تجددت مساعي وطموحات إسرائيل لضم غور الأردن، مع فترة الرئاسة الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبتأييد من ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليميني المتطرف، والتي أصبحت نقطة تحول حاسمة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. يشكل غور الأردن حوالي 30% من مساحة الضفة الغربية، وهو المنطقة الحيوية للامتداد الإقليمي والاقتصادي والسيادي لدولة فلسطينية مستقبلية. إن مشروع الضم الإسرائيلي لن يقوض حل الدولتين فحسب، بل سيزيد من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، ويهدد اتفاقيات السلام الإقليمية، ويضعف القانون الدولي.
خلال الفترة الرئاسية الأولى لترامب، ترك الأخير بصمة عميقة على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال مواءمة سياسة الولايات المتحدة بشكل غير مسبوق مع أجندة التوسع الإسرائيلية. ففي 6 ديسمبر 2017، اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، في خطوة تحدت مباشرة قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وعقودا من الإجماع الدولي بان القدس الشرقية منطقة محتلة. وتبعتها إجراءات مالية قاسية بحق الفلسطينيين، شملت تعليق المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية ووقف التمويل الأمريكي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، والتي تدعم ملايين اللاجئين الفلسطينيين. وكان اقترنت الفترة الأولى لرئاسة ترامب على وجه التحديد في ما عرف بـ”صفقة القرن”، والتي سعت إلى شرعنة السيطرة الإسرائيلية على أجزاء واسعة من الضفة الغربية، مع تقديم عرض للفلسطينيين في شكل من الحكم الذاتي المجزأ. وعلى الرغم من رفض الفلسطينيين للخطة بشكل قاطع واعتبارها من قبل غالبية المجتمع الدولي على انها مناورة لتقويض حق الفلسطينيين في تقرير المصير، فإن سياسات وموقف ترامب المتحيز قد شجع إسرائيل على تسريع توسع المستوطنات وإحياء طموحات الضم لديها.
أعادة انتخاب ترامب في 2024 لفترة رئاسية ثانية، كان بمثابة إحياء الطموحات الإسرائيلية الخاصة بالضم، والتي اعتبرها نتنياهو انها غطاء سياسيا جديدا له ولشركائه اليمينيين المتطرفين لإحياء خطط ضم غور الأردن ضمن مشروع “إسرائيل الكبرى”. يأتي هذا الدفع المتجدد في ظل موجة متزايدة من الاعتراف الدولي بدولة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تسعى إسرائيل لمواجهة هذه التحركات من خلال تسريع إجراءات الضم على الأرض. بالنسبة لنتنياهو، خلقت التوليفة بين دعم ترامب والضغط الداخلي من اليمين المتطرف فرصة لتعزيز “الحقائق على الأرض” بشكل غير قابل للعكس، مما يقوض بشكل مباشر آفاق حل الدولتين.
الأهمية الاستراتيجية لغور الأردن
- جغرافيا:
يشكل غور الأردن الحدود الشرقية للضفة الغربية، ممتدا على طول نهر الأردن ويشكل حدودا طبيعية مع المملكة الأردنية. إن ضمه سيحرم الفلسطينيين من الوصول إلى هذا الحوض النهري الاستراتيجي ويقطعهم عن المعابر الحدودية الدولية، معززا السيطرة الإسرائيلية على جميع النقاط الحدودية المستقبلية لدولة فلسطينية محتملة، ما يجعل أي كيان فلسطيني مرتقب محاصرا ومعتمدا على إسرائيل للتجارة والتنقل.
- اقتصادا: يوصف غور الأردن غالبا بأنه “سلة غذاء فلسطين”. فتربته الخصبة ومناخه الملائم وإمكانياته المائية الحيوية تجعل منه عنصرا أساسيا للإنتاج الزراعي والأمن الغذائي. ويعد التحكم الفلسطيني بهذه المنطقة ضروريا لبناء اقتصاد مستقل قادر على دعم دولة فلسطينية مكتفية ذاتيا. إلا أن المستوطنات الإسرائيلية والشركات الزراعية تهيمن بالفعل على مساحات واسعة من الغور، مستغلة الأراضي والمياه، ومهمشة المزارعين الفلسطينيين من خلال تقييد زراعتهم وحرمانهم من الموارد الأساسية. إن الضم سيعزز هذه التفاوتات ويكرس نظام الحرمان الاقتصادي والاجتماعي.
- امنيا: تصف إسرائيل سيطرتها على غور الأردن بالضرورة العسكرية لضمان “حدود قابلة للدفاع”، لكن هذا السرد يخفي أهدافا استراتيجية أوسع، تشمل التوسع الإقليمي وإعادة تشكيل التركيبة الديمغرافية واستبعاد الفلسطينيين من أراضيهم على المدى الطويل. فالضم يعكس السعي الإسرائيلي للسيطرة الدائمة ورؤيته لتغيير الواقع الإقليمي، بحيث تصبح الدولة الفلسطينية المقترحة مجزأة جغرافيا وغير قادرة اقتصاديا.
المخاطر والتداعيات المترتبة على الضم
انهيار حل الدولتين: سيؤدي ضم غور الأردن إلى تفتيت الضفة الغربية إلى جيوب معزولة، مما يدمر التماسك الإقليمي الضروري لدولة فلسطينية قابلة للحياة. وستلغى بذلك فعليا إمكانية إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، ويصبح حل الدولتين غير قابل للتحقيق، مع تعزيز السيطرة الإسرائيلية الدائمة على الأراضي الفلسطينية الأساسية.
واقع الفصل العنصري: سيواجه الفلسطينيون في المناطق المستهدفة بالضم قيودا صارمة على الإقامة، وفقدان الأراضي، واستبعادا من الحقوق المدنية والسياسية، مما يعمق نظام الفصل العنصري الفعلي. وقد صنفت منظمات حقوقية مثل “العفو الدولية” و”هيومن رايتس ووتش” الممارسات الإسرائيلية على هذا النحو والتي تهدف الى الضم، تكريسا لواقع التمييز العنصري ضد الفلسطينيين.
الدمار الاقتصادي: سيحرم الضم الفلسطينيين من الأراضي الزراعية الخصبة والمياه الحيوية، ما سيقوض الزراعة، ويزيد البطالة، ويعمق الاعتماد الاقتصادي على إسرائيل، ويحول دون إقامة اقتصاد فلسطيني مستدام، ويكرس الأزمات الإنسانية المزمنة في الضفة الغربية.
عدم الاستقرار الإقليمي: اعتبر الأردن، التي تشترك في الحدود الشرقية لغور الأردن، نية إسرائيل بإعلان الضم تهديدا مباشرا لأمنها الوطني وتوازنها الديمغرافي. وقد يؤدي هذا التحرك إلى زعزعة معاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية لعام 1994، وإثارة الاضطرابات في الدول العربية المجاورة، وزيادة التوترات الإقليمية، مهددا استقرار الشرق الأوسط.
القانون الدولي والتداعيات الدبلوماسية: يشكل الضم انتهاكا واضحا لميثاق الأمم المتحدة، واتفاقية جنيف الرابعة، وعدة قرارات لمجلس الأمن الدولي، بما فيها 242 و338. ومن المحتمل أن يزيد الضغوط على العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا، ويعزل واشنطن دبلوماسيا، ويثير دعوات عالمية لفرض عقوبات أو اتخاذ تدابير محاسبة ضد إسرائيل.
التطرف وتصاعد العنف: من المرجح أن يفسر الفلسطينيون الضم على أنه نهاية المفاوضات الجادة، مما يثير الغضب والاحتجاجات والاستجابات المسلحة المحتملة. وقد تتدهور شرعية السلطة الفلسطينية، ما يضعف الحكم الداخلي ويهدد التنسيق الأمني مع إسرائيل، ويؤدي إلى تصعيد العنف بشكل دوري.
دمج التالي في فقرة واحدة:
التداعيات الأوسع: التحول نحو واقع الدولة الواحدة
يمثل الضم الإسرائيلي للضفة الغربية خطوة نحو تعزيز السيطرة الإسرائيلية وخلق واقع دائم لدولة واحدة تقوم على الهيمنة اليهودية وتبعية الفلسطينيين، ما قد يثير دعوات للمساواة الحقوقية ضمن دولة ديمقراطية واحدة ويشكل تحديًا للتعريف الإسرائيلي لنفسه كدولة يهودية وديمقراطية. كما أن الضم سيزيد من إحباط الفلسطينيين في غزة ويغذي دوامات الصراع، مما يقلل فرص التهدئة أو المصالحة الطويلة الأمد، في حين أن السماح بهذه السياسات دون مساءلة يقوض مصداقية النظام الدولي ويضعف سلطة القانون الدولي في معالجة النزاعات الإقليمية والعالمية.
للإجمال
سيشكل ضم غور الأردن نقطة فاصلة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يقوض حل الدولتين ويكرس نظام الاحتلال والفصل العنصري الدائم. ومع دعم أمريكي في ظل رئاسة ترامب الثانية، قد تشعر إسرائيل بالجرأة للمضي قدما. ومع ذلك، فإن التكاليف الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية ستتجاوز الغور، مهددة استقرار الشرق الأوسط وقواعد القانون الدولي.
يتطلب منع الضم تحركا عاجلا ومنسقا من المجتمع الدولي للحفاظ على القانون الدولي، وضمان إمكانية السلام، وحماية حقوق الشعب الفلسطيني على المدى البعيد.
اعداد: