تشهد مدينة القدس المحتلة في الآونة الاخيرة اشتباكات عنيفة بين شرطة الاحتلال الاسرائيلي والفلسطينيين وذلك في ظل الاقتحامات المتكررة لشخصيات اسرائيلية يمينية رسمية وجماعات المستوطنين الاسرائيليين لباحات المسجد الاقصى المبارك في القدس المحتلة بحجة المناسبات والأعياد الدينية اليهودية. وألقت بظلالها هذه الاقتحامات من خلال الاجراءات الامنية المشددة التي فرضتها وما زالت تفرضها شرطة الاحتلال الاسرائيلي على دخول المصلين الفلسطينيين للمسجد الاقصى المبارك (بما فيهم نساء ورجال وأطفال) وقمعها للمصليين هذا بالإضافة الى قيام قوات شرطة الاحتلال بعمليات التخريب المتعمد ودهم أماكن عدة من المسجد الاقصى المبارك وملاحقة الفلسطينيين من بينهم نساء وكبار السن، ممن رابطوا في المسجد الأقصى لحمايته من اقتحامات مجموعات المستوطنين التي أصبحت جزءا من المعاناة اليومية التي يشهدها الفلسطينيين في مدينة القدس المحتلة.
وفي ظل هذه الظروف المشحونة ايضا, يواصل المستوطنون الاسرائيليون ايضا اعتداءاتهم واقتحاماتهم للعديد من الاماكن الدينية والتاريخية في جميع محافظات الضفة الغربية المحتلة. والجدير بالذكر أن جميع هذه الاقتحامات والاعتداءات التي ينفذها المستوطنون والشخصيات الاسرائيلية تتم غالبا تحت حماية وحراسة عناصر شرطة وجيش الاحتلال الاسرائيلي الامر الذي ينذر بالخطر الذي يحدق بالمسجد المبارك في القدس المحتلة بشكل خاص, هذه بالإضافة الى سعي السلطات الاسرائيلية المستمر الى تقسيم المسجد الاقصى المبارك وتهويده. وكانت صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية قد كشفت في الثالث عشر من شهر اب من العام 2015 عن مخطط تهويدي جديد تنوى إسرائيل تنفيذه في مدينة القدس المحتلة وذلك لمحو معالم المدينة الدينية والتاريخية. وشمل المخطط بناء "كنيس" ضخم سوف يطلق عليه اسم "بيت هاليبا" في الجهة المقابلة لـ"حائط المبكى" في المسجد الاقصى, في منطقة الحي اليهودي في البلدة القديمة في القدس.
الصورة رقم 1: مخطط بيت هاليبا في الحي اليهودي في البلدة القديمة
وفيما يخص اعتداءات المستوطنين, اشارت دراسة تحليلية اعدها معهد الابحاث التطبيقية – القدس (أريج) لانتهاكات واعتداءات المستوطنين الاسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة خلال الربع الثالث من العام 2015, حيث تم رصد 191 اعتداءاً نفذه المستوطنون في مختلف محافظات الضفة الغربية المحتلة وشملت الاعتداء على المدنيين الفلسطينيين والاماكن الدينية والاثرية والممتلكات والثروة الحيوانية والاراضي الزراعية وغيرها من الاعتداءات التي كان لها الاثر السلبي والمدمر على المجتمع الفلسطيني برمته. الرسم البياني رقم 1 يفصل الاعتداءات التي ارتكبها المستوطنون خلال فترة التقرير
الرسم البياني رقم 1: تصنيف اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة
ويُظهر الرسم البياني رقم 1 بأن معظم الاعتداءات التي ارتكبها المستوطنين الاسرائيليين خلال الفترة السابقة الذكر والتي تصدرت قائمة الاعتداءات كانت الاقتحامات المتكررة للمسجد الاقصى المبارك حيث سجلت 45 اعتداءا من أصل 63 اعتداء تم تسجيلها على المقدسات الاسلامية والمسيحية والاماكن التاريخية والاثرية في الضفة الغربية المحتلة. ولم يسلم المواطن الفلسطيني ايضا من اعتداءات المستوطنين حيث استمرت الهجمات العدوانية للمستوطنين ضد المدنيين الفلسطينيين شملت عمليات الدهس التي لاقت رواجا بين المستوطنين في محاولة منهم للانتقام من الفلسطينيين هذا بالإضافة الى اشعال النيران في سيارات ومنازل الفلسطينيين بلغت ذروتها حرق منزل عائلة الدوابشة في قرية دوما في محافظة نابلس في أواخر شهر تموز من العام 2015 والتي راح ضحيتها ثلاثة من أفراد العائلة (من أصل أربعة) نتيجة الحروق التي اصيبوا بها فيما لا يزال يرقد طفلا اخر من نفس العائلة في المستشفى ويعاني من حروق شديدة في مختلف انحاء جسمه. وكان الاعتداء على المدنيين الفلسطينيين ثاني أكثر الاعتداءات التي شهدتها محافظات الضفة الغربية المحتلة من حيث العدد, حيث سجلت 49 اعتداءا.
فيما شهدت محافظات الضفة الغربية المحتلة الاعتداء المتكرر للمستوطنين على الممتلكات الفلسطينية بما في ذلك رمي الحجارة على السيارات واقتحام المنازل وتدمير ابار مياه والحاق الضرر بشبكات كهرباء واشعال النيران في الممتلكات بقصد تكبيد الفلسطينيين خسائر مادية تزيد من كاهل معاناتهم. وكان معهد اريج قد سجل 33 اعتداءا على الممتلكات خلال فترة التقرير الامر الذي وضع هذا النوع من الاعتداءات في المرتبة الثالثة من حيث العدد.
ومن حيث توزيع اعتداءات المستوطنين على المحافظات الفلسطينية المحتلة, فقد تربعت محافظة القدس على عرش الاعتداءات التي تعرضت لها من قِبل المستوطنين الاسرائيليين خلال فترة التقرير, حيث سجل معهد أريج 73 اعتداءا في المحافظة طالت معظمها المسجد الاقصى المبارك والاعتداء على المصلين هذا بالإضافة الى عمليات الدهس التي نفذها المستوطنين والشتم والاعتداء بالضرب المبرح تمت معظمها في البلدة القديمة في القدس وحي سلوان وحي الشيخ جراح وبلدة حزما وحي راس العمود. وتجدر الاشارة الى أن اكثر المستوطنين تشددا وتطرفا يعيشون في الاحياء الاستيطانية التي تحيط بمدينة القدس والبلدة القديمة الامر الذي يُفسر هذا العدد الكبير من الاعتداءات في المحافظة. انظر الرسم البياني رقم 2
الرسم البياني رقم 2 يبين توزيع اعتداءات المستوطنين بحسب المحافظات الفلسطينية
وجاءت محافظة نابلس في المرتبة الثانية من حيث الاعتداءات بواقع 34 اعتداءا خلال فترة التقرير كان ابرزها قتل ما لا يقل عن 40 رأس ماشية وجرح أكثر من عشرين اخرى في عملية دهس نفذها مستوطنون ضد قطيع ماشية في قرية عقربا في محافظة نابلس, الامر الذي الحق خسارة مادية كبيرة للمواطن عايش الدعاجنة الذي يملك القطيع. كما شهدت كل من قرى بورين ودوما وحوارة وقريوت ويتما وقصرة وقريوت في محافظة نابلس العديد من الاعتداءات منها رمي الحجارة على السيارات الفلسطينية التي تسير على الشارع الالتفافي الاسرائيلي بالقرب من مستوطنة شافي شمرون وايضا حرق اشجار الزيتون في قرية بورين والاقتحامات المتكررة لمنطقة قبر يوسف. فيما تبعتها محافظة الخليل التي سجلت 23 اعتداءا كان معظمها في البلدة القديمة في الخليل وفي مناطق مسافر يطا أقصى جنوب الخليل.
وفي الحقيقة, استنفد الفلسطينيين قدرتهم على تحمل المعاناة التي يرتكبها المستوطنون بمعية جيش الاحتلال الاسرائيلي في محافظات الضفة الغربية المحتلة والتي باتت تمر دون حساب أو عقاب من السلطات الاسرائيلية المختصة حيث أنها لا تأخذ شكاوى الفلسطينيين فيما يختص اعتداءات المستوطنين على محمل الجد ولا تبذل جهداً لإجراء تحقيقات جدية لمنع الجريمة والاعتداء. وبالرغم من القانون الدولي الانساني يلزم دولة الاحتلال الاسرائيلي بتوفير الحماية للمدنيين الفلسطينيين الذين يقيمون في الأراضي التي تحتلها، إلا أن الوقائع التي تجري على أرض الواقع تشير إلى أن دولة الاحتلال تغذي عنف المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة, بل وتشجع المستوطنين على ارتكاب الجرائم من أجل خلق حالة من الخوف والرعب لدى سكان القرى الفلسطينية ودفعهم بالنهاية للرحيل.
اعداد: معهد الابحاث التطبيقية – القدس
(أريج)