"إسمي الأول بنيامين ويرجع إلى الالاف السنين، لبنيامين، إبن يعقوب، والمعروف باسم إسرائيل. يعقوب وأولاده الاثنا عشر كانون يجوبون تلال يهودا والسامرة منذ 4000 عام مضت ومنذ ذلك الحين يتواجد اليهود في هذه الأرض".
" عندما نسمعهم يتهموننا بتهويد القدس هذا يشبه لوم أمريكا على أمركة واشنطن أو بريطانيا بأنجلكة العاصمة لندن، هل تعلم لماذا نُسمى يهودًا……..لأننا أتينا من يهودا".
" إسرائيل بالغة الصغر فهي كما تعلمون أقل من طول مدينة مانهاتن الأمريكية بدون الضفة الغربية ……..بدون يهودا والسامرة". من أقوال بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي
في الواقع إنها كلمات عادية من رئيس وزراء لدولة الإحتلال الإسرائيلي لكنها ليست كذلك عندما تخرج عن بنيامين نتنياهو، عراب المشروع الصهيوني الإستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة متمترسًا وراء مُعتقداته وأيدولوجيته اليمينية والتوسعية. وخلال سنوات إحتلالها للأرض الفلسطينية سارت إسرائيل بثبات في نهجها الإستيطاني والتوسعي في كافة أرجاء الأرض الفلسطينية وذلك بهدف إبقاء سيطرتها وقبضتها على هذه الأرض لأسباب ليست فقط جفرافية بل لأخرى أيدولوجية ودينية.
لقد سخرت دولة الإحتلال كل طاقاتها وإمكاناتها طوال هذه السنوات ولا زالت، بهدف توسيع إحتلالها للألرض الفلسطينية حيث إبتلعت مئات الألاف من الدونمات لإقامة 199 مستوطنة بالإضافة إلى 232 بؤرة إستيطانية غير شرعية، في الضفة الغربية والقدس الشرقية، والتي أصبحت بدورها تشكل تحديًا وعائقا حقيقيًا للعملية السلمية بعواقبها القانونية والجيوسياسية.
نظرة تحليلية في الرأي العام الإسرائيلي
قبل إنعقاد الإنتخابات العامة في إسرائيل في الثاني والعشرين من كانون الثاني من العام الجاري ، قام مركز دانيال أبراهام للسلام في الشرق الأوسط بالتعاون مع معهد "داف" ومؤسسة "سميث" في إسرائيل بإستطلاع للرأي بخصوص الوصل إلى إتفاقية سلام مستقبلية مع الفلسطينيين، حيث أظهرت نتائج الإستطلاع والتي تم نشرها في شهر كانون الأول من العام 2012 أي قبل الانتخابات بشهر تقريبا بأن 67% من الذين تم إستطلاعهم يؤيدون التوصل لإتفاقية سلام مع الفلسطينين على أساس حدود الرابع من حزيران للعام 1967 وتبادل أراضي ودولة فلسطينية منزوعة السلاح ويسيطر الاسرائيليين والفلسطينيين والأمريكيين بشكل مشترك على البلدة القديمة في القدس.
الملفت في نتيجة الاستطلاع المذكور بأن 57% من المُستطلعين والذين وافقوا على حل الدولتين هم من داعمي حزب الليكود، بينما 53% من المُستطلعين هم من مناصري حزب البيت اليهودي اليميني المتشدد!!
لاحقًا وبعد الإنتخابات الإسرائيلية بثلاثة شهور تقريبا و تحديدًا في الثاني والعشرين من شهر نيسان من العام الجاري نشرت الصحف الإسرائيلية نتائج إستطلاع جديد للرأي لمعهد إسرائيلي بحيث أظهر بأن 80% من المُستطلعين يؤيدون ضم الضفة الغربية "يهودا والسامرة" للسيادة الإسرائيلية، حيث أظهرت النتائج بأن ثلث المُستطلعين يؤيدون ضم الضفة الغربية بالكامل للسيادة الإسرائيلية، بينما 25% من المُستطلعين أبدوا موافقتهم على ضم الكتل الإستيطانية فقط للسيادة الاسرائيلية، أما 20% منهم عبروا عن موافقتهم على ضم الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية في إطار إتفاق سلام مستقبلي مع الفلسطينيين.
هذا وإذا ربطنا بين نتائج الإستطلاعين فإن الاستطلاع الأول الذي جرى قبل الإنتخابات الإسرائيلية يُظهر رغبة حقيقية للجمهور الإسرائيلي للوصول إلى إتفاق سلام مع الفلسطينيين ، بينما أظهر الإستطلاع الثاني نقلة في رأي الجمهور الإسرائيلية بإتجاه اليمين المتشدد مع رغبة عارمة لضم الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية.
وبعد أن قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتشكيل إئتلافه الحكومي اليميني المُتشدد والذي يضم أحزاب ( الليكود إسرائل بيتنا- البيت اليهودي – التوراه – يوجد مستقبل)، مضى قدمًا بنفس النهج والعقلية التوسعية حيث قام ببناء الالالف من الوحدات الاستيطانية ومذكرا شعبه بلالاته الشهيرة والتي رددها في خطابه في الكونغرس الأمريكي عام 2011 ( لا للإنسحاب من غور الأردن، لا لتقسيم القدس العاصمة الأبدية والموحدة لإسرائيل ، لا لوقف الإستيطان ولا لسلام على حدود الرابع من حزيران للعام 1967).
بدون أدنى شك ، وكما في كافة المُجتمعات في العالم ، فإن المواطنيين يتأثرون برأي قياداتهم ونُخبهم السياسية الأمر الذي يفسر النقلة الهائلة في الرأي العام الإسرائيلي قبل وما بعد الإنتخابات العامة في إسرائيل حيث كان المُلفت بأن أغلب الذين وافقوا على حل الدولتين في إستطلاع ما قبل الإنتخابات كانوا من مناصري أحزاب يمينية مُتطرفة أما بعد الإنتخابات فقد تأثروا براي قياداتهم الذين خدعوهم ويسوقون لهم الوهم لبقائهم في مناصبهم وعلى كراسيهم وإن كان على حساب مستقبلهم ومُستقبل أطفالهم والذي يتحقق بالوصول إلى حل عادل وشامل للنزاع مع الفلسطينيين.
تقرير "إدموند ليفي"……………إستئصال فلسطين
في كانون الثاني من العام 2012 أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قررًا بتشكيل لجنة برئاسة قاضي المحكمة العليا الإسرائيلية المتقاعد المدعو " إدموند ليفي" وذلك لبحث وضعية المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وإذا ماكانت مُقامة على أراضي مُحتلة من عدمه.
هذا وقام القاضي الإسرائيلي بتسليم التقرير الذي أعده لمجلس الوزراء الإسرائيلي في شهر حزيران من العام 2012 ، حيث أهم ما جاء في التقرير من نتائج و إستنتاجات ، وحسب التفسير الإسرائيلي لإتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949 ، بأن الوجود الإسرائيلي في الضفة المحتلة ليس إحتلالا ،وبذلك فإن كافة المستوطنات والبؤر الإستيطانية التي قاموا ببنائها هي شرعية، بل و ذهب في التقرير إلى أن يتم إزالة كافة العقبات التي من المُمكن أن تُعيق من عمليات توسيع المُستوطنات وتسهيل كافة الإجراءات المُتبعة والمتعلقة بإصدار التصاريح الخاصة لبناء الوحدات الإستيطانية في هذه المستوطنات. هذا وفي تعليقه على التقرير الذي أعده صرح المدعو ليفي: " وفق للقانون الدولي ولإتفاقية جنيف الرابعة فإن الوجود الإسرائيلي في " يهودا والسامرة" هو وجود قانوني وتاريخي وشرعي"!!
أما رئيس الوزراء الإسرائيلي فعلق بدوره عل التقرير بقوله: " في رأيي فإن التقرير مُهم جدا لأنه يوضح شرعية المشروع الإستيطاني الإسلرائيلي في " يهودا والسامرة" وفقا للوقائع وأنه من الضرورة أن يتم إعتماده".
في السابع عشر من تشرين الأول من العام 2012 ، نشرت صحيفة "هاارتس" اليومية الإسرائيلية خبرا مفاده نية رئيس الوزراء الإسرائيلي تبني أجزاء كبيرة من تقرير "ليفي" الأمر الذي سيُعتبر في حال تنفيذع المسمار الأخير في نعش العملية السلمية.
يهودا و السامرة …………….قبتنا الحديدية
إن التطرف اليميني في عقول السياسيين الإسرائيليين أخذ في التزايد حيث صرحت عضو الكنيست المنتخبة " ايليت شاكيد" من حزب البيت اليهودي ردًا على الرئيس الأمريكي خلال زيارته للضفة الغربية حول مسألة البناء الإستيطاني : " أنا عضوة الكنيست إيليت شاكيد ، لن أهتز أو أرتعش وأفتخر بدعمي للبناء الإستيطاني في "يهودا والسامرة" الأمر الذي يعتبر حيويًا للسلام…… وبوجود "جيش الدفاع الإسرائيلي" هناك الأمر الذي يحمي اليهود من هولكوست ثانية على يد دولة إسلامية فاشية تريد أن تسمي نفسها فلسطين……..إن يهودا والسامرة هي قبتنا الحديدية".
هذا وإذا عدنا عقود إلى الوراء لفهم المشكلة علينا أن نقرأ تصريحات مهمة من قادة تاريخيين إسرائيليين :
"لا يوجد شيء إسمه شعب فلسطيني………..حتى أنه ليس علينا أن نأتي ونُخرجهم من البلاد ……….هم ليسوا موجودين". جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل (1969-1974).
" إنها ليست مسألة الحفاظ و الإبقاء على ما هو قائم …….علينا العمل على إنشاء دولة ديناميكية قابلة للتوسع" …. "إن إسرائيل تعتبر قرار الأمم المتحدة الصادر في 29 من تشرين الثاني 1947 باطلا ولاغيا". بن غوريون (رئيس وزراء إسرائيل 1948-1954).
" أرض إسرائيل ستعود مجددا لشعب إسرائيل……………موحدة وإلى الأبد. مناحيم بيغين رئيس وزراء إسرائيل (1977-1983).
إنه ومن خلال هذه الكلمات يمكننا قراءة التصميم والرغبة الدفينة لقادة إسرائيل منذ تاسيسها وحتى الأن للتوسع والسيطرة على كامل فلسطين وتفريغها من أهلها وسكانها الشرعيين لصالح "المملكة اليهودية المتحدة- إسرائيل" وتتضمن مملكتي يهودا والسامرة خلافًا لما جاء في التوراة حيث كانت مملكة السامرة جزءا من مملكة إسرائيل ويهودا جزء من مملكة يهودا.
يبدو أننا نعيش اليوم في عهد ملك الملوك أو الشاهنشاه بنيامين بن- زيون نتنياهو الذي يخدع شعبه والعالم جمع بأحلام اليقظة التي تراوده والتي ترجع إلى الألأف السنين وُيصر– من خلال شروطه المسبقة- على القضاء على كل الفرص للوصول إلى تسوية حقيقية وتاريخية مع الفلسطينيين.
معلومات جيوسياسية حول المشروع الإستيطاني الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية
للتذكير فقط ، إن إسرائيل تطبق نظام فصل عنصري في الأراضي الفلسطينية من خلال إقامتها للجدار الفاصل والذي يمتد بطول 774 كلم ويعزل وراءه 733 كلم مربع (13% من إجمالي مساحة الضفة الغربية). علاوة على ذلك ، فإنه وفقا للأوامر العسكرية الإسرائيلية التي صدرت في شهر أيلول من العام 2004، فقد إبتدعت إسرائيل منطقة عازلة يتراوح عرضها ما بين 150- 200 متر حيث يحظر على الفلسطينيين التواجد او البناء فيها حيث أصبحت 254 كلم مربع إضافية (4.4% من مساحة الضفة الغربية) يُحظر على الفلسطينيين دخولها.
الجدير ذكره أنه وبفضل نظام الفصل العنصري الذي تطبقه إسرائيل ، يوجد اليوم 66 تجمع فلسطيني يقطنها ما يزيد عن 320 ألف مواطن فلسطيني من ضمنها 30 تجمعًا في القدس الشرقية يقطنها 274,481 مواطن، سيتم عزلهم بالجدار عن باقي أرجاء الضفة الغربية. هذا وأقامت إسرائيل منذ إحتلالها وحتى اليوم 199 مستوطنة غير شرعية تحتل مساحة 194.7 كلم مربع (3.4% من مساحة الضفة الغربية) يقطنها ما يزيد عن 600 ألف مستوطن إسرائيلي، حيث تتواجد 107 مستوطنات في منطقة العزل الغربية (المنطقة الواقعة بين الجدار الفاصل وبين الخط الأخضر- خط الهدنة للعام 1949) بالاضافة إلى 34 مستوطنة في القدس الشرقية المحتلة ناهيك عن 38 مستوطنة في منطقة العزل الشرقية. كما أقامت إسرائيل شبكة من الطرق الألتفافية – خاضعة لسيطرة الجيش ويستخدم غالبها المستوطنون فقط- حيث يبلغ طولها 810 كلم وتصادر مساحة تبلغ 120 كلم مربع ( 2.1% من مساحة الضفة الغربية). والسؤال الذي يطرح نفسه هل سينسحب نتنياهو من الضفة الغربية أو يهودا والسامرة كما يسميها الإسرائيليين ؟؟
بكل بساطة لا.
تصريحات وتشبيهات عُوزي لانداو
في السادس والعشرين من شهر أيار 2013 خرج علينا وزير السياحة الإسرائيلي الليكودي المُتطرف المدعو "عوزي لانداو" بتصريح موتور وغير مُتزن تضمن تشبيهًا وقحًا يشبه فيه الإنسحاب الإسرائيلي لخطوط الرابع من حزيران للعام 1967 على أساس الشرعية الدولية بالمعسكر النازي المعروف ب " أوشفتس" في إشارة منه إلى المحرقة النازية التي حصلت ضد اليهود.
هذا وقد أوضح الوزير الإسرائيلي في إجتماع مجلس الوزراء وثيقة إسرائيلية تعود للعام 1969 والمعروفة بوثيقة " أبا إيبان" نسبة إلى وزير الخارجية الإسرائيلي أنذاك، والذي حدد فيها رؤيته للمناطق التي يجب الإنسحاب منها مع الإبقاء على مناطق أخرى تابعة للسيادة الإسرائيلية وهي في الواقع خطة شبيهة للخطة التي وضعها المدعو " إيغال ألون" عام 1976 وتتضمن الابقاء على مساحات شاسعة من غور الأردن والقدس ووادي اللطرون والبحر الميت تحت السيطرة الاسرائيلية في أي خطة سلام مع الفلسطينيين اي بمعنى عدم الإنسحاب لخطوط الربع من حزيران للعام 1967.
إرهاب جيوسياسي بإمتياز
لقد وصلت الأيدولوجية التي تطغى على عقول ومخيلة قادة اليمين المُتطرف في إسرائيل إلى مراحل خطيرة فقد بلغ الشطط مداه بتصريحاتهم المنفصلة عن الواقع ، فالتصريح الأخير للوزير الإسرائيلي تجاوز حدود المنطق والمعقول حيث أن الذي يكتوي بالنار الأن هم الفلسطينيين وذلك بفضل سياسات قادة الإرهاب الجيوسياسي في إسرائيل حيث جدار الفصل العنصري والحواجز وهدم المنازل ومصادرة الأراضي وتدمير الممتلكات وتضييق حرية التنقل ناهيك عن هجمات المستوطنين اليومية الهمجية والتي لا تفرق بين الحجر والبشر وتستهدف كل ما هو فلسطيني ويأتي الوزير الإسرائيلي ويحدثنا عن المحرقة!!
إن الرسالة التي يجب أن يفهمها الوزير الإسرائيلي ومن لفَ لفيفُه من أصحاب النزعات التوسعية بأن الجهة الوحيدة على هذه الأرض و التي يمكنها أن تنزع عنهم صفة الإحتلال هم الفلسطينييون وحدهم ( وذلك من خلال إتفاق سلام عادل وشامل طبعًا) وإن عليهم تغيير طريقة تعاملهم مع الفلسطينيين قيادة وشعبًا وبأن الفرص المهدرة للسلام هي فرص ضائعة عليهم وليس العكس ولو أعادوا قراءة التاريخ فسيكتشفون بأن كل إحتلال إلى زوال مهما طال الزمن وإن إستمر لمئات السنين ،وبذلك وبدلا من الإستمرار بغطرستهم وعنجهيتهم عليهم أن يُحسِنوا قراءة الواقع الذي نعيش فيه فلا سلام من دون الأرض ومهما شطحوا في مخيلاتهم فستبقى الحقيقة معروفة وهي أن الفلسطينيين أصحاب الحق وهم المحتلون.