن أتوجه بها إلى مراعيها خوفاً من اعتداءات المستعمرين وجيش الاحتلال '.
'الطابون ' هو المشكلة :
يسرد الهذالين قصة ' الطابون ' الذي يتذرع بها المستعمرون للاعتداء على أفراد عائلته، ويقول أنهم يقومون بالخبز في طابون العائلة، وحينما تشتد الرياح تحمل دخان الطابون باتجاه المستعمرة، فيهب المستعمرون برشقنا بالحجارة وتوجيه الشتائم ورشقنا بالمياه العادمة. ويضيف ' أن المستعمرين يتذرعون بأي ذريعة للتضييق علينا، وأنا لا أتحكم بالهواء حين يهب دخان الطابون باتجاه المستعمرة ' ويستطرد حديثه وعلى سبيل الفكاهة فيقول ' لقد حاكم الاحتلال كل شيء على الأرض الفلسطينية .. فليحاكموا الهواء الذي يتسبب لهم في الإزعاج من دخان الطابون '.
غادرنا المكان، وسط مطالبات من الهذالين بأن ننقل معاناته وذويه للعالم الحر، وللمطالبين بحقوق الإنسان، رغم أننا لم نورد إلا بعضاً من المعاناة التي يواجهونها ، فمادام هناك مستعمر واحد على الأرض الفلسطينية، فان الاعتداءات ستظل مستمرة، وما دام بقي رجال كسليمان الهذالين صامدون على أرضهم سيتواصل الصراع ويتأجج حتى رحيل الاحتلال والاستيطان عن الأراضي العربية الفلسطينية .
اعداد: مركز أبحاث الاراضي – القدس