منذ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية عام 1967م سعت حكومات الاحتلال المتعاقبة على مد الأزمان, للسيطرة على الموارد الطبيعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م وذلك بعد أن كسبت معركة السيطرة على الأرض، فبدأ الاحتلال بوضع الخطط والبرامج التي تكفل امتصاص خيرات البلاد وتجريد السكان من ابسط حقوقهم الإنسانية وتدمير ما أمكن تدميره من مقومات اقتصاد الأراضي الفلسطينية وإتباعه للاقتصاد الإسرائيلي.
فأرسل الاحتلال بعد حرب 1967م عدداً كبيراً من خبراء الجيولوجيا إلى الأراضي المحتلة لرسم كيفية استغلال الموارد الطبيعية في المناطق المحتلة من خلال القوانين العسكرية التي تصدرها ‘الإدارة المدنية’ التي تدير المناطق المحتلة عسكرياً، منتهكة القانون الدولي الذي يحرّم على دولة الاحتلال نهب وتدمير الموارد الطبيعية للشعب الخاضع للاحتلال فأعلن سيطرته المطلقة على كل ما تحويه الأرض من مياه أو خامات محجر أو آثار أو معادن أو غاز …الخ، وضيّق على الفلسطينيين الذين يعملون في الحجر أو يمتلكون آبار ارتوازية بالضرائب الباهظة والتراخيص المعقدة، تمهيداً لإغلاقها، في حين ان الاحتلال الإسرائيلي قد أطلق يد رجال الاعمال الإسرائيليين – اليهود – والمستوطنين في الأراضي الفلسطينية فأقاموا المحاجر وحفروا عدداً كبيراً من الآبار المائية ليكفل الاحتلال السيطرة على هذه الموارد في الضفة المحتلة.
وفي أواخر العام المنصرم أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قراراً يسمح بموجبه للمحاجر التي يمتلكها إسرائيليون بمواصلة عملها داخل الضفة الغربية وذلك تلبية للمتطلبات الاقتصادية للكيان الإسرائيلي من مواد خام مع عدم إقامة محاجر ومقالع جديدة. يذكر أن هذا القرار جاء بعد عامين من تقديم اعتراض على عمل تلك المحاجر وذلك من قبل عدد من المنظمات الحقوقية والإنسانية والتي وصفت تلك المحاجر بغير قانونية، ليأتي رد المحكمة العليا بعد عامين وبعد عدة جلسات في أروقة المحكمة الإسرائيلية بتبني وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية والقاضية بضرورة استمرار عمل تلك المحاجر في الضفة الغربية إلى حين توقيع اتفاق السلام النهائي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي حيث يتم لاحقاً بعد الاتفاق تنظيم عمل تلك المحاجر بما فيه مصلحة الجانبين حسب ادعاء الاحتلال.
تجدر الإشارة هنا إلى أن قرار محكمة الاحتلال يتناقض تماماً مع اتفاقية لاهاي والداعية بعدم المساس بالموارد الطبيعية في الأراضي المحتلة من قبل دولة الاحتلال والحفاظ عليها كما هي دون تغيير، وهذا بدوره يؤكد بالشكل المطلق زيف وكذب القانون الإسرائيلي المستند على منفعة الاحتلال فقط وتجاهل حق المدنيين في الأراضي المحتلة، فما يحدث على أرض الواقع يومياً لهو أكبر مؤشر ودليل على ذلك. ومن المعلوم هنا أن 94%من تلك الموارد التي يتم استخراجها من خلال المحاجر الإسرائيلية في الضفة الغربية تذهب إلى داخل دولة الاحتلال لتغطي 25% من حاجة إسرائيل من المواد الخام اللازمة للبناء.
المحاجر الإسرائيلية: استنزاف للرصيد الفلسطيني وتدمير للتنوع البيئي ومسبب للأمراض في الأراضي الفلسطينية:
بالتوازي مع الأثر الاقتصادي الذي ألقى بظلاله بشكل سلبي على السكان الفلسطينيين من جراء تلك المحاجر الإسرائيلية والتي تضاعف من عملية استزاف مخزون الحجر الفلسطيني وحرمان الأجيال القادمة من الاستفادة منه لأن هذا المخزون متناقص وغير متجدد ولا يجوز فتح باب استخراجه على مصراعيه حتى أمام المحاجر الفلسطينية، فكيف بأعمال السرقة المباشرة من قبل الاحتلال الإسرائيلي؟.
تكمن خطورة أخرى تتمثل في الأثر على التنوع البيئي في الضفة الغربية حيث أن الحفريات التي يقوم بها الاحتلال لها تأثير سلبي على الغطاء النباتي وعلى نوعية النباتات المحيطة في المحجر والتي يوم بعد يوم أصبحت مهددة بالانقراض، حيث أن هذا ما أكد عليه السيد بنان الشيخ أستاذ التنوع الحيوي في جامعة القدس أبو ديس والذي أكد لباحث مركز أبحاث الأراضي بالقول:’ أصبح الغطاء النباتي في مناطق عديدة في الضفة الغربية عرضة للخطر جراء الحفريات التي يقوم بها الاحتلال والتي أدت إلى تغير في تركيبة التربة وإلى تدمير أصناف كثيرة من النباتات وانقراض قسم آخر وهذا مؤشر خطير ينذر بكارثة بيئية قد تحصل في المنطقة جراء ممارسات الاحتلال ‘.
هذا وقد أشار خبير التربة في مركز أبحاث الأراضي بأن المركز قد أجرى عدة دراسات وفحوصات لأثر المحاجر وغبارها على التربة فتبين أن هذه الغبار الصادرة من المحاجر هي مكونه بشكل أساسي من كربونات الكالسيوم التي تؤثر على مواصفات التربة الكيميائية و الفيزيائية على اعتبار أن التربة في المنطقة هي تربة قاعدية، كما تعمل على تغيير قوام التربة من خلال تراكمها في الأراضي الزراعية و خاصة من خلال ما يسمى ‘الروبة’ التي ترمى في الأراضي الزراعية و تؤدي إلى عن تدمير الأشجار المثمرة في المنطقة المحيطة.
حتى حياة الإنسان الفلسطيني باتت في خطر حقيقي جراء تلك المحاجر والتي قسم كبير منها يقع على بعد اقل من 1كم من منازل المواطنين الفلسطينيين، مما يشكل ذلك تهديد على السكان من خلال ذرات الغبار والأتربة المتطايرة وما يلحقها من تعكير للجو والتسبب في حدوث أمراض الربو والتهابات القصبة الهوائية.
وتبقى المشكلة قائمة دون حل، فالاحتلال يصر على تنفيذ مخططاته التوسعية وتدمير ما يمكن تدميره من بنى تحتية وسرقة الاقتصاد ومقدرات الفلسطينيين لصالح خدمة مصالح الاحتلال التي لا تقف عند حد معين.
اعداد: